السبت، 12 فبراير 2011

مخاوف في ليبيا من مرحلة الفهم المتأخر


المنارة – خاص
هبّ عبق الياسمين التونسي على ليبيا سريعا، ولكن الدولة الليبية حاولت احتوائه ترغيبا و ترهيبا، فثورة العقيد القذافي التي جاوزت الأربعين ، ظهر عليها الانزعاج و الترهل و أصبح أصحاب الثورة الشعبية و السلطة بيد الشعب يعيدون صيغة خطابهم الآيدولوجي و يخلِطون لوصفة جديدة قديمة،أساسياتها الحفاظ على مكاسب السلطة للسلطة، وأن أصحاب الكراسي هم صمامات الأمان.


إن دخول العقيد القذافي على خط الجوار التونسي لم يكن جديدا، ومحاولات احتواء الأزمة و مدّ طوق النجاة كانت قوية ولكنها غير فاعلة ، وبعد أن قال الشعب التونسي كلمته الفصل، انتقلت المعالجات الليبية إلى احتواء امتداداتها في الداخل الليبي .

ترهيب .. احذر أن يخرج ابنك ولا يعود أبدا

على عكس ما كان متوقعا لاَمَ العقيد القذافي الشعب التونسي على إزاحة بن علي، وأرسل رسالة واضحة للداخل عبر كلمة وصفها إعلامه بأنها " للأشقاء في تونس "قال فيها" احذر، ماذا سوف تستفيد عندما تخسر ابنك"لن تكسب شيئا، غادر رئيس و جاء رئيس آخر.

و في كلمة أخرى له في مدينة سبها قال العقيد القذافي "إن المكان الوحيد لممارسة السلطة في ليبيا هي المؤتمرات الشعبية"مشيرا بذلك إلى أن  الوضع السياسي لن يشهد أي تغيير، بالرغم مما كان يجري في تونس.

ومع تراكم مشاهد الانفراج في المشهد التونسي ، مارست أجهزة الإعلام الليبي نوعا من علميات الترهيب حيث أظهر التلفزيون الليبي يوم أمس دعاية لقوات كوماندوز ليبية ، في الوقت الذي كتبت فيه أسفل الشاشة عبارة" جنود جبارون".

ترغيب .. اقتحام المساكن وتسكين العاصفة

حُوّلت بوصلة الاهتمامات الشعبية من المطالبة بالحريات السياسية والإعلامية وحرية الرأي و التوزيع العادل لثروة المجتمع إلى أولوية الحصول على السكن، فقد اقتحم المواطنين الآلاف من الشقق السكن غير المكتملة الإنجاز، وهي شقق تعود في الأصل إلى مواطنين آخرين ينتظرون إنجازها بفارغ الصبر بسبب أزمة السكن المستمرة في البلاد والمستفحلة منذ أكثر من عشرين سنة.

وبدلا عن اتخاذ المطالبات الشعبية اتجاه المطالبة الأساسية احتدم النقاش حول أحقية المقتحمين لهذه المساكن و ضرورة إخراجهم ، وعن دور الأجهزة الأمنية التي وقفت في حالة سكون تطبيقا لتعليمات عليا تشدد على عدم استخدام القوة أو حتى استعمالها.

وقد حاول البعض إرغاما إظهار المقتحمين للشقق السكنية بمختلف المدن الليبية بأنهم لصوص ومسجلو خطر وأصحاب سوابق،رافضين الاعتراف بأن منهم من هاجمته الحاجة الماسة للسكن حتى اضطر للهجوم على هذه المشاريع، وقامت أجهزة الدولة الرسمية و شبه الرسمية بالإعلان أن أكثر من 80% من هؤلاء المقتحمين قد خرجوا من هذه المشاريع، إلا أن الواقع يشير إلى رفض الكثير من المقتحمين الخروج.


تخفيض الأسعار و 32 ألف فرصة عمل

وفي السياق نفسه قامت الدولة باتخاذ مجموعة من القرارات هدفت إلى امتصاص موجات انتفاضة الياسمين، فأصدرت قرارا بخفض الأسعار السلع الأساسية ، وفتح باب تسهيل القروض و إتاحة 32 ألف فرصة عمل للشباب .

غالطوني ..

 الإعلام الليبي الرسمي فاقد لحاسة البصر ويغالط

"غالطوني"هكذا قالها الرئيس التونسي المخلوع "بن علي" في محاولة منه لتبرير الواقع المزري ورفع اللوم عن نفسه، لكن يبدو أن الإعلام الرسمي الليبي لم يسمع هذه الكلمة أو تجاهلها، حيث إنه ما يزال يغالط جماهيره ويتبنى خطاب الفردوس الأرضي الذي لم يره الليبيون منذ أمد بعيد، فقد تجاهل أزمة اقتحام المساكن، ومحاولة أحد المواطنين إحراق نفسه ،كما تجاهل عمدا بعد إصرار وترصد الأزمات التي يعاني منها المواطن والتي تجلت في مظاهر الفساد الذي يفتك بالمجتمع الليبي وينخره أساسه بعد أن أسقط بنيانه.

 وفي الاتجاه نفسه استمر سير الإعلام الليبي حيث ركزّ على إقناع الليبيين جبرا أن هناك حضورا  مكثفا للمؤتمرات الشعبية في الوقت الذي أظهرت فيه العدسات الصحفية خلو القاعات على عروشها، مما يعكس وبشكل جلي وواضح فقدان ثقة المواطن في الهيكلة الحالية للدولة و أفكار قيادتها التي لم تجلب إلا الكثير من إهدار الأموال و تدني مستوى المعيشة بالرغم مما تملكه الدولة من ثروات.

غياب المبادرات الشعبية

مما سجلته انتفاضة الياسمين على الساحة الليبية هو غياب أي مبادرة شعبية للمطالبات الأساسية بسبب اختفاء القوى السياسية المتمثلة في النقابات و مؤسسات المجتمع المدني، الناتجة عن إحكام القبضة الأمنية للأمن الليبي بجميع تخصصاته وفروعه ، المعلوم منها والمجهول، غير أن ذلك قد لا يمنع أن يكون هناك حراك مستقبلي ينتج حراكا شعبويا وطنيا يخترق الأزمات المحتقنة و ضعف هامش الحرية ، فالواقع التونسي كان يطابق تماما الواقع الليبي الحالي.

درس تونس ومرحلة الفهم المتأخر .

ان ما حدث في تونس يوم 14 يناير لهو جدير ان يستفيد منه الحكام العرب جميعا وان يكون ما حدث في تونس هو بداية مرحلة جديدة في  كفاح الشعوب نحو الحرية والحياة الكريمة ودولة المؤسسات والقانون والحريات العامة والتوزيع العادل للثروة .
ان درس التغيير في تونس وهنا نخصص بلادنا الحبيبة ليبيا  يتوجب على اصحاب القرار في ليبيا ان يقرؤوا  الدرس جيدا وأن يفهموا من الان وقبل مرحلة الفهم المتأخر الذي حصل للرئيس التونسي المخلوع ( انا فهمتكم )  ان ما حصل في تونس سيتكرر حتما في العديد من الدول العربية ومنها ليبيا ، فكل الاسباب والظروف التي ادت إلى هذه الانتفاضة الشعبية متوفرة لدينا بشكل كبير من حالات الاحتقان في الشارع الليبي  والتذمر وشعور بالإحباط  ونتيجة حالات الفقر والظلم الواقع على المواطن في بلد حباه الله تعالى بالثروات والخيرات .

ما هو المطلوب في ليبيا؟
ان المطلوب من اصحاب القرار في ليبيا هو اتخاذ خطوات اصلاحية حقيقية وجادة وشاملة وليس مجرد وعود كاذبة كما حدث في المرحلة الماضية والتي تتمثل في :
-      اتخاذ بعض الإجراءات العاجلة لرفع معاناة المواطن وتحسين مستوى المعيشة، مثل رفع الأجور وتحديد حد أدنى لها، واستحداث مشاريع اقتصادية لخلق فرص عمل تقضي على البطالة وخاصة بين الشباب

-      اصدار دستور ينظم الحياة السياسية واحترام حقوق الانسان وتغيير القوانين المقيدة للحريات واطلاق الحريات الاعلامية والصحافية والحريات العامة في ليبيا


-      احترام حقوق الانسان ومراجعة القوانين والتأكد من موافقتها للمعايير المعتبرة دوليًّا لحقوق الإنسان، وأن تكون متوافقة مع العهود الدولية التي صادقت عليها ليبيا، وخاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

-      رفع القيود عن المؤسسات الأهلية، وإفساح المجال لها لتساهم في الإصلاح في ليبيا .

-      تعويض من وقع عليه ظلم هو أو ذويه التعويض المعنوي والمادي المناسب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق