الأربعاء، 1 فبراير 2012

د. سعد العسبلي : حتى لا تكون للعدالة الخاصة مكان !!



- رسالة عاجلة إلى المجلس الانتقالي.



- رسالة أخرى إلى الحكومة الليبية .



في بعض الأوقات قد لا يرى الإنسان المسائل على حقيقتها ، وخاصة في الظروف الاستثنائية وبالتالي يحاول المحيطون به أنه يجدوا له الأعذار وقد يتسامحون ولكن إلى حين ، غير أن هذا القول ليس بالقاعدة ، إذ نرى العديد من الأشخاص لا يؤمنون بالفترات الاستثنائية لذلك يحملون أوزار بعض الأحداث لآخرين أو الجهات المختصة وإن كانت هذه الرؤية قد لا تصيب كبد الحقيقة لكنها تبقى موجودة وإن كانت مرفوضة ومن هنا يجب التعامل معها وإلا لكان هناك اتجاه نحو أن يصير الاستثناء قاعدة وهو ما أدى بالعديد من الدول إلى الفوضى بشكل ساهم في البدء في ” الانفلات الأمني ” و” الانهيار الاقتصادي “ بل ” وسقوط الحكومات “ في العديد من المرات .


لذلك فإنه لابد من التوقف ولو قليلاً وبشكل متأن ٍ والتفكير بشكل وهادئ وعميق بعض الشيء إذ أن هذا التوقف له من النتائج الكبيرة ما قد لا تدرك إلا بعد أن يدركها القائمون على الجهات المعنية ويجدوا أنفسهم وقد سبقهم الزمن بشكل يعقد العديد من المسائل بكيفية خلقته مشكلات عدم النظر للأمور بشكل أكبر من الجدية وقد لا تبدو المسائل في البدء على درجة كبيرة من الخطورة ، غير أن السكوت عنها والنظر إليها بشكل يقلل من قيمة النتائج التي قد تترتب عليها يؤدي في النهاية إلى عواقب وخيمة قد يكون من الصعب تداركها ، وعندها قد تظهر علامات لعدالة خاصة يجد الأشخاص النهاية إلى عواقب وخيمة قد يكون من الصعب تداركها ، وعندها قد تظهر علامات لعدالة خاصة يجد الأشخاص سنداً يدعم الأخذ بها وانتهاج سبيلها وقد يوجد متعاطفون فتبدو المسألة وكأنها الإجراء السليم بعد أن عجزت أو تغاضت الجهات المعنية عن القيام بالدور المنوط بها ونعود بذلك إلى زمن العدالة الخاصة التي يتجسد فيها عصر الانتقام واستيفاء الشخص لحقه بنفسه مع ما في ذلك من عواقب يصعب تداركها في الغالب من الأحيان .

لذلك كان هذا المقال ، والذي هو في واقع الأمر ترجمة لحديث شريحة من الأشخاص وإيضاح لاستفسار من بعضهم وتنبيه للمجلس الانتقالي والحكومة بأن أموراً قد تحدث وأرى معالمها في أحاديث الشارع إذا لم تقم الجهات المختصة بدورها وعندها سندرك أن الانتقام قد يراه البعض الطريق الذي لابد أن سيسلكه عند عجز الجهات المذكورة عن القيام بالدور المنوط بها أو أنها ” أغمضت العيون ” عن بعض التصرفات وهو طريق لا نراه ولا نتمناه ولا ندعو إليه ولكننا تحذر وبشكل جدي أن علاماته بدأت تظهر وبشكل سافر في أذهان بعض الناس المتضررين من هذا الصمت .

· العدالة الخاصة :

في عصور ما قبل التاريخ ، وهو عصر أطلق عيه المؤرخون ” عصر الوحشية ” كان لا وجود لشيء اسمه قواعد قانونية ، ولذلك فقد كانت الغلبة للقوي ، فالقوى – كما يقال” يأكل الضعيف” حيث لم يكن هناك حكام وبالتالي فقد عرف هذا العصر لدى القانونيين ” بعصر القوة ” وقد كان لهذا الأمر تأثيره في علاقات أفرادا لأسرة برب الأسرة إذ ظهرت معالم سيطرة هذا الأخير والذي يتولى الدفاع عنها من اعتداءات الآخرين ،ولذلك لم يكن ” للغريب” مكان فيستحل دمه ويستباح ماله ومن هنا لم يكن الاعتداء على هذا الغريب جريمة كما لا يعد عيباً ، ولذلك تعودت الجماعات القديمة عدم احترام أفراد القبائل الأخرى فالعدالة في هذه الفترة كانت قائمة على المصلحة التي تستند إلى القوة ، وقد أسفر كل هذا أن صارت العدالة الخاصة ، في ذلك الوقت هي السائدة والتي يجسدها مبدأ الانتقام لعدم وجود سلطة عليا تكون لها الكلمة الفصل، ولم ينحصر الانتقام من شخص الجاني بل تعداه إلى غيره من أفراد أسرته ، وصار الانتقام بذلك بلا حدود ، فالانتقام يؤدي إلى الانتقام .

وإذا ما كان هذا في العصر القديم ، فإن العالم قد تطور إلى ما رأيناه حتى ساد القانون وإن كانت هناك العديد من الانتكاسات التي حدثت في بعض الأزمنة خاصة في الظروف الاستثنائية والتي كثر حدوثها في العصر الحديث للأسف الشديد ، وهو ما جعل ” القضاء الخاص” في إطار استياء الحق بالذات يظهر في العديد من المرات تجسيداً لفكرة العدالة الخاصة والتي يعرفها القانون الليبي في بعض الصور ومن ذلك ” حالة الدفاع الشرعي

· كي لا يعود عصر القوة :ـ

للأسف الشديد ، قد يراود البعض الحنين إلى ” عصر القوة ” وهو أمر غير مرغوب ولا ينطق به العقل الواعي السليم ، ولكن قد يضطر شخص ما إلى ولوج هذا الطريق عندما تسد أمامه السبل القانونية ، وتغلق الآذان ويوضع ستار أمام الأعين “خوفاً أو طمعاً” خوفاً من أشخاص أو طمعاً أن يكون الشخص تحت حماية قوة وأن كانت غاشمة منحرفة لكن تضمن له حسب اعتقاده حياة وإن كانت مدنسة.

وحتى لا يكون هناك مجرد تفكير في العودة إلى العدالة الخاصة ، لابد أن نتوقف بهدوء ولو حتى لوقت لنرى الأشياء التي تطوف حولنا وقد نراها اليوم ، كما قد لا نراها غداً وإن حاولنا جاهدين لذلك كانت هذه الرسائل .

· العدالة الخاصة والظروف الخاصة :ـ

لقد مرت الدولة الليبية بعد انطلاق ثورة السابع عشر من فبراير بظروف خاصة،وقد ساهم فيها القذافي بطريقة منظمة ومقصودة ، عندما قام بفتح السجون أو بالأحرى تسهيل قرار المحكوم عليهم بدون تحديد ، بل أنه تعدى ذلك إلى تمكين المحبوسين احتياطياً في جرائم خطيرة كالقتل والاغتصاب والمخدرات وغيرها ومنهم من صدرت في حقهم عقوبات وصلت إلى الإعدام ، وصار هؤلاء المحكوم عليهم طلقاء بعد أن كانوا في يد العدالة ومنهم من ينتظر تنفيذ حكم الإعدام ، وقد كان لهذا الأمر تداعيات لا علاقة للمجلس الانتقالي ولا للحكومة بها وبالتالي صارت هاتان كغيرهما في موقف المتفرج ، وقد أدى الإفراج على المحكوم عليهم إلى القيام بعمليات انتقامية هدفها القصاص من القاتل وهو ما أدى إلى شكل من أشكال الأزمة ليست البلاد في حاجة إلى إثارتها في ذلك الوقت ، وقد أوجد بعض الأشخاص للقائمين بالانتقال نوعاً من العذر خاصة في الحالات التي استفز فيها القاتل أسرة القتيل وإن كنت دائماً مع ضبط النفس وعدم تأييد هذه العمليات الانتقامية خاصة في الفترة الأولى التي مرت بها البلاد وما أحاط كل ذلك من مشكلات عدم الاستقرار.

ولكن مع مرور الأشهر وتحرير كل الأراضي الليبية ومرور فترة من الزمن بعد ذلك وتشكيل الحكومة الانتقالية فإنني لا أجد عذراً لا للحكومة ولا لغيرها في أن يغض البصر عن هؤلاء المحكوم عليهم، وإذا ما كانت الإمكانيات في الوقت الراهن كما يدعي البعض ـ قد لا تسعف في القبض على كل المحكوم عليهم، فإنه من الواجب أن يتم القبض على المحكوم عليهم بعقوبات (الإعدام) و (السجن المؤبد) و (السجن لفترة طويلة) ـ وأن عدم القيام بذلك ـ كما أرى وبشكل واضح وجلي سوف يؤدي إلى عواقب واضحة وخطيرة، فتلك الأسر وأقصد بذلك أسر الضحايا والتي كان لها فضل تقدير الظروف الاستثنائية في بداية الثورة سوف لن تقدرها بعد أن استقر للثورة مكانها وشكلت الحكومة الانتقالية بوزاراتها ومن بينها وزراء العدل والداخلية خاصة بعد انتشار السلاح بشكل أكاد أزم أنه لم يسبق له مثيل.

لذلك فإننا أنبه المجلس الانتقالي والحكومة الانتقالية إلى هذا الأمر بشكل جدي إذا ما أرادت هاتان المؤسستان أن ترسيا دعائم دولة القانون والتي لن تكون إلا بتطبيق القانون لا بوجود نصوص قابعة في إدراج المكاتب ولا تغني لا تسمن من جوع.

حول جريمة استيفاء الحق بالذات:

المادة 287 من قانون العقوبات الليبي نصت على أنه “يعاقب بغرامة لا تجاوز مئة جنيه كل من كان بإمكانه الرجوع إلى السلطة القضائية للحصول على حق مزعوم وانتزاع ذلك الحق بيده باستعمال العنف ضد الأشياء”.

ويعاقب الحبس مدة لا تزيد على سنة إذا كان الفعل مصحوباً بتهديد الأشخاص أو باستعمال العنف ضدهم.

فإذا اقترن العنف أو التهديد على الأشخاص بالعنف ضد الأشياء فتطبق العقوبتان المذكورتان في الفقرتين السابقتين

كما نصت المادة 288 عقوبات على أنه (في الحالات المذكورة في المادة السابقة تزداد العقوبات بمقدار لا يتجاوز الثلث:

1 ـ إذا ارتكب الفعل بعد اللجوء إلى القضاء وقبل النطق بالحكم.

2 ـ أو إذا كان استعمال العنف على الأشخاص أو تهديدهم مصحوباً بالسلاح.

وبالطبع فإن هذه العقوبات لا تجب إنزال العقوبة المقررة للجريمة المرتكبة من الشخص الذي قام بأفعال استيفاء الحق بالذات).

الدفاع الشرعي كأحد صور العدالة الخاصة:

نصت المادة 70 عقوبات على أنه (لا عقاب إذا ارتكب الفعل أثناء استعمال حق الدفاع الشرعي.

ويبيح هذا الحق للشخص ارتكاب فعل يلزم لدفع جريمة تقع أضراراً به أو لغيره، وليس لهذا الحق وجود حتى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العامة).

فالدفاع الشرعي ـ حسب الرأي الراجح ـ بعد رخصة من المشرع تتيح للشخص رد الاعتداء على النفس أو المال بفعل يشكل في حقيقته جريمة، وهذا في الأصل من مهام الشرطة ولكن نظراً لأنه ليس في إمكان الشخص الاحتماء بها في هذه الحالة.

فإن القانون قد رخص له ـ وبشكل مؤقت ـ أن يقوم بعمل السلطة العامة، ذلك أنه وكما جاء بعجز المادة 70 سالفة الذكر لو كان في إمكان الشخص الاحتماء برجال السلطة لسقطت هذه الرخصة، وهو من هذه الناحية يعد صورة من صور استيفاء الحق بالذات إذا توافرت الشروط القانونية.

ومن الجدير بالبيان أن حق الدفاع الشرعي لا يبيح مقاومة الموظفين العموميين أثناء قيامهم بحسن نية بأمر بناء على واجبات وظيفتهم ولو تخطوا حدودها إلا إذا ضيف ـ إن ينشأ من أفعالهم موت أو جراح بالغة وكان لهذا الخوف سبب معقول ـ (المادة 70 مكرراً عقوبات).

د. سعد العسبلي

هناك تعليق واحد:

  1. آخر واحد يتكلم هو أنت يا سعادة الدكتور لأن ابداعاتك أيام عصر الجماهير مازلنا ما نسيناها لك خصوصا وما فيش حد كان زارك ع الموضوع ... ابداع من حضرتكم يعني
    سلام

    ردحذف