الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

ترجمة : خالد محمد جهيمة : الفصل الثامن عشر من كتاب تشريح طاغية


العائلة
الفصل الثامن عشر من كتاب تشريح طاغية
الكسندر النجار Alexandre Najjar
ترجمة : خالد محمد جهيمة Kaled Jhima

محاباة الأقارب هي القاعدة في العالم العربي؛ فقد حل بشار الأسد محل أبيه, وكان حسني مبارك يعد ابنه, الذي استفاد, بكل سرور, من موقع الوصيف, لخلافته,  كما ترك صدام حسين ابنيه عدي, وقصي يفعلان ما يشاءان [في العراق]. أما ابن على, فقد وقع تحت ضغط زوجته "ملكة قرطاج"... تتحدث برقية دبلوماسية بُعثت في شهر مارس 2009, كشف عنها موقع ويكيليكس, عن "حرب ضروس" بين أبناء القذافي تمنح "المراقبين المحليين مواضيع للنميمة لكتابة مسلسل ليبي", وقد بدأت هذه التوترات تتفاقم, بحسب دبلوماسيين أمريكيين, بظهور سيف الإسلام القذافي في مشهد الحياة العامة. ما المعروف عن عائلة الطاغية الليبي؟ وما هو الدور الذي لعبته كل فسيلة من فسائلها؟

لمعمر القذافي تسعةُ أولاد (من ضمنهم بنت بالتبني), من زوجتين, هما : فتيحة النوري (طلقها في عام 1970), التي أنجب منها ولدا, اسمه محمد, الذي أصبح فيما بعد رئيس هيئة الاتصالات الليبية, واللجنة الأولمبية [الليبية], ونادي السيارات. وقد تصدرت أخباره وسائل الإعلام, عندما فتح حراسه النار, في عام 2004, على فريق منافس لفريقه, الذي يملكه, فقتلوا الحكم, ولاعبين فورا. وهو في صراع مستمر مع إخوته لأبيه, وبخاصة فيما يتعلق بالحصول على توكيل الكوكاكولا في ليبيا.
أما من زوجه الثانية, صفية فركاش, فقد رزق منها أولا, بسيف الإسلام, الحاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد, والمشارك بكثرة في حياة بلاده السياسية, كما كان ينظر إليه باعتباره خليفة والده. لقد جسد, زمنا طويلا, وهو داعية التحريرِ الاقتصادي, وتطويرِ النظام, الصورة الحديثة, التي كانت تتمنى ليبيا تقديمها للغرب لتستعيد بكارتها. ويقال إنه هو من نصح القائد ببدء تطبيع العلاقات مع الغرب. واصل تعليمه, بعد دراسة الهندسة المعمارية في طرابلس, نظرا لمنعه من دخول فرنسا, في المدرسة الدولية للأعمال في فيينا, التي ارتبط فيها بعلاقة صداقة مع زعيم اليمين المتطرف جورج هايدير .وقد وضعت نموره, التي كان يعشقها, كالمارشال جورينج ـ فالأرواح العظيمة تلتقي ! ـ, ويملك منها أربعة, في حديقة حيوانات شونبرون, خلال إقامته في النمسا. أما "الوَصي" عليه, فيما يتعلق بأعمال الدولة, فهو موسى كوسة, رئيس المخابرات الليبية[1], الذي انشق عن النظام, ولجأ إلى لندن في أثناء ثورة 2011.
فاوض في عام 2000, من أجل تحرير الغربيين الذين أخذتهم جماعة أبو سياف الإسلامية المتطرفة, رهائنَ في الفلبين, في القضية التي عرفت "برهائن جولو", ونشر في عام 2003, تقريرا عن انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا, كما فاوض, في عام 2004, مجموعة من الدول الغربية, لتعويض ضحايا تفجيرين تورطت فيهما ليبيا, أي تفجيري  لوكربي, و اليو تي إيه.  ولعب دورا مهما, في عام 2007, في المساومات المتعلقة بقضية الممرضات البلغاريات. وقد كان هو نفسه من استقبل, بتاريخ 21 أغسطس من عام 2009, الإرهابيِّ عبد الباسط المقرحي, المتورطَ في تفجير لوكربي, عند عودته إلى ليبيا, بعد أن أفرج عنه "لأسباب طبية". لكن هذا الملف كان, بحسب سيف الإسلام القذافي, الذي غالبا ما يفاجئ بصراحته, جزءا من مفاوضات تجارية تتعلق بعقود بين ليبيا, وبريطانيا ـ معلومة كذبتها الحكومة البريطانية.
نَظَّم, وهو المعروف بمغامراته في العواصم الأوروبية, وبخاصة في باريس, في عام 2009, بمناسبة عيد ميلاده السابع والثلاثين, حفل استقبال في جمهورية الجبل الأسود, كان من بين حضوره, المليارديران بيتر مانك, وأوليج دريباسكا. وقد وصل بعض المدعوين إليه في طائرات خاصة, حطت على ظهر يختين كبيرين راسيين أمام فندق سبلنديد في بيشيشي, الذي أقيمت فيه الحفلة.كما أقام حفلات ضخمة في موناكو, وسان تروبي.
يسيطر سيف الإسلام على عدد من المؤسسات, والشركات القابضة, الكبيرة[2] , ويدير مؤسسة القذافي للتنمية, التي تأسست في عام 2007, ونسج شبكة من المعارف في الغرب؛ لغرض  تزيين صورة عائلته. كما تمكن ابن العقيد, الذي يرتدي دائما بزة مفصلة بطريقة رائعة, من نيل إعجاب سكان لندن, التي يملك في أحد أحيائها, أي حي هامبستيد جاردين, منزلا فخما, والارتباطِ بعلاقات مع أكثرهم نفوذا,؛ فهو يعرف جيدا الأمير أندرو, الذي  أصبح, بحسب صديق له, ذكرته الصحافة البريطانية, "قريبا جدا من سيف الإسلام؛ فهما يعشقان إمضاء أوقات جيدة مع بعضهما البعض, ويستمتعان بذلك. يستطيع أندرو, بمكانته الملكية أن يفتح له أبوابا, كما يستطيع سيف أن يفتح لأندرو, بفضل أموال أسرته, أبوابا أخرى". زار الأمير أندرو, الذي يشغل, رسميا, منصب الممثل الخاص, للتجارة الدولية, والاستثمار البريطانيين, ليبيا ثلاث مرات, بدعوة من ابن القذافي. كما يقال, بحسب المصدر نفسه, إنه نظم هو نفسه, عددا من حفلات الاستقبال لسيف الإسلام في القصور الملكية, كباكينجهام, وسان جيمس, وأيضا قصر ويندسور.
كان سيف الإسلام, أيضا, مدعو دائما عند وريث أخر, في نفس عمره, هو المصرفي ناتانييل دي روتشيلد, الذي يعتقد أن سيف قد التقى في فيلته الواقعة في كورفو, سرا الوزير البريطاني, بيتر ماندلسون, لوضع تفاصيل الإفراج عن المقرحي[3]
وعد ابن القذافي, المتحصل على درجة الدكتوراه من مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية منذ عام 2008, بتقديم مبلغ 1,5 مليون جنيه استرليني (1,77 يورو), لهذه المؤسسة؛ لتمويل برنامج عن شمال أفريقيا, وقد دفع منها مبلغ 300000 جنيه إسترليني. لكن المدرسة العريقة قررت, بعد اندلاع ثورة فبراير 2011, التراجع, وقطع علاقاتها به, كما أعلنت, بتاريخ 23 فبراير, أنها لن تجدد دورات التدريب التي نظمتها في الماضي لصالح موظفين ليبيين, وأن أعمالها الاستشارية التي كانت تقدمها لصالح الصندوق السيادي ـ شركة الاستثمارات الليبيةـ والتي كانت تكافأ عنها بمنح دراسية, قد انتهت. كما اضطر مديرها هوارد ديفيز, الذي لوثت سمعتَه هذه القضيةُ, إلى الاستقالة[4]. من مصادر الإزعاج الأخرى للمدرسة, أن سيف الإسلام ربما يكون قد سرق عددا من مقاطع أطروحته ذات الأربعمائة والتسع والعشرين صفحة, والعنوانِ البليغ "دور المجتمع المدني في التحول الديمقراطي للحكومات العالمية للمؤسسات : من السلطة الناعمة إلى آليات اتخاذ القرار الجماعي", والتي يؤكد فيها أن الأنظمة التي تَحرم شعوبها من الحريات الأساسية هي "هدف شرعي لتدخل" دولي.
يمثل سيف الإسلام. الذي يصف نفسه, في إطار يسيطر عليه القائد دائما سيطرة جيدة, بأنه "مُحَفِّز, أي عنصر ينتج حضورُه تفاعلات, كما في الكيمياء"[5] جانبَ النظام الليبرالي, مما يتيح لوالده العب على مستويين : قمعُ من جهة, ويد ممدودة من جهة أخرى. لقد قام كذلك, بمساعدة خبراء أجانب, بكتابة مشروع دستور لبلاده, وبتأسيس مجموعة إعلامية, باسم الغد, تضم وكالة صحافة, اسمها ليبيا برس, وصحيفة أسبوعية (في نسخة ورقية, وأخرى إلكترونية) تسمى أويا, موجهة لنشر آراءَ معارِضة؛ ليُظهر للعالم ما تتمتع به حرية التعبير في ليبيا من صحة جيدة. لكن سيف الإسلام يلعب بالنار؛ فقد اعتقلت قوات الأمن الليبي[6], في شهر نوفمبر, عددا من صحفيي مجموعته ـ قبل أن يتم إطلاق سراحهم في اليوم التالي بأمر من القذافي ـ بسبب افتتاحية صحفية ظهرت في صحيفة أويا, دعت إلى عودة أعضاء مجلس قيادة ثورة 19969 التي جاءت بالقذافي إلى السلطة, لاحتلال مناصب عليا في الدولة. وهؤلاء هم : عبد السلام جلود , والخويلدي الحميدي, ومصطفى الخروبي, وأبو بكر يونس. هذه الشخصيات, ربما تكون, بحسب كاتب الافتتاحية, التي كانت تعكس فكر سيف الإسلام, الأكفأ من غيرها؛ لتطهير البلاد من كوارث الفساد, والمحسوبية, والمحاباة التي تعمها.
من آخر "نجاحات" سيف الاستعراضية, إطلاقُ سراح عدد من المساجين الذين ينتمي جزء منهم إلى الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة, التي قادت حربا دموية على القذافي في برقة, وهدمُ سجن أبي سليم[7], المشهور, للأسف, بتعذيبه. كما اقترب ابن القذافي, في النهاية, لدوافع خفية واضحة, من ماضي ليبيا الملكي, في حين أن أباه هو من طرد الملك إدريس الأول في عام 1969؛ فزار سيف واحة الجغبوب, مسقط رأس السنوسية, الحركة السياسية الدينية التي قادت المعارك ضد الاحتلال, والتي خرجت منها الملكية, وأدان الإهمال الذي تعاني منه المساجد, وقبور كبار رجالات الطريقة, التي دمرتها ثورة والده. أعلن سيف الإسلام, الذي لم يستسغه "حرس اللجان الثورية القديم", في عام 2010, عن اعتزاله الحياة السياسية, وعدم التدخل في أعمال الدولة, مما دعا كبيرا من المراقبين, باستثناء بعض الدبلوماسيين المطَّلعين جيدا, إلى إعلان موته سياسيا, وانتصارِ أخيه المعتصم, الذي استقبلته هيلاري كلينتون في واشنطون. لكن سيف الإسلام هو من تكلم, خلال أعمال شغب 2011, مرات عديدة من على شاشة التلفزيون, واستقبل الصحافة؛ لتهديد المتمردين [الثوار], والتقليل من أهمية أعمالهم.
على أي حال, فإن رغب وصيف الطاغية تغيير مهنته يوما ما, فيمكنه أن يصبح رساما؛ لأنه يرسم في أوقات فراغه, ويعرض أعماله السريالية عبر العالم. فقد أقيم معرضه المتجول, ذو العنوان الشعري "الصحراء ليست صامتة", في صالة ألبير ميموريال جاردينز في لندن (من 25 يونيو إلى 10 أغسطس), وفي برلين, وطوكيو, ومدريد, وسان باولو, وموسكو, و ... في معهد العالم العربي بباريس , الذي كان يتمنى استمالة القائد ليقبل دفع المبالغ المتأخرة المستحقة للمعهد على الجماهيرية, ومبلغ السبعة عشر مليون دولار الضروري لإقامة معرض كبير عن الكنوز الأثرية الليبية, يطمح إليه متحف اللوفر. ضم معرض ابن القذافي, الذي مولته مؤسسة القذافي, حوالي خمسين لوحة من أعماله, كان من بينهن لوحة مذهلة بعنوان التحدي, تُصور قسُسا يحملون صليبا كبيرا على شاطئ البحر, تهيمن عليهم صورة القائد الليبي بجسم نسر, ونظارات شمسية على أنفه. المفروض في هذه اللوحة أن تجسد, كما يمكن أن نخمن, انتصار الحق على الصليبيين الذين فرضوا الحصار على البلد. هدَم النقاد هذا المعرض, ضاحكين من قفزات الفنان السياسية, أو من رومانسيته الوردية, ومشيرين إلى اختلاف الأسلوب من لوحة إلى أخرى ـ مما يدعو إلى افتراض أنها لم تكن جميعها من رسم سيف. وقد عبر جوناثان جونس في الجارديان, عن ذلك تعبيرا مباشرا بقوله : "يعتبر ابن العقيد القذافي, بلا شك سفيرا ثقافيا مطلعا, لكنه لا يصل في فن الرسم إلى درجة الهاوي الموهوب؛ فعاطفيته المتكلَّفة لا يساويها سوى عدم كفاءته التقنية"[8]. لا بد من الإشارة هنا, إلى أن معمر القذافي لم يف بوعده الذي قطعه لمعهد العالم العربي؛ فقد طلب تخفيف دينه, الذي تم تقسيطه على دفعات, ولم يُموِّل, على الرغم من "اللفتة" التي قُدمت لابنه, أبدا المعرض الأثري الكبير المتوقَّع !
يهوى الأخ الأصغر لسيف الإسلام, المسمى الساعدي (مولود في عام 1973), كرة القدم , التي لعبها, وهو نائب رئيس اتحادها,  في نادي اتحاد طرابلس, بطل الدوري المحلي لإحدى عشر مرة, والذي كان يرأسه, قبل أن يُجَرب حظه في ناد بيروجيا الإيطالي, الذي لم يلعب فيه تقريبا, وقد أوقف عن اللعب مدة ثلاثة أشهر, في عام 2003, على إثر فحص ضد المنشطات كانت نتيجته إيجابية, واختاره متفرجو الراي [الراديو, والتلفزيون الإيطالي], ثاني "أسوأ لاعب" في الدوري الإيطالي, فانتهى به الأمر إلى وضع حد لمسيرته الكروية. نجح الساعدي, الذي له عدة أصدقاء في الوسط الكروي (مارادونا, رونالدو...), والذي يملك أسهما في نادي يوفنتوس لكرة القدم, الذي استثمر فيه 14 مليون جنيه عن طريق شركة الاستثمارات الليبية الخارجية, التي كانت اشترت, في السبعينيات, 10% من أسهم فيات, بناء على طلب الرئيس أجنيلي, الذي كان يواجه أزمة اقتصادية خطيرة, بسبب ارتفاع أسعار النفط, في تنظيم كأس السوبر الإيطالية, في عام 2002, في طرابلس, وفي أن يلعب ضمن فريق زين الدين زيدان مباراة ضد فريق بوردو نظمت , في السنة نفسها, لصالح أطفال الصحراء[9]. كما أمر في عام 2002, على إثر معركة ضارية بين مشجعين في بنغازي, بحل نادي المدينة الأهلي, وبهدم مقره, وباعتقل حوالي خمسين شابا. عمل الساعدي, أيضا, في القوات المسلحة, التي يقود فيها اليوم وحدة من قوات النخبة.
ويملك, وهو العاشق للسهر, يختا بطول 1200 قدم, وكان يقود في إيطاليا سيارة من نوع لامبورجيني ديابلو, وهو المورد الرسمي لعلامة أديداس في ليبيا. دشن كذلك مشروعا ضخما  "جنة لأصحاب المليارات", على غرار "هونج كونج", على شريط ساحلي بطول 40 كلم بين زوارة, ورأس جدير (في غرب ليبيا), وقد كان سيتمتع بمعاملة خاصة تسمح له بالالتفاف على قانون تحريم الخمر المطبق في ليبيا القذافي "المتزمتة". لا يتراجع العقيد أمام أي شيء, من أجل إشباع شهية ذريته !
الولد الثالث الناتج عن الزواج الثاني, هو المعتصم بالله القذافي, العقيد في الجيش, ورئيس شركة النقل البحري الوطنية, التي تنقل الجزء الأكبر من النفط الليبي[10], وقد عينه والده رئيسا لمجلس الأمن الوطني في عام 2007, قبل أن يستبعده عنه, بسبب ولعه بالخمر, وبسبب مناوشة حصلت بين كتيبته, وبين حرس أبيه. نُفي إلى مصر, لكنه عاد., في عام 2009, واستعاد حظوته, بدعم من ابن عم أبيه, أحمد قذاف الدم.[11] . ثم استقبلته, بشعره الطويل, وبزته الحريرية اللامعة ذات اللون البني, وزيرةُ الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون, في واشنطون , في شهر أبريل 2010, وعُين مستشارا لمجلس الأمن الوطني, في عام 2010. لقد عاد الحديث عنه مرة أخرى, في احتفالات السنة الجديدة, عندما صُوِّرت إقامته في فيلم نشر على موقع اليوتيوب, يشاهد فيه حفلات كبيرة, من بينها حفلة رأس السنة, التي غنت له فيها بيونسي نولس, مقابل مليون دولار. كما ضغط المعتصم, بحسب موقع ويكيليكس, على مدير شركة النفط الوطنية, شكري غانم, ليمنحه مبلغ مليار, ومائتي مليون دولار.ما أتفه هذا المبلغ!
هانيبال القذافي, ذو التكوين العسكري, معتاد على فقرات أخبار الحوادث في الجرائد؛ فقد خرج, عند زيارته روما, في عام 2001, من أحد النوادي الليلية ثملا, وتسبب في معركة مع بعض الشُرَط الإيطاليين, الذين رشهم بمطفأة حريق, مما تسبب في نقل ثلاثة منهم إلى المستشفى . لكن لم تتم متابعته قضائيا, لأن ابن العقيد, الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 25 عاما, كان يحمل جواز سفر دبلوماسي, يمنحه, بحسب اتفاقية فيينا, الحصانة.
ظهر في عام 2003, في عراك أخر في روما, جُرح فيه ستة صحفيين, وسار بسيارته البورش, في عام 2004, في شارع الشانزيليه, بباريس, عكس الاتجاه, وبسرعة 140 كلم في الساعة, ومتجاوزا عددا من الإشارات الضوئية الحمراء, قبل أن يأمر حراسه بمواجهة قوات الأمن التي حاولت إيقافه, فجَرحوا شرطيا من فرقة مكافحة الجريمة. لقد نجا هنا أيضا من المتابعة القضائية, لكن حُكم على أحد حراسه بالسجن شهرا مع وقف التنفيذ, وبغرامة مالية قدرها 1000 يورو. أما القائد فقد اقتصر, عندما طلب منه التعليق على الحادث, على التقليل من شأن القضية, وقال: "إنه شاب. هذا أمر عادي".
حكمت محكمة جنايات باريس على هانيبال القذافي, في عام 2005, بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ, وبغرامة قدرها 500 يورو؛ لضربه محظيته الحامل في شهرها السابع, في أحد فنادق باريس الفخمة, لوروايال مونسو, ولحمله سلاحا بلا ترخيص, ولمهاجمته الشرطة, والمسعِفين.
صحب هانيبال زوجتَه إلين سكاف, عارضة الأزياء السابقة, إلى سويسرا, في عام 2008, لتلد في أحد مستشفيات بحيرة جنيف الخاصة , وأقم الاثنان في فندق الرئيس ويلسون, الذي قام العاملون فيه, بعد رؤيتهم سوء معاملة الزوجين من يعملون معهما, خادمة تونسية, وسائق مغربي, بتنبيه الشرطة, التي قامت باعتقال هانيبال, وزوجِه, بتاريخ 16 يونيو من عام 2008, واتهامهما "بالتسبب في جرح موظفيهما جراحا بسيطة, وبتهديدهما, وبتخويفهما". كما اتُّهم حارساهما أيضا بمحاولتهما مقاومة الشرطة, لكن القائد أنكر بعد ذلك, سلوك جلاوزة ابنه العنيف. تعرضت زوجة هانيبال, الحامل في شهرها التاسع تقريبا, خلال الاعتقال, لوعكة صحية, ونقلت إلى المستشفى. أما هانيبال فقد أمضى ليلتين في الحجز الوقائي, الذي لم يخرج منه إلا بعد دفع ضمانة قدرها 500000 فرنك سويسري. وقد تسبب هذه الحادثة, التافهة في الواقع, في أزمة دبلوماسية, لم يسبق لها مثيل, بين ليبيا, وسويسرا, وقرر القذافي, الغاضب من المعاملة التي تعرض لها ابنه, ردا على ذلك, اعتقالَ ماكس جولدي مدير إيه بي بي في طرابلس, والتونسي السويسري رشيد حمداني وكيل شركة بناء سويسرية, بحجة دخولهما من غير تأشيرة. ليست هذه الطريقة بالجديدة على القذافي, فقد قَبض, في شهر أكتوبر من عام 1983, على ستة وثلاثين مواطنا فرنسيا, كما تقدم, "احتجاجا" على اعتقال فرنسا عميل مخابرات ليبي مطلوب في إيطاليا ! أعلنت ليبيا, في بداية الأمر, عن عدم منح المواطنين السويسريين التأشيرة, وسحب الأموال الليبية من البنوك السويسرية, ومنع تصدير النفط إلى سويسرا, ثم ألغت الرحلات التي تقوم بها خطوطها الجوية سويسير. كما تم, من جهة أخرى, اعتقال أخ الخادم المغربي في ليبيا, ولم يُفرج عنه إلا في شهر أغسطس من عام 2009. ما ذا يريد القذافي ؟ إنه يطلب, بكل بساطة, الاعتذارَ, ومعاقبةَ شرَط جنيف الذين اعتقلوا هانيبال, وزوجه ! انتهى القدافي, الذي طلب من الأمم المتحدة تفكيك سويسرا, وتوزيعها على جيرانها, بحيث يُضم الجزء السويسري الناطق بالألمانية, إلى ألمانيا, وسويسرا الغربية إلى فرنسا, و لو تيسان إلى إيطاليا, في نهاية هذا الوضع المعقد الطويل, وبعد زيارة رئيس الاتحاد السويسري هانس رودولف ميرز, الذي جاء ليقدم له "اعتذار سويسرا الرسمي عن اعتقال هانيبال القذافي, ابن قائد الثورة, الظالم" إلى التنازل؛ فأفرج, بتاريخ 10 يونيو 2010, عن ماكس جولدي, مقابل دفع دية قدرها 1,5 مليون فرنك سويسري[12].
تبين هذه القصة التي لا تصدق, جيدا جنون معمر القذافي, الجاهزِ لإعلان الحرب على دولة مسالمة جدا, كسويسرا؛ من أجل "الانتقام" للإهانة التي لحقت بابنه الذي كان مخطئا. إذن فلا عجب من قيام طاغية طرابلس بتدمير ليبيا؛ انتقاما "للإهانة" التي ألحقها به [الثوار].
لم يكتف هانيبال بإثارة أزمة دبلوماسية خطيرة جدا, فعاود الكرة, عندما استدعى العاملون بفندق كلاريدجس اللندني الفخم,  الذي كان يقيم فيه, هو وأسرته, في شهر ديسمبر من علم 2009, الشرطة بسبب الصيحات التي كانت تطلقها زوجه, التي كان يُعتقد أنه ضربها, فكسر لها انفها ـ فرضيةٌ كذبتها أسرة المعني عندما سألتها الصحافة عنها في بيروت, مما اضطره إلى استخدام الحصانة الدبلوماسية, للاعتراض على تدخل الشرطة اللندنية. لكن حراسه الشخصيين الذين حاولوا الاعتراض على تدخل الشرطة, اعتقلوا مدة قصيرة من الزمن, بتهمة عرقلتهم عمل قوات الأمن[13]

أما ابنة القذافي, عائشة, وهو اسم جدتها, فقد ولدت في عام 1976, ونالت شهادة في القانون من جامعة الفاتح. كما أنها ضابطة في الجيش الليبي[14], ورئيسة جمعية واعتصموا الخيرية, التي نَظمت في شهر مارس 2004, بباريس, بالتعاون مع المجلس الأوروبي, مؤتمرا عن "الحوار بين الحضارات", وهي تناضل ضد المجاعة في أفريقيا, وضد العنف الأسري, مستوحية ذلك, بلا شك, من مشاكل أخيها هانيبال مع القضاء. أعلنت هذه الجمعية, بتاريخ 5 ديسمبر من عام 2008, منح "قلادة الشجاعة", الصحفيَّ العراقي منتصر الزيدي, الذي رمى الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بزوج من الأحذية. كل التكريم, للسيد العظيم !
دافعت عائشة المحامية, عن صدام حسين, الذي التقت به مرة واحدة قبل خلعه, دون أن تذهب إلى المحكمة, "لأسباب أمنية. بدأت هذه الشقراء,التي تبدو القسوة على محياها, والتي لقبتها الصحافة الإيطالية بـ "كلوديا شيفر الصحراء", بتقديم صورة حديثة عن المرأة الليبية, قبل أن تتحجب. وقد صرح القائد, عندما سؤاله عن ذلك, قائلا : "أنا مع الحرية...عندما كانت عائشة سافرة, لتكون امرأة عصرية, لم أردعها عن ذلك. وعندما قررت الآن أن تتحجب, لم أنهها عنه"[15].
عينتها الأمم المتحدة, في عام 2004, سفيرة للنوايا الحسنة, لكن هذا اللقب سحب منها بعد بداية الثورة, في شهر فبراير من عام 2011. وقد ردت على ذلك الخبر, وهي مُدثِّرة في معطفها المصنوع من الفرو, قائلة : "كل الليبيين يعرفون أنشطتي المتعلقة بمساعدة الناس, مع الأمم المتحدة, أو بدونها". كما كُتب عن هذه, التي تستحق, بحسب العقيد, أن تنال يوما جائزة نوبل للسلام, كتاب, كتبه تونسي مقيم في سويسرا, اسمه سامي الجلولي,  يشكو اليوم أنه لما يتلق أجره بعد[16]. عنوان هذا الكتاب, الذي طَلب كتابته رئيس جمعية واعتصموا التنفيذي, هو أميرة السلام !
تحتل تلك, التي اعتبرتها مجلة فورب إحدى النساء الأكثر نفوذا في العالم العربي, عددا من المناصب الشرفية (مثل أمينة شرف اتحاد الناشرين الليبيين), وتدير جزءا من الثروة العائلية. لقد تعجب إدموند جوف, الذي قال عنها : إنها "مشرقة, وكاملة, وعاطفية" من عدم وجودها من بين المنظِّمين لمؤتمر عن العراق عُقد في ليبيا, وحضرته ابنة عبد الناصر, لكنه وقف على السبب, فعرف أن عائشة تأخرت في مطار نيس, بسبب رفضها أن يفتشها رجال الجمرك ! فانتهى بها الأمر إلى السفر في طائرة خاصة, استأجرها لها السفير الليبي في فرنسا... إنها قضية مبدأ ! نظمت, خلال اعتقال أخيها هانيبال في سويسرا, مؤتمرا صحفيا في فندق الرئيس ويلسون, الذي اعتقل فيه؛ من أجل إدانة ذلك "العمل الغير قانوني, والمضاد للسامية, والموجه ضد العرب", وهددت بقولها : "العين بالعين, والسن بالسن, والبادئ أظلم"[17]. إنه لأمر عجب أن تحتج محامية بقانون الانتقام...
تدعو عائشة نفسها "دكتورة". كان يظن أنها تحمل درجة دكتوراه في القانون حصلت عليها تحت إشراف الأستاذ إدموند جوف في جامعة باريس الخامسة رينيه ديكارت. لكن الحقيقة مختلفة؛ إذ إن الفتاة قد سُجلت في الجامعة , وسلَّمت المشرف على أطروحتها نسخة منها مطبوعة على الآلة الكاتبة, عن "مجلس الأمن", تُدين فيها سيطرة الولايات المتحدة على هذه المؤسسة , المشكَّلة بطريقة اعتباطية ـ فكرةٌ استعارها منها والدها عند مداخلته على منبر الأمم المتحدة ـ. لكنها قررت في اللحظات الأخيرة عدم مناقشتها, بحجة  أنها "لم تعد تؤمن بالقانون الدولي". هذه الحجة غير مقنعة. هناك أسباب أخرى لم يُعترف بها, تشرح هذا القرار الغير متوقع. مستوى عائشة في اللغة الفرنسية ضعيف, وتابعت دروسا مكثفة فيها, يبدو أنها لم تعنها على بلوغ المستوى الذي يمكنها من مناقشة أطروحتها. إن كان الأمر كذلك, فليس من المستحيل أن تكون قد عهدت, كما فعل أخوها, بكتابتها إلى شخص آخر...هناك سبب آخر قدمه أحد المقربين منها, يكمن في أن سيف الإسلام قدَّم, قبل أن يكتفي بالدراسة في لندن, طلبا للدراسة في السوربون, لكن الرئيس ميتيران رفض منحه تأشيرة دخول إلى فرنسا, فدفعه الغضب إلى أن يطلب من أخته أن تتخلى عن شهادة دكتوراه يمنحها بلد صرَّح بأنه شخص غير مرغوب فيه. قضية شرف, أو حسد. ربما يكون القائد هو من طلب من ابنته التخلي عن مناقشة هذه الأطروحة المثيرة للجدل, والتي تنتقد الولايات المتحدة, التي كان يرغب, يائسا, في التقرب منها....لقد وجدت ابنة القذافي الوسيلة لتجاوز كل هذه العوائق, والحصول على شهادتي دكتوراه شرف, إحداهما في القانون الدولي من جامعة ترهونة الليبية, والأخرى من أكاديمية الطاقة, والبيئة, في جمهورية أذربيجان !
تقول عائشة إنها قريبة جدا من والدها؛ ويؤكد أحد أصدقاء العائلة أنه "يسمح لها بكل شيء", باستثناء قضية الزواج؛ فقد اضطرت إلى النزول عند رغبة أبيها, وتزوجت, في عام 2006, الضابط أحمد القذافي القحصي,الذي أنجبت منه ثلاثة أطفال, هم : عبد السلام, ومعمر, وجينا . تعترف قائلة : "علاقتي بوالدي غريبة ؛ إذ أشعر, أحيانا, بأنها كتلك التي تكون بين محكوم, وحاكم, وأحس أحيانا بأنها علاقة بصديق كريم"[18]. مهما كان الأمر, فإن هناك شيئا مؤكدا : ليس من السهولة بمكان أن تكوني ابنة قائد الثورة !
الولدان الأخيران للقذافي هما : سيف العرب, البالغ من العمر ثلاثين عاما, والضابط, المتخرج من جامعة ميونيخ التقنية. والذي قتل في قصف لحلف شمال الأطلسي, في ليلة الواحد من شهر مايو 2011. وخميس البالغ من العمر 29 عاما, والمتخرج من الأكاديمية العسكرية الروسية, والقائد لإحدى وحدات القوات الخاصة.
وأخيرا حنان ابنة العقيد بالتبني, والتي ماتت وعمرها سنتان, في أثناء عملية "الإلدورادو كانيون" التي قادها الأمريكان ضد طرابلس, وبنغازي ردا على تفجير برلين. تُشكك بعض المصادر في وجودها نفسه, وتؤكد أخرى أنها قد تُبُنيت رسميا بعد القصف؛ من أجل تحريك مشاعر الرأي العام.
لقد حابى القذافي, ككل الطغاة, أقرباءه, فوضع أفراد أسرته في أهم مناصب النظام. كما أنه لم يتردد, على غرار ابن علي, وحسني مبارك, في أن يخص أقاربه بميزات كثيرة, ولعب على التنافس بين أبنائه؛ لكي لا يتعالوا عليه, ولا يفقد شيئا من سلطته. لكن كل شيء يشير إلى أن مغامرات ذريته قد غذت الغضب الشعبي, وأسرعت بآلية الانتفاضة ضده...



[1] Abdelaziz Barrouhi, « Un Daophin sous surveillance », Jeune Afrique, 5 février 2009.
[2]  انظر الفصل المعنون بـ"احتكار".
[3]  قبل الأمير تشلرلز, من جانبه, في عام 2007, تولي رئاسة الجنة الدولية لحماية برقة, مع سيف الإسلام !
[4] Le Figaro, 4 mars 2011.
[5] Le Figaro, 7 décembre 2007.
[6] احتلت اللجان الثورية, في عام 1992, وكالة الأنباء الليبية الرسمية جانا, وأقالت مديرها, المتهم بالتضليل Le Monde11 juin 1992))
 [7]  مازالت بنيان هذا السجن قائمة, وقد أودعه كثير من ثوار ثورة 17 فبراير حتى حررهم إخوانهم بتحرير مدينة طرابلس (المترجم)
[8] Jonathan Jones, « Dad, you’re in my painting », Guardian, 23 juillet 2002.
[9] Cf. le journal algérien Liberté, 1er octobre 2002.
[10]  يخلط المؤلف هنا بين المعتصم, وهانيبال, لأن الأخير هو من كان يرأس هذه الشركة (المترجم).
[11] Maghreb Intelligence, 15 avril 2010.
[12] 24 heures, 17 juin 2010.
[13]  لقد ذكر اسمه, بحسب بعض المصادر (Nice Matin, 25 février 2011), أيضا, في إطار تحقيق متعلق بشبكة دعارة على الساحل اللازوردي, الذي يوجد عليه يخته ذو السبعة والعشرين مترا, والمسمى تشي جيفارا...
[14]  أشارت العربية, بتاريخ 23 فبراير من عام 2011, إلى أنها تجيد استخدام الأسلحة النارية, والقنابل اليدوية.
[15] Jouve, op. cit., p. 110.
[16] Le Temps, 19 mars 2011.
[17] Le Temps, 18 juillet 2008.
[18] Jouve, op, cit., p. 269.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق