الخميس، 19 مايو 2011

عبد الله الزاوي : قراءات في ثورة 17 فبراير




بسم الله الرحمن الرحيم

الثورة لها ركنان او عاملان : الاول هو الركن الفاعل اي العناصر التى تجعل من هذه الثورة تحدث من رجال أو مال أو سلاح و الركن الثاني هو البيئة التى تحدث فيها تلك الثورة. و البيئة هنا بمعنييها الطبيعي من المكان و الجغرافيا ، و الافتراضي وهو مجموع الظروف التي تجعل من الركن الاول حال توفره يمكن ان يحدث ثورة في ظرفي الزمان و المكان المحددين.*
لتوضيح ذلك قد نرى ثورة 17 فبراير ضمن هذا المنظور. فمن الواقع الداخلي لليبيا لم تتحرك العناصر الاولى و هي الرجال او القيادات او الجموع لتقوم بفعل الثورة في زمن ما قبل 17 فبراير لعدة اسباب قد نتناولها فى تحليلات قادمة. و كذلك لم تحدث هذه الثورة و لم تنطلق الا بعد ان توفرت لها البيئة المكانية في بنغازي و كذلك الظرفية وهي ربيع الثورات العربية من حولنا.

قد يرى البعض ان الشعب الليبي كان دائماً مستاءاً من الاوضاع المتردية تحت حكم القذافي و متحفزاً ضد النظام  و قد يرى في مظاهرات "القنصلية الايطالية في بنغازي " مظهراً من مظاهر التململ و الاحتقان . لكن ظروف المنطقة العربية و خصوصاً ان الثورات ولدت  و ترعرعت على حدودنا الغربية و الشرقية اعطى بعداً للظرف الزماني و البيئة المكانية لتندلع ثورة 17 فبراير في حينها و ليس قبل ذلك. لعله من نضوج البيئة وتوافرها زمانياً و مكانياً ان ثورتنا المجيدة لم تندلع مباشرةً بعد ثورة تونس و تأخرت حتى بعد سقوط نظام حسني مبارك. في الفترة ما  بين الثورتين التونسية و المصرية أحس القذافي بالخطر و حاول تصريف غضب الشارع الى قنوات آمنة تمثلت في محاولة تنفيس الغضب بأتجاه الوزارات المدنية و خاصة الاسكان و حاول ان يحجم مطالب الشعب في عدة شقق غير مكتملة يتم التخاصم بل حتى التقاتل عليها بين فئات من الناس حرضهم شخصياً على ذلك، و بالنسبة له كانت طريقة خبيثة لتنفيس الغضب الشعبي طالما ان الامر لا يزال بين الناس انفسهم او بين الناس و افراد الامن من اهلهم و مالم تتطاول الاعناق لتقول " الشعب يريد التغيير او اسقاط النظام". و ما لم يصل الحال الى هذه المرحلة  فهو في امان و يمكن ان يضحي بعدد من الوزراء الذين لاقيمة لهم اصلاً في مقابل ان يخرج هو في صورة المنقذ او بالاحرى ابنه " سيف الاوهام" ليضرب عصفورين بحجر واحد. الاول ان يتخلص من الاحتقان الشعبي ضد الوضع المزري و تحجيمه في مشكلات حياتية يومية قد تظهر لغير العارفين بالشأن الليبي انها عوارض و يمكن حلحلتها، و الثاني ان يصب جام غضبه على " الذين لا يفهمون الشعب" و يسرقون مقدراته و يخونون ثقته، و لا بأس هنا ان حاكم بعضهم او سجنهم او اعفاهم من مناصبهم، و هو بذلك يؤكد ان "سيف الاوهام" حريص على تنظيف  الحكومة من " القطط السمان" و انه " المهدي المنتظر" للشباب الليبي الذي يمثل اكثر من 60% من جموع الشعب. انها ببساطة حملة انتخابية " على الجاهز" ومن قتل من الناس او الامن في هذه المواجهات الموجهة و المصطنعة ليسوا الا " فخار يكسّر بعضه" على رأي اخوتنا في الشام.
لكن لحكمة الله و لمشيئته قدرٌ محتوم. فلو ان ثورة 17 فبراير حدثت مباشرةً بعد ثورة تونس و قبل ثورة مصر ربما لم يتمكن الثوار في بنغازي من الاستمرار و لربما كان الخطر محدقاً بها من اكثر من جانب . لقد علق احد الليبيين على الوضع في ليبيا ابان اندلاع ثورة مصر قائلاً " لقد مر بنا قطارالحرية  و لم نركب". مشيراً الى ان فرصة ليبيا في الثورة و التغيير قد فاتت. لكن للقدر كلمةُ أخرى. فالمعروف ان هناك اتفاقية امنية قوية بين نظام حسني مبارك و نظام القذافي كما هو الحال بين نظام القذافي و نظام بوتفليقة. وهذا عرفٌ تسير عليه معظم الحكومات لتأمن حدودها من اي اضطرابات و لكن يختلف مستوى التعاون الامني حسب الحالة و المواقف وحسب العلاقة التى تسود بين الطرفين. بالنسبة لنظام القذافي تعزز هذا الاتفاق بعد الزيارة التى قام بها القذافي و سيف الاوهام لمصر لتسويق التوريث و قد كانت الخطة ان يساند القذافي توريث جمال مبارك في حين يدعم مبارك سيف الاوهام في تقلده امور ليبيا. و لو عدنا الى احداث الثورة المصرية و التونسية فأننا نجد اخباراً  تسربت من ان القذافي عرض خدماته القمعية على بن على و أكدها لمبارك و هو يرتجف من احتمال انتقال الثورة الى ليبيا. تماماً كما يقوم النظام الجزائري الآن بالدور لانه يخشى من وصول نار  الثورة الى نياشينه و يعتبر ان معاونة القذافي الآن هي خط الدفاع الاول لاخماد اي ثورة قد تحصل في الجزائر و هناك اخبار تؤكد ان نظام بوتفليقة يحاول افشال الثورة في تونس الآن بالاعانة على الالتفاف عليها و سرقتها من بعض المتسلقين  . لكن في حالة مصرـ مقارنة بثورتنا ـ  فقد كان للجيش المصري كلمته كما كانت للجيش التونسي ايضاً و حقنت دماء الشعبين و تمت السيطرة على أجهزة النظام بسرعة و حكمة. هذا ايضاً لا يعني نجاح الثورة تماماً في تونس ، و سنعود في تحليل آخر لنفصل اسباب تقهقر الثورة في تونس و ربما انحطاطها و سرقتها و الالتفاف عليها.
لكننا هنا يهمنا ان نوضح ان الثورة المصرية كان لها بالغ الاثر في نجاح ثورتنا بعد 17 فبراير في بنغازي و لو ان نظام مبارك كان لا زال على قيد الحكم لما تورع و لا توانى عن معونة القذافي بما يمتلك من مقدرات عسكرية و بشرية و استخباراتية و سياسية لدعم موقفه و الضغط على الحكومات العربية من خلال الجامعة العربية بل  و التوسط لدى الغرب ليغضوا الطرف عما يفعله القذافي من محاولة قمع الثورة . بل انه كان سيحرك ماكينته الاعلامية ضد كل من يناصر الثورة و في مقدمتها دولة قطر و قناة الجزيرة. هذا طبعاً بفرضية ان الشعب المصرى لم يتحرك في تلك الأثناء ضد فرعون مصر مبارك. و لا نتوقع بحالٍ من الاحوال ان نظام مبارك سيتفرج على قطار الثورات عند المحطة الغربية له دون ان يحرك ساكناً لايقافه بل لإسكاته ان امكن.
و لعل الركنين السالفين لحدوث الثورة ، و هما  الركن الفاعل من القوة البشرية و العسكرية و المادية و كذلك ركن البيئة المكانية و الزمانية او الظرفية يمكن سحبهما على وضع بعض المدن الليبية اثناء بدايات الثورة و استمراراً الى وقتنا الراهن. فهناك مدن و قرى حاولت الانتفاض و الانخراط في الثورة ليس تفاعلاً مع مدينة بنغازي و حسب و لكن لأن الظروف و المعاناة و القهر و الظلم موجودٌ في كل مدن و مناطق ليبيا و ان تباينت بعض الشىْ اشكاله و صوره ، لكنها تشترك جميعاً في كراهية النظام و التوق الى التخلص منه.  بيد انه  اختلفت البيئة التى صاحبت انتفاضة هذه المدن و انضمامها للثورة. فمنها من كانت القبضة الامنية  عليها اشد و اقسى من غيرها مثل غريان و طرابلس و منها من كانت عناصر النظام متواجدة بقوة حتى بين الافراد و العائلات و الجيران و انعدام الثقة بين الافراد و هذا الظرف ايضاً ينسحب على عدد من المناطق و منها من كانت تنقصهم الفاعلية التنظيمية و هي البيئة التى من الممكن ان تتجمع فيها العناصر البشرية التي تمثل الركن الاول و طريقة تعاطيها مع حدث الثورة . و ربما رأينا ذلك في زوارة و الزاوية حيث لم تتمكن المناطق المجاورة من مساندتها لا بالرجال و لا بالمال و لا بالسلاح. لكن و بحمد الله هناك مدن تمكنت من ان تكون على قدم المساواة مع بنغازي مثل اجدابيا و البيضاء و الزنتان و باقي مدن جبل نفوسة و كذلك و مصراتة الصامدة الشامخة في حين ان معظم المناطق و المدن المتاخمة لمصراتة لم تستطع الالتحاق في التوقيت المبكر للثورة.
ان عدم توفر احد الركنين لا يلغي وجود الثورة و لكن استمرارها كحدث قد تغلب عليه طبيعة الارتفاع و الانحدار بحسب توفر عناصر الركنين من الرجال او القيادات او الظروف المناسبة كالعناصر الطبيعية لمكان الثورة او بعدها او قربها من عصب النظام القمعي. و لكننا هنا قد نرى ان توسع الرقعة الجغرافية للثورة و تفجرها في مناطق الشرق الليبي و الجبل الغربي و من حول العاصمة في مصراتة و الزاوية و زوارة قد جعل للثورة زخماً و امتداداً لم يتوقعه نظام القذافي و لم يحسب له حساب. و القذافي بخبثه ايقن ان الثورتين التونسية و المصرية انتصرتا بسبب امتداد التظاهر و مظاهر الثورة الي العاصمتين تونس و القاهرة. ان الثورة المصرية اندلعت من مدينة العريش في سيناء و لكنها سرعان ما لقت اصدائها في الاسكندرية و القاهرة. و كذلك حدث قبلها في ثورة البوعزيزي التى انتشرت على كافة التراب التونسي. هنا ايقن الخبيث ان المحافظة على القبضة الامنية في طرابلس هي التأمينة التى تسمح له بأن يطيل عمره و لقد تصور ان ذلك قد يعطيه قوة التحصن بالعاصمة ريثما يتفرغ لقمع الثورة في بنغازي و المدن الاخرى. من هنا كان قمعه أشد و تنكيله أقوى بأهلنا في الزاوية ذلك انها اقرب بؤرةٍ للثورة من العاصمة طرابلس و يمكننا ان نتصور ماذا سيكون عليه الامر لو ان المظاهرة التي بدأت في شوارع الزاوية أخذت طريقها شرقاً الى جنزور و منها الى طرابلس و كيف سيكون الموقف لو ان اعتصاماتٍ مليونية تمكن من اقامتها الشعب في طرابلس. لذلك كانت القبضة الامنية في العاصمة اقوى و اشد حتى ان الاوامر صدرت باطلاق النار على كل من يشتبه في انه يحاول التجمهر و يتم القبض على كل مجموعة تتكون من اكثر من شخصين و خاصة من الشباب المتحمس او من يسميهم اعضاء اللجان الغوغائية " شباب الكورة".
الثورة و ان لم تخضع للتحليل و النقاش باستفاضة ، فإنها حدثٌ و فعلٌ مستمر بين ابناء شعبنا و على امتداد رقعة ارض بلادنا الحبيبة. ربما لم تتوفر بعض الظروف من حيث الركن البيئى او الظرفي لبعض المناطق لكنها فعلاً لا تخلو من الركن الاول و هو استعداد شعبنا للثورة وجدانياً و نفسياً رغم وجود كل الحواجز و الموانع التى يضعها القذافي للحيلولة دون اشتعال فتيلها في كل قرية و مدينة و لقد رأينا اهلنا البواسل في جبل نفوسة كيف هبوا بقضّهم و قضيضهم و تناصروا و تعاضدوا في ذي قار ليبيا و ان النصر قريب بإذن الله .
عبد الله الزاوي
مراجع:


هناك تعليق واحد:

  1. مقال جيد و مفهوم اوضح لحيثيات ثورتنا المباركة. مثل هؤلاء الكتاب يجب ان لا يتوقفوا عن الكتابة لانهم لسان حال الشعب الليبي بكل اطيافه.

    ردحذف

حريم القذافي

  حريم القذافي التعليق على الصورة،   الاندبندنت نشرت موضوعا تحت عنوان "حريم القذافي...جرائم جنسية لديكتاتور". وقامت الجريدة بتقديم...