الاثنين، 20 يونيو 2011

حسين فرج : "معمر ضحى من أجل خطيئتك"




بسم الله الرحمن الرحيم
  "معمر ضحى من أجل خطيئتك"
هذا المقال عبارة عن محاولة لفهم النظام الذي عاشت تحته ليبيا لأكثر من إثنان وأربعون  عاما من خلال المواد التي يبثها إعلام النظام لأكثر من مائة يوم وهو عمر الثورة التي بدأت في السابع عشر من فبراير . والمقصد هنا هو التركيز على نوع معين من المواد الإعلامية التي يعرضها النظام لغرض تعبئة الشعب, وفيها تقدم المواد الإعلامية التي عادة تبدأ بإعطاء الميكرفون للعامة للتعبير عن شعورهم . وميزة هذه المادة  إذا  شاهدت واحدة منها فكأنك شاهدتها كلها . وهي تبدأ كالتالي "نحن مع الأخ القائد وبعدها كلمات تؤكد ذلك ثم يعلو صوت المتكلم حتى يصبح صريخ وعويل غير مفهوم وإشارات بقبضة اليد والأصابع ثم الجمل والكلمات تختفي تماما ويتبقى الصريخ الحاد الذي يتحول إلى بكاء ومنها إلى ملحمة من كلمة طز وبعد ذلك تعلو الزغاريد المصحوبه بالرقص والقفز والتهليل المتشنج" كل هذا يحدث في غضون دقائق معدودة. .

وبعد التفكير لفهم هذه الظاهرة ولأول وهلة يبدو لي وكأن هذا المشهد ماهو إلا منظر في مستشفى الأمراض العقلية فلا يمكن لكل هذه العواطف المتضادة أن يمر بها أي شخص في غضون بضعة دقائق بدون أن يكون هذا الشخص يعاني من مشكلة نفسية . ولكن بعد فترة من التفكير وصلت لإستنتاج مختلف وهو محور هذا المقال, أعتقد إنما ما يجري أمام كاميرة تلفزيون النظام ما هو إلا شعائر لدين جديد. الإستنتاج هو أن هذا النظام الذي حكم ليبيا لأكثر من إثنان وأربعون عاما إستطاع حكمها بواسطة دين جديد رمزه " معمر ضحى من أجل خطيئتك". 
فثورة السابع عشر من فبراير جسدت لنا الحكم الكاسر الذي سمح لشخص أن يقف أمام شعبه ويقول "معمر المجد" وإنه هو الذي عرف ليبيا للعالم الذي كان يجهلها قبل أن يحكمها والتي اصبحت "بعزة ثورة الفاتح" تقود العالم في مسيرة التحرير من العبودية والرجعية والإستعمار.فبمنطق "ثورة الفاتح" معمر ضحى من أجل البشرية والشعب الليبي ليحررهم من قيود العبودية والإستعمار. ونتيجة هذه التضحية إن معمر البشر أصبح "معمر الإله". فهو ضحى بنفسه كبشر لينقذ الشعب من عبوديته وخطيئته وحررهم  للأبد, فتضحية "الثورة" هي قمة العطاء وإنكار الذات التي لا يقدم عليه بشر. ليبيا بعد التضحية حررت من خطيئتها والشرك الذي كانت تعيش فيه قبل "ثورة الفاتح"  من خلال المنقذ والحمل البريئ الذي حررالشعب ولذلك فهو يمجد بالثالوث "الله ومعمر وليبيا وبس" .هنا فقط يصبح مفهوم هذه الجملة واضحا.
حتى معمر صدق الثالوث و إنه "إله" وأعدل من البشر عندما تعدى على شخص سيدنا عمر رضي الله عنه ووصف حكمه بالدكتاتوري. ليس ذلك و حسب فالصنم تجرأ وقال لعامة المسلمين كيف يقرأون سورة الإخلاص ولما لا "فمعمر ضحى من أجل خطيئتك" ونكران "تضحية الثورة" هو كفر وفجور بالعقيدة الجديدة.
 الكفر في هذا الدين الجديد هو التفكير والشك في هذه "التضحية"لأن الفكر في هذا الدين بمثابة خطوات الشيطان التي حتما سوف تؤدي بصاحبها لنكران "التضحية" وتكبيل الذات بسلاسل العبودية والرجعية مرة أخرى.

"فالثورة" أعطتنا حلول كل ما يمكن أن نفكر فيه, و لذلك  ليس هناك حلول فوق حلول "الثورة".ولذلك أي تفكير في إصلاح أونقد لهذه "الثورة" فهو كفر "بمعمر الذي ضحى من أجل خطيئتك".
السؤال إذن كيف يكون للشعب أن يعيش بعد "تضحية الفاتح"؟ والجواب هو بالإيمان والرضا التام "بالتضحية", فالرضا هي شيمة المؤمن في هذا الدين الجديد. فكل المشاكل والصعوبات والمحن لها حل و إجابة ولكن هذه الإجابة لا تظهر حتى تؤمن بحقيقة هذه "التضحية".فمنطق هذا الدين, إركع أولا وسوف يدخل الإيمان في قلبك وعندئذ, كل التضاد الذي مرت به ليبيا من عام 69 من إشتراكية, شعبوية, فوضوية, رأسمالية متوحشة, دكتاتورية كل ذلك سوف يبدو للمؤمن بهذا الدين الجديد, تاريخ متجانس ذو إيقاع موسيقي رائع. وإذا دخل قلبك الشك من إنجازات "الثورة" بعدها, فكل ما عليك ان تسبح بالثالوث "الله ومعمر وليبيا وبس".
معمر الذي ضحى من أجل خطيئتك هو "إله" يشرع ولا يشرع له, ولذلك ليبيا لا تعرف دستور إلى يومنا هذا. "فالإله" يعيش فوق القانون وليس تحته. و"يعيش أيضا في قلوب الملايين" الذين سوف يرحلون إذا رحل الصنم الأوحد كما قالها متحدثه إلى الإعلام العالمي ردا على عرض الناتو له بالرحيل. "معمرضحى من أجل خطيئتك" وإن لم تؤمن بها فإنك زنديق ظلامي وناكر جميل الحرية التي تتمتع بها بفضل هذه "التضحية". فلذلك كل ما يقوله "الإله" هو حق حتى لو كان غير منطقي ومستحيل " كبن لادن متحد مع أمريكا ويعطي حبوب الهلوسة لسكان بنغازي". هذا هو منطق الدين الجديد و إن لم تؤمن به فإنك كافر وملحد بإله هذا الدين.
ولكن كيف إستطاع شخص كمعمر تأليه نفسه على مدى إثنان واربعون عاما؟ هذا السؤال يمكن الإجابة عليه بتحليل منظومة "المعابد" التي إستطاع من خلالها هذا الصنم البقاء على حكم ليبيا. فكل صنم لابد ان يكون له معابد يعبد فيها. وأهم هذه المعابد هو معبد باب العزيزية, فهناك تؤله القوة وهناك اللامعقول هو المنطق. فخصلة هذا الدين الجديد أن يقنع عباده أن اللامعقول هو المعقول و الأبيض أسود والعكس صحيح.  
ثاني معبد هو معبد التعليم وكتابة التاريخ, فالصلاة في هذا المعبد هى ترديد التاريخ المزيف الذي يمحى به ذاكرة العامه, بدأً من الصغر "بابا معمر قائدنا هو حياتنا وأمجادنا" حتى يصبح جيل كامل بلا ذاكرة  و تائه عن حقيقة تاريخه. ولذلك ما نراه على الشاشة في مواد التعبئة الإعلامية ليس بزيف, و لكن من القلب لجيل عاش وترعرع في هذا المعبد.
المعبد الثالث هو معبد الإعلام, الذي من خلاله يبدل وعي العامة بواسطة الكذب والإفك. فعلى سبيل المثال فتوى تحريم تبني قرارات مجلس الأمن أو تسخير الجن والروحنيات للدفاع عن"معمر الذي ضحى من أجل خطيئتك"كان أضحوكة الإعلام في جميع أنحاء العالم إلا في ليبيا فهو المنطق الذي يتفوه به هذا النظام . لذلك من الطبيعي أن ينعت في هذا المعبد كل من يفكر أو يشكك في "التضحية " بالكفر والعمالة والزندقة. فأحبار هذا المعبد أمثال هالة المصراتي و يوسف شاكير جندوا من أجل نشر منطق هذا الدين وهو اللاعقل و الإيمان فقط "بتضحية الثورة".

 عاش الشعب الليبي وحرم عليه أن يسأل السؤال البسيط , ماهو سبب الثورة؟. لا يمكن النفكير في هذا السؤال في هذا الدين الجديد لأنك إذا فعلت فإنك تشكك في "ألوهية معمر". كل ماهو عليك هو الطاعة والإيمان بهذا الصنم حتى لو كان الكلام والمنطق لا يعقل, فعلى سبيل المثال المقولة أن "القائد لا يحكم إنما هو رمز الثورة و إن الشعب الليبي هو الذي يحكم نفسه بنفسه" فهذه المقولة لا يصدقها إلا المتدين بهذا الدين. فعلامة إيمان المتدين بهذا الدين هو "أنا أصدق القائد حتى إذا ما يقوله مستحيل ولا يعقل".

إذن منطق هذا الدين هو منطق القوة, منطق معمر, فله يهتف الجميع ويعطل له الجميع العقل والذمة والعرض. كل ذلك لعبادة وتأليه معمر رمز هذه القوة. فالرقص والزغاريد والبكاء والعويل والنواح في هذه المواد الإعلامية هي وليدة منطق هذا الدين المتضاد في المعاني والمبني على تصديق المستحيل. فمعمر معلم لغة التضاد و يتكلم بلغة التضاد واللاعقل, لأن هذا هو منطق القوة و أكبر دليل على "ألوهية معمر". بعد ذلك تردد المعابد و العامة هذه اللغة حتى يقنع النفاق والجبن و الوصولية في المجتمع بقناع الصدق والوفاء والشرف والشجاعة.
هذه اللغة هي بعين ذاتها لغة اللاعقل والمستحيل, فهي ركن من أركان الدين الجديد الذي من خلاله  تنشر الرذيلة والنفاق والوصولية في المجتمع فالكل يردد لغة التضاد لدرجة من الصعب التمييز بين الحق والباطل أو العدو والصديق. فعندما المفردات تفقد معناها والقيمة التي ترمز لها, الفرصة تكون سانحة للطماع والمنافق والجبان ليركب أول موجة ويتستر بتضاد معاني المفردات. والنتيجة إن ثوابت التي يبنى عليها المجتمع  تصبح سائلة وتتشكل على حسب منطق القوة.  فهذه الظاهرة تسمح لمعمر"الإله" أن يقول ما يحلو له و أن يهتف له الجميع "الله ومعمر وليبيا وبس". لغة "الثورة" السائلة ليس في معجمها مفردات صلبة يحاسب بها "الإله" ليس هناك مقياس ثابت تستطيع أن تقيس عليه إنجازات "معمر الذي ضحى من أجل خطيئتك".
وإذا فكرت وحاولت إستعمال لغة من خارج  "منظومة الثورة" لتقييم ما حدث في ليبيا منذ عام 69 فالويل لك لأنك إرتكبت الجرم الأكبر و إستعملت عقلك. حين ذاك لا بد لك من الصلاة والإستغفار في المعبد الرابع وهو معبد الأمن والمخابرات. فهذا المعبد مخصص لتطهير العقل والروح وإعادة تركيب عقل "العاصي" من جديد والأخرة "شبر شبر بيت بيت دار دار زنقة زنقة".  فالعذاب الذي يمارس في هذا المعبد هدفه إرغامك على  "حب الإله وقبول التضحية".  
 الغفران في هذا النظام ممكن فقط من خلال إعترافك  "بتضحية معمر من أجل خطيئتك". فمعمر لا يتمتع بعذابك ربما يتمتع به أحباره الذين يقومون بالتعذيب. إنما ما يريده الصنم أن يجعل منك مثالا لعامة "المؤمنين" بهذا الدين الجديد لتكون عبرة لمن يكفر ويستعمل عقله ويرفض "التضحية".  
أخيرا إذا أردت أن تجيب على السؤال لماذا معمر طغى لمدة إثنان وأربعون عاما, فالإجابة هي إن معمر لا يستطيع العيش دون أن يعبد من الجميع, فهو "الصقر الأوحد" الذي "يهيمن في فكر وعقل وروح الشعب الليبي". ولكن إذا فكرت أكثر فستجد أن  معمر عاش عمره  خائف من الشعب الليبي. ولهذا السبب معمر لا يستطيع العيش أو الطمانينة إلا بالسعي وراء القوة وإحتكارها, فهذا الطاغية كان ومازال يعتبر أن شعبه غريمه ومقاسمه في القوة. و منطق الخائف لا يقبل مقاسمة القوة مع أي أحد حتى مع ربه الذي خلقه.
فكرة هذا المقال أستوحيتها عندما شاهدت مقطع اليو تيوب لأخي الشهيد الذي أصيب في ساقه و أمر أن يردد كلمة معمر فرد بكلمة "أشهد أن لا إله إلا" وقبل أن يكملها أطلق عليه الرصاص وأستشهد. أعتقد أن هذا المقطع هو بإختصار ما هو هدف ثورتنا وهو إعلاء كلمة الحق وكسر صنم الباطل. ولذلك كلما تذكرت أخي الشهيد سجدت  للذي خلقني و حمدته على نعمة الإسلام فهو  الواحد القهار الذي يؤتي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء له الملك وهو على كل شي قدير.
   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق