حفتر وملف الانتخابات المحلية: دوافع المنع وأهداف السيطرة
بقلم : فتح الله الدرسي
تشكل الانتخابات المحلية في ليبيا خطوة
أساسية نحو ترسيخ اللامركزية وتعزيز المشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام، وهي
أحد أعمدة بناء الدولة الديمقراطية. إلا أن المشهد الليبي شهد مؤخرًا محاولات
متكررة لعرقلة هذا المسار، خصوصًا من جانب المشير خليفة حفتر الذي يسيطر عسكريًا
على شرق البلاد وأجزاء واسعة من الجنوب.
أولًا: دوافع حفتر في منع
الانتخابات المحلية
الحفاظ على السيطرة العسكرية والأمنية
الانتخابات المحلية تعني صعود مجالس
بلدية شرعية منتخبة من الشعب، وهو ما يقلل من سلطة حفتر العسكرية المباشرة على
المناطق التي يسيطر عليها.
وجود مؤسسات مدنية منتخبة قد يحد من
نفوذ القيادات العسكرية ويضعف قبضته الأمنية.
الخوف من فقدان النفوذ السياسي
نتائج الانتخابات غير مضمونة، وقد تفرز
قيادات محلية لا تدين بالولاء له، بل قد تكون معارضة لمشروعه السياسي والعسكري.
هذا يشكل تهديدًا لمشروعه القائم على
"القيادة المركزية العسكرية" بدلًا من التعددية السياسية.
رفض المسار الديمقراطي ككل
حفتر يرى نفسه قائدًا عسكريًا ذا شرعية
مستمدة من القوة والواقع الميداني، وليس من صناديق الاقتراع.
لذا فإن أي عملية انتخابية محلية أو
وطنية تتعارض مع فلسفته في الحكم القائم على الحسم العسكري.
الخشية من تقوية خصومه المحليين
الانتخابات قد تمنح الشرعية لخصوم
سياسيين أو اجتماعيين في الشرق والجنوب، ما يفتح المجال لتعدد المراكز الشرعية في
مناطق نفوذه.
ثانيًا: أهداف حفتر من تعطيل
الانتخابات
ترسيخ الحكم العسكري الفردي
يسعى حفتر إلى إبقاء كل السلطات في يده
ويد أبنائه (خاصة صدام حفتر) دون السماح بظهور سلطة محلية موازية.
إطالة أمد المرحلة الانتقالية
بعرقلة أي مسار انتخابي محلي، يحاول
حفتر أن يُظهر أن البلاد غير مهيأة لإجراء الانتخابات الوطنية، وبالتالي يمدد
بقاءه في المشهد.
المساومة السياسية مع الأطراف الدولية
يستخدم منع الانتخابات كورقة ضغط على
المجتمع الدولي، ملوحًا بأن استقرار مناطق نفوذه مرهون ببقائه هو الطرف الأقوى
والوحيد القادر على "ضبط الأمن".
التحكم في الموارد والبلديات
البلديات المنتخبة قد تطالب بحقوقها في
الموارد المالية والإدارية، بينما حفتر يسعى إلى إبقاء هذه الموارد تحت إدارة
عسكرية واقتصادية تابعة له.
تهيئة الأرضية لمشروع التوريث السياسي
حفتر يطمح إلى توريث أبنائه (خاصة
صدام) مواقع قيادية مستقبلًا، ما يستلزم منع أي منافسة محلية يمكن أن تضعف هذا
المشروع.
خاتمة
منع خليفة حفتر للانتخابات المحلية لا
يعكس مجرد موقف عابر، بل هو جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى تكريس سلطته
العسكرية ومنع بروز أي بديل مدني شرعي يحد من نفوذه. هذه السياسة قد توفر له مكاسب
قصيرة المدى، لكنها في الوقت نفسه تضع مستقبل الاستقرار السياسي في ليبيا على
المحك، وتؤجل بناء دولة المؤسسات التي يطمح إليها الليبيون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق