في قلب الصحراء الكبرى، وعلى امتداد الحدود القاحلة بين ليبيا وتشاد، دارت واحدة من أكثر الحروب غرابة في التاريخ الحديث. حرب جمعت بين أطماع الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي، وإصرار دولة أفريقية صغيرة على الدفاع عن سيادتها، لتنتهي بواحدة من أعنف الهزائم التي مُني بها الجيش الليبي في القرن العشرين.
----------------------
خلفية تشادية: إدريس دبي يصعد إلى السلطة
قبل التدخل الليبي، كانت تشاد تواجه صراعات داخلية مستمرة بين عدة فصائل عرقية وسياسية. من بين هؤلاء القادة، برز إدريس دبي، ضابط سابق في الجيش التشادي وذو خبرة عسكرية، الذي ولد عام 1952 في شمال البلاد وانضم للجيش الفرنسي قبل أن يعود لتشاد.
· صعوده إلى السلطة: إدريس دبي قاد حركة معارضة ضد الحكومة المركزية غير المستقرة بقيادة فاسينو مادزو، مدعومًا جزئيًا من فرنسا التي كانت تسعى لدعم قائد قوي قادر على مواجهة النفوذ الليبي.
· تشكيل الجيش الجديد: أسس دبي جيشًا تشاديًا حديثًا مرنًا وسريع الحركة، يعتمد على التكتيكات الصحراوية واستخدام شاحنات تويوتا مزودة بأسلحة خفيفة، ما مكّنه لاحقًا من مواجهة القوات الليبية بكفاءة.
----------------------
البداية: أطماع ليبيا في شريط أوزو
منذ وصوله إلى الحكم عام 1969، حمل القذافي مشروعًا توسعيًا يهدف إلى توحيد العالم العربي والأفريقي تحت قيادته. وقد وجد في شريط أوزو شمال تشاد ذريعة للتدخل العسكري، مدعيًا أن المنطقة تاريخيًا تعود لليبيا.
· 1978: ليبيا تدعم فصائل تشادية متمردة.
· 1980: القوات الليبية تدخل الأراضي التشادية مباشرة وتصل العاصمة نجامينا لفترة قصيرة.
تبدل الموازين: تشاد تحت قيادة دبي
بقيادة إدريس دبي، انقلبت الأمور:
· نظم جيش تشاد مقاومة فعالة للقوات الليبية، مستفيدًا من الخبرة العسكرية الفرنسية والدعم الاستخباراتي الغربي.
· ظهرت تكتيكات “حرب تويوتا”، حيث استخدمت شاحنات خفيفة مسلحة تتحرك بسرعة فائقة عبر الصحراء، متفوقة على الدبابات الثقيلة الليبية.
هزيمة القذافي المدوية
في غضون أشهر قليلة:
· حققت القوات التشادية سلسلة انتصارات مبهرة، مدمّرة عشرات الدبابات والطائرات الليبية، وأَسرت مئات الجنود.
· استعادت تشاد السيطرة على شريط أوزو عام 1987، في مشهد وصفته الصحافة الغربية بأنه "انتصار الصحراء الصغيرة على الجيش الكبير".
· تدخلت فرنسا عبر عملية “إيبرفييه” لدعم تشاد جوياً، ما زاد الضغط على الجيش الليبي وأجبره على الانسحاب الكامل.
النهاية القانونية للنزاع
استمر التوتر بين البلدين حتى 1994، حين أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا نهائيًا يقضي بأن شريط أوزو تابع لتشاد، ما أجبر ليبيا على الاعتراف بالحدود الجديدة وسحب قواتها نهائيًا.
تحليل: دروس من حرب الصحراء
· التحالفات الدولية كانت حاسمة في قلب الموازين.
· المرونة العسكرية والتكتيك الصحراوي تفوقا على القوة العددية والتسليحية.
· الطموح السياسي غير المحسوب يمكن أن يتحول إلى عبء استراتيجي.
خاتمة:
بعد أكثر من أربعة عقود، ما زالت حرب ليبيا وتشاد تذكّر العالم بأن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لصنع النفوذ، وأن الرمال قد تبتلع حتى الجيوش الكبرى إن لم تُحسن قراءة التاريخ والجغرافيا معًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق