الثلاثاء، 21 يونيو 2011

ترجمة : خالد محمد جهيمة : على متن طائرة أواكس فوق ليبيا


لوفيجارو
جان جاك ميفيل Jean Jacques Mevel
ترجمة : خالد محمد جهيمة Kaled Jhima



تكشف الأواكس  كل ما يتحرك في مدي 400 كلم في الجو, وفي البحر, وفي البر, كما يمكنها توجيه, وتنسيق  كل  ما يتحرك على مساحة  تزيد على  نصف مساحة فرنسا. يوجد على متنها 12 عشر "مراقبا" تقريبا, يضاف إليهم  متخصصون في الرادار, وفي الاتصالات, أو المنظومات. (تصوير كريستوف كيوبسيل ـ أ ف ب)
طار مبعوثنا الخاص في سماء خليج سرت على متن طائرة الاستعلامات الأمريكية أواكس, التي توجه طائرات الحلف الحربية, وتنسق عملياتها.


تكاد تشعر, لولا بذلات الطيران, وأقنعة الأكسجين الموجودة في متناول اليد, وهزة خفيفة, أنك في مقهى انترنت في بالو ألتو, أو عند رؤوس البيضة في ستانفورد كومبيوتر ساينس؛ بسبب وجود عدد لا يحصى من شاشات العرض المسطحة أمام وجوه شابة, ومركِّزة, وكثيرٍ من المشروبات الغازية, وبعضِ عصابات الرأس الصغيرة, ومجموعةٍ كبيرةٍ من الكوابل, وكذلك غرف دردشة (شاتروم), ورسائل قصيرة على الطريقة العسكرية. إنه عالم لا علاقة له بحرب القرون الوسطى التي يقودها القذافي على الأرض تحتنا مباشرة؛ فهنا لا سماع لصوت انفجارات, ولا وجود لمدن محاصرة, ولا استهداف لمدنيين, ولا وجود لدم يسيل. تشعر فقد ببعض البرودة التي تتطلبها همهمة وحدات الحاسوب المركزية.
تفضفض شابة شقراء, كحبة قمح, قائلة: " الق نظرة على كومبيوتري المحمول, لكن سأسترده منك مع أول ملف ساخن". ما تفتخر به هنا, هو عمل يدوي أنجزَته بطريقة حِرَفية, لكن لم يتم إضافته إلى المنظومة بعد. إنه عبارة جهاز حاسوب يتعقب باستمرار الحركة التجارية؛ باستخدام برنامجٍ شائع, وبياناتٍ متاحة  للجميع على الانترنت.
نحصل بوضع  بانوراما السلام هذه على خارطة الحرب التي تتجدد كل عشر ثوان, عن طريق رادار دوبلر يدور فوق جسم الطائرة من علٍ, على البحر الأبيض المتوسط, المدني, والعسكري, الذي يتحرك بألوانه المختلفة.
يمكن, بالاستدلال, كشفُ الحركة المشبوهة, تلك التي لا تعلن عن نفسها. تلوح, في هذه الطبقة, معرفةٌ قديمة من أيام الحرب الباردة؛ إنه ليمان أحد "أكبر الآذان"  في أسطول سيفاستوبول. لقد قام في تلك الليلة بدوائر في الماء, وكله آذان صاغية, بين مصراتة, وحاملة الطائرات الفرنسية شارل ديجول.
حارسة الأجواء
تُحرك فأرةُ الحاسوب, فيتركز الجدول في مستوى مصغَّر لخرائط هيئة الأركان؛ لنرى  أسماء مدن ساخنة, كمصراتة, واجدابيا, والبريقة, أو زليتن . تظهر على الخارطة  مقاتلات, وقاذفات, وطائرات تزوُّد بالوقود, وطائرات بدون طيار, ومروحيات, وحاملات طائرات, وسفنُ دعم, وغواصاتٌ, تتحرك عليها في شكل صور رمزية, زرقاء بالنسبة للقوات الصديقة, وصفراء للمشتبه فيها, وحمراء للقوات المعادية, وهي قليلة جدا. بنقرة أخرى, تدور بطاقة الإشارة لكل منها مع  الموقع, والسرعة, والاتجاه, وإذا لزم الأمر, العلو, والتسليح, وأحيانا المهمة.
انضمت طائرة البوينج إي 3, المعروفة  باسم  أواكس  إلى القوات الجوية الأمريكية في سبعينات القرن الماضي. لقد كانت, على أيام  المواجهة حلف وارسو, رادارا طائرا, مهمته التحذير عن بعد. يمكن, من خلاله, رؤية مسافات أبعد من تلك التي يمكن رؤيتها من البر, أو من البحر. لم يتغير قَدُُّها بعد أربعين سنة من ظهورها لأول مرة؛ فهي اليوم عبارة عن بويينج 707 بدون نوافذ, تعلوها  قبة رادارية  تشبه  قطعة  كبيرة من الفِطر.
تستطيع الأواكس, التي غير التقدم  مُهمتها., كشفَ كل  ما يتحرك في مدى 400 كلم, في الجو, وفي البحر, وفي البر. كما يمكنها اليوم توجيهُ, وتنسيق كل شيء يتحرك على مساحة تتجاوز نصف مساحة فرنسا.  لقد أصبحت هذه التي يسميها الأمريكيون "عينَ السماء" الأداةَ الأكثرَ دقة من بين أدوات مراقبة المعارك كلها. تملك الولايات المتحدة منها عدد 33 طائرة, وفرنسا 4 طائرات, وحلف شمال الأطلسي 17 طائرة. يبدو أن في ظهور الطائرات بدون طيار, وكذلك أجهزة التصوير المباشر للحرب, ضمانا للمستقبل.  جاءت طائرة  إي 3 ـ أ التابعة لحلف شمال الأطلسي, والتي غادرت سيشيل عند الغروب, لتأخذ دورَها في الحراسة, بهدوء, فوق خليج سرت, بين بنغازي, وطرابلس, لتخلف  تلك التي تتبع القوات الجوية البريطانية, وستتلوها أخرى أمريكية, قبل أن تستلم الرايةَ, في  وسط النهار, إحدى طائرات الأواكس الفرنسية , التي انطلقت من  قاعدة أفورد, القريبة من بورج. يوضح أحد الضباط الموجودين على متن الطائرة قائلا: "تكفي طائرة واحدة, في ليبيا, لتغطية المنطقة؛ لأن الجزء المهم من العمليات يدور على شريط ساحلي بعمق 100 كنم ".

يسمى ذلك  "وصلَ المدار", مع اثنين من المتغيرات : الحلقة البسيطة, و"الحلَبة" الممدة بحسب متطلبات المهمة.  أما 4 في 6 فتعني: أربع نوبات مستمرة على ارتفاع 9150 متر, وبسرعة 650 كلم في الساعة؛ لضمان رؤية جيدة, و6 ساعات للقيام بالجولة نفسها, عشرين مرة في الاتجاه نفسه. تمت الدوران, اليوم, على الجناح الأيسر, وغدا قد تكون على الجناح الأيمن؛ مما يسبب , بحسب قائد الطائرة, "دورانا في الرأس, وبخاصة في قمرة  القيادة".
اعترافات طيارين مقاتلين
أنهت الطائرة البريطانية , مع غروب الشمس, المهمة , وغادرت في خط مستقيم نحو الشمال. ثم  تسلمت طائرة حلف شمال الأطلسي قيادةَ السماء. لقد تم تجديد  الجانب الإلكتروني في طائرة الحلف هذه, التي  يبلغ سعرها 100 مليون دولار, ليصبح في هذه اللحظة الجانب الأكثر تقدما  في "العربة". الإضاءة خافتة في الداخل. تضاء الشاشات, وترتفع حِدَّة التوتر. يصعد فريق التكتيكات بمعية اثني عشر "مراقبا"  تقريبا , من جميع الجنسيات, يضاف إليهم متخصصون في الرادار, في الاتصالات, أو في المنظومات
تصبح الطائرة, المسجَّلة بغرابة في لوكسمبورج, كرسيَّ اعتراف الطيارين المقاتلين, ومِحورَ الهجوم. يَحرِم غيابُ القوات على الأرض الحلفَ من رؤية شاملة للأرض؛ لذا فإن وجود حارسة الأعالي هذه ضروري جدا. هذا تتويج للنوتة التي  رسمها قرار مجلس الأمن رقم 1973, وحدَّدها الحلف الأطلسي في بروكسل, وكُتبت, في النهاية, في خطة العمل المفصَّلة  التي  تعتمدها القيادة في مقرَّيها الرئيسين في نابولي, وفي بوجيو روناتيكو بالقرب من بولونيا .  يقول المقدم جيم كينيير, قائد المفرزة في صقلية : " نحن من يضبط ميدان المعركة؛ إذ لاتوجد موسيقى بدون قائد فرقة. لا يمكن لعملية  "الحامي الموحد" أن تتم بدون الأواكس"
الثمن الذي يدفعه حلف شمال الأطلسي في هذه الحرب, دون أن تطأ قدما أي جند من جنوده أرض الصحراء, هو التناقضُ بين ضعف بصر القاذفات, وبين النهي عن  ارتكاب الأخطاء. يقول جيم كينيير : " كل ضحية  مدنية تقع  لها  تأثير شديد على الحملة بأكملها. القاعدة الثابتة هي الامتناع عن إطلاق النار, إن لم يكن هناك تأكيد عيني من الطيار لصحة الهدف, ولعدم وجود خطر الوقوع في أخطاء جانبية. عندما لا تجتمع كافة الشروط, يتم تأجيل المهمة".  قلة هم الذين يطيرون, في السماء الليبية, على بعد أخفض من 5000 متر, باستثناء المروحيات المقاتلة, التي  تخرج في الظلام الحالك, والبريداتور الأمريكيات, أو الأنواع الأخرى من الطائرات التي تقاد بدون طيار. لقد خسر القذافي طائراته, وجزءا كبيرا من دفاعه الجوي, لكن  ما تزال هناك "أخطار متبقية" , يصعب تمييزها, كالصواريخ المحمولة على الأكتاف, وكأنواع أخرى من قاذفات الصواريخ. تقترب الأواكس, نفسها, من الساحل , لكنها  لا تقترب من البر, على عكس ما عليه العمل في أفغانستان.


في داخل الأواكس : ضوء خافت, وشاشات مسطحة

خطر الوقوع في "الأخطاء"
من الصعب الرؤية بوضوح. يستشهد الجنرال شارل بوشار عن طيب خاطر, ليوضح مكائد ما يطلق عليه الخبراء "الحرب الغير متناظرة", قصة المخبإ الذي أنشئ, عن قصد تقريبا, قرب حديقة ألعاب للأطفال. يقول قائد العملية الليبية, في مقابلة مع صحيفة لوفيجارو, : "عدنا إلى المكان ليلا, بعد أن تأكدنا من أنه لم يعد هناك وجود لأي كان حوله. أقول لا أحد؛ لأن جنود القذافي خلعوا البدل العسكرية منذ زمن بعيد". لقد أدانت طرابلس, يوم الأحد مقتل خمسة أفراد ينتمون لعائلة واحدة, من بينهم طفلان يقل عمر كل منهما عن عامين, في قصف لحلف شمال الأطلسي على أحد أحياء العاصمة.
يؤكد حوار, جرى بين طيارين مقاتلين, وبين "مراقب ومحدد للأهداف" يعمل على متن الأواكس, جديةَ العمل القائم لمراجعة الأهداف, والتحقق منها, ورفضها في حالة وجود أي شك. أعطى الطيارون, في أثناء رجوعهما من المهمة, إحداثيات قطعتي مدفعية معزولتين, تم تحديدهما بدقة:
المراقب: "كيف هي البيئة المحيطة؟ أهناك مبان قريبة؟"
أجاب أحد الطيارين بإيجاب
المراقب: "ما هي نوعية المباني؟ أيمكنك وصفها؟"
تأخر الجواب, ثم جاء مترددا.  تمت استشارة المقر الرئيس في بوجيو روناتيكو. فجاء الجواب "برفض الإذن بالقصف"
يتكرر ر السيناريو, ويختلط بسبب تداخل المواقع بين خطوط النظام, وبين خطوط خصومه. لقد اعترف الحلف, هذا الأسبوع, بقصفه, عن طريق الخطإ, طابورا من الثوار, الذين جُرح منهم 16 مقاتلا بقرب مدينة اجدابيا في الشرق.  يبدو أنهم كانوا يعملون في منطقة تسيطر عليها قوات النظام.  يفسر الخوفُ من  ارتكاب أخطاء  التقدمَ البطيء, وضعف حصيلة الأهداف المقصوفة , التي  ينشرها الحلف  يوميا ؛ فقد تم يوم السبت , بعد 139 طلعة جوية, منها 50 هجومية, قصف ثلاثة مخازن  عسكرية, وخمس بطاريات صواريخ دفاع جوي, وثلاث مدرعات, وست سيارات منها خمس مسلَّحة, وخمس منصات إطلاق صواريخ, وقاذفة صواريخ واحدة. أي  أن 15 هدفا  هوجمت, لكن ليس هناك ما يؤكد تدميرها. يستمر العمل الدؤوب . صرح أحد الطيارين الخبراء بأنهم " يمكنهم, وفق هذا الإيقاع,  إنهاء العملية , لكن  التعب بدأ  يظهر على الآلات, وعلى الرجال  أيضا ".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق