الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

الشيخ نصر سعيد : جماعة أنصار الشريعة الليبية وعقيدتهم*

جماعة أنصار الشريعة تنتسب إلى السلفية الجهادية، التي تجمع بين الدعوة إلى التوحيد بشموليته، والجهاد لأجل ذلك في آن واحد، وتعتقد عقيدة السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، وتهدف إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، وإقامة الدين بالبيان والبنان، بالكلمة والسلاح، بحسب ما تقتضيه المرحلة، وطبيعة الصراع.
 .
وتعتقد جماعة أنصار الشريعة الليبية أن الديمقراطية دينٌ كفريٌّ غربيٌ مبتدعٌ، وأهلها بين أرباب مشرِّعـين وأتباع لهم عابـدين، لأنها تقضي بمنح البشر الحق المطلق في التشريع، وذلك في مقابل دين الإسلام الذي يحصر التشريع فيه لله تعالى، ويعتقدون أن الديمقراطية كفر أكبر، لما تمثله من شرك صريح في الربوبية، ودليلهم قوله تعالى (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) وقوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ)، ولذا فهم يَكْفُرُون بالديمقراطية، ويُكَفِّرُون من يؤمن بها، ويتهمون ساسة ليبيا بالتخاذل عن إقامة الشريعة، وبالتلون في تحكيمها، وبالمسارعة في إرضاء الغرب واسخاط الرب. 


 .
ويعتقدون كفر الدولة الليبية عبادة وتدينا، بسبب ما نص عليه الإعلان الدستوري المؤقت في مادته الأولى، (ليبيا دولـة ديمقراطية، والشعب فيها مصدر السلطات، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع)، لاعتقادهم أن الـديمقراطية كـفـر أكـبـر، وأن التشريع هو حـق لله تعالى لا للشعـوب، فضلا عن اعتقادهم أن القول بأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع هو كفر بحـد ذاته، لأن مدلول العبارة يقتضي عندهم وجود مصادر أخرى للتشريع، وهـو كـفـر أكـبر.
 . 
ويعتقدون كفر الدولة الليبية أيضاً بسبب حكمها بغير ما أنزل، وبسبب التعامل والاحتكام لقوانين وتشريعات النظام السابق، ولاعتقادهم أن الأمر بالكفر كفر، والحكم بقوانين الكفر كفر، ولأن مناط الحكم بغير ما أنزل الله يعتبر مناطا كفريا، كما هو حال مناط التشريع المخالف لشرع الله، ومادامت الدولة الليبية تجيز التعامل أو تلزم الشعب الليبي بتلك القوانين فتكفر.
 .
ويعتقدون أن الصراع السياسي الدائر في ليبيا يقوده الغـرب لتقسيم البلاد إلى تيارات وأحزاب سياسية، وأنها تتقاتل من أجل تحقيق مآربه، كما جاء بأحد بياناتهم، وقالوا: قد اتضح ذلك منذ "الإعلان الدستوري" الذي وُضع كخارطة طريق لمشروع ليبيا الجديدة بموافقة الـغـرب من أجل إقصاء الشريعة الإسلامية عن الحكم.
 .
وبناء عليه .. يعتقدون أن الديمقراطية ديـنٌ غـير دين الله تعالى، وأنها حُكمُ الطاغوت، ودليلهم قوله تعالى (ولقد بعثنا في كلِّ أمةٍ رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، وقوله تعالى (يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به)، وأنها ليست حُكمُ الله تعالى، وأنها شريعةُ أربابٍ مُتشاكسـين متفرقين، وليست شريعةَ الله الواحد القهار، وأن من يقبل بها ويتواطأ عليها من الخلق فهو في الحقيقة قد قَبِلَ أن يكون له حـق التشريع وِفـقـاً لمواد الدستور، وأن يكون تشريعه هـذا مُقَـدَماً على شرع الله الواحد القهار، سـواءٌ أَشـرَّع بعد ذلك أم لم يُشـرِّع، وهـو الكفر بعينه، والضلالٌ الواضحٌ والمبينٌ، ودليلهم قوله تعالى: (قد تبيَّن الرُّشد مِن الغَيِّ فمن يكفر بالطاغوت ويُؤمن بالله فقد استمسك بالعُروة الوُثقى لا انفصام لها).
 .
ويقول أحد أبرز قيادات السلفية الجهادية مبينا مدلول الديمقراطية: (الديمقراطية لفظة أعجمية، لا يعرف معناها الحقيقي "الذي نعده معنى مكفراً" كثيرٌ من الناس، بل ينزلون هذه اللفظة ويريدون بها بعض المعاني التي لا تعارض الشرع، أو بعض المعاني غير المكفرة صراحة، فكم من الناس يثني على الديمقراطية، بل منهم من يعـدها ـ جهلا ـ من الإسلام، أو من المناهج الحسنة والعادلة، فيمدحها ويدعو إليها، وعند التحقق من مراده بالديمقراطية التي يمتدحها، أو يطالب بها أو يدعو إليها، تجده يعني بذلك كل ما يقابل الدكتاتورية، والظلم وانتهاك حقوق الإنسان، فيعرفها بالحرية أو العدالة، أو حفظ حقوق الإنسان)، وهذه كلمة حق وصدق منه. 
 .
وتعتقد جماعات السلفية الجهادية أن حكم أنصار الطواغيت فرع عن الحكم على الطواغيت، وعن الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، والمقصود بأنصار الطواغيت هم: الذين يحمونهم ويمنعونهم وينصرونهم ويذبون عنهم بالقول ويقاتلون دونهم بالسلاح، وهم سبب دوام أحكام الكفر، ودليلهم قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)، فكل من قاتل دفاعا عن حاكم كافر، أو عن دستور أو قانون كافر، فقد قاتل في سبيل الطاغوت، وكل من قاتل في سبيل الطاغوت فهو كافر مثله، وكل من يقاتل في سبيل الطاغوت إنما يقاتل في سبيل الشيطان على الحقيقة.
 .
ويقول البعض من قيادات السلفية الجهادية: (لا يلزم للحكم بكفر أنصار الطاغوت مباشرة القتال فعلا، أو أن يقع قـتـالٌ، بل كل من كان مُعَـداً بواسطة هؤلاء الحكام للقتال دفاعا عنهم، وعن أنظمة حكمهم الكفرية التي هي سبيل الطاغوت فهو كافر، وإذا كان الله قد حكم بكفر من يتحاكم إلى الطاغوت، فكيف بمن يقاتل من دونه وفي سبيله؟).
 . 
وتعتقد جماعات السلفية الجهادية أن الإعلان عن أعمالهم العسكرية والمسلحة منوط بالمصلحة، والتي قـد تقتضي منع الإعلان عن بعض عملياتهم، وذلك بالصمت وتجاهلها وإنكارها أحيانا، وقد يعلنون صراحة عن بعض عملياتهم الأخرى لتوظيفها واستغلالها في استفاضة البلاغ وإقامة الحجة، وتحذيرا لمن يعتقدون معاداته للإسلام أو لمشروعهم، فضلا عن مداراة بعض الخصوم الذين قد يكونون من الجماعات الإسلامية، وحصرهم لدائرة الصراع مع العـدو الأخطر كالجيش والشرطة، وقد يقيمون تحالفات مرحلية مع بعض التوجهات والحركات الإسلامية، مع قناعتهم وعقيدتهم أن تلك التوجهات والجماعات التي تعمل ضمن إطار الدولة وخصوصا المؤسسة التشريعية والعسكرية هم أنصارا وأعوانا للكفر والطاغوت أيضاً، وأن مرحلتهم آتية لامحالة، وسبب تأخير الصراع معهم تعـذر مجابهة كافة الخصوم في آن واحد.
 .
وتعتقد جماعات السلفية الجهادية جواز هـدم الأضرحة، فـقـد جـاء في الصحيح عن أبي الهياج رضي الله عنه قال: قال لي علي رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته)، لاعتقادهم بعـدم جواز إبقاء مواضع الشرك والطواغـيت بعد الـقـدرة على هـدمها وإبطالها يوما واحدا، لأنها شعائر الكفر والشرك، وهي من أعظم المنكرات التي تستوجب الإنكار. 
 . 
أما مفهوم الأخوة عند جماعات السلفية الجهادية وأنصار الشريعة فهو مفهوم خاص، يتعـدى الأوطان والبلدان، إلى أخـوة الدين والإسلام، ويعتقدون وجوب النصرة بالنفس والمال، والتأييد وعـدم الخـذلان إذا استنجد بهم إخوَانَهم، أو استنجدوا هم بإخوانهم من أهل التوحيد في المنطقة، وفي العالم بأسره، انطلاقـا من واجب الموالاة، ومن مقتضيات الأخوة الإيمانية، ولوازم التوحيد وعـراه الوثقى، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وقال صلى الله عليه وسلم:" المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يخذله " وفي لفظ :" لا يظلمه ولا يسلمه "، وقال صلى الله عليه وسلم:" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ". 
 .
وختاما أقول أردت بهذا المقال بيان وإيضاح المنطلقات والأسس التي تؤمن بها جماعة أنصار الشريعة الليبية، والمدرسة السلفية الجهادية، من خلال معرفتي وحواراتي ونقاشاتي معهم، كي يقف الجميع على صحيح المنطلقات والتوجهات، لا على الدعاوى والاتهامات التي يطلقها مخالفيهم، فإن أصبت فبتوفيق الله تعالى وفضله، وإن جانبني الصواب فاستغفر الله تعالى وأتوب إليه.
 .
وسيكون لي بإذن الله تعالى مقالاً أجيب فيه عن الكثير من الأسئلة والاستفهامات حول العديد من القضايا المهمة التي طرحت في هذا المقال ومن القراء، والله تعالى أسأل التوفيق والسداد، وأن نحيا ونموت مسلمين على ملة إبراهيم عليه السلام.
 .......................................................................................................
• كتبت هذا المقال مباشرة بعد بيان جماعة أنصار الشريعة الليبية الذي صدر في بنغازي، يوم الثلاثاء بتاريخ 27 - رجب - 1435 الموافق: 27 - مايو- 2014، ونشر حينها في إطار محدود، وبناء على رغبة البعض أعيد نشره مجددا.
• يرى العديد من أعضاء أنصار الشريعة الليبية أن الدولة الليبية إذا نص دستورها على أن الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع، وأن كل نص يعارضها أو يخالفها مردود وباطل، كما طالبت بذلك دار الإفتاء الليبية وغيرها، فإنهم سينحازون للدولة الليبية ومؤسساتها حينها.
 . 
الشيخ/ نصر سعيد عقوب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق