الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

ليبيا... حصيلة 11 جولة حوار مهددة بالتبخُّر


اكتمل شبه إجماع أطراف معسكري الأزمة الليبية على رفض الخطة الحكومية للمبعوث الأممي برناردينو ليون، على الرغم من الدعوة العربية ــ الغربية التي صدرت أمس الاثنين بصيغة تهديد ضمني للأطراف كافة بهدف الضغط عليها للقبول "فوراً" بالخطة الحكومية. فبعدما كان الرفض مبكراً من قبل المؤتمر الوطني العام (البرلمان المنتهية ولايته في طرابلس)، زاد قرار برلمان طبرق، ليل الاثنين من فداحة الأزمة، على الرغم من ليونة سبق أن أعرب عنها معسكر طبرق عندما اعتبر أنّ الاتفاق ومقترح ليون "أحلى الأمرّين".


وقال رئيس اللجنة السياسية في "المؤتمر الوطني"، عبد القادر احويلي، في حديث لوكالة "الأناضول"، أمس الاثنين، إنّ "المؤتمر يتجه نحو رفض الاتفاق السياسي المعلن في الصخيرات المغربية، أخيراً، وإعلان فشل البعثة الأممية في إدارة الحوار"، مشيراً إلى أنّهم لم يكونوا "طرفاً في هذا الاتفاق، ولم نوقع عليه، لذا لا يلزمنا، لأنه لم يحقق توازناً بين الأطراف يضمن استمرار تطبيقه مستقبلاً". وأضاف احويلي، أنّ "بنود الاتفاق الحالية لم تستثن الانقلابيين واللواء خليفة حفتر، إذ إنّ بنود الاتفاق تحميه وتعطيه حق الاستمرار".
في المقابل، وصف وزير الخارجية في حكومة طبرق، محمد الدايري، وثيقة السلام الليبية المنبثقة عن حوار الصخيرات، وتشكيلة حكومة الوفاق التي أعلنها ليون، بـ"أحلى الأمّرين"، مطالباً البرلمان الليبي بإيجازها. وقال الدايري لـ"الأناضول"، أمس الاثنين، إن "وثيقة الاتفاق السياسي، التي انبثقت عن جولات عديدة من الحوار بين أطراف النزاع في ليبيا، والتشكيلة التي اقترحها المبعوث الأممي، هي أفضل الأمرّين، وسوء لا بد منه".
وأكد الدايري، أن الموافقة على الوثيقة، "ليست الخيار الأمثل، لكنه خيار لا بد منه لإنهاء الصراع، وعدم السماح للبلاد بالانجرار في حرب تدمّر كل شيء، وتهلك الاقتصاد الليبي المنهك أساساً"، داعياً أعضاء مجلس نواب طبرق إلى الموافقة، والتوقيع النهائي على مسودة الاتفاق السياسي، المنبثقة عن جولات السلام في المغرب.
في غضون ذلك، دعت دول غربية وعربية، أمس الاثنين، في بيان مشترك، الليبيين إلى أن يعتمدوا "فوراً الاتفاق السياسي" الذي عرضته الأمم المتحدة، في 9 أكتوبر/تشرين الأوّل، الذي ينص على تشكيل حكومة وفاق وطني. وجاء في البيان، أن "وزراء خارجية الجزائر، وألمانيا، والإمارات، وإسبانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، والمغرب، وقطر، وبريطانيا، وتونس، وتركيا، وكذلك الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، يدعون كل أطراف الحوار السياسي الليبي إلى اعتماد الاتفاق السياسي الذي يفاوض حوله، ممثل الأمم المتحدة الخاص، برناردينو ليون.

وتبدو الأزمة الليبية مجمّدة منذ إعلان ليون، عن مقترح حكومة وفاق وطني، رأى بعضهم، منذ إعلانها، أنها وُلدت ميتة بفعل الاعتراضات العديدة عليها، خصوصاً مع رفض عضو المؤتمر الوطني العام عبدالرحمن السويحلي، منصب رئيس المجلس الأعلى للدولة، بعدما اقترح ليون اسمه لتولي المنصب. واعتبر السويحلي أن "الجهة الوحيدة المخوّلة لاقتراح شخصيات لتولي هذا المنصب هو المجلس الأعلى للدولة وليس ليون".
كما اتهم رئيس فريق الحوار عن المؤتمر الوطني العام، عوض عبدالصادق، البعثة الأممية في ليبيا، كونها خرقت الاتفاق بين الفرقاء الليبيين، بإضافة نائب ثالث في رئاسة مجلس الحكومة، ونزع حق الفيتو من نواب الرئيس، مضيفاً، أن أسلوب ليون "يصيبنا بالإحباط".
وعلى الرغم من الاعتراضات على مقترح ليون، إلا أن أطراف النزاع الليبي التي شاركت في الحوار، لم تعلن، حتى اليوم، موقفاً رسمياً من الحكومة، وسط تهديدات من مجلس الأمن الدولي بعقوبات على أي طرف يهدد السلام والاستقرار والأمن في ليبيا، أو يعمل على تقويض النجاح في إنجاز عملية التحول السياسي. وحثّ المجلس، في بيانه، "جميع الأطراف الليبية على إقرار وتوقيع الاتفاق السياسي، والعمل بسرعة نحو تشكيل حكومة الوفاق الوطني".
جاء ذلك بعد إعلان ليون في تصريح، قبل بضعة أيام، أن "مقترح حكومة الوحدة الوطنية غير قابل للتفاوض، والذين لا يقبلونه لن يحظوا بالاعتراف القانوني من المجتمع الدولي"، محذراً من أنه "سيذهب التعامل معهم إلى ما هو أبعد من العقوبات"، ومعتبراً أن "معظم الأطراف السياسية في ليبيا، فيما عدا مجموعات صغيرة، مستعدة لانتهاج مسار الوحدة الوطنية".

يُذكر أن مقترح ليون نصّ على تشكيل حكومة وفاق، يكون فايز سراج، رئيسها، وأحمد معيتيق، وفتحي المجبري، وموسى الكوني، نواباً لرئيس الحكومة. كما أعلن ليون اسم عبدالرحمن السويحلي، رئيساً لمجلس الدولة في الفترة الانتقالية.
هذا المقترح أعلنه ليون بعد 11 جولة من الحوار في مدينة الصخيرات المغربية، والتي بدأت في الخامس من مارس/آذار الماضي، وحضرها وفدا المؤتمر الوطني العام المنعقد بطرابلس، وبرلمان طبرق، ووفد مثّل النواب المقاطعين في جلسات الأخير، وآخر مثّل المستقلين.
وفي الشهر ذاته، شهدت إحدى جلسات الجولة الأولى نقطة تحوّل هامة، تتمثّل في جلوس أطراف الحوار لأول مرة إلى الطاولة نفسها، بإشراف المبعوث الأممي، وحضور وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، فيما تأجلت الجولة الثانية بسبب تغيّب وفد برلمان طبرق، الذي عاد إلى ليبيا للتشاور حول مقترح حكومة الوفاق الوطني.

وفي الجولة الثالثة من جلسات الحوار الليبي، عرف النزاع على الأرض تصعيداً وعنفاً، ما دفع الأمم المتحدة إلى مطالبة الأطراف المعنية بالاختيار بين طريقي الحرب أو السلم، وهي الجلسة التي عرفت طرح ليون ثلاثة مقترحات رئيسية تهدف إلى إيجاد حل للأزمة المستفحلة. خطة الأمم المتحدة تمثّلت حينها في طرح 3 أفكار للنقاش، تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتأسيس مجلس رئاسي يتكّون من شخصيات محايدة، ومجلس للنواب يكون ممثلاً لكافة الليبيين، وتشكيل مجلس أعلى للدولة، فضلاً عن صياغة وثيقة دستورية، ومجلس الأمن القومي.
وفي منتصف أبريل/نيسان الماضي انعقدت الجولة الرابعة، التي عرفت اختلافاً في نبرة المبعوث الأممي الذي صار أكثر تفاؤلاً، على الرغم من المحاذير التي كانت تترصد الاتفاق السياسي، إذ صرح ليون حينها أن أطراف النزاع اتفقوا على 80 في المائة من مقترحاته.
واتسمت الجولة الخامسة من الحوار، التي انطلقت، في 8 يونيو/حزيران الماضي، بتقديم الأمم المتحدة للمسودة الرابعة، وفيها مقترحات تهدف لوضع اللبنات السياسية للمؤسسات الدستورية في البلاد، علاوة على إرساء الترتيبات الأمنية اللازمة للتمهيد نحو اتفاق سياسي يرضي جميع أفرقاء النزاع في البلاد.
وفي السادس والعشرين من الشهر ذاته، انطلقت الجولة السادسة من الحوار، وتميّزت بالخصوص باتفاق مبدئي لأطراف النزاع على مسودة معدلة للأمم المتحدة، وأيضاً اجتماع على طاولة واحدة بمناسبة إفطار رمضاني، بينما الجولة السابعة انعقدت في الثاني من يوليو/تموز الماضي، وشهدت اعتراض المؤتمر الوطني على مسودة الاتفاق.
وفي 9 يوليو/تموز الماضي، انعقدت الجولة الثامنة التي اتسمت بموقف المؤتمر الوطني الذي رفض العودة إلى طاولة الحوار، بدعوى أن الاتفاق السياسي لم يشمل التعديلات التي قدّمها. وفي الجولة التاسعة تمت مناقشة اختيار الأسماء لشغل منصب رئيس حكومة الوحدة الوطنية.
أما الجولة العاشرة من جلسات الحوار الليبي، فشهدت تطوّراً لافتاً تمثّل في تقديم ليون للأطراف المتفاوضة، مسودة للاتفاق النهائي تضمّنت تعديلات على الاتفاق الذي تم توقيعه بالأحرف الأولى، بينما في جولة 11 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تم الكشف عن أسماء حكومة وحدة وطنية.
ويعلّق مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، إدريس لكريني، على مسار جلسات الحوار منذ بدايتها، إنها تعدّ مكسباً مهماً يعكس اقتناع الأطراف المتصارعة بضرورة تجاوز المشكلات القائمة التي تُفوّت على بلد له كل المقومات لتحقيق التطور وترسيخ الاستقرار. ويعتبر لكريني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن لغة التحدي والصدام ما زالت هي السمة السائدة بين مختلف الفرقاء، ففي الوقت الذي دعا فيه المؤتمر الوطني إلى مفاوضات مباشرة، ظلت مجموعة من القوى الأخرى ترفض الجلوس إلى طاولة حوار واحدة.
ويرى أن المفاوضات أسهمت بشكل ملحوظ في تخفيف حدة الصراع، وسمحت بالتوافق إزاء كثير من القضايا الخلافية الكبرى، كما هو الشأن بإعلان حكومة وحدة وطنية، وبناء المؤسسات، غير أن خلافات حادة ما زالت قائمة بصدد الجهة المعنية بالتعيين في المناصب العسكرية والمدنية العليا. ويشير لكريني إلى أن "الخيار التفاوضي الليبي الراهن يحتاج لبناء الثقة واستحضار المصالح العليا للبلد، ويتطلب توافر حسن نية الأطراف المتصارعة، وتركيزها على المشترك والأولويات المطروحة باتجاه تشكيل حكومة وطنية، وتعزيز الأمن والاستقرار، والانكباب على بناء المؤسسات الدستورية، واستثمار الإمكانات المتاحة لتحقيق التنمية وتجاوز المعضلات المتراكمة".
الرباط ـ حسن الأشرف

العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق