الجمعة، 10 مارس 2017

اسماعيل رشاد : اتجاهات الحرب الأهلية في ليبيا




كان طبيعيا أن ينقسم الليبيون إثر دخول مقاتلي سرايا الدفاع عن بنغازي وحلفائهم مطلع مارس 2017 إلى المنشآت النفطية في خليج سرت دون مقاومة تذكر، ليذكرنا بدخول قوات الجيش التابع لمجلس النواب في منتصف سبتمبر 2016 الذي عده عديدون عملية تسليم واستلام. وكتاليه انقسم بسببه الليبيون أيضا.

بعد ست سنوات من التصادم الجهوي والسياسي والحرب الأهلية باتت ليبيا منقسمة ليس فقط جهويا على أساس الأقاليم التاريخية أو أيدولوجيا بل باتت الانقسامات تقع في القبيلة الواحدة والمدينة الواحدة.

فلايزال الانقسام العام بين فبراير وسبتمبر يؤثر في المشهد الليبي، وسيستمر في تأثيره قابل الأيام على التصادم السياسي والحرب الأهلية من خلال مواقف زعماء سبتمبر التي تدعم الأطراف المتحاربة في ليبيا. غير أن سبتمر ذاتها تعيش حالات من الانقسام تظهر باستمرار من خلال تصريحات مسؤولين في واجهاتها السياسية والاجتماعية.

وفي برقة تنقسم القبائل في الموقف من الكرامة ومجلس الشورى وسرايا الدفاع فإبراهيم الجضران المغربي آمر حرس المنشآت السابق (تم تعيين إدريس بوخمادة من قبل المجلس الرئاسي بديلا له) والمهدي البرغثي وزير دفاع حكومة الوفاق وفرج البرعصي القائد السابق في عملية الكرامة، واللواء سليمان محمود العبيدي كلهم وبعض من قبائلهم يؤيديون ما حدث في خليج سرت ويناهضون المشير خليفة حفتر.

وفي مصراتة يظهر الانقسام في توزع دعم القوى السياسية والأعيان والتشكيلات المسلحة على حكومتي الوفاق برئاسة فايز السراج والإنقاذ التي يرأسها خليفة الغويل. وتابعنا الاتهامات التي وجهها رئيس المجلس الأعلى للدولة ضد خليفة الغويل في أكثر من مناسبة آخرها اتهامه بمحاولة اغتياله صحبة السراج بعد تعرض موكبهم لإطلاق نار. فضلا عن حساسيات اجتماعية عديدة بين مصراتة وعدة من جيرانها ومناطق ومدن أخرى في إقليم طرابلس.

وتعيش طرابلس منذ دخول حكومة الوفاق إليها في 30 مارس 2016 حالة انقسام زادت حدته عقب سيطرة حكومة الإنقاذ ومن يدعمها من أعضاء المؤتمر الوطني وبتأييد من المفتي الصادق الغرياني على مقر المجلس الأعلى في القصور الرئاسية ثم إعلان الغويل عن تأسيس الحرس الوطني ما حدث قبلها من مواجهات عديدة بين مجموعات مسلحة تدين بالولاء للحكومتين المتمركزتين في طرابلس. ناهيك عن الصراع المحتدم بين الوفاق والإنقاذ على المؤسسات مثل الكهرباء والاستثمار وعديد الوزارات.

والأمر يتكرر في الزاوية التي شهدت لأكثر من مرة مواجهات بين مكوناتها الاجتماعية، ومعارك بينها وبين ورشفانة وبين الأخيرة وجنزور وشهدنا صراعات مسلحة في مناطق متفرقة من جبل نفوسة وبين الجميل ورقدالين وزوارة.

وعاش الجنوب معارك واقتتال في سبها بين أولاد سليمان والقذاذفة، وفي أوباري بين التبو والطوارق وفي أقصى الجنوب الشرقي تندلع بين الحين والآخر نزاعات مسلحة بين التبو والزوية.

باختصار بات الانقسام والحروب سمة جهوية بين الأقاليم خاصة إقليمي برقة وطرابلس، وحالة نزاع داخلية في كل إقليم وأحيانا في كل مدينة ويمكن للقارئ أن يتأمل مناطق عيشه ليلحظ الأمر بنفسه.

وأدت هذه الانقسامات إلى اندلاع حربين واسعتين بعد فبراير الأولى داخل برقة هي عملية الكرامة والثانية داخل إقليم طرابلس عرفت بفجر ليبيا وتولت القيادات العسكرية والسياسية والدينية والاجتماعية في كل إقليم عمليات دعم أطراف في المعارك الدائرة في الإقليمين بل حدث أن تغيرات الولاءات داخل كل إقليم تجاه الإقليم الآخر بحسب تحولات السياسة والحرب.

لم يكن الانقسام في ليبيا محليا جهويا أو داخل الجهويات والمدن فحسب. بل تعدى للخارج ليصبح انقساما إقليميا ودوليا. وبات واضحا تدخل الأطراف الإقليمية والدولية وتوزعها على أطراف الصراع والحرب. ومن لم يعلن تأييده صراحة للحرب وأطرافها يمكن ملاحظة ذلك من خلال وسائله الإعلامية والمواقف السياسية والدبلوماسية وعلاقاته في ليبيا. بل ينتهج عديد الأطراف سياسة توسع من الانقسامات المحلية الجهوية وداخل الجهويات وفي المدن.

وبهذا الانخراط الإقليمي والدولي في الصراع على ليبيا وتوفر وكلاء متحاربين من الليبيين يتزاحمون على رعاة الحرب الخارجيين انتقلت الأزمة الليبية من حالة التدويل التي كانت فيها منذ صدور قرارات مجلس الأمن سنة 2011 التي منحت لليبيين الرافضين للعقيد الراحل معمر القذافي فرصة مواجهته إلى مشهد الحرب بالوكالة بسبب الانقسام الحاصل في مواقف الأطراف الإقليمية والدولية. بل إن بعض تلك الدول مثل فرنسا تنقسم فيها المواقف داخليا بين وزارتي الدفاع والخارجية.

يرجح هذا الانتقال من موقف دولي كان شبه منسجم سنة 2011 إلى مواقف دولية تتضارب فيها المصالح منذ أكثر من ثلاث سنوات، ليس فقط بين روسيا والغرب بل حتى داخل البيت الأوروبي، الذي عجز عن تضمين ليبيا إلى جدول أعمال اجتماعات وزراء الخارجية الشهري في بروكسل منذ أشهر إضافة إلى الانقسام الذي ظهرت عليه أوروبا في اجتماع زعماء اتحادها الشهر الماضي في العاصمة المالطية فاليتا، والبيان الذي صدر عن أميركا صحبة فرنسا وبريطانيا، وغابت عنه إيطاليا وألمانيا وإسبانيا بخصوص دخول سرايا الدفاع عن بنغازي إلى بعض منشآت النفط في خليج سرت.

ربما الموقف الجديد الأكثر تماسكا حاليا يتمثل في مباردة دول الجوار؛ الجزائر وتونس ومصر، التي لاقت دعما إفريقيا. ورأت فيها الأمم المتحدة فرصة لتحريك المياه الآسنة للاتفاق السياسي، الذي لم يعد له أي وجود في واقع الحال أمام هذا الكم من الانقسام الحكومي والتشريعي والعسكري والأمني والاجتماعي والأيدولوجي والديني. بل والإقليمي والدولي.

غير أن ما يعيب مبادرة دول الجوار أنها تنطلق من الاعتراف بالاتفاق السياسي وتسعى لترميمه. وربما بعضها تحاول منح حلفاءها الليبيين مساحة أوسع في المؤسسات السياسية والأمنية والاقتصادية المنبثقة عن الاتفاق السياسي مما قد يلمح إلى احتمال نشوء صراع إقليمي دولي جديد على ليبيا ينعكس إلى فرص ترجح احتمالات الحرب بين الليببيين الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من الانشطارات متعددة الاتجاهات والمنطلقات التي تختلط فيها روح الداخل ومصالح الخارج.

ربما ليس لليبيا من مخرج من أنفاق الحروب والانقسامات سوى تحمل بعض الليبيين مسؤولية بناء تيار ليبي يتبنى السلام وأدواته، ويملك مرونة التحرك في ليبيا، ويؤسس دبلوماسية تتحاور مع الإقليم والعالم لصناعة السلام العادل في ليبيا الذي أساسه الاعتراف بحق كل الليبيين في الجلوس معا للحوار والتفاوض والتساوم بشأن كل الاختلافات التاريخية والثقافية والسياسية الحاضرة بهدف الوصول إلى العقد الاجتماعي الذي يؤسس للهوية الليبية التي تتصف بالتنوع والتعايش. ثم لاحقا التفاوض مع الإقليم والعالم بشأن مصالحه ومخاوفهم في ليبيا.

هذا التيار عليه أن ينبذ الإرهاب، ويرفض الحرب تحت أي مبرر سواء لفرض المطالب أو الطموحات بالقوة أو باعتبارها آلية لكسب أوراق للتفاوض لاحقا؛ لأن ثمن هذه الأوراق هي دماء الليبيين ومواردهم وتفسخ سيادة الدولة المفككة واقعا، وانهيار مؤسسات السلطة المتصارعة رغم تهاويها.


#ليبيا #الهلال_النفطي #الأزمة_الليبية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق