الخميس، 22 ديسمبر 2016

محمد زينوبة : فتاةٌ من حلب..






كانت الفتاة تذرف دمعا صامتا، لا تعرف إلى أين سيقودها المصير، هل ستغتصب كما هو حال باقي الفتيات اللائي انتهكت أعراضهن غصبا وقهرا، أم ستسجن في ثكنة عسكرية لتطهو وتغسل وتكمل ما تبقى من عمرها كخادمة لأرذل جنود الأرض.

الآن وهي في طريقها لسجنها الأبدي، تفكر في أفضل وسيلة لتنهي بها حياتها، كيف لخاتمتها أن تكون يسيرة كيلا تشعر بألم الموت وسكراته الموجعة، وأي ألم ذاك الذي يغصب فتاة على أن تذعن لذئب بشري مسعور، هل هناك عذاب أشق على النفس من ذلك...؟ مخاض هذه العذابات مجتمعة هو واقع تعيشه فتيات من حلب، تخشى على شرفها أكثر من خشيتها من الموت، فالموت لا يؤذي، الموت لا يتشفى.. الموت رحمة وسينقذهن من أوجاعِ الحياة ومراراتها.

تنتظر حبيبها يأتيها على فرس بجناحين، فرس من نور من أحصنة الفردوس، يقتل كل من امتدت يده إليها، كل من أساء لها، ويصعدان إلى السماء العليا، لإقامة حفل زفافهما.
أو تزني الحرة...؟ أو تغتصب العفيفات...؟ أو تقهر النساء...؟ لا شك أن باطن الأرض أحب إليهن من ظهرها. كل تأوهات الدنيا لا تساوي مثقال ذرة من وجع الفتاة، هل ستوصم بالعهر ممن أجبروها ضربا على أن تذعن لهم، هل ستتبدد أحلامها بالزواج من حبيبها وفارس أحلامها.. هي تدرك أنه مات، قتل في إحدى الغارات الجوية مدافعا عن عرض نساء مدينته، هو مات ولكنه لم يدفن، ولم تلحظه عيانا لتقبل جبينه، ذلك أن جسده أضحى "أشلاء" امتزجت بتراب الأرض دما ولحما، احتضنته أمه الأولى!! عودة أخرى.

لم تصدق ولن تقنع بأنه مات، هي تقول بأنه شهيد، والشهداء أحياء عند ربهم، تحولوا لمخلوقات من نور، ليسوا هم الملائكة، ولكنهم أرفع درجة منهم، هم أحباب الله والله لا يخزي أحبابه، وحبيبي لن يتركني وحيدة، هو طلب من الله أن يجمعني به، والله تكفل بكل شيء، هو سينقذني لا محالة، ولن يظن بي سوءا حين يغتصبني هؤلاء.

هي عاجزة الآن، هل تستعجل لقاء ربها كي يجمعها تارة أخرى مع من أحبت، أو أنها تنتظر حبيبها يأتيها على فرس بجناحين، فرس من نور من أحصنة الفردوس، يقتل كل من امتدت يده إليها، كل من أساء لها، ويصعدان إلى السماء العليا، لإقامة حفل زفافهما، يساقان في مقصورات في الخيام يطَاف عليهم بِصِحاف من ذَهَبٍ، يحفهما الملائكة حول العرش، هو عرس لم تتخيله يوما، ذلك جزاء الصابرين.

 بدأت تصفف شعرها وتعقد ضفائرها استعدادا للقيا الحبيب، ظن الذين في قلوبهم مرض أنها ستذعن لهم أخيرا، فرحوا واستبشروا، فذرهم يخوضوا ويلعبوا "سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ" قالت في نفسها إنها ستقتل روحها تقربا لله، دعت الله بأن يكثر من دمها، ذلك أن رائحته ستتحول مسكا، مسك.. يا الله، تلك هي الرائحة المفضلة لحبيبي...سيتحسنني من فوق سبع سماوات، ويعلم أن اجتماعنا قريب.


جاءها الخبر عند النخلة، طيف ملائكي يخبرها بألا تزهق روحها، وألا تبادر ربها بنفسها، إن مع العسر يسرا ذلك وعد الله، ولن يخلف الله وعده؛ صبرا حبيبتي، فستبلغين مبلغا لن يصله سواك ومن هم أمثالك من المستضعفين، صبراً آل حلب فإن موعدكم الجنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق