صباح 18 مايو 1965، احتشدت جموع السوريين في ساحة المرجة بدمشق لمشاهدة مشهدٍ نادر: إعدام جاسوس في العلن.
العيون مشدودة إلى حبل المشنقة… القلوب تغلي بالغضب، والجميع يترقّب نهاية رجلٍ تلاعب بأسرار الدولة وتسلّل إلى قلب السلطة. اسمه كامل أمين ثابت… عفوًا، بل إيلي كوهين. ثريد عن أحد أخطر جواسيس إسرائيل، الرجل الذي اقترب من مراكز القرار في سوريا…لكن من هو إيلي كوهين؟
ولد في الإسكندرية عام 1924 لعائلة يهودية وتعلم في مدارسها. أجاد العربية بطلاقة واللهجة الشامية ، ما جعل الموساد يعتبره “كنزًا استخباراتيًا”.
عام 1957، تم استدعاؤه إلى إسرائيل، وهناك بدأت رحلته كجاسوس .
في الشهور الأولى، أصبح كوهين مقربًا من المسؤولين، يزورهم في مقراتهم، وكانوا يتحدثون معه بحرية عن تكتيكات الحرب المحتملة مع إسرائيل. أجاب على أسئلته الفنية عن طائرات ميغ، سوخوي، الغواصات السوفيتية، والفرق بين الدبابات ت-54 و ت-55. كانت هذه المعلومات تصل أولًا بأول إلى إسرائيل، مع قوائم أسماء وتحركات الضباط
كان يرسل معلوماته عبر جهاز إرسال متطور، مباشرة إلى الموساد. تقاريره ساعدت في كشف تفاصيل دقيقة عن التحصينات السورية، الخطط الدفاعية، وحتى نقاط الضعف في الجبهة ، تلك المعلومات ساعدت في احتلال الجولان مستقبلاً. لكن نشاطه المكثّف لفت الأنظار… ثلاثة سنوات تقريبًا وهو يبث رسالتين على الأقل كل أسبوع — دون توقف. وكانت نهاية اللعبة تقترب…
في مطلع عام 1965، وبعد رصد اتصالات مشبوهة، تمكّنت أجهزة المخابرات السورية من تعقّب مصدر البث، وتحديد موقعه بالصدفة خلال عملية مراقبة عامة. فورًا، اقتحمت المخابرات الشقة وألقت القبض عليه متلبسًا. الصدمة كانت مدوّية: هذا “الصديق المقرّب”، لم يكن سوى جاسوس إسرائيلي ! هذه آخر برقية
توجد روايات أخرى عن طريقة كشفه. إحداها تقول إنه كان يسكن قرب مقر السفارة الهندية في دمشق، وأن العاملين في قسم الاتصالات بالسفارة رصدوا إشارات لاسلكية مجهولة كانت تتسبب بتشويش على اتصالاتهم. فتم إبلاغ الجهات المختصة في سوريا، التي تأكدت من وجود بث لاسلكي يصدر من مبنى مجاور للسفارة. وبالمراقبة، تم تحديد توقيت الإرسال الأسبوعي بدقة، ونُفّذت المداهمة في اللحظة المناسبة. وتم القبض عليه متلبسًا.
وهناك رواية مصرية تقول إن المخابرات المصرية تعرّفت عليه بعدما شاهدت صورة له مع قيادات سورية في الجولان، حيث كان معروفًا لديهم.
ورواية أخرى تشير إلى أن رأفت الهجان هو من تعرّف عليه، وأبلغ المخابرات المصرية، التي بدورها نقلت المعلومة إلى الجهات الأمنية في سوريا.
هذه رسالة كتبها إيلي كوهين قبل إعدامه إلى زوجته ناديا. ناديا، زوجته، عراقية الأصل، وهي شقيقة الكاتب سامي ميخائيل، الذي عُرف بمواقفه المناهضة للصهيونية في سنواته الأخيرة.
تحاول إسرائيل حتى اليوم العثور على جثته، بعدما تحوّل في نظرها إلى “بطل قومي”. وقد خُصص له متحف شخصي، يُعرض فيه كل ما يتعلق به، ويزوره الجمهور الإسرائيلي كجزء من “تاريخهم”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق