الجمعة، 19 أغسطس 2011

أحمد الامين بالحاج : الكلمة الطيبة صدقة





تعد ثورة السابع عشر من فبراير قفزة كبيرة في تاريخ الشعب الليبي نحو الحرية والديمقراطية،  ونحو إنهاء عهد الاستبداد والطغيان والقمع الذي عاشه الشعب الليبي طوال حكم اللانظام القذافي، ولم يكن أحد يستغرب كمّ الرصاص الذي صُب على الشعب الليبي نظرا لطبيعة حكم القذافي القمعي، ولمعرفتنا جميعا         بحبه للانتقام من كل من عارضه أو تجرأ على أن يقول لا في وجهه، ولم يكن لنا من خيار لنواجه هذا الرصاص إلا بالرصاص بعد أن لم يستحي القذافي وأعوانه من أن يوجهوا أسلحتهم نحو الصدور العارية التي خرجت تطالب بالحرية، واستعادة الكرامة.

وقد رافقت معارك الرصاص معارك أخرى رصاصها الحروف وأسلحتها الأقلام وأجهزة الحاسوب وعدسات الكاميرات، وساحتها وسائل الإعلام وصفحات الإنترنت، حرب لا تقل أهمية عن حرب الرصاص، يخوضها الشباب الليبي الحر مدافعين فيها عن الحق ويقيمون فيها الحجج والبراهين وينشرون الأدلة على جرائم القذافي وأعوانه....
إلا أنه وبعد قمع دام سنيناً مارسه القذافي على الكلمة الحرة، وقيود ثقيلة قيد بها حرية التعبير، لا يمكن أن نتوقع أن يخوض الشباب الليبي معركة الكلمة دون أخطاء وهفوات، على الرغم من الجهود الجبارة التي يبذلها ثوارنا لبيان الحق ونصرة القضية بالحجة والبرهان، والكلمة الصادقة، إلا أنه لا يسع من يتابع الثورة         الليبية إلا ويلاحظ نوعا من التخبط والتشتت وكثرة الإشاعات وسهولة انتشارها بين الناس دون التحقق من المصدر ودون مراعات لعواقبها وآثار نشرها، لا يمكن إلا وأن نلاحظ الحماس الشديد لشبابنا واندفاعهم في كثير من الأحيان للدفاع عن الثورة وعن شبابها، مما يوقع في المبالغة في التخوين والرمي بالفتن   والتكذيب في إطار التعليق على أي خبر لا يجد قبولا لديهم، ومن جانب آخر يسارع شبابنا إلى تصديق أي خبر يتمنونه حتى لو كان من غير مصدر موثوق، فيتناقلونه ويدافعون عنه ويهاجمون من ينفيه أو يشكك فيه، مما يوقع شبابنا في فخ الإشاعة ويجعلهم عرضة لسخرية إعلام القذافي وزبانيته.
فأريد في هذه الكلمات أن أذكر شبابنا بأن حرية الكلمة لها ضوابط وأسس ولا تعني بأي شكل من الأشكال أن تقول ما تريد وكيفما تريد دون مراعات أي عواقب للكلمة، فأتمنى أن تقبلوا مني هذه الكلمات بصدر رحب فما دفعني إلا الغيرة على هذه الثورة المباركة والحب لشبابها :
فابتداءً أريد أن أُذكّر بأن الإنسان محاسب على ما يقول ويفعل، وأن كل كلمة ينطق بها مؤاخذ عليها ومسؤول عنها يوم القيامة، قال تعالى : « مَا يَلْفِظُ مِن قَولٍ إَلا لَدَيْه رَقِيبٌ عَتَيد»{ق:18}، وقوله عليه الصلاة والسلام « وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ  إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ »{ الترمذي}، فليحرص كل منا على أن يتذكر مراقبة الله سبحانه له، وليكن منهجنا مع كل كلمة نقولها قول النبي صلى الله عليه وسلم : « مَن كَانَ يُؤمِن ُبِاللهِ وَاليومِ الآخِر فَليقُل خَيراً أو لِيَصْمِت )) {متفق عليه}، ولنضع أمام أعيننا قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سؤل أي المسلم أفضل فقال: (( مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِه وَيَدِه )) {متفق عليه}.
 كما أن أكبر آفة نواجهها هي إطلاق التهم جزافا ونقل الأخبار عبثا بلا تعقل ولا تفكير، متناسين قول الله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ»{التوبة:119}، وغافلين عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سمِعَ  » {صحيح مسلم}، فليس كل ما يسمعه    الإنسان ينشره ويشيعه بين الناس، ولا يقول أحد أنني ناقل للخبر فإن كان صدقا فصدق، وإن كان كذبا فاللوم على المصدر، فكل كلمة تقال أو تنقل صدقا كانت أو كذبا فالإنسان محاسب عليها، ولا ننسى هنا قول الله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا       عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» {الحجرات: 6}،  فالحذر كل الحذر من أن تكون كلمة نلقيها لا نحسب لها حسابا سببا في إيذاء شخص والإساءة إليه، وفي هذه الأيام لعل كلمة تقال لا يحسب لها حساب تكون سببا في قتل بريء وإلحاق العار به وبأهله.
والضابط الأساسي للحرية بشكل عام وحرية التعبير بشكل خاص هي القاعدة الشرعية التي تقول: لا ضرر ولا ضرار، فيجب ألا تكون الحرية سببا في إيذاء أحد بأي شكل من الأشكال، فتنتهي حرية الإنسان عندما تبدأ حرية الآخرين، وأي ضرر أو أذى  يلحق أحدا بسبب كلمة قيلت أو فعل ما فالإنسان محاسب       عليه وتلحقه العقوبة في الدنيا والآخرة.
وننبه أخيرا على المبادئ التي يجب مراعاتها عند الحوار، فمن الملاحظ أن الصفة العامة للحوارات التي نشهدها على صفحات الفيسبوك هي التوتر الشديد والتخوين على أتفه الأسباب وقد يمتد الأمر إلى السباب والشتم بألفاظ لا تليق، فللحوار ضوابط تجب مراعاتها كي نبتعد عن كل سوء ويكون الحوار هادفا بناءا مفيدا للوطن والمواطنين، نستفيد منه جميعا ويبقى الود والحب يجمعنا مهما اختلفنا وتباعدت أفكارنا، فمن هذه الضوابط أن يكون الحوار  مبنيا على التعقل و المنهج العلمي السليم، ويكون الهدف من الحوار الوصول إلى الحقيقة المجرّدة مهما كانت وحيثما وجدت ، ولا ننحاز لأحد أو ندافع عنه وعن قوله لأننا       نحبه ونترك الحقيقة التي مع الآخر لأننا لا نحبه ، أو لأنه مخالف لنا ، أو لأنه على غير ما نحن عليه ، فالحكمة ضالَّة المؤمن، كما يجب أن نضع شرع الله أمام أعيننا عند الحوار والنقاش لا نقول ما حرم الله ولا نرمي أحدا بما حرم الله، كما يجب أن نجعل رضى الله هو الهدف والغاية من أقوالنا وأفعالنا، وأن     نخلص النيات لله، وأن نحتسب الأجر عند الله.
فلو حرص كل منا على أن يحاسب نفسه على كل أعماله وأن يبتغي وجه الله فيها لكان ذلك سببا في بعدنا عن سوء القول وفحش العمل، ولتجنبنا الوقوع في المحرم من القول، ولأصابت كلماتنا الحق وكانت سببا في النصر، ولكسبنا بها الأجر ولوجدنا جبالا من الحسنات، فالكلمة الطيبة صدقة.
 فنسأل الله أن تكون أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يعجل علينا بالنصر القريب، وأن يفتح علينا أبواب الخير والبركة، وأن يخلصنا ممن ظلمنا وأن يرينا فيه عجائب قدرته، وأن ينصر أبطالنا ومجاهدينا في جميع الميادين، أبطالنا الذين أنفقوا الغالي قبل الرخيص، أبطالنا الذين ضحوا بأرواحهم وأموالهم وأوقاتهم،     أبطالنا الذين صدحوا بكلمة الحق ورفعوا رايته، أبطالنا الذين حملوا السلاح والقلم لنصرة ثورة الرصاص والكلمات.
في أمان الله
أخوكم: أحمد الأمين بالحاج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق