الخميس، 5 نوفمبر 2015

فضيل الامين : فليسقط "الفاشل" ليون!! وليحيا النجاح في الفشل

تكاثرت في الأيام الأخيرة التصريحات والتعليقات التي أختزلت الحوار الليبي-الليبي، رغم محاولات البعض رفض الاعتراف بالمسمى، وتنوعت بين محتفل بما يقول أنه (فشل) حوار (ليون) وبين مندد بالأمم المتحدة ومندوبها (الفاشل والخطير) في نفس الوقت.
وبين من يقول لنا بتبجح وتذاكي غير مبني على فهم أو تقييم واقعي "ألم أقول لكم؟!"
وبين مرحّب بإنتهاء مهمة المبعوث الأممي الذي يصفه بما فُطم عليه سياسياً من ألفاظ وأوصاف ألطفها هذا (الخ...ر) على حد قوله.
وبين منتظر لما سيأتي له به المبعوث الجديد له من هدايا ومناصب وما يحقق له من مزايا لم تسعفه سلة ليون بها.


ففي نهاية المطاف، مهما يمكن أن يقال، فإنه يجافي الحقيقة من يقول لكم إنه يحدد معيار ومقدار الفشل في "عالم الفراغ" الذي لا علاقة له بمصالحه أو مصالح من يتحالف معهم.
ومهما يمكن أن نقول عن عشوائية المشهد الليبي الواقعية بحكم التراكم السابق في الفعل السياسي منذ سنوات طويلة، إلا أن البعض يصر على هذه (العشوائية المنظمة) لما لها من فوائد وما تدر من مصالح وما توفر له من فرص للمناورة والتكسب لا يمكن أن يتوفر نظيرها في ظل مشهد منتظم ومنضبط ولو قليلا وإلى حد ما.
في هذا المشهد المفعم بمزيج من الألم والمعاناة والاقتتال والتماوجات السياسية والأيديولوجية والجهوية والمصلحية والعرقية والجغروسياسيا الإقليمية، يستمر الاحتفال ب"فشل" الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة عبر ممثل أمينها العام السيد ليون. وتستمر حالة الإنكار المستمرة للواقع الذي يقول أن هذا ليس "حوار ليون" ولكنه حوار ليبي-ليبي برعاية الامم المتحدة.
وتستمر حالة نكران أنه إن كان هناك فشل، فهو "فشل ليبي-ليبي" بإمتياز وليس فشل العالم أو فشل الأمم المتحدة أو فشل مندوبها.
هذا بدون شك لا يعني أنه ليس هناك اخطاء وتهاون ولحظات فشل لهذه الأطراف. ولكن يبقى "شرف" الفشل، إذا سلّمنا وأنا لا أسلّم بأن هناك فشل، فهو شأن ليبي بلا منازع.
فمهما يحاول البعض، ولهم أسبابهم، إعادة قلب المشهد وتصويره وإعادة تعريفه من منظورهم الخاص بهم إلا أن الواقع كما هو في حقيقته سيستمر واقعاً بالرغم من البهلونة السياسية.
لعل البعض يريد أن يسوّق ويبيع لنا مبدأ "النجاح في شكل الإفشال" عبر التفسير التقليدي في النجاح في افشال "المؤامرة".
طبعاً، سينطلق الخيال ويسرح ويخلط قليل من المعلومات مع الكثير من التحليلات والمقاربات ويطبخها مع بهارات "المصالح والمطامع" ويرش عليها بعض ملح التحيزات ذات الطابع الخدمي لطرف محلي أو إقليمي أو دولي.
وفجأة، يتحول حلمنا بالنجاح في الوصول إلى مخرج من نفق الأزمة والحرب والتناحر المظلم، إلى نجاح من نوع آخر، "النجاح في إفشال مؤامرة النجاح" بعد كشفها في اللحظات الاخيرة والقضاء عليها.
وفي ذات الوقت تستمر معاناتنا التي صنعناها بأيدينا وعبر ارتهاننا لأطراف محلية أو إقليمية أمر مستمرأُ ومقبول لدينا مادمنا قد نجحنا في افشال جهود "مؤامرة الأمم المتحدة" لمساعدتنا وانقاذنا وإحلال السلام والأمن والاستقرار في بلادنا. فالأمم المتحدة مؤسسة فاشلة في إقرار السلام في العالم حسب تحليلاتنا التي تركز على الفشل فقط، ولا يمكن أن نسمح لها الا بالفشل حتى وإن كانت فرص النجاح في عملها في بلادنا كبيرة واحتمال النجاح اكبر اضعافاً من احتمال الفشل. فهذا من باب ما يسمى "اختلاق النبوءة ثم العمل على تحقيقها وانفاذها".
فإفشال "مؤامرة" النجاح هو النجاح في أبهى صوره في قاموسنا
هكذا نفهم الأمور والسياسة والتعاون الدولي.
ما أحب العودة إليه هو أن الحوار الليبي-الليبي الذي ترعاه الامم المتحدة لم يفشل ولم يفشل أطرافه في الوصول إلى نسبة عالية جداً من التوافقات حول اهم القضايا المحورية، بغض النظر عن موقفهم من مخرجاته.
فالحوار أنتج إتفاقاً "انتقالياً مرحلياً" عبر حوار الأطراف الليبية وأنتج عبر ذلك أساس جهاز تنفيذي موحد في مجلس لرئاسة الوزراء تم التوافق عليه بعد انقسام البلاد بين حكومتين عاجزتين بامتياز بحكم الواقع والمنشأ والظروف.
هذا لا يعني ان الاتفاق السياسي ومجلس الرئاسة المقترح هما حالة من المثالية والكمال، بل هما ليسا كذلك.ولكنهما قابلان للتحسين الإيجابي عبر البناء عليهما والعمل على خلق الأجواء الإيجابية لتحقيقهما على ارض الواقع. فالجهود الإيجابية المسؤولة تُبذل من أجل استدراك ما يشوبهما من نقص أو خلل.
الحوار لم يفشل، والدليل على ذلك هو الواقع الموجود أمامنا. اتفاق انتقالي محدد بزمن لا يزيد عمره عن عامين لا ترفضه الأطراف الليبية رفضاً كاملاً ومجلس رئاسة لا ترفضه الأطراف رفضاً كاملاً. كلاهما في حاجة إلى إضافات إيجابية.
وعبر الأشهر الطويلة الماضية تقبّل الليبيون وتبنوا مبدأي الحوار والتوافق الوطني أساسان لحل الخلافات بدل التقاتل والعنف والاقصاء والاستئصال والاستحواذ. وهذا في حد ذاته نجاح كبير في الثقافة والممارسة.
إن من يرفضون التعامل مع مخرجات الحوار وما فيه هم يرفضون آلية ومبدأ الحوار الاساسية التي قام عليها. هم يرفضون مبدأ التحاور بين الأطراف الليبية.
البعض يؤمن بحلول وآليات أخرى، وبعضهم يريدون المحافظة على المكتسبات التي تحصلوا عليها بسبب الأزمة والحرب وإفرازاتها.
ولهؤلاء الحق الكامل في الرفض والممانعة ولكن ليس لهم الحق في صياغة المشهد عبر عدساتهم وحدهم فقط واحتكار الحق في تحديد وتفسير المشهد. كما ليس لهم الحق في تهم التكفير أو التخوين أو العمالة أو إسقاط الوطنية وحب الوطن عن الذين لا يَرَوْن نفس رأيهم أو ينظروا بغير عدستهم.
ليس مهماً أن يسقط ليون، فهو في الحقيقة لن يسقط، لأنه سيرحل عن المشهد الليبي وينطلق في حياته واهتماماته، ولكن الأهم بالنسبة لنا ألا تسقط ليبيا وألا يسقط الشعب الليبي.
البعض ينفعل ويعبر بحرارة ويقول "فليذهب ليون إلى الجحيم".
ليون لن يذهب إلى الجحيم ولكن سيذهب إلى بلده وموطنه الآمن والمستقر ومستقبل آخر وعمل أفضل، ولكن من سيذهب إلى مزيد من جحيم الحرب والاقتتال والتناحر والتشرد والانقسام والجوع والارهاب هو نحن. هي بلادنا.
دعوني أعلن وأصرخ معكم... فليسقط ليون ولينجح الحوار الليبي- الليبي تحت رعاية الامم المتحدة، فالمتناحرون لن يستطيعوا عقد حوار بينهم تحت رعايتهم.

صدقوني سيفرح ليون نفسه وتفرح الأمم المتحدة ويفرح العالم ونفرح نحن معهم بسقوط ليون إذا كانت المحصلة نجاح حوار الليبيين ونجاحهم في وقف نزيفهم واحترابهم وانهيار دولتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق