تسابق الصحّافون الليبيون وتدافعوا، وذلك لنيل جائزة سوبر ستار الصحّاف
الليبي، حتى حيروا لجنة التقييم حول من سيكون حامل اللقب من بين كل هؤلاء
المتبارين المندفعين والذين غصت بهم قاعات الفرز، وخنقوا ركح المسابقة؟، وخلال
سبعة أشهر من المسابقة زادت حيرة اللجنة، والمصوتين، حول من يستحق أكثر حمل هذا
اللقب؟ ومن هو أكثر موهبة واقناعًا؟.
ومن شروط الفوز بهذه الجائزة ... هي التفنن في الكذب، والأناقة والرشاقة
والصفاقة في التمويه والتعتيم. بدأت النهائيات، وشرعت اللجنة في التقييم، والمشاهدون
في المتابعة والاستماع والتأهب للتصويت.
كان يوسف شاكير المتباري الأول، وكان
الأكثر تحفزاً، هذا الحصان العجوز المنفلت العقال، وقد بدا في البداية أشعثاً، وظل
يصهل في قناة القنفوذ (القناة الرسمية كما يسميها الليبيون) بمناسبة وبدون مناسبة،
ويرفس يميناً ويساراً، فقد أحس بأن هذا أوان لعبته، وبدأ يسًن صلعته استعداداً
للعرض مستعيناً بكل ما في جعبته من خبث وخسة وحسد.
في البداية ولج شاكير الإذاعة بقميص وسروال، حتى تم تشديبه وتوضيبه وتهذيبه
في باب العزيزية، وتنوعت بعد ذلك الطلات والبدلات، بالإضافة إلى اكسسوار آخر هو
تلك المسبحة الافعوانية حتى تكتمل الطقوس... استعان شاكير بكل ما لديه من حسد
للمعارضين الليبيين الذين لم يسقطوا الراية، ويترجلون عن أحصنتهم ويستسلمون
للطاغية –كما فعل هو- كان مثالاً للمعارض الفاشل بامتياز "فلقد تخلى عن
المعارضة، وعاد إلى ليبيا ظناً منه بأنه سيكون بطلاً، والذي حدث أنه تم ركنه"
لذلك كان معقداً من أولئك المعارضين البواسل والذين كانوا ثواراً بحق لأنهم لم
ينحنوا، أو يتراجعوا إلى أن سقط النظام، فكان واضحًا مدى الحسد الذي يكنٌه شاكير
لزملائه في المعارضة سابقاً..
لذلك كان أول ما قام به هو اطلاق كل الزفت الذي ترسب في أعماقه اتجاههم،
فهو يعرض في بداية الحلقات جوازات سفرهم الأمريكية والأروبية، بعد أن انتقلوا من
دار الوطن إلى دار الغربة مكرهين.. ولا غرو.. فما المشكلة كونهم يحملون جنسيات
أخرى تبعاً لإقامتهم، وأيضا لتحميهم وتحمي أسرهم من الأخطبوط القمعي للطاغية.
ويستمر شاكير في سن صلعته، وهو يظن بأنه أتى بالصيد من ذيله، ويظل يشتم
بأسلوب بذيء، ويفكر بصوت عالٍ فما كان يضمره بينه وبين نفسه ها هو يقوله علناً،
ويزداد شعوره بالنشوة في كل مرة يخرج إلى الشاشة، وبالذات بعد أن تم تعيين حرسٍ
شخصي له، بعد أن وجد فيه الديكتاتور ضالته، فهو معارض سابق وينتمي إلى مدينة
بنغازي، ومن أولاد البلاد في بنغازي، وما أدراك ما بنغازي، المدينة التي شهدت
انطلاقة شرارة الثورة، بنغازي العصية دائماً، كما وصفها المعارض والناشط الأستاذ
حسن الأمين في إحدى حلقات قناة مستقلة المواكبة لأحداث الثورة الليبية.
فربما يستطيع شاكير بلكنته البنغازية فرملة هذا الجموح الثوري الهادر هناك،
ولكن هيهات.. فأوان الذل قد ولى، وجاءت ساعة العز وها هم حتى إخوة شاكير قد تبرأو
منه على الملأ، وعبر الأقمار الصناعية، ولدى المحامي.
ظل شاكير طوال سبعة أشهر يطل على الناس من خلال برنامج "عشم
الوطن" وكان من الأولى تسميته "غُشم الوطن" بضم الغين، وكان شاكير
كالحاوي الدي يظن نفسه يذهل البسطاء بألاعيبه وحيله، وبما يخرجه من جرابه، وبجيش
الجن الذي نزل لقمع الثوار، ولم يشعر بأن أغلب الشعب يضحك عليه وليس له، لأن
ألاعيبه باتت مفضوحة، فتلك الحمامة التي يخرجها من القبعة هي موجودة في إبطه، وتلك
الورقة التي صارت عملة، هي ورقة لها وجهين. حتى جاء شهر رمضان الدي تبطل فيه
أفاعيل السحرة والحواة، وكان يوم 20 رمضان، هو اليوم الذي تحررت فيه طرابلس من
الطاغية وأفاقيه.
أما المتبارية الثانية فكانت هالة المصراتي، وبرنامجها "ليبيا
هذا اليوم" في "قناة الليبية" واختاروا لها وقتا متأخراً، فلعلها
تداعب هواجس الثائرين، وتذكي خيالهم، فهي تبدوا في ذلك الأستوديو وحيدة، وتظل تؤكد
ذلك وبأنها تبيت في الإذاعة، وبالطبع هي الأخرى تنتمي إلى مدينة هي بؤرة الثورة في
الشمال الغربي، ألا وهي مصراتة، والتي ظلت تقض مضجع الطاغية، فلعل هذه الهالة التي
لا ضوء فيها تهديء من روع الثوار في مصراتة، ولكن هيهات، فمصراتة المدينة
الاقتصادية الوادعة، ظلت أبية، وتحول ثراها إلى لهيب مستعر تحت براثن كتائب
القذافي، وغدا شبابها أسوداً يزأرون في مشهد سيبقى مطبوعاً في ذاكرة ثورات الربيع
العربي.
ظلت هالة، طوال السبعة أشهر، تبرطم وتهدد وتتوعد، وقد غلبت عليها الأنا،
وكانت وهي تقتحم غرف البالتوك والإيميلات الالكترونية، تتخيل بأنها فتحت الهند
والسند، فما أن تنتهي من عرض كل واحدة منها، حتى تتنفس الصعداء، وكأنها قد عثرت
على الكنز المفقود، أو فكت الخيط الذي يبطل مفعول الإنفجار، ويطفئ لهيب الثورة
المتأجج.
وأيضا ظلت تحاول أن تقلل من شأن هذه الثورة، فتقول مثلا أن أهل مدينة
أجدابيا يعيشون حالة الثورة كأنها حقيقة، فحتى بعد كل تلك التضحيات تصورهم كأنهم
في نومهم يعمهون ويحلمون.
المتباري الآخر سعياً نحو لقب الصحاف الليبي هو مصطفى قادربوه، والذي برز إلى الناس فجأة عبر قناة الشبابية ،وهو شاب من مدينة بنغازي،
وابن شاعر معروف، ويبدو أنه ورث منه بعض أبجديات الأدب، ولقد قام أهله بالتبرأ منه
على الملأ أيضاً، ولدى المحامي، وظل مصطفى يتوعد ويهدد بأن جيشًا من النمل الفارسي
(نوع من النمل الكبير) الثائر يتكون في المنطقة الشرقية، مرة يقول بان عددهم بلغ
خمسون ألفاً، ومرة أخرى يقول بأنهم وصلوا إلى مائة ألف، وأنه هو كبيرهم، وبأن قوات
النمل هاته سوف تلتهم الثوار في لحظة سوف تأتي قريباً.. قريباً، فها هم جنوده
النمليون البواسل مزروعون في كل أنحاء الشرق.. ومنتشرون في محكمة بنغازي، وبين
ثنايا وأعطاف أعضاء المجلس الوطني الانتقالي، يعضونهم متى أرادوا، وينقلون كل
أحاديثهم، بل ويتجسسون حتى على همساتهم، وظل المشاهدون الموالون للقذافي، يترقبون
لحظة الفصل، ويتصلون به.. ألم تقل يا مصطفى كذا وكذا؟ ويظل يجيبهم بجمل عربية يظهر
عليها الصنعة والرصف.
إلى أن اهتدى السيد مصطفى إلى أحجية مخدرة وطريفة، لعل الموالون ينسون بها
كتائب النمل المرتقبة، والتي لم يدرك هو حلها رغم أنه مبتدعها، وظل يعيدها مرراً
وتكراراً، وبالذات بعد أن أعجبت زميلته وديان، هذه الأحجية تقول "أن الطاغية
عمره 69 سنة لو نقصنا منها 27 سنة وهو عمر الطاغية ساعة انقلابه، تكون النتيجة 42
وهو عدد سنوات حكمه الجائر، ولو نقصنا 69 من 42
تكون النتيجة عمر الطاغية وقت انقلابه..." لكن الذي لم يدركه مصطفى أن
الحل هو أن ساعة الطاغية قد حانت...
أما المتباري الآخر هو السيد حمزة التهامي، المتحفز دائماً كالثور
الاسباني.. فها هو يتوعد بنسف مرتفعات الجبل الأخضر والجبل الغربي، وبأن النظام
البائد يراقب عن كثب ما يختلج في القلوب والحنايا، وإن تطلب الأمر سوف يقوم النظام
بمداهمة الصدور لإعتقال النوايا.
ونصل إلى المتباري الأكثر تفنناً في التعتيم والتمويه، وهو موسى ابراهيم،
الذي يتنقل كالخفاش من حبل إلى حبل في رمشة عين، فمن مترجم بخارجية النظام السابق
إلى المتحدث باسم الخارجية، إلى المتحدث باسم القذافي نفسه، بعد أن لم يبقى للقذافي
إلا ظله.
وتبقى الكذبة الأكبر لموسى ابراهيم هي أنه بعد أن سيطر الثوار على صبراتة
والزاوية وصرمان، وقاموا بتحرير هذه المدن، واقتربوا من العاصمة، ظل يقول بأن
النظام قد قام بقطع الامدادات على الثوار، بمعنى أنهم الآن محاصرون.. وما هي إلا
طرفت عين حتى قاموا بتحرير طرابلس.
فمن في رأيكم أيها القراء يستحق جائزة سوبر ستار الصحّاف الليبي من بين كل
هؤلاء؟.. أم أنا فوجهة نظري بأنه ليس لدينا سوبر ستار واحد بل مجموعة، فالصحّافون
الليبيون حطموا بحق أسطورة الصحاف العراقي وعلوجه.
أبو بكر خليفة الفاخري
صحافي وباحث ليبي في القانون العام
-
جامعة محمد الخامس المغرب-
Libyan_ 11_17 @ hotmail.fr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق