الثلاثاء، 5 يوليو 2011

ترجمة : خالد محمد جهيمة : لنتحدث عما بعد القذافي



جون أفريك
بشير بن يحمد
ترجمة : خالد محمد جهيمة



نتمنى جميعنا أن يخرج الاتحاد الأفريقي في ختام قمته السنوية, في أول شهر يوليو, التي ستنعقد بتاريخ 30 يونيو, في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية, أقوى من ذي قبل؛ فهي محتاجة لتوضيح مواقفها, ولأن تتخذ موقفا جماعيا, مفهوما, وذكيا, تجاه المشاكل التي واجهتها منذ بداية هذه السنة, 2011.
لقد أشرت من قبل, هنا, إلى أن الاتحاد الإفريقي, لجنة, ورئيسا, خيب أملنا فيه, بإدارته الأزمة النيجيرية, وأزمة مدغشقر, والأزمة العاجية, إدارة سيئة, لأنه لم يُقدر "الربيع العربي" حَقَّ قدره. لكن الاتحاد, في الحقيقة, لا يتحمل وحده هذا الانتقاد؛ إذ إن هناك منظمات إقليمية أفريقية, كالسيداو, والساداك, تحتاج هي أيضا إلى القيام بنقد ذاتي,  وإلى مراعاة عقيدتها, وإلى توضيح مواقفها.
جنوب أفريقيا نفسها, هذه الديمقراطية الرائعة, التي كنا نتمنى أن تستمر مثالية, وهذه القومية الكبيرة المرشحة للحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي الآيل لأفريقيا, اهتزت؛ فقد ضلت طريق الديمقراطية, فيما يتعلق بساحل العاج, وكذلك فيما يتعلق بالقضية الليبية.
من ذا الذي يعرف اليوم  موقف دولة جاكوب زوما الحقيق من زيمبابوي, أو من مدغشقر, أو من ليبيا ؟ بماذا يمكن وصفُه؟ أمترددٌ هو, أم متطورٌ؟
ألم يسمح الاتحاد الأفريقي, بتاريخ 17 مارس, من خلال تصويته في مجلس الأمن, بقصف ليبيا, ثم تبنى بعد ذلك مباشرة, موقفا معارضا تقريبا؟
ذلك يعني أن المشكلة الصعبة التي ستواجه العرب, والأفارقة, وكذلك حلف شمال الأطلسي, والدول الأوروبية, والولايات المتحدة الأمريكية التي تنفذ قرار مجلس الأمن رقم 1973, بتجاوزه تجاوزا كبيرا, هي مرحلة ما بعد القذافي.
لكن لا بد من الوصول إلى هذه المرحلة قبل التفكير فيها, لأن الديكتاتور يبدو حتى الآن, أكثرَ عنادا, وأكثرَ مقاومة مما كنا نتوقع, مما دعا البعض إلى الاعتقاد بعدم إمكانية تنحيته.
إن نجح معمر القذافي, عكس كل التوقعات, في إنقاذ رأسه, والحفاظ على السلطة في إقليم طرابلس, فإن ذلك سيمثل فشلا كبيرا بالنسبة لفرنسا, والمملكة المتحدة, والولايات المتحدة الأمريكية, وإهانة فظيعة, لزعمائها. أما ليبيا فسيكون مصيرها التقسيم, وأما بالنسبة لجيرانها, وبخاصة تونس, فسيواجهون مشكلة كبيرة أخرى, وخطرا قد يكون قاتلا بالنسبة لثورة هذه الأخيرة.
من الحظ أننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة, لكن الثوار الليبيين, الذين "يراوحون" في أماكنهم, يعيشون اليوم, أي في نهاية شهر يونيو,  نصف فشل. أما بالنسبة لدول التحالف, فإن ذلك يعد جمود مضنيا؛ لأن ما كان يعتقد أنه سيكون عملا سريعا, هاهو يستمر منذ أكثر من مائة يوم, ويبدو أنه يكلف أكثر مما كان متوقعا. لقد تحولت هذه الحرب إلى حرب استنزاف, وانتهت إلى زرع الخلاف بين أعضاء التحالف ضد القذافي.
يُعطي ذلك, على كل حال, الوقت للتفكير في المشاكل التي ستفرضها مرحلة ما بعد القذافي, المحتمَلة, بل المؤكدة, والتي قد يتم التوصل إليها خلال أسابيع, أو خلال أيام. العارفون بالمجتمع الليبي قلقون, وهم يقولون : "إنه ليس جاهزا للتغيير". لقد راقبوا, بشكل دقيق, الثوار الليبيون المرشحين لخلافة عشيرة القذافي, فحكموا عليهم بأنهم غير قادرين على تحمل المسؤولية في بلد نزعت منه فوضى القذافي, المستمرةُ منذ أربعة عقود, العمودَ الفقري.
أما حججهم فهي :
1ـ قد تأخذ الثوارَ, بعد سقوط القذافي, نشوةُ النصر, والغضب, والرغبة في الانتقام من الليبيين الذين ظلوا موالين للقذافي, وشاركوا في أعمال وحشية. كيف يمكن منع أن يتحول ذلك إلى ارتكاب مذابح؟
2 ـ ظل الانتماء القبلي قويا جدا في ليبيا, التي لا توجد فيها تقاليد ديمقراطية؛ فقد زرع القذافي, بتبنيه سياسة فرق تسد, العداءَ بين الليبيين, ومنعَ كلَ مؤسسات الدولة من أن تعمل بطريقة جيدة, فلا يوجد قضاء, ولا إعلام, ولا مجتمع مدني.
3ـ يضطلع "المجلس الوطني الانتقالي" بالسلطة في بنغازي منذ خمسة أشهر, ويقول إنه جاهز للاضطلاع بها في إقليم طرابلس, الذي مازال تحت سيطرة القذافي إلى اليوم. لكن من هو رئيس هذا المجلس؟  من ذا الذي يملك فيه سلطة اتخاذ القرار الأخير, أو على الأقل القدرة على التحكيم؟ يظل الجواب عن هذا السؤال غامضا, حتى بالنسبة لأعضاء المجلس أنفسِهم.
4 ـ يُوجَد بينَ الثوار معارِضون قدامى لنظام القذافي, ومصلحون مخلصون. كما يوجد بينهم وصوليون مؤيدون لوضع راهن جديد. لمن سترجح الكفة؟ ليس بالضرورة للفريق الأول.
5 ـ ليس للخارج أيُّ سلطة, يمكنه بها التأثير على الأحداث؛ ليتمكن من السيطرة عليها؛ لذا لا بد من الاتكال على حِكمة الثوار, وعلى القوى التي ستتكون بينهم , عندما يتم القضاء على نظام القذافي, من أجل الحد من الخسائر, والحيلولةِ دون انتشار المجازر, وتجنب وقوع البلد في الفوضى.
6ـ لقد غادر أغلب الثلاثة, أو الأربعة ملايين عامل أجنبي ليبيا منذ بداية الثورة. وهم يتوزعون بحسب جنسياتهم كالتالي : مابين  1,5  إلى 2 مليون مصري, وسوداني, ومليون من دول الساحل, والصحراء, و200 ألف مغربي, و100 ألف تونسي, و60000 فلسطيني, و10000 جزائري, وعدد لا بأس به من الأتراك, ومن الفلينيين, ومن السسيريلانكيين, وآسيويون من جنسيات أخرى.
حرم هذا النزوح البلد ممن يحركون اقتصاده؛ لذا لا بد من رجوع جزء منهم, بمجرد عودة الأمن؛ لكي تتمكن ليبيا من العمل. لكن ذلك سيأخذ, بدون شك, وقتا.
ذلك كله صحيح, ولا يمكن أن نخفيه, لكننا نستطيع أن نقول مثل ذلك تقريبا, عن الجزائر بعد سقوط النظام الاستعماري, في شهر يونيو 1962, وعن الكونغو بعدما اضطر البلجيكيون للتنازل عن السلطة لبتريس لوممبا , بتاريخ 30 يونيو 1960. كما مرت بعض دول أوروبا الشرقية بالوضع نفسه, أو بما يشبهه, عندما تخلت فجأة عن النظام الشيوعي, وتبنت النظام الدِّيمقراطيَّ.
إن أمام ليبيا فرصة غيرَ متوقعة؛ لتتحرر من ديكتاتورية القذافي العائلية, والمشوَّهة, وستقوم باغتنامها, بل يجب عليها ذلك.  لكنها ستمر بدون شك بمرحلة طويلة تقريبا "من الفوضى الثورية" ستخرج منها في وضع أفضل كثيرا مما كانت عليه.  علي العالم أن يقبل أن "تخطو هذه الخطوة" بل عليه تشجيعها على ذلك.
يرجع إلينا مساعدة من يرغبون في تحمل هذه المهمة, لتخرج منها بأقل قدر من الخسائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق