الجمعة، 3 يونيو 2011

أحمد بوشاح :أمام الشعوب لاحيلة للطغاة


أمام الشعوب لاحيلة للطغاة



بقلم : أحمد بوشاح



الحالة التي يعيشها الطاغية بعد أن يثور عليه الشعب تأخذ أشكالا عديدة تبرز في مواقفه تجاه الثورة وتجاه الشعب الذي لم يعد يطيق حتى ذكر اسمه ,فلم نسمع أن  طاغية  تنازل عن كرسيه لمجرد الثورة عليه , بل الخلع كان مصير كل طاغية , والأسباب في أن تكون النهاية مأساوية للطاغية كثيرة ولكن أهم تلك الأسباب هو انه الطغاة تعودوا على نمط في التعامل مع الشعب مما يجعلهم يرتبكون عند ظهور نمط جديد في الخطاب وفي النظرة وفي المطالب , فتعوزهم الحيلة , ويأخذوا على حين غرة, فيكون مناط ردة فعلهم وتحركهم هو الرغبة في البقاء , لايهم بعد ذلك كم هو الثمن , ولا يدور في مخيلتهم أي شئ آخر سوى هذا الهدف , فيرتكبون الحماقة تلوا الحماقة , ولعلنا إذا ماأردنا أن نوضح المراحل والخطوات التي اتخذها القذافي لتحقيق هذا الهدف وهو البقاء في الحكم والنجاة من طوق هذه الثورة المباركة فيمكننا إجمالها في المراحل ألآتية.


1.     مرحلة الاحتواء وهي عادة تسبق الظهور المتوقع للثورة وقد حرص القذافي على هذا الأمر فتجلى ذلك في لقاءات محمومة مع القبائل في شرق ليبيا وغربها قادها احد أبناء عمومته, ولقاء بالنشطاء على الساحة السياسية والحقوقية والإعلامية , وكانت تبذل في هذه اللقاءات الوعود بالإصلاح المنشود وكذلك تبذل الأموال لإسكات الأصوات التي يتوقع منها ان تثير شغبا .
2.     مرحلة المعالجة الأمنية وهي مصاحبة للمرحلة الأولى وهي تشمل الأشخاص الذين يتوقع منهم أن لايجدي معهم الأسلوب الأول وهو الاحتواء نظرا لخبرة النظام بهم , ومثال ذلك ماحدث مع الأستاذ فتحي تربل حين قبض عليه من اجل تفويت يوم السابع عشر من فبراير .
3.     مرحلة القمع الرهيب والمباشر , وهي التي يظن النظام فيها انها سوف يضرب بيد من حديد لكي يوصل رسالة ان لاتسامح مع من لم تفد معه كل الأساليب سالفة الذكر , طبعا الحالة الليبية تطورت ودخلت في طور آخر لم يشهد التاريخ البشري مثيلا لها, وهي حرب مفتوحة يقودها النظام ضد من يفترض أنهم شعبه باستقدام مرتزقة لكي يبيد بهم الأبرياء العزل , وهي حرب مفتوحة يعلم النظام يقينا انه لن ينتصر فيها ولكن أضحى المقصود منها هو الانتقام والإمعان في القتل, صاحب هذه المرحلة أمور مريعة وسقوط مدو, حين تخلى النظام عن كل الثوابت التي لم تكن ثوابت إلا في الإعلام فاتصل بالعدو المفترض الاسرائليين وجلب منه الأسلحة الفتاكة لإخضاع هذا الشعب الثائر, رافق كذلك العمل على المستوى الدبلوماسي والإعلامي بشكل لم يسبق له مثيل فالأموال الوافرة كانت كفيلة باستئجار الكثير من الأقلام البائسة  ففي رابع أيام الثورة طالعتنا القدس العربي بعنوان ( ظهور أول إمارة إسلامية في شرق ليبيا) وكان عمل الخبراء في العلاقات العامة واضحا ولا يحتاج إلي دليل للقول بأن الشركات الاسرائلية تكتب حتى الإجابات الصحفية للمتحدثين الرسميين , وغير الرسميين , وإطلاق الإشاعات التي تضع الطرف الآخر دائما في دائرة الدفاع والتفنيد لما يقال وينشر, كما استطاع النظام أن يمتص الصدمة بعد خروج القذافي بقميصه المخروم في بيته الخرب وقد بدت عليه  الصدمة والارتباك , لكن بعد ذلك بدأ بخطوات لردة فعل بأن تحصن في طرابلس وقام  باختطافها بكل معنى الكلمة , وملئها بالأجهزة الأمنية والبوابات وقصف المتظاهرين العزل بأعتى أنواع الأسلحة وأجهز على الجرحى في المستشفيات , وخطف الجثث وتم إخفاءها بالكامل ثم أظهرها للعالم كما كان متوقعا بعد أول ضربة تلقاها من التحالف , وتم القبض على النشطاء وكان الحصول على مبلغ 500 دينار رهينا بالإبلاغ عن أي ناشط أو احتمال أن يكون ناشطا , وبعدها بدأ في محاولة استرجاع المدن المحررة إلي قبضته الإجرامية من جديد .
4.      مرحلة التدخل الدولي , وتطبيق قرار 1973 لحماية المدنيين وهو قرار ولاشك  كان السبب في انقاذ الكثير من الأرواح البريئة وهو قرار أيضا كان له الأثر الواضح في إضعاف قوة القذافي وسبب في انتقاله من حالة الهجوم إلي حالة الدفاع والتراجع , ولكن على الجانب الآخر لااحد بالتحديد يستطيع أن يتنبأ بما سيكون عليه من آثار حيث أن هذه الدول التي تقود هذه الحملة لها مصالحها التي  هي فوق كل اعتبار .

إذا ما اردنا الحديث عن المراحل التي صاحبت ثورة الشعب الليبي في كل مدنه وقراه فقد يكون من التكلف أن نجعل مراحل في نقاط لان الأمر ببساطة كان عفويا ولم يكن له أي تخطيط اللهم من أصحاب الدعوة إلي ثورة في يوم السابع عشر من فبراير , ولكن الحالة التي  سبقت اندلاع  الثورة وأثناءها وهي حالة  مستمرة إلي ألان ,هي رغبة هذا الشعب في التحرر من ربقة الاستعباد التي رزح تحتها زمنا طويلا, هذه الرغبة العارمة والعيش وتنفس نسائم الحرية هي التي أفشلت كل المخططات والمراحل السابقة التي ذكرناها آنفا, وهي التي سوف تأتي بالنصر إن شاء الله قريبا غير بعيد, وهي التي سوف تفرض على الأرض حقائق تكون ضمان لان تصل الثورة إلي مناها , ليس بتحرير كافة التراب الليبي وحسب بل ان تكون مصلحة الشعب الليبي هي العليا في كل السيناريوهات التي ترسم الآن في الكثير من الدوائر الغربية والشرقية .

التناقض الشديد بين رغبة شعب في نيل حريته بعد أن تنشق عبيرها وعاش أجوائها وهو على استعداد عن يضحي بكل غالي ورخيص للحفاظ عليها , وبين طاغية لم يدرك بعد أو يدرك أن استعباد هذا الشعب الأبي وإذلاله وإخضاعه هو جزء من الماضي الذي لن يعود أبدا.

التاريخ يخبرنا أن الشعوب حينما تثور على الطاغية أو المستعمر  تكون هي المنتصرة في نهاية المعركة , لأنها ببساطة هي تطلب حقا كفلته كافة الشرائع السماوية والأرضية , والواقع يخبرنا أيضا  أن الشعب حين ينتفض على جلاده فإنه يكره  من جلاده كل شئ ,شكله وظهوره ومشيته وحديثه ونكاته وخداعه ووعوده بل وحتى ذكر اسمه وكل شئ يرمز إليه , والواقع يخبرنا أيضا أن الأخذ بأسباب النصر مهمة غاية الأهمية فالعزيمة والحماسة ووضوح القضية وعدالة المطالب قد تكون غير كافية لنيل المراد , مالم يصطحبها تسليح جيد وقيادة قوية وآلة إعلامية , وتلاحم شعبي بين الجبهات والشعب , ووعي من النخب ترعى الثورة أن تنحرف أو أن تسرق لاسمح الله, ومحافظة على الهوية الإسلامية للشعب الليبي , وإبعاد كل أسباب الهزيمة ونزع فتيل الطابور الخامس وإبطال مفعولهم بشكل كامل , وتحفيز المدن المتردد والخائفة ,  نعم كل ذلك وغيره يكون هو الداعم للوصول إلي التحرر الكامل, فالطاغية لا يفارقه الأمل في أن يستعبد هذا الشعب من جديد, وهو لايألو جدا في ذلك كما نرى , ولكن هيهات هيهات .
-------------

·        نشر في العدد الاول من صحيفة المنارة الورقية 30-5-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق