الأربعاء، 18 مايو 2011

سليم نصر الرقعي : نحو دولة ليبية ديموقراطية مسلمة



- حول معالم البديل القادم -

الثورة كما ذكرنا في مقالة سابقة هي عملية إستثنائية مرحلية لا دائمة!.. وهي تقوم على عمليتين متعاقبتين الأولى عملية هدم والثانية عملية بناء .. هدم النظام الظالم والفاشل والفاسد وبناء نظام صالح وعادل صحيح ومريح.. وعملية الهدم كما هو معروف أسهل من عملية البناء .. لذا فإن التحدي الحقيقي الذي سيواجهنا خصوصا ً كنخب سياسية ومثقفة ليس إزالة نظام القذافي بل التحدي الحقيقي والكبير والخطير الذي سيواجهنا في ليبيا هو بناء النظام السياسي البديل الجديد والصحيح بشكل سليم ومتوازن وغير مفتعل وبدون زرع ألغام مستقبلية فيه تنفجر بعد سنين في الشارع الليبي!.. سأصدقكم القول هنا .. فهناك بعض إخواننا الليبيين العلمانيين الليبراليين يريدونها دولة علمانية ليبرالية مثل ما في الغرب الليبرالي (فوتي كوبي)!!.. وهذا بإعتقادي غير عملي وغير ممكن في ليبيا العربية المسلمة وسيرفضه الشعب الليبي بل إن الإصرار على علمنة الدولة الليبية سُيصعد ويُهيّج أصحاب الإتجاهات الإسلامية السلفية والقطبية المتطرفة في ليبيا وسيدفعهم إلى مزيد من التطرف والعداء للدولة الليبية (العلمانية)!! .. فإما أن يتمكنوا من حشد الجماهير الليبية بخطاب ديني شعبوي تعبوي يجّيش ويجّير العواطف الدينية لصالح مشروعهم "الأصولي" المتشدد فيما يشبه ثورة شعبية لتحطيم هذا النظام العلماني " الكافر" – حسب توصيفهم - برمته وبناء نظام إسلامي شمولي متشدد على طريقة طالبان أو إيران وإما أنهم سيرفعون السلاح في
وجه الدولة وندخل – بالتالي - في معمعة ومستنقع الإرهاب الدموي ومرحلة الضرورات الأمنية التي تكون على حساب الحريه من جديد!! .. مما سيعطل حركة التنمية الإقتصادية والسياسية في ليبيا ويرهق الدولة الليبية .. وذلك لأن التطرف العلماني والليبرالي سيُولد في المقابل – وبالضرورة - تطرفا ً دينيا ً أصوليا ًسلفيا ً فلكل فعل رد فعل!.. لذلك فعلمنة الدولة في ليبيا أمر خطير جدا ً وعواقبه ستكون وخيمة ومكلفة ماديا ً وروحيا ً وسيجر ليبيا إلى مستنقع الإرهاب والحلول الأمنية!.. فإذا أصر إخواننا العلمانيين الليبيين على هذه العلمنة فهم سيجرون ليبيا نحو مزيد من التطرف الإسلامي "الأصولي""السلفي" و"القطبي" بل إنني أتوقع في حالة فرض العلمنة من قبل بعض النخب العلمانية فإن حتى العناصر والإتجاهات الإسلامية المعتدلة التي يمكن إشراكها في اللعبة الديموقراطية السلمية ستتجه للتطرف بدعوى عدم إمكانية القبول بدولة علمانية في بلد مسلم!.. إذن ماهو الحل!؟ .

الحل في نظري – كما بينت في عدة مقالات ومنها مقالتي (نحو ليبيا ديموقراطية وطنية لا علمانية ولا دينية) هو وكما إننا نرفض مشروع الدولة الدينية "الثيوقراطية" على صورة المشروع الطالباني أو حتى الإيراني - حكم الملالي ورجال الدين والفقهاء -  علينا أن نرفض في المقابل مشروع الدولة العلمانية الليبرالية على نمط المشروع الغربي!.. ونختار مشروع الدولة الوطنية الليبية الديموقراطية المسلمة!.. فالإسلام سيكون دين الدولة وهو مصدر التشريع الأول فيها .. فهذا أولا ً وحده ما سيقطع الطريق على الإسلاميين المتشددين في تكفير الدولة والخروج عليها .. وهذا ثانيا ً ما يعكس الحقيقة الإجتماعية للمجتمع الليبي المسلم .. فالديموقراطية مهمتها أنها تجعل الدولة تتناغم وتنسجم مع حركة وروح المجتمع لا أن تتغول وتتسلط عليه وتجره حيث تريد النخبة الحاكمة!.. لذا فديموقراطيتنا ستكون محكومة من خلال الدستور بثوابتنا الدينية الإسلامية العامة .. ولكن أي إسلام؟ .. الإسلام بالفهم المعتدل الوسطي المستنير لا بفهم السلفيين أو القطبيين المتشددين والتكفيريين .. الإسلام المعتدل كما هو في حس معظم الليبيين بلا تنطع في الفهم أو السلوك .. وهكذا يكون هذا هو المشروع الديموقراطي الحضاري السياسي الوسطي المعتدل هو المشروع المناسب لليبيا الحديثة ذات الهوية الليبية المسلمة .. الحل الوسطي بين :
(1)  علمانيين متطرفين يريدون ليبيا علمانية ليبرالية على نمط  ماهو قائم في الغرب الليبرالي حيث يمكنك مثلا ً – تحت شعار حرية التعبير وستار حرية الفن والإبداع – أن تسخر من الله والأنبياء والرسل وأن ترسم لهم رسومات كاريكاتيرية ساخرة دون ملاحقة قضائية أو إدانة من المجتمع!!.. وهذا غير ممكن عمليا ً بكل تأكيد في ليبيا البلد المسلم!.. فلا توجد حرية في أي مكان من العالم بدون حدود وقيود .. وكل مجتمع له حدوده التي تتلائم مع عقيدته وفلسفته الإجتماعية.. وسأناقش هذه النقطة في مقالة خاصة حول فلسفة الحرية والنظام!.
(2)   وإسلاميين متطرفين يريدون ليبيا دولة إسلامية "سلفية" بالطريقة الطالبانية أو الإيرانية أو أي صورة أخرى من صور الحكم الشمولي البابوي بإسم الدين! .. ويريدون فرض فهمهم ومذهبهم الديني على بقية المجتمع الليبي بدعوى أنهم هم "الفرقة الناجية" و"الفاهمة"!.. وأنهم وحدهم على الحق والحق واحد لا يتعدد وأن طريقتهم في فهم وتطبيق الدين هي الطريقة الوحيدة الموصلة للجنة!.. ومن خالفها فهو مبتدع وضال مضل ربما يجب حز رأسه لتخليص المجتمع من بدعته وكفره!!!!.
عموما ً فكل هذه الأمور ستتم مناقشتها في ظل حوار فكري وطني عام حر ومفتوح داخل ليبيا بعد إسقاط صنم الديكتاتورية والتخلف وهو قريب بإذن الله.. هذا الحوار الواسع الذي يجب أن ينطلق بشكل علني وكثيف خلال المرحلة الإنتقالية التي ربما تستغرق عاما ً على أبعد تقدير وستة أشهر على أقل تقدير من أجل وضع دستور وطني "دائم" يحترمه الجميع وللبدء في حياة سياسية ديموقراطية جديدة ورشيدة يكون الإحتكام فيها من جهة للدستور من خلال رقابة القضاء ومن جهة أخرى للجمهور من خلال آلية التصويت .. فليس من الممكن وضع دستور دون الإستماع  لكل أراء الليبيين ودون حوار وطني مفتوح يشارك فيه الجميع بلا إستثناء يسبق أي إستفتاء!.. فليبيا وطننا جميعا ً والإسلام ديننا جميعا ً ولا نقبل بأوصياء لا على وطننا ولا على ديننا!.
سليم نصر الرقعي

هناك 3 تعليقات:

  1. اسكت احسن لك..

    ردحذف
  2. أويد ذلك خصوصاً وإن الخلاف حول هذه النقطة قد بدأ أصلاً حولي على الأقل. ثرنا وغيرنا فما هو شكل نظامنا الجديد. الدولة العلمانية تفتح أبواباً كثيراً إلى درجة أن (أكرمكم الله) حتى الشذوذ يصبح حقاً؟؟! لست متعصباً يا سيدي الكريم أو على الأقل أحاول أن لا أكون ولكن هناك أشياء العلمانية تفتح أبواباً قد تنفرك منها حتى ولو كنت مسلماً معتدلاً. لا أحب فكرة فرض الحجاب مثلاً بحكم القانون لأقتناعي بأنه عبادة ولن يؤجر المرء عن عبادة لم تنبع من داخله، كما إنني لا أحب قانوناً يمنع الحجاب ايضاً ما دام سيدة مسلمة أختارته إرضاءاً لربها.

    ردحذف
  3. هل الدولة الديمقراطية الاسلامية التي تنادي بها في مقالتك ستفرض الحجاب على النساء؟ وماذا عن المشروبات الكحولية في اماكن مخصصة كالمنتجعات والفنادق كما هو النمط في الكثير من دول الخليج. في اعتقادي هذه كلها من الحقوق الفردية التي لا تؤثر في المجتمع مثل سب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    ردحذف