طبيعي أن
تنتشر الشللية في ظل الحكم الاستبدادي الشمولي في الأقطار العربية، الذي يمكث فيه
الحكام سنين طويلة، فمنهم من يبقى عشرين وثلاثين وأربعين عامًا، وهكذا يتم تجديد
الرئاسة له ويعدل الدستور من أجله، حتى وإن كان ذلك يخالف رغبة الزعيم في
الاستمرار بالحكم.
وهذا شيء
طبيعي أيضا لأن المتسلقين، وهم كثر في أمتنا، يطالبونه بضرورة التمديد والاستمرار
من أجل المصلحة العليا للبلاد، حسب زعمهم، فهم لا يتصورون تونس بدون "بن علي"
ومصر بدون مبارك، وليبيا من بدون القذافي... وهكذا.
ولأن
الحاكم مستمر في حكمه، فهو حتمًا سيكون وفيًّا لمن حوله ممن يعتمد عليهم في
استمراره على سدة الرئاسة، وهم أيضا مستمرون في الجلوس على كراسيهم بمختلف أنواعها
وأشكالها، وإذا تململ الناس من أحدهم فسيتم تغيير الكراسي مع استمرار الأفراد بسُلطاتهم
حتى أصبح الحكم يمثل أسماء بعينها بصرف النظر عن الموقع الوظيفي
وحول هؤلاء
يعيش مجموعة من الطحالب من المنتفعين ماديًّا وسلطويًّا، وبالتالي ظهرت في
مجتمعاتنا ظاهرة الجماعات، ففي مصر أم الدنيا كانوا يقولون هذا من جماعة صفوت
الشريف، أو من جماعة زكريا عزمي، أو من جماعة أحمد عز، وانتشر مؤخر جماعة جمال
مبارك.
وهذا هو
الحال عندنا في ليبيا، فقد أصبح الناس يقولون " فلان هذا من جماعة عبدالله
السنوسي"، أو من جماعة سيف الإسلام أو المعتصم أو خميس، وعلى المستوى الأقل
من جماعة البغدادي أو بوزيد، وفي الأيام الأخيرة عرفت "جماعة شاكير".
بطبيعة
الحال، فإن هذا شيء مضحك ومبكٍ في آنٍ واحد، فهذه
الجماعات في وطني ليبيا، وفي بقية الأقطار العربية، تقاسمت الثروة والسلطة والجاه،
وأصبحت تمثل عصابات نهب حقيقية، تقوم نهارًا جهارًا بكل أنواع الممارسات اللأخلاقية
دون حسيب أو رقيب.
لكن هبّ
الشارع العربي في أقطاره المختلفة، وكانت الهبة الوطنية الليبية العظيمة في 17 فبراير
بمدينة الثورة مدينة الصمود والتحدي الدائم عبر التاريخ ضد كافة أشكال الظلم
والاستبداد، وهي مدينتي الحبيبة بنغازي، فمنها كانت الصرخة الأولى التي أستجاب لها
عشاق الحرية من كل أرجاء وطننا ولبّى أبناء شعبنا العظيم في كل المدن الليبية شرقًا
وغربًا وشمالاً وجنوبًا.
وبعد هذه
الهبة العظيمة يجب أن تنتهي إلى الأبد هذه المجموعات، ولابد أن لا نسمح لها بأن
تتكرر، حتى وإن كان هدفها الصالح العام، فلسنا في حاجة إلى "جماعات" و"شِلل"،
بل نحن في حاجة إلى تنظيمات الولاء فيها يكون لأهداف محددة تصب في مصلحة ليبيا
الحرة وتقدمها وتطورها وصون حرية وكرامة مواطنيها.
"لا"
و"ألف لا" لظهور جماعة فلان أو جماعة علان، وأحذر إخوتي بمخاطر الانزلاق
إلى ذلك، نحن قد نختلف ويكون لاختلافاتنا مناصرون ومعارضون؛ ولكن تحت مظلة تنظيم يهدف
بالأساس إلى توفير الحرية والديمقراطية والحكم العادل المستمد أصوله من مبادئ
الشريعة الإسلامية لكل أبناء الشعب الليبيي.
وأقول لكل
من يقع فى هذا الفخ أو هذه المصيدة- "الجماعاتية أو الشللية"- بقصد أو
بدون قصد: فكُّوها سريعًا وتخلصوا منها وتراجعوا وانصهروا في بوتقة التحرير مع كل
الليبيين، وإلا فإن من خرجوا فى 17 فبراير ومن قاتلوا ولا زالوا يقاتلون في أشرف
الميادين؛ ميادين التحرير، والجبهات التي ستنتصر فيها راية الحق على راية
الاستبداد، والذين يناصروا الثورة بالكلمة والمقال كل هؤلاء سيخرجون من جديد إذا
لزم الأمر لتصحيح المسار.
نعم لا للجماعات
والشللية، وهذه المرة لا أريد أن أقول أسماء، لأني أولاً أرى أنها قد تكون غير
مقصودة لمعرفتي ببعض أفرادها ومسمياتهم وأجنداتهم؛ ولكني أدعوهم لأن لا ينجروا
وراء ذلك، وتخلصوا منها فورًا، وكونوا خدامًا مخلصين أوفيا لبلد العطاء والنماء،
من أجل تحقيق الرخاء والسعادة والأمن والهناء لكل أبناء ليبيا.
جنيف
20\9\2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق