الخميس، 2 يناير 2025

الفنان الليبي "محمد نجـــم" فى حوار خاص : أنا المطرب الوحيد الذى لم يغنّ الإ لترابــــ الوطــــــن.

 

الفنان "محمد نجـــم" فى حوار خاص مع صحيفة ليبيـا اليـوم
حوار وتصوير:خالــد المهيــر
الاربعاء 26 اكتوبر 2005

  

 

نجم لـ (ليبيا اليوم): أنا المطرب الوحيد الذى لم يغنّ الإ لترابــــ الوطــــــن..

منعوا (ليبيا يا نغما في وطني) لأنها تذكرهم بالعهد الماضي ولاتذاع الآن إلا في المحليات
أنا مقتنع وراض وسعيد... لأننى لا أتمسح بأعتاب المسؤولين والقائمين على أجهزة الإعلام




بنغازي- خالد المهير- خاص ليبيا اليوم

 

وأنا أجلس مع الفنان محمد نجم لم أهتم بعامل الزمن، كنت أشعر بأننى فى حضرة وجه من الزمن الجميل، حالة من التصوف فى صوت نجم، وتدفق للمشاعر الإنسانية الكبيرة، وكان الصمت فى حالات كثيرة يسود بيننا، كنت أنصت إليه باهتمام، وكان يتحدث عن معاناته مع الفن والحرية.

 

سألته كيف تغنيت بالقصيدة العظيمة (ليبيا يانغما فى خاطري).. وكان وقع السؤال يحمل مزيدا من الإجابات:

نجم: (ليبيا يانغما فى خاطري) قصيدة كتبها الشاعر مصطفى الهنقاري، كان يحضر رسالة الماجستير فى الولايات المتحدة الأمريكية، وحنينه للوطن ليبيا، بعثها للأستاذ يوسف العالم، أو قسم الموسيقى، ولاأعرف بالتحديد، وكانت المصادفة عندما سجلت هذه القصيدة عام 67، سجلت معها قصيدة بلد الطيوب للشاعر على صدقى عبدالقادر، وولدتا كتوأمين، كانت بعد الهزيمة فى 67، وكان حينها الإنسان العربى يشعر بالهزيمة والقهر الذى خلفته الهزيمة، حينما كان ينتظر يوم الإنتصار، شعارات عبدالناصر، والإذاعات العربية، وهذه الأحاسيس طبعا المفعمة تجعل الإنسان يشعر بانتمائه للوطن، اجتمعت هذه الأحاسيس، والهزيمة التى لم تكن بسيطة فى نفوسنا، كانت الناس تبحث عن متنفس، وأنا أعتقد أن الفنان الصادق يعبر عن أحاسيس الناس، وبصدق مشاعرها، لأن مايخرج من اللقب يصل للقلب، ويدخل القلوب بدون حواجز.

هاتان القصيدتان، ليبيا يانغما فى خاطرى، وبلد الطيوب، تعيشان حتى اليوم فى وجدان الناس، في فترة من الفترات منعت هذه القصيدة (ليبيا يانغما فى خاطري) بعد الثورة، من قبل الإذاعة، فى فترة كان الشعار المرفوع وطن عربى واحد.

 

لماذا منعت قصيدة (ليبيا يا نغما في وطني)؟

يبدو لعشق الناس لها، وتذكرهم بالعهد الماضي، القصيدة ظهرت عام 67، والآن لاتذاع سوى في المحليات.

 

كنت قلقا فى محاولة البحث عن خفايا هذا الإنسان، وقد صادفنى وأنا فى طريقي لإجراء الحوار الفنان أحمد كامل منهك، وقبلها بأيام الفنان محمد مختار، وفى زيارة منذ فترة للفنان إبراهيم حفظي فى بيته، وجدته محبط للغاية، وهنا طرأت أن اطرح علىالفنان محمد نجم أسباب هذا التهميش الذى يتعرض له جيلهم؟

فى فترة من الفترات الساحة زاخرة بالأصوات الجميلة والعظيمة، هذه الأصوات انسحبت، وأرتكنت إلى الظل (خلينا من اللي ماتوا) محمد السلينى، لطفى العارف، عادل عبدالمجيد، محمود كريم، محمد مختار، سلام قدري، ومحمد رشيد، هذه الأصوات المعتقة والجميلة، لازالت تعطى، الآن يستخدمون مطربين من الدول العربية ليسوا فى المستوى الكبير، والفنان الليبى يعيش فى الظل، يسطلى لفحة النار والهجير، طبعا هذا الغبن، والقهر يدفع للركون، والتوقف عن المجال الفنى، أنا أشعر بالندم على هذه الفترة التى أنسلخت من عمري فى الفن، ولم أجنى سوى الفقر والعوز والتجاهل، اللهم الإ من بعض المخلصين من الجماهير العريضة التى تقدر وتحترم الفن الجميل والأصيل.

ناهيك عن التقدير المادي والمعنوي، أنا أتحدث عن فرع الإذاعة ببنغازي بالذات، كما يقول المثل الليبى الشهير (لا فلوس ولا ناموس) يعاملون المبدعين ماديا باللائحة المالية المجحفة، وأضرب مثلا، أنا شخصيا تعاملت مع الإذاعة منذ أواخر الخمسينيات، كنت طالبا آنذاك فى المرحلة الإعدادية، مع برنامج (ركن الطلبة) الذي يعده ويقدمه المرحوم فرج الشويهدى، وبرنامج (أضواء المجتمع) الذي كانت تعده وتقدمه السيدة الفاضلة خديجة الجهمي، كنت أشارك فى تقديم فقرة لا تتجاوز دقيقة أو دقيقتين، وكانوا يدفعون مقابل ذلك جنيه مع العلم أن القوة الشرائية للجنيه فى ذلك الوقت تساوي ماقيمته 50 دينار، فى هذا الزمن الرديء، اللائحة الآن يدفعون مقابل برنامج أو مشاركة درامية مدتها 15 دقيقة عشرة دينار..

تجربتي الشخصية مع الإنتاج فى الإذاعة الموقرة، خلال أربع سنوات، قدمت انتاجا أستحق عليه حسب اللأئحة مايقارب عن 2000 دينار، وبعد ثلاث سنوات من المعاناة، والوعود الكاذبة للأسرة بقدوم الإنتاج، صدمت، وصدمت أسرتي معى، بأن الإنتاج الذى أستلمه لا يزيد عن 700 دينار، أين ذهب المبلغ المتبقى؟ وطبعا هذا مثل الكثير من الزملاء المبدعين.

 

 

قلت له لا تدعنى أحدثك عن تجربتى المريرة واليتيمة مع الإذاعة، الإذاعة دائما تلتهم حقوقنا، ودعنا نتحدث عن فنك الجميل، في بداية حياتك الفنية كنت تستعير الأسماء من فؤاد نجم إلى عبدالوهاب يوسف، وفى مرحلة أخيرة محمد نجم، حدثنا عن كل مرحلة واسمها؟

البداية فؤاد نجم، فترة أواخر الخمسينيات، كان الفن والغناء عند الناس (عيب) بل عار على من يمارسونه، وكان لابد على الفنان أو المطرب الذى ينتمي لعائلة لها مكانتها فى المجتمع أن يمارس الفن باسم مستعار، وبعد سنوات عندما تقدمت للزواج من فتاة إحدى الأسر رفضوا، بحجة أنهم لايصاهرون "زمارا أو درباكا" كما يقولون، مما اضطرني إلى تغيير الإسم إلى عبدالوهاب يوسف.

 

وهل هذا الإسم له قصة معك؟

حبى الكبير وإعجابي بالغائب الحاضر محمد عبدالوهاب، وبعد أن لمست أن المجتمع تغيرت مفاهيمه تجاه الفنان عدت إلى الإسم الحقيقي محمد نجم، لأن الاسم المستعار سبب لي مشاكل فى التعاملات الرسمية.

 

هل واجهتك مشاكل مع أسرتك مثل عديد الفنانيين؟

أولادى وأسرتي كانوا يلمسون مدى احترام الناس وتقديرهم لشخصي، ابني يحضر الدكتوراة دائما يقول له الناس نفتخر بأبيك.

 

لماذا كل هذا التهميش الذي تشنه عليكم وسائل الإعلام الرسمية؟

أنا المطرب الوحيد الذى لم يغنى سوى لتراب الوطن.

 

منذ فترة ليست بالقليلة كنت فى زيارة للفنان إبراهيم حفظي وجدته إنسانا محبطا لماذا كل هذا الإحباط فى تقديرك؟

هذا صادف كل الفنانيين الكبار، من يتذكر الشاعر العظيم عبدالسلام قادربوه، والشاعر العظيم عبدالسلام زقلام، هذا الشاعر الذي قدم أعمالا فى مدح الثورة لم يقدمها أحد حتى الآن، مات بمستشفى الهواري ببنغازى كما يموت البعير الأجرب، من يتذكر أيضا المطرب العظيم محمد صدقي، والشاعر محمد مخلوف، والمطرب عطية محسن، وخالد سعيد، وأحمد سامي، ونوري كمال، ومحمود الشريف، الأصوات العظيمة التى ملأت الأسماع فترة من الزمن، ولا يزال صداها يملؤ الأثير، ويعيش فى وجدان الناس، لم يكرموا فى حياتهم وبعد مماتهم،

أما أنا مقتنع وراض وسعيد لأننى لا أستحق التكريم، ولأننى لا أتمسح بأعتاب المسئولين والقائمين على أجهزة الإعلام "الائلام".

من فترة 6 أو 7 سنوات، المسؤول عن رابطة الفنانيين، وكانت هناك فرقة الخيام، مكونة من مجموعة من أشهر الفنانيين والعازفين دون ذكر الأسماء، وكان ذلك منتصف رمضان ذلك العام، وكانت الفرقة تقيم حفلات للإعلام ولم يكن يدفعوا لهم، وكانت بعض الشركات والجهات هي التى تدفع لهم فقط، أخونا المسؤول عن الرابطة كان يمر على أعضاء الفرقة فى بيوتهم بالليل ويحلف لهم بأغلظ الأيمان أن حقوقهم ستدفع لهم قبل نهاية شهر رمضان، ولم يدفعوا لهم حتى هذا اليوم، بل استخدموا فرقة صلاح عزام من مصر مكونة من 10 عازفين وفنانيين منهم محمد ثروت، نادية لطفي، وآخر لا أذكره، قدموا خمس حفلات، ودفعوا لهم مبالغ كبيرة وبالدولار، وأقامت الفرقة فى أفخم الفنادق...

 

مع الزميل خالد المهير
مع الزميل خالد المهير

ليبيا يانغما فى خاطري خالدة فى الشارع، وتجد الجماهير تطلبها باستمرار فى رأيك لماذا كل هذا التعلق بالقصيدة والأغنية؟

أخبرونى بأن مصطفى قرقوم ينسخها ويوزع فيها وطلبوا مني الحصول على حقى فى التوزيع، قلت لهم دعوه يوزعها، ولا أريد منه شيئا، الناس ارتبطوا بهذه القصيدة وغيرها مثل بلد الطيوب التي كتبها الشاعر على صدقي عبدالقادر، هذه الأغاني تذكر الناس بالزمن الجميل.

 

توقفت عن الغناء منذ عام 1990 فلماذا؟

سجلت بعد عام 67 مجموعة كبيرة من القصائد (بعد انتهينا) (الندم) (ستعودين) للشاعر على الفزانى (لا تعودي) للشاعر محمد المهدي (حبيب الطفولة) (مع الأيام) وأحسست كمن يجدّف على اليابسة، ويعبر العباب بلا شراع، وينحت الصخر بأظفاره فإما أن أكون أو لا أكون.

 

كيف؟

...........................................................!!!!!

 

وهل تعرضت إلى المساومة؟

سنة 75 كنا فى القاهرة لمحاولة تسجيل فقرات لبرنامج مرئي تحت اسم النادي العربي، كنت برفقة الفنان والمخرج فتحى العريبي، والمذيع أحمد أنور، والشاعر عبدالسلام زقلام، والمخرج فتحي البرغثي، ومعنا أيضا المخرج محمد حفتر، وكان يسهر معنا فى بعض الأوقات الفنان الموسيقار محمد الموجى، وكنا نغني، تحمس الموجى على أن يتم تعاون من خلال ألحانه، وشعر الراحلين عبدالسلام زقلام، والشاعر عبدالوهاب محمد، وبالفعل قاموا بتقديم خمس أعمال غنائية، وسجلت هذه الأغانى على أشرطة، ودونت على النوتة الموسيقية، وقدمت المشروع لرئيس قسم الموسيقى فى بنغازي الأستاذ عبدالجليل خالد، الذى بعث المشروع للإدارة الرئيسية فى طرابلس، مشفوعا بمذكرة لازلت أذكر بعض بنودها حيث قال: إن أي فنان لكى تعرفه الجماهير لابد وأن ينطلق من القاهرة، من خلال ألحان ملحن عظيم محمد الموجي.. ليبيا بالرغم من وجود الكثير من الأصوات الجميلة والرائعة لا تعرفها الجماهير العربية، ذلك قبل ظهور الفضائيات، مع الأسف وافقوا على المشروع بشرط أن يقوم الموجى من خلال صوتي بتقديم مجموعة أغاني يكتبها بعض الشعراء ومنهم عبدالسلام زقلام، كانت حينها فترة التراشق بين مصر وليبيا،وفترة تدهور العلاقات السياسية بين البلدين، ومات المشروع فى مهده.

 

هل وافق الموجى؟

أنا رفضت، وكذلك الموجي.

 

حدثنا عن علاقتك بالفنان حسن عريبي؟

أستاذي الأول، فى فترة 59 و60 كنت أشتغل فني تسجيل بالإذاعة، وبحكم حبي للفن والغناء والموسيقى، كنت دائم التواجد بقسم الموسيقى، الأستاذ حسن عريبي أستمع إلى صوتي، وشعر بوجود الموهبة، والإحساس بالنغم، وكان طبعا كثيرا ما يقترح علي أن أغني خلال التسجيل والبث، وبعد محاولات وافقت، أديت مجموعة أعمال لحسن عريبي، وكانت البداية بأغنية نظرة، للشاعر صالح الفلاح، التى كانت فى تلك الفترة التى يسود فيها الغناء على الإيقاعات الشعبية والألحان التى تنتمى للموسيقى العربية الكلاسيكية، كانت تلك الأغنية تعتبر فى ذلك الزمن الجميل لونا جديدا، على الموسيقى والألحان الليبية، بعدها سجلت قصيدة الحب الوحيد شعر محمد اوريث، وألحان الموسيقار الكبير صبري الشريف، وتوالت الأعمال.

 

سؤال أخير.. لماذا جيل سليمان بن زبلح، محمد مختار، إبراهيم حفظي، سلام قدري تميز بالفن الصادق؟

هذا الجيل عاش فى زمن العملاقة، أمثال عبدالوهاب، والسنباطي، وزكريا أحمد، والقصبجي، وفريد الأطرش، والموجي، والطويل، وبليغ حمدي، لابد وأن يرتبط بذلك الفن العظيم، يجدون أنفسهم في هذا الزمن الذي يسوده الاستعجال والاستسهال من أجل المادة، والانتشار السريع من خلال الفضائيات التي لا يهمها الكيف.

 

 

ما الذي يؤرقك فى هذه اللحظة بالذات؟

السؤال الذى أطرحه لماذا يبقى المبدعون الشرفاء فى الظل، يصطلون لفحة النار والهجير، وضمائرهم تهزهم لهون ماله ضمير، دائما استشهد ببيت من عيون الشعر العربى يقول:

 

أحرام على بلابله الدوحـــــــ            حلال للطيـــــر من كل جنس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفنان الليبي "محمد نجـــم" فى حوار خاص : أنا المطرب الوحيد الذى لم يغنّ الإ لترابــــ الوطــــــن.

  الفنان "محمد نجـــم" فى حوار خاص مع صحيفة ليبيـا اليـوم حوار وتصوير:خالــد المهيــر الاربعاء 26 اكتوبر 2005       نجم لـ (ليبيا ...