الخميس، 18 أغسطس 2011

صلاح بوشويقير : "درامــا الحـــرب الليـبــيــة"

هذه ليست مقالة في تأبين ضحايا جريمة خيانة واغتيال غادر ولا هي  تسفيه وتقريع للجناة الخونة... لكنه قراءة متأنية لفصل هام من فصول دراما الحرب الليبية .وهو تحليل لجريمة جنائية نفذت بدوافع سياسية ,تولى التخطيط لها جهاز مخابرات محترف لتحقيق عدة أهداف سياسية وعسكرية  في عملية واحدة .انه قراءة وتتبع لأخطر منحنى في مسيرة الثورة انه المنحنى الذي كاد ان يقلب عربات القافلة.
تقول قواعد إدارة الصراعات السياسية انه عليك أولا أن تحدد وتُعَرف الأزمة التي تواجهها وتجد نفسك أمامها .. ثم عليك أن تحدد وبدقة لاتقبل الخطأ جميع الأطراف المشتركين في الصراع مباشرة.. وكذلك المهتمين به.
لقد أصاب الشهيد اللواء عبد الفتاح يونس في فهم طبيعة الأزمة التي كلفه القذافي  بالاشتراك في أدارتها يوم 17 فبراير بصفته ركن من أركان نظامه الحاكم فقد عرف واستطاع اللواء إن يُقيم طبيعة الأزمة بأنها ليست معركة عسكرية يجب عليه خوضها والدخول فيها بصفته  قائد عسكري مُحترف وعلِمَ أنها ثورة شعبية عارمة وحقيقية لن تجدي محاولات التصدي لها... فحسم أمرُه سريعا وأنضم إليها وعرض المساهمة بالقتال ضمن صفوفها. ولكنه رحمه الله لم يتقيد بتحديد الإطراف الداخلة في الصراع بالدقة التي تستلزمها قواعد إدارة الصراعات السياسية فقد أهمل أخذ الحيطة في قراءة مواقف الرجال من حوله ولم يهتم بتحديد المصالح المتحركة والمتغيرة  أثناء دوران الصراع والتي تتغير مواقف المشتركين فيه بناء عليها. لقد ترك هذه التقديرات للمكلفين بالشأن السياسي بالمجلس الوطني الذين لم تسعفهم خبراتهم في عزل ميدان القتال وقادته عن ميدان العمل السياسي ووضع حدود صارمة للفصل بينهما فتداخلت خيوط الأزمة وكثرت الأيدي التي تتجاذبها.
 لقد كان الرجل بحكم وطبيعة عمله العسكري وما عوده عليه العمل مع الطاغية غير مُدرب على خوض مثل هذه الصراعات السياسية ولكنه فجأة وجد نفسه داخل ميدان قتال حقيقي وعنيف... لكنه مزدحم بمقاتلين من تيارات سياسية مختلفة اجتمعت على هدف وطني واحد وكل منها يتمسك بقيادته الخاصة التي تنظر للميدان بمنظار مختلف عن منظار قائد عسكري محترف.... لم يكن ميزان القوى لمصلحته  ولم تكن قرارات التحكم في ميدان القتال بيده وحده.
 "كنا قد نبهنا في مقالنا "سيادة اللواء استعد أستريح"المنشور بتاريخ15 يوليو بجريدة  ليبيا اليوم" من عواقب ومخاطر الانفلات وعدم التقيد بقواعد الانضباط الميداني في علاقة اللواء بجنود جبهة القتال "
...فكان بجانب جنوده النظاميين القلائل ممن لبوا نداء الالتحاق بوحداتهم .. مقاتلي الإخوان المسلمين المدعومين بخدمات تنظيم سياسي قوي ومنظم... ومقاتلي الجماعة الليبية المقاتلة المتمرسة على القتال......وتشكيلات مسلحة أخرى على شكل كتائب وسرايا كونتها جماعات مختلفة المشارب ومجموعات من شباب مدني ثائر لاينضوي تحت أي تنظيم وليست لهم أي خلفيات أو عقائد سياسية دخلوا للجبهة استكمالا لمعركتهم التي خاضوها بشوارع بنغازي عند اشتعال الثورة وكانوا يظنون أنها ستكون معركة خاطفة . ...كل هذه الأطراف مضافا إليها كتائب النظام المعتدية وطابورها الخامس المندس بين ألاف المقاتلين... وعيون قوات التحالف على الأرض لرصد ما يدور .وأخيرا حساسيات الرتب الكبيرة بالجيش الوطني الموجودة بجواره بالميدان وما نتج عنها من صراع معلن حول الأدوار بالميدان والطموحات في القيادة.......لقد أدى ازدحام الجبهة إلي فقدان اللواء لقدرته على الالتزام بقواعد الحيطة والحذر.وكان الوضع الميداني مثاليا لتنفيذ عمل استخباراتي قذر.
والمنطق الجنائي  في البحث عن الجناة في أي جريمة يفرض سؤال مبدئي هو من صاحب المصلحة في تنفيذ الجريمة؟ وفي واقعة الحال هناك طرف معلوم يكاد يتفق عليه الجميع هو نظام العقيد....ومع ذلك ولضمان سلامة الاستدلال والتحقيق لا يجب استبعاد طرف ثان مفترض ومجهول قد تكون له علاقة بموت وتصفية الشهيد اللواء ويجب البحث عنه من خلال قرائن الإحداث والوقائع فقد يكون هذا الطرف هو الأداة التي نفذت الجريمة من باب الخطأ والتسرع بسبب وقوعه في شرك تجنيده دون ان ينتبه للمكيدة المحاكة بتدبير جهاز مخابرات متمرس وله من الإمكانيات التي خدمت قصده الجنائي في إتمام الجريمة .
إن كافة الأدلة الجنائية المتساندة في واقعة الاغتيال كلها تشير إلي إن الجاني في جريمة الاغتيال هو جهاز مخابرات العقيد بالتعاون مع عملاء بأجهزة خارجية وعملاء  على الأرض.... وحيث إنه من السهولة على كل متابع أن يحدد الأسباب الظاهرة لتوافر مصلحة نظام معمر في الجريمة و هي حرمان الثورة من خبرات اللواء العسكرية وإحباط معنويات الثوار وخلق الشكوك وزرع الريبة بين صفوف الإطراف المتحالفة ضده بميدان القتال وخلط أوراق اللعبة وإدخال البُعد القبلي الذي يعتمد عليه ويعتبره القشة التي ستنقذه في نهاية المطاف وإجبار الغرب وقوات التحالف بإعادة حساباتها.........ووضع قدرات المجلس الوطني على المحك  في مواجهة تحدي سياسي  حقيقي عليه حسمه لوحده دون طلب مساعدة قوات التحالف .
ولكن دائما بجوار الأسباب والدوافع الموضوعية لمرتكب الجريمة هناك الدوافع الخاصة والنفسية وهي التي تحدد دائما شكل وأسلوب الأركان المادية للجريمة وأسلوب تنفيذها.
وعندما تحوم الشكوك حول جاني معين لديه سجل سوابق واعتياد على ارتكاب نوع معين من الجرائم وهي هنا جريمة التصفية الجسدية فأن قواعد البحث الجنائي تفرض مقارنة ودراسة أسلوب تنفيذ الجريمة ومقارنته مع سجل الجاني في جرائمه السابقة.
أن حياة اللواء كانت في متناول يد مخابرات النظام والطابور الخامس منذ عدة أشهر وان الوصول إليه لم يكن من الصعوبة بمكان سواء إثناء تحركه الحر الغير مقيد بقواعد الانضباط الميداني الذي تفرضه أصول العمل العسكري  داخل الجبهة وسط المئات من المقاتلين أو خلال تنقله المتكرر بين البريقة وبنغازي تحت حماية متواضعة لاتتناسب وحجم التهديد والاستهداف المعلن عنه من قبل النظام.
ان محاولة استخدام اللواء لمصلحة النظام لم تنقطع منذ الساعات الأولى لبداية الثورة فتارة يعلن عن تصفيته من قبل الثوار والتظاهر بسكب دموع الحزن عليه وتارة يعلن في تمثلية مفضوحة التحاقه بطرابلس والعودة لحضن العقيد ثم فتح نار الدعاية السوداء عليه والتلميح المخجل لمسائل شخصية للحط من مكانته بين الناس والثوار وفشلت كل المحاولات ولكن اللحظة التي قرر فيها العقيد تصفيته نهائيا, كانت يوم إن أعلن اللواء بحكم معرفته لنفسية العقيد  وقررإن يرسل إليه رسالة خاصة لم يفهمها سواه وذلك يوم إن قرر الخروج على الملايين المحتشدة بساحة الكيش في المظاهرة المليونية .
لم يكن ظهور اللواء من ضمن برنامج المسيرة لكنه قرر الظهور بمبادرة شخصية منه ليحتل مكان الزعيم المختبئ  على منصة الخطاب السياسي التي كان يحتلها ويحجبها عن الجميع ان بروز اللواء كشخصية كاريزمية مؤثرة في الجموع التفت حولها جماهير الثورة ووثقت فيه كقائد عسكري يمكن الاعتماد عليه كذلك حاز على ثقة المقاتلين رغم محاولات البعض التمرد عليه والتشكيك في ولائه .ان الخطاب القصير الذي ألقاه من على منصة ألقذافي الخاصة قد اسقط عن الزعيم ورقة التوت الأخيرة ...وأطفأ هالة الزعامة والقيادة حول شخصيته. لقد كانت الرسالة واضحة "إنا قائد الثوار أقف في الميدان وأنت تتلاشى وتضطر للاختباء المخجل." ولهذا حرص منفذ العملية على ان يكون اعتقال اللواء قبل تصفيته داخل معسكر قاريونس المكان الذي شهد قيادة ألقذافي للانقلاب في عام 1969 .وكأنه يعيد اليه رد الرسالة بأنك لازالت تحت سيطرتي وأمرتي.
ولكن التخلص من اللواء كان هدف من ضمن عدة أهداف قصدها منفذ العملية...
احد أهم الأهداف هو تصعيد الخلافات "إلي حد الاقتتال المسلح" بين إطراف ميدان القتال بالجبهة الشرقية المركزية حسب تقييم كل أطراف الصراع ... وهي خلافات كانت تدور في حدود وجهات نظر متابينه بين شركاء المعركة ..فاللواء المحترف تحركه خصائص الشخصية العسكرية وهو يتحرك وفقا لقراءته لكامل خريطة الجبهة غربا وشرقا وجنوبا بينما شركاءه من المقاتلين تحركهم روح الثورية والاندفاع نحوا قرب هدف متاح لهم ضد العدو.
لقد أراد الشهيد اللواء أن يؤجل تحركه طالما إن خصمه يتلقى الضربات على الجبهة الغربية وان كل كيلو متر تخسره الكتائب بالجبل ومصرانه هو إضافة إستراتجية لقواته ودعم لحسم المعركة بالبريقة ..لم يكن اللواء على استعداد أن يضطر للتراجع تحت أي ظرف إذا ما حرك قواته نحو البريقة وما بعدها خاصة عند المرور بسرت... ذلك المخزن الذي لم يفتح بعد  .. ولكن الكتائب بمساعدة الخبراء العسكريين الأجانب من روس وغيرهم الذين يستعين بهم في إدارة المعركة ولو من على بعد  يفهمون ما يرمي إليه اللواء وقد حاولوا استفزازه عدة مرات لبدء الهجوم بالتسلل إلي اجدابيا وقصف منازلها بالصواريخ ولم ينساق لهم اللواء....وتمسك بموقع الدفاع واستمر في حرمان الكتائب من تحديد موعد معركة البريقة وقد علموا انه لامناص من إفشال هجوم البرقية ألا بتلغيم أرضها عشوائيا لمنع التقدم أو إبادة المهاجمين ...
ولقد رأى شركاء اللواء في الميدان إن تأخره في الهجوم قد أتاح الفرصة للكتائب لتنفيذ مخطط التلغيم.... واللواء بعقليته العسكرية ووضعه كقائد للأركان يرى انه غير ملزم للإفصاح عن خططه التي وضعت بالتنسيق مع خبراء التحالف العسكريين والذين انحصر اتصالهم مع اللواء دون غيره وكشفها للجنود بالميدان قبل أوان تنفيذها... وهنا بدأت عملية الاستخبارات وهي تسريب المعلومات المفبركة وصناعة الأدلة " أن القرص المضغوط الذي سلم لقادة إسرائيل على مرأى من كل الإطراف وأعلن عنه بتعمد مفضوح  لبد أن يكون احد خطوات العملية". كذلك التصريح الرسمي للخارجية الأمريكية قبل الاغتيال بأسابيع قليلة بوجود اتصالات بين معمر وبعض قادة دول التحالف والإعلان عن وجود اتصالات بين احد شخصيات الثورة وهو السيد علي الصلابي والنظام...والدعوة لمؤتمر المصالحة الوطنية بروما بمباركة صريحة من السيد شلقم .ان هذا الأجواء من الاتصالات والحديث المعلن عن حل سياسي حتي بموجب تصريحات السيد عبد الجليل هي الدائرة التي مررت فيها تسريبات عن وجود اتصالات بين اللواء والنظام لقد نجحت مخابرات النظام في خداع الجميع وخلق أجواء للتفاوض السياسي مصطنعة مكنتها من الاختراق.وقد جاءت هذه التحركات مع إعلان اللواء بدء العد التنازلي لتنفيذ الهجوم نحو العاصمة.
ولكن وعلى فرض حصول هذا الاتصال فأنه لايشكل أي جريمة أوخيانة بحق اللواء ولكن السؤال هو موضوع الاتصال ذاته وما دار فيه من اتفاقات .إن اكبر خدمة كان يمكن إن يقدمها اللواء للنظام هي الدفع بالمقاتلين لجبهة البريقة المفتوحة لتحصدهم الكتائب أو يتركهم يتشتتون على مسافة ثلاثمائة كيلو متر من الصحراء القاسية والمفتوحة وفقدانهم لميزة قرب خطوط القتال مع قاعدة الدعم اللوجستي المحدودة الإمكانيات أصلا.
إن جبهة البريقة وما بعدها تختلف من حيث جغرافيا الميدان عن كل الجبهات الغربية فهي جغرافيا أعيت رومل ومونتغمري ومن قبلهم الرومان والإغريق الذين خضعوا لقسوتها وقرروا إنشاء القوس الشهير وتعيين حدود تنهي الصراع بينهم .بل أنها استزفت الثوار أنفسهم حين اضطروا للانسحاب من إمام تخوم سرت قي ابريل الماضي
أن اختيار مجموعة معينة من بين المقاتلين "دون غيرها " لتزويدها بالمعلومات المفبركة وتهيئتها نفسيا وذهنيا "بعد اختراقها" بأن ما يحدث على جبهة البريقة مقصود وله علاقة باتصالات بين اللواء وأشخاص نافذين من نظام العقيد كان مبنيا على معرفة سابقة بعقيدة هذه المجموعة فأغلب المقاتلين المسلحين هم كتاب مفتوح للنظام منذ ان كانوا في سجونه يضطهدهم ويعتقلهم وقد تم دراسة ومعرفة ردة فعلها المحتملة تجاه أقناعها أو حتى أثارة شكوك بوجود خيانة للمقاتلين والثورة من قبل اللواء.
ولأنه لاتوجد جريمة كاملة مهما كانت حرفية المنفذ فأن الأشخاص الذين تم اختراقهم لم يكن رد فعلهم مباشر كما تخيل وتمنى مدبر العملية بل قرروا ان يضعوا القيادة السياسية في الصورة وقدموا ما سرب إليهم من أدلة مصطنعة ويعتقدون هم في صحتها على أمل أن يتم إدانة اللواء بموجب تحقيق رسمي....
هنا بدأ الدور المحير لبعض أعضاء المجلس ومعهم القاضي المستشار مصدر أمر القبض
إن ملف جبهة البريقة بما اكتظ به من الشكاوى المتبادلة بين اللواء والثوار ممن يسمون قادة ميدانين قد سبب صداع للسيد عبد الجليل وكانت كل الشكاوى تدور في حدود الخلافات الناشئة عن فوضى الإدارة والتزاحم في قيادة الميدان وضعف وغياب دور مسئول ملف الدفاع الذي لم يقدم أي انجاز ملموس مدة تكليفه بالعمل بسبب كبر سنه وعدم وجود التنظيم والإدارة اللازمين للسيطرة على المشتركين في الجبهات.
فجاءت الشكوى الأخيرة التي تحمل الاتهامات والشكوك حول ولاء الشهيد عبد الفتاح فكان أن أحال رئيس المجلس الملف برمته لعضو المجلس علي العيساوي دون أن يفحص أبعاد الموضوع و خطورة ما تضمنته الشكوى.
وفي رعونة بالغة وغياب للحس السياسي والأمني وجد العيساوي من حوله من يعرض عليه الحل القانوني الذي يعفيه من الحرج ويرفع عنه مسئولية المواجهة مع اللواء وهو تشكيل لجنة قضائية تتولى التحقيق في الشكاوى العسكرية بصفة عامة وليس مع الشكوى الخاصة باللواء, وعلى عكس الشائع والمتداول في الشارع أن العيساوي أمر بالقبض على اللواء فان التصرف الصادر عنه لم يتعد إصداره للقرار رقم 29/011 الذي تم نشر نصه الكامل بالصحافة المحلية وهو قرار صادم لمخالفته لكل وابسط القواعد القانونية بل والمنطقية وهو قرار سيادي يقال عنه بلغة القانون معيب لعدة أسباب لامجال لذكرها ونكتفي بسبب واحد وهو إن القرار قد أعطى كل صلاحيات المدعي العام العسكري التي أنشئت بموجب قانون  للجنة  أنشئت بموجب قرار وأعطاها الحق في التحقيق والتصرف دون الرجوع لسلطة المجلس الوطني .ناهيك عن تجاوز القرار لصلاحيات مسئول ملف العدل وملف الشئون العسكرية كذلك صياغة القرار وإصداره بعيدا عن مسئولة اللجنة القانونية بالمجلس.
ومما أثار الاشمئزاز من القرار هو تزامن صدوره يوم 25/7 مع صدور أمر القبض من القاضي رئيس اللجنة في نفس اليوم وهو مادفع الجميع لتبني نظرية المؤامرة الداخلية على اللواء..وكان هذا مايتمناه منفذ العملية ولكن معرفة المنفذين  حتى دون القبض عليهم "فور ارتكاب العملية وبحضور جزء من أعضاء المجلس الذين هرعوا لتصحيح جملة الأخطاء القانونية في تشكيل اللجنة وإصدار أمر القبض  بعد تحرك عدد من ثوار الائتلاف المدنيين من خارج المجلس وفرضوا تحرير أمر بإلغاء القبض على مسئول حقيبة الدفاع الذي أصر على مغادرة بنغازي لأداء مهمة خارجية  قبل إنهاء أزمة القبض على اللواء وكأن ما يجري ضد رئيس أركانه  لايشكل أي خطر(ان غياب الحس الأمني والوعي بأهمية الوظائف والأدوار المكلفين بها هو ما أسقط من أذهانهم احتمال وجود متربصين للاستفادة مما يحدث).
  أن ذلك  التحرك هو ماخلق مساحة ولو ضيقة للحد من ردة الفعل الداخلية يتحرك فيها رئيس المجلس ويحتوي حالة النفير ضد الثورة المضادة التي تحرك لها وبسرعة وعلانية الطابور الخامس وخرجت الفئران من جحورها قبل الأوان والوقت اللازمين لسريان الإشاعة والفتنة بين المقاتلين وتحرك البعد القبلي فقامت باقتحام سجن الأسرى من الكتائب وتحررهم وتسلمهم أسلحة ونقود وكذلك الهجوم على السجن العمومي ببنغازي وتهريب المساجين الجنائيين لخلق الفوضى الأمنية بالتزامن مع تشكيل غرفة عمليات على الهواء مباشرة يقودها المدعو شاكير للتحريض واستثارة النعرات القبلية وتوزيع الاتهامات على عناصر محددة يهمه أن تكون طرف في الاشتباك والاقتتال الداخلي . وهذا النفير والتحرك السريع من النظام هو ماأطفأ نار الفتنة قليلا لحين عودة الهدوء النسبي اللازم للتفكير لقد انشغل الجميع في مطاردة الطابور الخامس الذي عاد للقتال داخل عاصمة الثورة وتدخلت العناية الإلهية في جعل خلية النظام "نداء ليبيا " للفرار والاختباء في مقرها الذي داهمه الثوار مما مكنهم من القبض على اغلبهم وتشتيت الباقي إمام حسرة شاكير والنظام وأعاد الثقة السريعة للمواطنين بأن الأمور تحت السيطرة.
لقد كان أصعب أيام الثورة بعد اجتياح بنغازي يوم 19 /مارس اللافت أن كل قلوب الجماهير كانت تدعوا ان لاتكون الإشاعات عن خيانة  اللواء حقيقية لقد أحبه الناس ووثقوا فيه وساد الشعور العام حزن حقيقي عجل من هدوء وموت رغبات الانتقام العشوائي لدى ذويه لقد شعروا بأن من غدر باللواء ليس من بين الناس ولكنه صنيعة عدوا الثورة فكان طبيعيا ان يلتحموا معها ويحموها .
لقد مات اللواء منتصرا وان عاش العقيد مهزوما.

              

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق