الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

د. نزاركريكش : ليبيا.. رهان الدولة أم خيار الديمقراطية؟



الخلاف حول أولوية بناء الدولة أم ترسيخ الديمقراطية جدل قديم في العلوم السياسية، وبعد الاحتفاء الذي شهده الغرب بالديمقراطية تبدو الدراسات التجريبية (الأمبيريقية) تميل إلى الدولة، وأن الحديث عن الديمقراطية قبل بناء الدولة يعني ببساطة حرية بدون وجود نظام حاكم، ومن هنا يقول «صموئيل هنتجتون» جملته المشهورة: «من الممكن العيش بنظام دون حرية، لكن العيش بحرية دون نظام أمر لا يمكن تصوره».


هذا الأمر يمكن أن يبين مسار الأحداث في المسألة الليبية، فالمسودة التي قدمها المبعوث الأممي ترتكز على وجود حكومة وحدة وطنية يمكنها إدارة البلد ومواردها في هذه المرحلة، على أن يقدم لها المجتمع الدولي، أو أن يقوم المجتمع الدولي من خلالها بدعم ليبيا وتحقيق الأهداف التي تسعى لها القوى العظمى ومصالحها، وهي الحد من الهجرة الشرعية بالنسبة لأوروبا، ومحاربة التنظيمات الإرهابية لدول الإقليم، وإعادة ترتيب المنطقة على أسس «ويستفاليا»، وبناء مؤسسات يمكن قيادة المنطقة من خلالها بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

نموذج لفهم الأزمة الليبية

كيف يمكننا فهم ما يحدث في ليبيا في مشهد يتنوع بين الحوار والتفاوض، الحرب والصراع، التناقضات الإقليمية (مصر التي تستغل الفراغ في ليبيا لدعم حلفائها، والجزائر التي تقف في وجه مصر وأطماعها حتى لا يكون هناك فراغ يسمح للأمازيغ بطلب الاستقلال، أو أن تكون ليبيا طريقاً لتدخل فرنسي بجنود مصريين في المنطقة أو غير ذلك من محددات السياسة الجزائرية)؟ هذه النقاط قد تبين المشهد:

- الإشكال في ليبيا يتمثل في غياب الدولة ومؤسساتها، لذا فإن ما نشهده من صراع هو حالة جنينية لتكوين الدولة الليبية قد تبدو مؤسفة، لكنها تعبر عن صراع حقيقي للوصول لحالة من احتكار القوة؛ وبالتالي القدرة على نزع السلاح من المجتمع وإرجاع السلطة للدولة.

- هذا الأمر، يصحبه محاولة للمجتمع الدولي لتصميم نظام ليبي يمكن من خلاله التحكم في موارد ليبيا وإدخالها في المنظومة المالية العالمية، هذا الأمر قد دلت عليه بعض الدراسات عن الحروب الأهلية، وهو ظاهر من سلوك مبعوث الأمم المتحدة الذي يحاول ترك بعض المساحات التي يمكن للمجتمع الدولي التدخل من خلالها، ففي الاتفاق الذي وقع بالأحرف الأولى مثلاً أن يقوم رئيس حكومة الوحدة الوطنية بطلب من الأمم المتحدة تتيح للأخير بدعم الحكومة الليبية بكافة الأشكال التي تضمن دعم مؤسسة الجيش والشرطة.. كما أن مصرف ليبيا المركزي خلال كل هذه الفترة كان ينسق مع المؤسسات الدولية، وظل سلطة منفصلة لها القدرة على التأثير في المشهد، وهذا ما يمكن قراءته من زيارات سابقة لرئيس مصرف ليبيا المركزي للولايات المتحدة الأمريكية.

- هذان المساران بين بناء سلطة الدولة الذي يعبر عن الصراع المسلح والحوار الذي يريد تنظيم مؤسسة (دولة) يمكن للمجتمع الدولي التعامل معها في قضايا كالهجرة والإرهاب والطاقة، تأتي المرحلة التي تشهدها ليبيا حالياً وهي حالة من الحرية السلبية، الحرية التي جعلت بعض الزعامات السياسية تمتلك السلطة بدون وجود نظام سياسي أو ضوابط قانونية.

المستقبل الليبي

يبدو أن الحوار سيتقدم بخطوات ملموسة في الأيام المقبلة، وذلك لأن المنطقة بكاملها ستشهد على ما يبدو تسويات مختلفة، كما أن سلوك «ليون» يبدو مختلفاً عما كان عليه في بداية الحوار، فقد أظهر تجاوباً مع مطالب المؤتمر ورغبة في إبرام الاتفاق، هل هذا الأمر يرجع لأن ولاية مجلس النواب ستنتهي في شهر أكتوبر (مما يزيد تعقيد الأمر إذا ما سقطت الشرعية عن مجلس النواب)، أو أن إصرار المؤتمر هو السبب في مرونة «ليون»؟ لكن كل هذه الأسباب تبدو سطحية إذا ما فهمنا السياق الذي تتحرك فيه المنطقة، فتزايد أعداد اللاجئين، وانتشار تنظيم «داعش»، وتعقيد منطقة الشرق الأوسط بعد سياسة النأي بالنفس من الولايات المتحدة ظناً منها أن عالماً أحادي القطبية يعني مزيداً من الصراع، هو ما جعل العالم بدون قيادة؛ ومن ثم ظهرت نظريات تحاول أن تبين أن عودة الولايات المتحدة الأمريكية لقيادة العالم قد تكون جالبة للسلام، وهذا ما بيَّنه «هنري كسنجر» في كتابه «النظام العالمي»، حين أوضح ضرورة وجود صلح كصلح «ويستفاليا» في المنطقة العربية.. كل هذا السياق يجعل ليبيا تقع ضمن إستراتيجية عامة لتسوية المنطقة، قد تتداخل مع مصالح آنية وقتية لدول بعينها، لكن في نهاية المطاف يبدو السياق سياق تسويات على إيقاع «كيسنجر» وبرجماتية «أوباما».


نقلا عن مجلة المجتمع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق