الأربعاء، 1 يونيو 2011

عمر الخذراوي : تسونامي الثورات العربية و مذكرات رجال الزاوية




في عام تسونامي الثورات العربية لا احد اليوم في مامن من طوفان أو إعصار او زلزال ، سواء اكان يسكن مدينة تحت مستوى سطح البحر ، و سطح الفقر أو حتى سطح القمر ، فقد كان زلزال اليابان و ما اعقبه من تسونامي أثبت ان بإمكانه أن يتسلق المرتفعات و الطوابق العالية ، وأن بإمكانه إبتلاع اناس كانوا يظنون أو يعتقدون أن البحر يبتسم كما اعتقد اليبانيون قبل هذا الطوفان . و ما خبر الطوفان و تسونامي اليابان إلا عبرة و مثال فها هو إعصار الثورة العربية ينطلق مُحطما القيود فمن تونس انطلقت الشرارة فعبرت جذوتها اكثر من الفي ميل متخطية شعبا يرزح تحت الظلم و الطغيان لأكثر من أربعين عاما  وتستقر في قاهرة المعز فما إن انتصرت الثورة في مصر وكانت توئما لثورة تونس حتى تندر الشعبين و دون وعي لحقائق الأشياء ، وطبائع الأمور ، و سنن الكون . أن طأطاوا رؤوسكم أهل ليبيا حتى يتحدث الأحرار ، اي أحرار تونس و احرار مصر . فكان رد الليبيين سريعا بان ثورتنا ستكون إعصارا و غضبتنا ستكون زلزالا ، لا كما ظن الكثيرون  فالشعب الليبي يعي أكثر من غيره أن حالة الإستبداد المزمنة التي يعاني منها لا علاج لها إلا البتر و الإجتثات من الجذور فليست تقتصر على إسقاط راس النظام بل إسقاط كل رموزه واركانه.
خرج الشعب الليبي في ثورة أذهلت الجميع ، ثورة لم يعتد القذافي يوما على مشاهدتها منذ عقود من التسلط و البغي و الإستكبار ، بل و ظن على حين غفلة من الزمن انه ملك الملوك وقاهر الزعماء فهاهم حكام اوروبا جاؤه مطأطئين رؤوسهم أمام باب خيمته العتيقة، و ما كان يوما ليسمع من أتباعه و لا يسمح أن يسمع إلا كلمات التمجيد و التعظيم لدرجة التأليه. فجن جنون الزعيم وخرج على الشعب مهددا و متوعدا بأنه سيقتل من يقف في وجهه وأنه سيطهر البلاد منهم دارا دارا و شبرا شبرا و زنقة زنقة ، ولم يجد ما يصف به الشعب الذي تحمل و عانى من ظلمه و استبداده واحدا و أربعين عاما إلا بالجرذان و المقملين ، فجاءه الرد من الشعب سريعا "يامعمر يا بو شفشوفة .. الشعب الليبي توا اتشوفه" و " قولوا لمعمر و عياله ليبيا فيها رجالة" و ماهي إلا أياما على اندلاع الأحداث في بنغازي حتى انتشرت الثورة كالنار في الهشيم ، فقد أذهلت إستجابة الشعب الليبي االسريعة في الخروج إلى الشوارع و حرق المثابات الثورية و المقار الأمنية كل المراقبين سواء في الداخل أو الخارج حيث عكست هذه الأحداث حالة الإحتقان عند عموم الشعب الليبي ، و من بين المدن التي ثارت مبكرة و كانت في و اجهة الأحداث في الأسابيع الخمسة الأولى مدينة الزاوية التي كسرت أنف القذافي و اذلت كتائبه في تصدي اسطوري جدير بالدراسة و الإشادة و التقدير و الإكبار عبر نشر مذكرات المجاهدين الذين شاركوا في هذه الثورة منذ بداية اندلاعها إلى قمع المدينة و إخضاعها للكتائب بعد نفاذ الأسلحة و الذخائر من المقاومين.
 ولعلي في هذه المحاولة أحفز همم  المجاهدين في الزاوية الجريحة إلى ضرورة أن يكتبوا مذكراتهم للتاريخ و حتى لا تضيع الحقائق في زحمة الأحداث، وكثرة الجراحات. فكان حديثي مع أحد ثوار الزاوية الأبطال الأخ ( خ . ش)  ليكتب قصته فكانت على النحو التالي:


  بسم الله الرحمن الرحيم
  من الزاوية كانت البداية .
في بداية الأمر سمعنا بوقوع  مظاهرات  كبيرة فى مدينة بنغازى ولم نكن نعلم ما الذي يحدث فقد كان الأمر في بدايته غامضا ولا نعلم الكثير من تفاصيل مايدري هناك . وفي يوم من الأيام استقبلت اتصالا من صديق لي من سكان مدن المنطقة الشرقية وكان يقول لى يا آخى القدافى يقتلنا وانتم ساكتون القدافى الطاغية وكانت عباراته غاضبه من القدافى وكتائبه ولكن كنت استمع فقط وكنت أقول له ماذا يحدث ؟ ما الأمر ؟ فقال يا آخى القذافى يأمر الكتائب ورجال الأمن  بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم. أنهيت معه الاتصال ثم بعد ذلك قمت با الإتصال مع أشخاص اعرفهم وسألتهم ما الذى يحدث فقالوا لا يوجد شي لكن كانت عباراتهم وإجاباتهم فيها الكثير من الغموض بشكل يثير التعجب و الإستغراب . وفي اليوم الثانى سمعت انه يوجد قتل في مدن شرق ليبيا: بنغازى  والبيضاء ودرنه وطبرق وغيرها ومن ثم  اتسع نطاق الإحتجاجات ليشمل  مدن عدة مثل الزنتان ومصراتة وفي الأثناء شاهدت صورا مؤلمة عبر الإذاعات المرئية وقد تقطعت قلوبنا في مدينة الزاوية لهول ما نرى ونسمع. و مضت اليام الثلاثة الأولى ولم يكن هناك تحرك كبير حتى يوم صدور فتوى الشيخ الصادق الغرياني حول مجريات الأحداثو قد كان لهذه الفتوى صدى و اثرا واسعا لدى الشارع الليبي وقد حث الشيخ كل الليبيين على الخروج في مظاهرات سلمية والإعتصام لوقف نزيف الدم الدى يسفك في مدن الشرق الليبي . فكانت ردت الفعل السر يعة من قبل شباب الزاوية و من غير ترتيب او تنظيم ، حيث خرجنا إلى ميدان الشهداء  بالزاويه وكانت الهتافات بالروح باالدم نفديك يا بنغازى و " يا بنغازي مش بروحك احنا ضمادين جروحك" كان يوم الخروج إلى المظاهرات يوم السبت الموافق 19/02/2011 بعد ذلك  قامت الجماهير بالاعتصام فى الميدان الى يوم الثلاثاء الموفق 22/02/2011 وفى ذلك اليوم القى القذافى خطبته الشهيرة بزنقا زنقا دار دار، بعد الخطاب مباشرة خرج لنا مجموعة من اللجان الثورية وبعض أنصار القذافى ومعهم سلاح فدخلوا مدينة الزاوية من اتجاه الغرب قادمين من مدينة صرمان التى يتواجد بها اللواء الخويلدى الحميدى وقامو بإطلاق النار على مجموعة من المعارضين فى مدخل الزاوية وبالتحديد قبل جسر بئر الغنم بمسافة 300متر تقريبا بعد ذلك دخلوا إلى الميدان وبدوأو يتنادون بعبارات القدافى ( الجردان الجردان )وغيرها من العبارات الإستفزازية وبدأو بإطلاق النار العشوائي على المعتصمين العزل الذين لا يوجد لديهم سلاح سوى القليل من بنادق الصيد بنادق والمتفجرات  محلية الصنع التي تستخدم لصيد الأسماك تسمى محليا بالعبابيد أو الجيلاتينة في لهجة المنطقة الشرقية .ووقعت الاشتبكات وكانت الغلبة للثوار، وقد تم أسر مجموعة من الأشخاص المهاجمين وتم اطلاق سراحهم فى اليوم التالي. وفى صباح يوم الخميس الموافق 24/02/2011 كانت كانت الفاجعة التي صدمت الجميع فعند الساعة 9 صباحا تقريبا دخلت كتائب القذافي المدججة بالسلاح المتمثل في مضاد الطائرات والأغراض العامة والكلاشن كوف وغيرها من الأسلحة وباغتوا المعتصمين في ميدان الشهداء وقاموا بإطلاق النار علىهم بشكل عشوائي وقد كان الحدث مأساويا مفجعا حيث سقط العديد من الشهداء واصيب العشرات من الجرحى الذين قاموا بمحاولة الدفاع عن أنفسهم بما كان لديهم من أسلحة قليلة متمثلة في خمسة بنادق صيد و بعض المتفجرات المحلية الصنع  واستمرت الإشتباكات حوالي الأربع ساعات، ثم إنسحبت كتائب القذافي تاركة المدينة غارقة في أحزانها و جراحها. وقد كان العقل المدبر و المنفذ لهذه الجريمة هو  المجرم اللواء المهدي العربي  الذي أعطى الأوامر مع مجموعة من شباط الكتائب الذين يتخذون من صبراته  و بالتحديد رئاسة الأركان العسكرية مقرا لغرفة عملياتهم .
ما إن انسحبت الكتائب حتى قام االثوار بإسعاف الجرحى والمصابين وثم نقل الشهداء الي المستشفي وكان الأمر مروعا إلي أبعد الحدود وبعد ذلك انتفضت الزاوية عن بكرة أبيها تردد هتافات ضد نظام القدافي ثم قام  المتظاهرون بالذهاب الي مراكز عسكرية لاقتحامها وأخد الأسلحة ولكن كان إطلاق النار من داخل المعسكر كثيفا لتخويف المتظاهرين وترهيبهم والمعسكر الدي يطلق عليه كتيبة علي بن أبي طالب يرأسه المهدي العربي والأمر الدي أثر في نفوس المتظاهرين هو بينما كانوا يخططون لإقتحام المعسكر أمام البوابة الرئيسية للمعسكر جاءت إمرأة  من الزاوية وقالت لهم اعذروني يا إخوتي والله إني لا أشك في رجولتكم ولكن دعوني أقتحم المعسكر وإن قتلت فادخلوا المعسكر. أحس الثوار باستصغار أنفسهم أمام هذا الموقف المؤثر،  وقالوا لها اذهبي يا أختي ودعي الأمر للرجال رأفة بها وتم اقتحام المعسكر مباشرة  ومن ثم  تم تبادل إطلاق النار فاستشهد ثلاثة من المتظاهرين وتم قتل أحد حراس المعسكر واستسلم باقي الجنود والضباط وأخد المتظاهرون مجموعة من الأسلحة والعتاد العسكري منها سيارات الدفع الرباعي وأسلحة 14.5 مضاد للطائرات ومجموعة من بنادق كلاشنكوف وأغراض عامة وار بي جي وتم نقل الأسلحة إلي الميدان .
وفي اليوم الثالي تم إطلاق سراح الأسري الذين تم اعتقالهم في المعركة الأولي حيث قام الشباب بأخد أقوالهم وتصويرهم  ولم يحدث شيء بعد ذلك طيلة أسبوع كامل كانت خلالها الكتائب تحاصر الزاوية من جميع المداخل ولم تحدث إشتبكات كانت الكتائب تعتقل كل من يخرج و يشتبه بانتمائه للثوار من الزاوية ولا نعلم أين هم إلي الان  .
وفي يوم الجمعة الموافق 04/03/2011 حدثت اشتباكات بين الثوار وكتائب القدافي  من الناحية الغربية وبالتحديد علي جسر الزاوية الغربي المؤدي الي مصفاة الزاوية  وكانت الإشتباكات شديدة جدا واستشهد فيها العديد من الثوار والذين يقودهم العقيد  المجاهد البطل الذي انشق عن القذافي منذ بداية الأحداث حسين دربوك واذي استشهد في هذه المواجهات والمحزن والمروع في هذه المواجهات والتي تُضاف إلى جرائم القذافي و كتائبه هوالإجهاز على الجرحى من صفوف الثوار وقتلهم و أخذ الكثير من الجثث و الذهاب بها إلى جهة مجهولة . ولايعرف مصيرها إلي الآن ، وفي عشية هذا اليوم أخدت دبابات القذافي ومدرعاته  و المجهزة بمختلف الأسلحة تحاول الدخول إلي ميدان الزاوية والسيطرة عليه  وبدأت الدبابات بالقصف العشوائي  وكانت المعركة عنيفة بين كر وفر وعند الليل تم قطع التيار الكهربائي  عن وسط الزاوية  ولكن ما لبث أن قام الثوار باسترجاع التيار ، أثناء الإشتباكات الليلية تم أسر بعض الجنود  وفي صباح اليوم الثاني تم إطلاق سراحهم بعد استجوابهم   واشتد القصف بالدبابات من مسافة بعيدة  بعد ذلك دخلت قوات القذافي بكامل أسلحتها وعتادها واشتدت الاشتباكات قتل من قتل من الكتائب واستشهد من استشهد من الثوار وخلال المواجهات تم أسر ثمانية  من جنود القدافي  تم استجوابهم وتصويرهم وتم بث التصوير إلى قناة العربية وتم احتجازهم  بفندق يسمى جوهرة الزاوية  ,
وفي عشية يوم السبت دخلت  مدرعات تحمل الجنود مدعمة بالدبابات وقاموا باقتحام فندق الجوهرة وقامو بدبح  سبعة من أسري الكتائب واختطاف الثامن  لكن اعترافات الجنود كانت أنه لديهم أوامر بقتل الثوار وبعضهم قال أن الأوامر التي صدرت إليهم بضرورة القضاء علي الثوار قبل الإربعاء التاسع من مارس أي قبل إنعقاد مؤتمر لندن بشأن ليبيا  وفي نفس اليوم تم قطع جميع وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية والكهرباء وبدأت حملة اعتقال لكل من يواجههم من الشباب في الشوارع .
وفي صباح الأحد دخلت الكتائب وبدأت بالقصف العشوائي واستمر القصف أكثر من أربعة عشرة ساعة دُكت فيها المدينة بالمدفعية الدبابات و مضادات الطائرات وقاوم الثوار و استبسلوا في الدفاع عن مدينتهم و استمرت المعركة في حالة كر وفر إلى يوم الأربعاء 09 ـ 03 ـ 2011 عندما هاجمت الكتائب المدينة بكثافة و قاوم الثوار حتى نفذت ذخيرتهم عندها قام الثوار بالإنسحاب وسيطرت الكتائب على الميدان وتم نشر القناصة فوق أسطح المباني المرتفعة  لإستهداف الثوار ومن ثم بدأو حملة مداهمات واسعة  وترامى إلي سمع الثوار أن كتائب القدافي تخطط لخطف الجرحي من مستشفى الزاوية فقام الأهالي بنقل ابناءهم من المستشفي وذلك خوفا من أن يتم قتلهم وإختطاف جثثهم وكان بعض الجرحي في العناية المركزة وقد توفي البعض منهم لاحقا  ومن الأهالي من تُفي أبناءهم في بيوتهم و قاموا بدفنهم في حدائق بيوتهم.
وهذه قصتي............
تم مداهمة بيتي ولم أكن موجودا وتم إعتقال أخوتي وأبناء عمومتي وكانت طريقة الإعتقال وحشية قاموا بتغطية رؤوس المعتقلين بأغطية سوداء وتقييد أيديهم بأسلاك بلاستيكية  وضربهم بالهراوات علي جميع مناطق الجسم وتم إقتيادهم إلي مقر الكتيبة واستجوابهم وسبهم وإهانتهم ، وكانت لديهم معلومات بأنني أحد المعارضين وقال لي أحد الذين أعتقلوا  أن العذاب الذي رآه لا يخطر علي بال أحد وقال لي أهرب فهم لا يريدون استجوابنا وإنما يريدون قتلنا وسألته عن مكان التعذيب فأجاب بأنه لا يعلم المكان بالتحديد وسألته عن طريقة خروجه من الاعتقال فقال نجاني الله وانا أعلم صدق الرجل. هربت أنا و أخي وصديق لي جريح إلي مكان اعتقدت أنه آمن وبقينا نتنقل من مكان إلي مكان لمدة 10أيام كان صديقي لا ينام إلا دقائق  أو ساعات وتنتابه كوابيس بأن الكتائب وصلت والسبب في ذلك تعرضه للتعذيب في معتقلات القذافي ، وكان أخي يصرخ  بصوت عالي أثناء نومه ويستيقظ مذعورا  وعند السؤال عن  سبب صراخه أخبرني  أنه يحلم بأن الكتائب تقيده إلي عمود وأتو بمضاد الطيران يريدون ضربه به ، وقد تمكنا بفضل الله الهروب إلى تونس . 
هذه رواية أحد الثوار من مدينة الزاوية تحكي وتصور ضراوة المعارك ووحشية الكتائب في التعامل مع هذه المدينة الباسلة في تصديها و تحديها لنظام القذافي و كتائبه الإجرامية.
و إلى قصة أخرى ورواية ثانية أتمنى من كل الثوار كتابة مذكراتهم عن الثورة و من لا قدرة له على الكتابة فليقم بتسجيل شهاداته صوتيا و من ثم يتم تفريغها وكتابتها لتكون حقا لكل طالب للحقيقة في جيلنا هذا و الأجيال القادمة .
عمر الخذراوي
آيرلندا


 
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق