الأربعاء، 13 يوليو 2011

هشام الشلوي : الموقف التركي، خطاب الهوية، ودوائر السياسة



الموقف التركي، خطاب الهوية، ودوائر السياسة

تقرير- خاص - المنارة- هشام الشلوي.

 احتاج أن ينتظر العرب والليبيون إلي يوم الرابع والخامس والسادس من يناير/ كانون الثاني 2006م، حين اجتمع اللغوي والسياسي الأمريكي اليهودي غير الصهيوني نعوم تشومسكي، والمفكر والأكاديمي اللبناني الفرنسي، جلبير الأشقر في حوار بينهما أداره ستيفن شالوم، ليقررا ( تشومسكي والأشقر) أن الإمبراطورية العثمانية كان لديها الحل الأمثل للتعامل مع المنطقة: ترك الشعوب وحدها. ففي الإمبراطورية العثمانية لم يكن عليك أن تعبر حدودا من القاهرة إلى اسطنبول إلى بغداد، لقد نجحوا في معظم الأحيان، وهو الحل الصائب لفسيفساء مركبة من السكان.

في موجة المد القومي تحالفت النخب اليسارية والعلمانية في المنطقة مع حكامها الفاسدون، على أن الأتراك، كانوا احتلالا، بل وشرا محضا، جنت منه المنطقة التخلف والعسكرة، ويعتبر بعض المفكرين أن هذا التحالف يكاد أن يكون الوحيد بين تلك النخب والحكام، والتي أذاقت تلك النخب ويلات السجون والقتل والتشريد والتضييق، بحجج لا حصر لإيرادها.

عندما اعتلى حزب العدالة والتنمية سدة الحكم برئاسة رجب طيب أردوغان في تركيا مطلع 2002م، بعد خروجه من عبأة حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان، والذي يقول عنه الأتراك أنه فشل في تحويل دعايته الانتخابية إلى برامج سياسية واقتصادية وثقافية، وانصرف همه إلى البلاغة السياسية، تطلعت تركيا إلى لعب دور في محيطها الجغرافي والثقافي، بعدما أحرزته في السنوات العشر الأخيرة من نجاحات جعلتها تعتلي منصة الدولة رقم سبعة عشر في تراتيب الاقتصاديات العالمية.

في خطابه الأخير يوم 7 يوليو/ تموز أمام المظاهرة المليونية بمدينة بنغازي تجاهل أو نسي مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي حسب رأي البعض تقديم الشكر للحكومة التركية على ما قدمته من مساعدات، أسوة بشكره لدول التحالف كأسبانيا! وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، كون خطابه لم يكن مجهزا بشكل مكتوب، بل اعتمد على ما جادت به الذاكرة.

بينما رجح بعض العارفين بالمحيطين بالمستشار عبد الجليل أن هذا التجاهل كان بناء على نصح له، بعدم الثناء العلني على ما قدمته تركيا من معونات ودعم سياسي، مخافة أن يغضب ذلك فرنسا، والتي لها مخاوفها الخاصة من أن يؤدي الدور التركي إلى دفع الإسلاميين لئن يكونوا شركاء في رسم المستقبل السياسي لليبيا.

وراهن أنصار هذا الرأي أنه إذا ما أراد المجلس الوطني الانتقالي والمكتب التنفيذي الانتقالي، أن يكون ذا أبعاد متعددة في إدارة العلمية السياسية، فعليه أن يستغل تلك الفراغات ويناور للضغط على فرنسا، حتى تستجيب لعدالة مطالب الثوار وفق مصالح متبادلة قائمة على المساواة والتناظر، أو على الأقل ما يقاربهما.

مراحل تطور الدور التركي بليبيا، والجدل حوله.

قال العالمون بالشأن التركي، أن موقف تركيا مر بأربعة مراحل أساسية في عمر الثورة الليبية، أولاها، في العشرة أيام الأولى عندما انصب اهتمامهم على نقل رعاياهم من كافة المدن الليبية، والذين يُقدر عددهم بين ثلاثين، وخمسة وثلاثين ألف نسمة، واتصلوا بقيادة الثوار ببنغازي عن طريق مستشار رجب طيب أردوغان، وطمأنوهم ،- حتى قبل تشكل المجلس الوطني الانتقالي- بأنهم فور نقل رعاياهم سيكونون داعمين للثورة الليبية.

بعد ذلك خرج رجب طيب أردوغان في تطور ثاني، وأعلن أن الحل يكمن في رحيل القذافي، واختيار رئيس مؤقت لليبيا، لحين إجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة، يختار الشعب الليبي من خلالها شكل نظامه السياسي الذي يرتضيه.

وعندما استمر نظام العقيد القذافي في قتل الشعب الليبي بكل الوسائل العسكرية المحرم منها دوليا، والمسموح بها، قال رجب طيب أردوغان قولته المشهورة بالبرلمان التركي( حاكم يقتل شعبه، لا يستحق أن يبقى )، وهذا حسب وجهة النظر تلك هو التطور الثالث في الموقف السياسي التركي.

أما الموقف الربع والأخير فكان أن اعترفت تركيا بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الليبي، وقطعت أنقرة علاقاتها تماما مع طرابلس بعد أن يئست من أية حلول سياسية معها، وذلك بعد زيارة وزبر الخارجية أحمد داود أوغلو لبنغازي على رأس وفد رسمي يقدر بتسعين مسؤولا تركيا، ووضعت خارطة طريق أشتهر عنها أنها كانت تدعو إلى رحيل القذافي كشرط  أساسي لأية حلول بشأن مستقبل ليبيا، كما وضعوا تصورا آخرا لما بعد رحيل القذافي.

وبعثت تركيا مبعوث رسمي عن رجب طيب أردوغان إلى بنغازي، ومبعوث ثاني بدعوة رسمية من الحكومة التركية للمستشار مصطفى عبد الجليل لزيارة تركيا، والتي قابل فيها رئيس الدولة عبد الله غول ورئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو.

وترتب على هذه اللقاءات عقد اتفاقيات تعاون وشراكة ومساعدة بشأن إعادة تشغيل وتأهيل المطارات والمؤانى الليبية، وفتح مخيمات للنازحين من جبل نفوسة على الحدود الليبية التونسية، وتقديم دعم مادي متمثل في معدات وأدوية، وكذلك تم الاتفاق على تقديم قرض لمساعدة الثوار والمدن الليبية بقيمة 200 مليون دولار، بعد لقاء عبد الله شامية مسؤول ملف الاقتصاد بالمكتب التنفيذي الانتقالي، وعلي الترهوني مسؤول ملف المالية، حيث التحق بهما محمود جبريل، لإتمام الاتفاقية.

خطاب سياسي متوازن، ودعم مادي مستمر.

وشرحوا كيف أن الخطاب السياسي التركي لم ينقطع معه الدعم المادي طيلة فترات هذا التطور، فأول سفينة وصلت لمصراتة كانت تركية، واستقبلوا الجرحى جراء العمليات العسكرية، ووصلت ثلاث طائرات إلى بنغازي من تركيا محملة بإغاثات وإعانات إنسانية .

وتتمتع تركيا - وفق وجهة النظر تلك- بخصوصيات أخرى، كونها دولة إسلامية، وكذلك لعمق العلاقات التاريخية المرتبطة بإرث الإمبراطورية العثمانية، ولأنها متاخمة للمنطقة العربية والشرق الأوسط عموما، وأيضا أنها الدولة الإسلامية الوحيدة بحلف شمال الأطلسي ( الناتو) ، وكذلك من حق تركيا أن تكون لاعبا أساسيا في الملف الليبي، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، حيث أن الملف الليبي في جزء لا يستهان به ارتهن للخارج بحكم الظروف الاستثنائية التي واكبت الثورة الليبية، من استخدام مفرط للعنف من قبل نظام العقيد القذافي، وعدم قدرة الثوار على مجابهة هذه الآلة العسكرية الضخمة.

بينما قال آخرون، أن المواقف التركية لعبت على مسارين، شعبي داعم كلية للقضية الليبية، ورسمي، حاول إيجاد مخرج سياسي للأزمة، بناء على اعتقاد تركي، أن حلف شمال الأطلسي( الناتو) لو تدخل في ليبيا فلن يخرج، من خلال قراءة تدخلات للناتو سابقة في عدة مناطق، أغلبها إسلامية من العالم.

ورأوا أن الاعتراف القانوني، والذي يترتب عليه عدم التراجع عنه، وفتح تمثيل دبلوماسي بين المعترِف، والمعتَرف به، على خلاف الاعتراف الفعلي أو الضمني، والذي يجوّز لصاحبه التراجع عنه، هو مسألة شكلية، حيث أن السودان مثلا لم  يعترف رسميا بالمجلس الوطني الانتقالي، ومع ذلك قدم مساعدات عديدة للمسألة الليبية.

كما أن تركيا حاولت طوال سياساتها في ليبيا حماية الليبيين من أصول تركية، ولم تتخل عنهم، فمثلا، ثلث أصول مدينة مصراتة تركية، ونصف أصول أهالي مدينة الزاوية العرقية هي تركية أيضا. كذلك ما يتمتع به الساسة الأتراك من قبول واسع لدى الشارع الليبي بعد عدة مواقف لهم إيجابية، مع قضايا حيوية، كالقضية الفلسطينية.

وانتهوا بذلك إلى ضرورة تشجيع الدور التركي في المسألة الليبية، وجعله أساسيا ومحوريا، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أية أجندات وحسابات سياسية ضيقة، وعدم الاستهانة به، كونها تشكل ثاني أكبر قوة في حلف شمال الأطلسي( الناتو)، ورغبوا بأن لا يلقي الخلاف الفرنسي التركي حول الثورة الليبية بظلاله على مستقبل العلاقات الليبية التركية.

مخاوف من أسلمة تركيا للثورة الليبية.

بينما احتج بعض المنتمين لتيارات يسارية وليبرالية في ليبيا على الدور التركي، مخافة أن يؤدي ذلك إلى تغليب طرف سياسي ليبي في مستقبل العملية السياسية ( الإسلاميين) على أطياف أخرى قد لا تكون على وفاق مع التيار الإسلامي، المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين الليبية.

وعبروا عن خشيتهم من أن تكون ليبيا هي بوابة الحلم التركي بالعودة كإمبراطورية في المنطقة، كما أن تركيا لا تنظر للقضية الليبية من ناحية عدالة القضية، أو أن ليبيا بلد إسلامي، بقدر ما تحاول مزاحمة الدور الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط، والبحث لها عن دور في العراق وسوريا، وعندما رأى الساسة الأتراك أن الثورة الليبية في طريقها للحسم قرروا أن لا يفوتوا هذه الفرصة، نظرا لما ترتبط به تركيا من مصالح اقتصادية مع ليبيا يصعب تجاهلها.

كما أكد هذا الفريق أن الشارع الليبي عبر عن استياءه من الموقف التركي المتذبذب في بداياته، ورفض مساعدات إنسانية تركية، انطلاقا من قناعه أن الساسة الأتراك راهنوا على إمكانية إخماد الثورة الليبية لعلمهم بمدى قوة نظام العقيد القذافي، والذي كانت له معهم مصالح اقتصادية وعقود بمليارات الدولارات خشوا في حالة تأييدهم لثورة الشعب الليبي المبكر أن يخسروها.

فهل سيعي الليبيون ومن بعدهم العرب العمق الاستراتيجي لموقع تركيا ودورها في الساحة الدولية؟ كما حاول أوغلو أن يقول!.
       

هناك تعليق واحد:

  1. أنا لا أفهم تمسك البعض بتركيا؟ حاليا نحن فعلا بحاجة لأي دعم دولي نستطيع الحصول عليه ولاكن المجلس لايستطيع وعد الدول بمشاريع و إغرائات هو ليس موكل أن يحكم مصيرها. فتركيا ليست غبية ليبيا قابلة على أضعاف مشاريع الإعمار و التنمية التي كانت في عهد القذافي.

    تركيا كان موقفها سيء في البداية بل حاولت إجهاض الثورة. أولا بمعارضتها التدخل العسكري لدول التحالف ثانيا لإصرارها على تسليم الدور العسكري للناتو و كلنا رأينا كيف الناتو بطيء في تحديد أهدافه و ليس من الغريب أن تركيا كانت طرفا في وضع سياسة تحديد الأهداف, ثالثا إعتراض تركيا الشديد على عدم دعم الثوار بالسلاح.

    هذه مواقف لا يمكن أن تنتسى كان من الأفضل لتركيا أن تلعب دور السياسية السعودية و هي غض النظر...لأفادتنا أكثر من ما قامت به. المساعدات الإنسانية تأتي من الكثير من الدول و تركيا ليست بأساس في هذا المجال.

    ردحذف