الخميس، 28 أبريل 2011

من سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه


قام الليبيون بثورتهم في السابع عشر من فبراير يريدون تغيير واقع مترد، ويطمحون لأن يعيشوا حياة حرة كريمة طالما حلموا بها. قاموا بثورتهم مع علمهم بأن رأس النظام مجرم سفاح، لن يتردد في سفك دمائهم، وانتهاك أعراضهم، ودك مدنهم وقراهم ونجوعهم دكا، وفعلا كان! أنهار من الدماء، وجثث وأشلاء، ومفقودون ومعتقلون بالآلاف، واغتصاب للحرائر والأطفال، وانتهاك للمقدسات، وتدمير للمساجد، وتمزيق للمصاحف. فهل منع هذا الإجرامُ الليبيين من الاستمرار في ثورتهم؟ كلا! لقد وجد الليبيون أنفسهم مدفوعين دفعا لحمل السلاح ليدافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وخاضوا حربا ضروسا مع كتائب الموت القذافية، وأبلوا بلاء فوق الحسن، معتمدين أولا وقبل كل شيء على عون الله ونصره، ثم على سواعد أولادهم ورجالهم، وعلى دعم نسائهم ودعائهن، ثم على نصرة الدول الشقيقة والصديقة، وتلك التي لها مصالح في بلادهم، وكان ما كان من تدخل التحالف الدولي لجانب قضيتهم العادلة، وكلنا نعرف ما حصل، وما الذي لا يزال يحصل.




وعلى الرغم من أن ثورتنا هي الآن في مرحلة متقدمة باتجاه النصر إن شاء الله ـ إلا أن الوضع يوصف بالجمود، فمن يا ترى سيحرك هذا الجمود ـ إن سلمنا جدلا أنه جمود ـ ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه في هذا الوقت العصيب؛ فيكون سببا في اختصار المسافات، وفي وقف شلال الدم المهراق؟ (يقيني التام أن وصف الوضع بالجمود ليس وصفا صحيحا على الإطلاق؛ لأن الثوار في الجبهة الشرقية في تقدم مستمر، رغم كثافة نيران العصابات، والتفاوت الكبير في الأسلحة والعتاد، والثوار في مصراتة وجبل نفوسة يحررون الأرض من الأنجاس والأرجاس كل يوم، والأحرار في الزاوية وزوارة لم تمنعهم جراحاتهم من القيام بعمليات نوعية مؤلمة في صفوف المرتزقة والعصابات).

السؤال مرة أخرى: من سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه ليقرب ساعة الخلاص، ويكون سببا في تعجيل النصر والفرج؟ لن أتكلم على أبطال الجبهة الشرقية ولا أحرار مصراتة وجبل نفوسة والزاوية وزوارة، فهؤلاء جميعا دخلوا التاريخ بأفعالهم وبطولاتهم، ولو بقوا حيث هم، ولا أظنهم يقر لهم قرار بعد أن تنسموا عبير الحرية حتى يوصلوها لكافة ربوع الوطن.

هل من سيدخل التاريخ هو أحد (أو أكثر من واحد من) قادة الكتائب؛ بأن ينحاز وجنوده للشعب والثورة، ويوجهوا آلتهم العسكرية وأسلحتهم لرأس الإجرام وأولاده وزبانيته، ويدكوا عليهم معسكرهم، فيأسروهم، أو يدفنوهم في جحورهم؟ لكن السؤال في هذا السياق هو: هل يُنعم الله على هؤلاء بأن يكونوا هم حجر الإصلاح وقد كانوا دوما معاول الهدم؟ القرآن الكريم يعلنها صريحة: "إن الله لا يصلح عمل المفسدين"، ولكن بالمقابل فإن من أساسيات الدين أن من يريد التوبة يتوب الله عليه، فخالد بن الوليد أثخن في المسلمين في غزوة أحد، وكانت قيادته وحنكته العسكرية سببا من أسباب هزيمتهم، ثم هو من بعد ذلك سيف الله المسلول، وقائد من قادة الفتح الإسلامي العظماء! ولست هنا مشبها هؤلاء بخالد، فهو حتى قبل إسلامه كانت فيه أخلاق العرب من مروءة وكرم ونجدة، وهؤلاء لا نعلم عنهم من ذلك شيئا، لكن لعل جد أحدهم كان فيه من تلك الصفات، والعرق دساس.


أم هل تراه أحد الحراس الملازمين لمعمر وأولاده؟ لم لا؟ فكم من زعيم عصابة أُخذ من قبل أقرب المقربين إليه، وكم من رئيس قتله حارسه الشخصي، وما أنديرا غاندي منا ببعيدة. قد يقول قائل بأن هؤلاء من أقاربه وأولاد عمومته (لو سلمنا جدلا أنه من قبيلة القذاذفة) وأنه كان أذكى منهم؛ بأن ورطهم في جرائم في الدم والمال، صارت بها حياتهم مرتبطة بحياته، فلن يفكر أحدهم مجرد تفكير في اغتياله أو اعتقاله، خاصة وأنهم جهلة أغبياء، يعتقدون أنه محمي من الجن والشياطين والسحرة، وأن حديث النفس منكشف لديه. ومع أنه استدراك وجيه، ومع علمي بأن الله لا يصلح عمل المفسدين، إلا أن باب التوبة مفتوح لهؤلاء أيضا، والتكفير عن الماضي متاح كذلك لهم، ولعل من أجداد هؤلاء من كانت فيه نخوة، أو من تاب بعد معصية، والعرق دساس هنا أيضا.


أم هم رجال إحدى (أو أكثر من واحدة من) المدن المحاصرة في غرب البلاد، بالقيام بانتفاضة عارمة، تتحرر فيها مدنهم ثانية، وتكون سندا للمدن المتحررة القريبة منهم، ويكون شبابها المقاتل دعما للشباب الثائر في هذه المدن، وتكثيرا لأعدادهم وقوتهم، فيسرِعون عملية فك الطوق عنهم والتلاحم معهم في المسير نحو العاصمة لتحريرها؟ هل تفعل زليطن أو ترهونة أو بني وليد أو الخمس أو غريان أو صرمان أو العجيلات ذلك، أو هل تفعلها أي من مدن الجنوب؛ سبها أو الشاطئ أو مرزق أو غيرها؟ خاصة وأن رصيد الأجداد والآباء والشباب في العقود الماضية في كل هذه المدن من البطولات كبير؟ ولكن كيف السبيل يا ترى؛ ففي أغلب هذه المدن فرق الموت والاعتقال في كل ناحية تتربص بمن يتحرك، فإما قتل أو سجن، وإمكانية التواصل لتكبير الأعداد وتنويع أماكن الانتفاض لإرباك هذه الكتائب تكاد تكون معدومة؛ فوسائل الاتصال بين الأفراد للتجمع مقطوعة، والمتوفر منها مراقب ليل نهار؟ لا أدري كيف السبيل، كل ما أعلمه أن كثيرا من القلوب هناك تغلي، وأن الوضع فيه احتقان كبير وكبير جدا، وأن الكثيرين يتحينون الفرص، فلعل أمرا يحدث، أو قدرا مكتوبا منذ الأزل يتحقق، تدخل به هذه المدن أو إحداها التاريخ الليبي المعاصر من بابه الواسع.


أم هم شباب العاصمة طرابلس وفتياتها، خاصة في الأحياء المكتظة في جنوب العاصمة وجنوبها الغربي، مثل أبو سليم والهضبة وغوط لشعال والدريبي والسراج ومثيلاتها، والتي يتجاوز أعداد سكان بعضها الربع مليون نسمة؟ تقارير كثيرة كشفت وتكشف أن كثيرا من الشباب في الأحياء في شرق المدينة وغربها (فشلوم وسوق الجمعة وزاوية الدهماني وتاجوراء وميزران والسياحية وغيرها) والتي انتفضت منذ بداية الثورة وسيطر شبابها وغيرهم من بقية الأحياء على ميدان الشهداء في وسط المدينة لساعات ـ كثيرون منهم يعملون جهدهم لتقريب ساعة الخلاص، ويقومون بعمليات نوعية قتالية، وعمليات حرب نفسية ضد عصابات القتل، برفع أعلام الاستقلال على المباني والجسور، أو تطييرها في الهواء على بالونات أو في أرجل طير الحمام، أو الكتابة على الحوائط والأسوار. هل يفعلها شباب العاصمة رغم قلة الإمكانيات، وصعوبة التواصل، والأسر والاعتقال؟ أعلم أن الأمر عسير، وعسير جدا، فآلة القتل مازالت تعمل فيهم عملها، والاعتقالات لم تقف، حتى امتلأت السجون المعروفة في طرابلس بالمعتقلين ـ فك الله أسرهم ـ، ولقد أخبرت من مصادر موثوقة أن كثيرا من الشباب الثائر في فشلوم وتاجوراء وسوق الجمعة ممن لم يعتقل يقيمون خارج بيوتهم منذ أكثر من شهر خوفا من الاعتقال. لكن الرغبة في الحياة الحرة الكريمة أكبر من أي عائق، وأنا على يقين أنهم ـ بإذن الله ـ لن يركنوا ولن يهدأ لهم بال حتى يرحل الطاغية وجنده وأولاده.


يمكن لأي قارئ أن يضيف شخصا أو جماعة أخرى، فربما يقرأ هذا المقال واحد أو أكثر ممن هم في القائمة فينفع الله به، ويقول جوابا لعنوان المقال: أنا!!


اللهم عجل بالنصر وبالفرج، اللهم فك أسر المأسورين، اللهم قو رجاءنا فيك وفي نصرك، ولا تجعل لليأس ولا للقنوط إلى قلوبنا سبيلا. آمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ابن العربي / تاجورا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق