الاثنين، 14 يوليو 2014

هشام الشلوي : ما بعد فجر ليبيا

 جاءت عملية فجر ليبيا التي قادها ثوار من المنطقة الغربية لتطهير العاصمة الليبية طرابلس من سيطرة بقايا كتائب النظام السابق المتلفعة برداء القعقاع والصواعق والمدني تحت قيادة آل مليقطة وعماد الطرابلسي من المتماهين مع أدبيات الثورة المضادة، والعودة باللعبة السياسية إلى مربعها الإقصائي الأول، والراغبين في استمرار استنزاف موارد الدولة الليبية شرقا وغربا وجنوبا.

 جاءت هذه العملية لتعلن الميلاد الثاني لثورة فبراير المباركة بقطع كل صلة مع النظام السابق، والذي حاولت هذه المجموعات أن ترجعنا إليه كما حدث في الدولة المصرية عندما انتكست ثورة يناير وعادت مصر سيرتها الأولى من سيطرة العسكر على مقدراتها. ليست المعركة مع تيار الإسلام السياسي بمعتدليه ومتطرفيه كما تحاول أبواق الإعلام المحلي والإقليمي أن تصوره تساعدها نخب رأت أن حياتها في ظل الفساد والشمولية أفضل لها من حياة دولة المساءلة والقانون. ليست معركة الإخوان المسلمين الليبيين أو حزب العدالة والبناء أو فضيلة المفتي أو ثوار مصراتة وغريان وجنزور وسوق الجمعة وتاجوراء وطرابلس، ليست معركة الدروع الأوسط منه أو الغربي أو الشرقي، إنها معركة قيم فبراير القائمة على التحرر من الذل والعبودية والنهب والسلب، مع قيم ماض لوث حياة وفكر وعقل الشعب الليبي على مدار أربعة عقود. حقا إنها معركة القيم التي يدافع عنها ثوار بنغازي ضد ديكتاتور ثبت فشله في كل المحافل التي يجيدها والتي لا يجيدها، مستغلا مالا فسادا ورغبة خليجية ترقى لحد الشبق في ضرب ثورة فبراير من داخلها. لكن هذه القيم تبقى في خطر كبير يهدد مستقبل استمرارها، يتمثل في سؤال جوهري عن مستقبل فجر ليبيا، وكيف يمكن ترجمته لصالح الدولة والشعب معا؟ سؤالا يبقى معلقا على مدى قدرة الثوار على تحويل نصرهم العسكري إلى إنجازات في ميادين الحياة اليومية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. هل سيتعامل الثوار مع وطنهم بعد انتصارهم وفق أي منطق؟ هل بمنطق الغنيمة وبالتالي القضاء على كل أمل أو احتمال لنهضة البلد وصعوده؟ أم بمنطق الدولة وبالتالي ترقية المسار الديمقراطي ودعم مؤسساته لأقصى درجة والمحافظة على موارد الدولة؟ إن الخيارات أمامنا جد محدودة في ظل وضع اقتصادي أشبه بالكارثي، وسياسي مهلهل لأقصى درجات الهلهلة، فإما الانتقال الحقيقي والجاد والفعلي في أقصر وقت ممكن إلى حقيقة الدولة بما تعنيه من تداول على السلطة، وإعلام نظيف ومؤسسات قضائية غير منحازة، ومؤسسات أمنية تضمن حياة الناس، وإما الخيار الأسوأ لا قدر الله وهو الدولة الفاشلة واحتراب داخلي تغذيه أطراف تقتات على موائده، ليس إلا. الخيار الأول مرهون بمؤسسات سياسية وحزبية وعقلاء مجتمع قادرين على صوغ حلول توافقية يخضع لها حملة البنادق ويأتمرون بأوامرها، والخيار الثاني بتراجع دور قادة المجتمع إلى ما خلف فوهات البنادق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق