هذا الحديث أوجهه إلى من عاصروا فترة حكم الطاغية في ليبيا، وبرغم أن الكلمات يصعب ترتيبها في مقالتي هذه؛ بسبب حالة الفوضى التي تجتاح ليبيا منذ أكثر من 40 سنة وما كان لها من أثر سلبي على تراكم الكلمات في عقلي بطريقة عشوائية، الأمر الذي يصعب معه إيجاد بداية مناسبة
استند إليها لأحكي لكم عن ليبيا ورحلة معاناتها الطويلة التي لم يحدث لها مثيل على مر التاريخ برغم مرور كل المستعمرين على هذه الأرض من رومان وأسبان وفرسان وأتراك وطليان، فكل هؤلاء وبرغم أنهم جاءوا لاحتلال الأرض لم يكن لديهم نفس الأثر السلبي الذي نتج عما يعرف بثورة ليبيا والتي استمرت بكل طغيانها لتهتك العرض ولتفسد الأرض ولتحرق الزرع وتجفف الضرع ولتنشر الجهل والمرض والخوف والجريمة والرذيلة، وكل ما من شأنه أن يفتك بحضارة كانت لتجعل من هذا البلد وجهة للعالم لما لديه من إمكانيات رائعة وبديعة ليكون هو الأفضل على كوكب الأرض.الجريمة التي اقترفناها نحن كليبيين أننا صدقنا الطاغية منذ البداية وما كان لنا أن نصدقه لو كانت لدينا القليل من الخبرة والحنكة السياسية كما هي الآن؛ لأنه جاء وهو ضابط في الجيش على دبابة عسكرية ليخرج من أحد الشرفات ويقول لنا بأنه قام بثورة هو قائد لها، ويتبجح بهذا وهو جاهل أو متجاهل بأن الثورة هي من صناعة الشعوب وأن العسكر الذين هم من طينته ليسوا في العادة من يقوموا بالثورات في العالم، إنما كان واضحًا وجليًّا أن ما قام به هو انقلاب عسكري بكل ما للكلمة من معنى، وللفاجعة ولسذاجتنا وخوفنا أحيانًا صرنا نناديه بقائد الثورة حتى نسينا أو تناسينا الانقلاب الذي جاء به للسلطة وبدلة الجيش التي كان يرتديها وهو يخطب قائلاً: "يا أبناء البادية يا أبناء الصحراء، يا أبناء القرى الحبيبة الطاهرة، لقد دقت ساعة الحقيقة"، فالبفعل قد دقت ساعة الحقيقة حينها، لكنا لم تدق لتأتي بالعدل ورفع المظالم ومنح الحقوق والحريات كما كان يدعي إنما هي ساعة لحقيقة حاكم مستبد جاهل جاء ليحكم مدى الحياة، ولأبنائه من بعده بل لأبناء خميس والساعدي أيضًا.
نشاهد مشدوهين وصاغرين قيام شعبينا الكريمين في تونس ومصر بثورة للقضاء على الطغاة المستبدين، ونجد أنفسنا نشحذ الهمم ونشد الأيادي ونطيل الحديث مؤيدين لما يحدث من حولنا، وننسى أو نغض الطرف بأن ما لدينا هو الأسوأ على الإطلاق، ليس في المنطقة العربية وحدها إنما في العالم بأسره لا أرى بناظري نظام ولا إهانة للبشرية أكثر من التي أراها كل يوم هنا حيث أقيم في أرض ليبيا.
في تونس قامت الثورة لشعور الناس ببعض الظلم، وتونس هذه دولة محدودة الموارد، ليس بها بترول وليس لها صادرات تذكر، وبرغم ذلك فإن بها بنية تحتية أفضل من التي في ليبيا بمراحل كثيرة، ولهم بنية تعليمية هي الأفضل في شمال إفريقيا إن لم يكن في كل الوطن العربي، وفي تونس بنية صحية جعلت من الليبيين يجعلون منها وجهتهم المنشودة حين تأتي ساعة الشدائد، وفيها يتقاضى الموظف ضعف ما يتقاضاه نظيره في ليبيا، ولهول المفارقة أن تونس كما أسلفت هي بلا موارد وعدد سكان ضعف عدد سكان ليبيا تقريبًا، في حين أن ليبيا دولة ترقد على بحيرة من الغاز والنفط والمياه، وتتربع على مساحة تفوق مساحة تونس بعديد المرات، وعدد سكان قليل، يعني هي بمقياس الغرب وأهل الخليج وبمقياس الحضارة عمومًا دولة من الأثرياء، والمقصود هنا أنه لو وجدت سياسة حكيمة في ليبيا لكان كل سكانها وقاطنيها من المترفين.
والأمر ذاته ينطبق على مصر لأنها لا تمتلك موارد كبيرة عدا بعض الصناعات أو بعض حقول الغاز، ومشكلة مصر تتمثل في عدد سكانها الكبير البالغ 85 مليون نسمة، يعني وبلغة السياسة أن حكم دولة كمصر يعتبر من أصعب المهام التي تقع على كاهل رئيس، لأن هذا العدد الضخم من البشر بدون موارد يعني عالم من الجياع حيث الطعام نادرٌ وقليل، ومع ذلك فإن الشعب وصل لدرجة من الظلم لم يحتمل خلالها ظلم الحاكم في مصر الذي لا يأتي قطرة من ظلم نظيره في ليبيا، لأنه وبرغم الفساد في مصر إلا أنه توجد فيها بنية تحتية جيدة من طرق ووسائل نقل وتعليم وصحة وسياحة وكل مرافق الحياة.
إذن الدولة الوحيدة التي تشبه ليبيا اقتصاديًا في المنطقة العربية هي دولة قطر، بل أن ليبيا تتميز على قطر بمساحتها الشاسعة وموقعها الرائع القريب من أوروبا حيث التقدم، وأيضًا مناخها الذي هو نسبيًّا أفضل بكثير من مناخ دول الخليج، ولكننا نرى في قطر حاكمًا كان همه إعطاء الأولوية لمواطنيه وما يحتاجونه، ورأى من البترول نعمة يمكن توظيفها لإسعاد الشعب كله بحكامه ومحكوميه، وأن الأموال إذا ما استغلت في موضعها وحيث ينبغي أن تكون لنعم بالعيش كل أبناء الوطن، ولصار المواطن فخورً بانتمائه لموطنه وفخورًا بولائه لمليكه أو رئيسه أو أميره حيث لا قيمة للتسمية حين يكون الحاكم بحكمة زائد الإمارات أو بعطاء شيخ قطر.
وهنا السؤال الذي يفرض نفسه وهو مادام لليبيا كل هذه الأموال التي تجعلها من أغنى الدول في المنطقة، لماذا لا يكون لمواطنيها مالنظرائهم في دول الخليج، لماذا يحتل المواطنين في قطر ثاني الترتيب العالمي من حيث متوسط الدخل في حين ليبيا تتذيل القائمة، لماذا مرت بنا سنين عجاف لم يرى فيها أطفالنا ثمار الموز حتى بلغوا من العمر سنتهم العاشرة، لماذا خدعنا وجعنا ومرضنا ومات بعضنا على المعابر والحدود بداعي كذبة أسموها الحصار، هل كان فعل يوجد هذا الحصار، هل كنتم أيها السادة على قناعة بوجود الحصار، أم أنكم فضلتم الصمت لنيل الحياة، حتى ولو كانت حياة ذل وخنوع، لماذا في العالم نسمع بالأمير وبالملك وبالرئيس وولي العهد والحاكم كلها نعرفها ويعرفها غيرنا، في حين الأسامي في بلادي غريبة مملة تدعو للاشمئزاز، لماذا نسمي أمين في بلد هي بلا أمن ولا أمان، لماذا هذا القابع على الكرسي لأربعون من السنين لا يتحرك قيد أنملة، لماذا يحكم ويفتك ويتمنطق ويكذب كما مسليمة الكذاب كان فاعل في أرض قريش، لماذا نخشى غضب الطاغية ونصدق الكذاب، لما نحن هكذا مذ وعينا على الأرض ونحن حقل للتجارب والترهات والنظريات الكاذبة، لماذا نسمح بأن تستعمل أموالنا ونفطنا وغازنا كأداة لحكمنا بالحديد والنار، لماذا نخلة بيتنا تسقط ثمارها خارج أسوارنا ننظر لها بحسرة وألم، يعترينا الصمت ويفتك بنا الجبن، لماذا نحن يا أبناء الشيخ المختار هكذا، ألا يكون العمر وقفة عز.
معلم
حياك الله أخي معلم
ردحذفقلت وقولك حق ، لو كان هالفاسد ليبي كان حس بينا شوي لكن العرق دساس .