الثلاثاء، 10 مايو 2011

سليم نصر الرقعي : إلى شباب الثورة..إياكم وفخ الثورة المستمرة!؟



- الثورة حالة إستثنائية مؤقتة وليست عملية مستمرة! -

الشرعية الثورية هي الشرعية الشعبية خارج الحياة الدستورية!
ما حدث وما يحدث في ليبيا الآن منذ 17 فبراير هو بالتعريف العلمي "ثورة" .. ثورة الشعب ضد الإستبداد والفساد .. ثورة الشعب الليبي بكل شرائحه شبابا ً وشيبا ً رجالا ً ونساء ً وليست ثورة الشباب وحدهم كما هو شائع!.. ومن جهة أخرى هي ثورة المواطنين الأحرار لا ثورة القبائل .. ثورة الشعب الليبي بكل معنى الكلمة ضد الإستبداد والفساد .. وبالتالي فالشرعية الثورية – إذن - هي الشرعية الشعبية .. والشرعية الشعبية هي شرعية الجمهور عندما يغيب الدستور أو عندما يصبح هذا الدستور نفسه لا يعكس إرادة الشعب بل يعكس إرادة السلطة!.. والثورة هي عبارة عن عملية هدم وبناء..هدم القديم وبناء الجديد..وهدف هذه الثورة التي إنفجرت في ليبيا هو :


(1)  إسقاط  نظام الطاغية العقيد معمر القذافي بالكامل.
(2) وإقرار دستور عادل يعكس إرادة الشعب ويقوم على أساسه نظام وطني ديموقراطي دستوري تعددي يسمح بحرية التعبير وإمكانية التغيير ويمكن الشعب الليبي من إختيار قيادته السياسية نفسه بنفسه من خلال إنتخابات شعبية عامة.
فإذا سقط النظام المكروه – نظام العقيد - وأقيم على أنقاضه النظام الديموقراطي الدستوري الجديد تنتهي بهذا الإنجاز التاريخي الكبير الشرعية الثوريه – وهي شرعية مرحلية مؤقته وليست شرعية دائمة - وتبدأ عندئذ الشرعية الدستوريه والحياة الديموقراطية الحضارية الجديدة فلا نريد - بعد إقامة هذه الدولة الديموقراطية الدستورية الجديدة - تكرار مرحلة شعارات "الثورة مستمرة والخاين يطلع بره!" ولا نريد أن نرى سباقا ً "مارتوني" بين "الثوار" ينضح بالمزايدات والمشاجرات الثورية بين هذا الطرف وذاك!.. فهذا يقول لذاك : (أنا إنخرطت في الثورة قبلك!) فيرد عليه الآخر: (إخرص يا خاين!..بل أنا إنخرطت فيها قبلك)!.. فيقول له الأول : (أنا قدمت للثورة أكثر منك ومن أمثالك يا متعفن)!.. فيرد الآخر: (بل أنا قدمت أكثر منك يا متصهين)!!.. فيستشيط الأول غاضبا ً ويصيح في وجهه بأعلى صوته : (إخرص!.. فأنت خائن لقضية الثورة)!.. فيرد له الثاني الصاع بصاعين بالقول: (بل أنت الخائن والعميل والمتسلق)!... وهكذا نجد أنفسنا نغرق – مرة أخرى - في مستنقع الشتائم والمزايدات " الثورلنجية" كالتي عهدناها في عهد القذافي الفوضوي البائس المتخلف!.. أو كالذي كان يحدث أحيانا ً في ساحة المعارضة الليبية في الخارج تحت مسمى (أنا عارضت القذافي قبلك!!) لذا فالحالة الثورية لابد أن تنتهي فور قيام الشرعية الدستورية وينشغل الثوار بالتالي بالبناء الرصين وبالمشاركة السياسية أو بأي صنف آخر من العمل الوطني العام في ظل حكم الدستور بعيدا ً عن الشعارات الديموغواجية والمزايدات والغوغائية!.
الثائر الحقيقي لا يبحث عن المناصب والشهرة!
قد يشعر بعض – لاحظ أنني أقول "بعض" - "الثوار" بشئ من الغبن والحسرة والحزن إذا لم يناله من "الكعكة" أو "السلطة" نصيب خلال المرحلة الإستثنائية الإنتقالية أو في مرحلة النظام الديموقراطي الجديد فينفجر غضبا ً في وجه الآخرين متهما ً إياهم بسرقة الثورة وبالتآمر على أهداف ثورة السابع عشر من فبراير كما نشاهد في بعض حالات أحداث الثورة التونسية والمصرية الآن من مزايدات ثورية وهيجانات فوضوية وغوغائية قد تفضي إلى إفشال هذه الثورات وضياع دماء الشهداء هدرا ً!!.. فمثلا ً بعد إقامة إنتخابات عادلة ونزيهة وفوز فريق سياسي معين في الإنتخابات الشعبية المرتقبة في ليبيا فقد يخرج هذا البعض الغاضب ممن لم يتحصل على أصوات الناخبين أو لم يتحصل على منصب يليق بما يعتقد أنه من حقه ودوره التاريخي و"مقامه الثوري" بإعتباره ممن شاركوا  في ثورة الشارع الليبي منذ اليوم الأول ليمارس نوعا ً من المزايدات الثورية والتصريحات "الديموغواجيه" أو التصرفات "الغوغائية" ويدعي بأنه هو أحق بقيادة الدولة وبتمثيل الشعب لأنه من الثوار الحقيقيين لا المزيفيين  ويدعي أن "الثورة" قد سُرقت من الثوار!!!..فهذا الأمر وارد وحدث حتى في الثورة الفرنسية وأدى إلى مجازر وأفشل الثورة عدة مرات!.
حذار ِ من شعار الثورة المستمرة!
 فأنا أخشى أن نقع مرة أخرى في نفس المصيدة التي أوقعنا فيها الطاغية "معمر القذافي" بإسم الثورة وتحت شعار "الثورة مستمرة" و"الشرعية الثورية الخالدة؟" ويتم الخلط  بالتالي في حس بعض الثوار بين مفهوم  السلطة السياسية وبين مفهوم الثورة كما فعل الديكتاتور "معمر القذافي" فهو حينما يقول لك : "هذه الثورة ثورتي أنا وسأدافع عنها لآخر قطرة من دمي"!.. فهو يعني في الحقيقة أن : "هذه السلطة سلطتي وسأدافع عنها لآخر قطرة من دمي"!.. وهو ما يقوم به  الآن بالفعل من خلال إرتكاب المجازر ومحاولة إبادة الشعب الليبي في سبيل البقاء في السلطة ولكنه لا يقول ذلك صراحة ً بل يدعي بأنه ما يقتل ويحرق ويدمر ويغتصب النساء إلا من أجل "حماية الثورة" ومن أجل "إستمرار ثورة الفاتح من سبتمبر الأبدية"[*]!..لذا فأنا ضد فكرة وشعار "الثورة المستمرة" فهي ستار للممارسات الطغيانية والشهوات السلطانية!..وقد علمنا التاريخ أن أعتى الطغاة كانوا يرفعون شعار "الشرعية الثورية" و"الثورة المستمرة" لتمرير مخططاتهم السلطويةِ!.. كما إنني أعارض بشدة  فكرة تشكيل لجان ومجالس ثورية لحماية الثورة - وما أدراك ما حماية ثورة 17 فبراير؟ - وتكوين روابط وفرق ومجموعات تحت ستار "من أجل ضمان إستمرارية الثورة" .. و... و.....إلخ .. فالثورة – يا إخواني – ليست عملية مستمرة بل هي عملية مؤقتة ومرحلة إنتقالية هدفها إنهاء دولة الظلم والإستبداد وإسقاط حكم القذافي وإقامة نظام ديموقراطي دستوري تعددي – متعدد الأقطاب والأحزاب – تتوفر فيه (حرية التعبير) و(إمكانية التغيير) أي إقامة نظام سياسي يتيح لليبيين حرية التعبير وحرية التغيير ويسمح لهم بإختيار قياداتهم السياسية وممثليهم في مجلس وجامع الأمة "البرلمان" بأنفسهم من بين عدة خيارات مختلفة ومتنافسة معروضة عليهم بكل حرية وشفافية وآمان..فإذا تحقق هذا الأمر فهذا يعني أن الحالة الشعبوية الثورية إنتهت تلقائيا ًونكون قد دخلنا بالتالي في "الحالة الدستورية الحضارية" التي لها ضوابطها ومقتضياتها ويكون كل صاحب رأي وصاحب دعوة سياسية أو مشروع حضاري مدعوا ً إلى  أن يخوض ميدان اللعبة السياسية الديموقراطية بشروطها المقررة في الدستورلإقناع أكبر عدد ممكن من المواطنين (الناخبين) بأفكاره وبرامجه التنموية ومشروعاته النهضوية ثم يكون الفيصل هو لصوت الناخبين من خلال صندوق الإقتراع!... أما حكاية ثورة إلى الأبد و(الثورة مستمرة والخاين يطلع بره!) وتكرار حالة المزايدات الثورية والقول بأن هذا "فلان" إلتحق بالثورة يوم 17 وذاك إلتحق يوم 18 وهذا إلتحق يوم 22 ونصف وهذا بعد شهر .. ولجنة للثوار .. ولجنة لحماية الثورة.. ولجنة لإستمرار الثورة وكتلة الثوار ..و... و... و.....إلخ ... فهذا والله كله –  صدقوني – أمر غير سديد وغير رشيد وغير مفيد لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد!.
الثورة المستمرة فوضى مستمرة!
هذه الثورة - في حقيقة أمرها - ثورة الشعب الليبي كله لا ثورة "زيد" ولا "عبيد" ولا هي حتى ثورة الشباب كما تعود البعض أن يصفها .. فقد شارك فيها تظاهرا ً وقتالا ً كبار السن أيضا ً كما شاركت فيها النساء وكل أصحاب المهن بل وحتى بعض أصحاب الإحتياجات الخاصة "المعاقين"!.. فالكل – إذن - شارك فيها بسهم بطريقة ما!.. فالثورة ثورتنا جميعا ً .. ثورة هذا الشعب المظلوم .. فلا يجوز لأحد أن يتخذها غطاءً لتمرير طموحات شخصية أو أجندة سياسية وبالتالي فإن الذي له طموحات سياسية وقيادية – وهو أمر مشروع من حيث المبدأ - أو يريد تحقيق رؤى إيديولوجية أو أهداف ومشروعات سياسية عامة في المجتمع الليبي فعليه – إذن - الإنخراط في العمل السياسي والشأن العام  بعد قيام دولة القانون والمؤسسات الديموقراطية الدستورية من خلال الإلتحاق بحزب وتنظيم سياسي معين أو يقوم هو بتأسيس حزب أو تشكيل فريق أو تكتل سياسي جديد أو تكوين مؤسسة مدنية أو جمعية ثقافية أو دعوية أو خيرية أو أخلاقية ليكون هذا "الحزب" أو "المؤسسة" أو "التشكيل" هو الأداة المنظمة التي يمارس من خلالها هذا "الناشط" نشاطه في حقل العمل العام ويدافع من خلالها عن أفكاره ومشروعه وعليه أن يلتزم بقواعد الدستور وشروط اللعبة السياسية وفق إرادة الجمهور – جمهور الناخبين - ويبتعد قدر الإمكان عن إثارة القلاقل والفوضى والتمترس وراء المزايدات "الثورلنجية" ومحاولة لعب دور الوصي الوحيد على ثورة 17 فبراير من خلال رفع قميص الشهداء المضرج بالدماء!.. على هذا الفريق من "الثوار" أن يحاول تحقيق إنجازات مفيدة للناس على الأرض بكل تواضع وإخلاص والسعي لإقناع الناس ببرنامج تنموي أو مشروع حضاري نهضوي محدد التفاصيل معروف الأهداف..أما من سيحاول أن يجعل من "الثورة" حالة مستمرة أو يرتدي جلباب الثورة المزين بدماء الشهداء فاعلم أنه وراءه قصة وألف قصة!!.. والمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين!.
الشعارات الثورية تنقلب في العادة إلى مزايدات ثورلنجية!
وإذا إستمرت هذه الحاله الثورية فهي ستنقلب إلى حالة "ثورلنجية!" بائسة كالتي شهدناها في حقبة القذافي التي ثرنا عليها وستكون إمتدادا ً لثقافة "معمر القذافي" الشعاراتية المحصنة بسلسلة من الإتهامات التخوينية الجاهزة والقائمة على المزايدات الثورلنجية الفارغة التي تخفي طموحات شخصية وشهوات سلطوية وحسابات سياسية تحت ستار كل تلك الشعارات النبيلة واللافتات الجميلة!!..هذه الثقافة السياسية الديموغواجية المريضة والبائسة التي نريد أن نتخلص منها إلى الأبد..والغريب والمضحك هنا هو أنني سمعت من بعض الأصدقاء أن بعض المعارضين الصغار والهامشيين ممن يعيشون مثلي في الغرب يريدون تشكيل "لجنة لحماية الثورة" !!.. أي والله !!!!.. مبررين ذلك بالمقولة المكرورة ذاتها التي ظل يرددها العقيد القذافي على مسامعنا طوال سني حكمه : "حتى لا تـُسرق الثورة من لصوص السلطة" على حد تعبيره!.. يا عيني والله !.. لقد بدأ مارتون المزايدات "الثورلنجية" إذن ولعبة الكراسي الموسيقية!!.. ولكن هذه المرة تحت إسم ثورة 17 فبراير لا "ثورة"[*] الفاتح من سبتمبر!!!.. فحذارِ – وألف حذار -  من الشعارات الثورلنجية التي يعشقها البعض خصوصا ً من أصحاب التوجهات اليسارية الطوباوية الجذرية!..فالثورة المستمرة تعني الفوضى المستمرة والتدمير المستمر للمجتمعات والمكتسبات وخلق القلاقل وعدم الإستقرار وهذا أمر خطير جدا ً!.. وهو ما أراه يهدد الثورات العربية الحالية ولا حل لهذا إلا بالخروج من "الحالة الشعبوية الثورية" الإستثنائية والدخول في الحالة الديموقراطية الدستورية الدائمة والطبيعية باسرع وقت وإلا فهي الفوضى والغوغائية التي لا تنتهي تحت شعار الثورة المستمرة!!.. والتي ستؤدي بالضرورة إلى الفوضى العامة وبالتالي الدفع بإتجاه قيام حكم ديكتاتوري صارم بشعارات وطنية أو دينية من أجل تحقيق الإستقرار وفرض النظام في المجتمع!..أي كما إنتهت الثورات والجمهوريات الفرنسية بسبب الفوضى والغوغائية إلى حكم ديكتاتورية "نابليون"!..فهل أنتم منتبهون!؟.
سليم نصر الرقعي
[*] لابد هنا من التنبيه إلى أن ما قام به القذافي في الفاتح من سبتمبر من عام 1969 ليس سوى إنقلاب عسكري سلطوي فاشي وليس "ثورة" بالمعنى العلمي حيث ركب القذافي موجة الحراك القومي في الشارع العربي وإختطف من الشارع الليبي شعاراته الوطنية وتطلعاته الغالية حتى وصل للسلطة وتخلص من رفاقه واحدا ً واحدا ً الذين إستخدمهم كرافعات وأدوات لينفرد بعد ذلك بكل شئ ثم ليطمح عندما إستتب له الأمر محليا ً ودوليا ً في توريث السلطة لأولاده من بعده لولا ثورة الشعب الليبي في 17 فبراير التي أفشلت هذا المخطط إلى الأبد!.. فهي إذن ليست ثورة بل إنقلاب عسكري سلطوي فاشي كما أثبتت الأيام وخصوصا ًهذه الأيام التي يقوم فيها "نبي الجماهيرالمزعوم؟" بقصف وقتل الجماهير بالألوف من أجل السلطة!.. ويمكن وصف إنقلاب القذافي بالثورة فقط إذا كان المقصود به الثورة ضد الشعب الليبي لإقتلاعه من جذوره والإنتقام منه!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق