السبت، 28 ديسمبر 2024

قضية الإخوان المسلمين في ليبيا و"تقرير الأقلية"

 


قضية الإخوان المسلمين في ليبيا و"تقرير الأقلية"
أحمد محمود القصير*- خاص ليبيا اليوم
الاثنين 13 فبراير 2006

 

لا شك أن الأخ الدكتور جمعة عتيقة ساهم في التحسن النسبي الملحوظ على واقع حقوق الإنسان في ليبيا من خلال موقعه في جمعية حقوق الإنسان التابعة لمؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية، وهو بالطبع أمر يستحق عليه الثناء، ونرجو له مزيد من التوفيق فيما يخدم المصلحة الوطنية العليا في ليبيا، فالمئات من السجناء السياسيين- بعضهم أمضى قرابة ثلاثة عقود في السجن- تم الإفراج عنهم نتيجة لمساعي الجمعية و رئيسها الأخ سيف الإسلام القذافي.


لكن تصريحات الدكتور جمعة الأخيرة التي نشرتها جريدة البيان الإماراتية(1)، تتناقض مع مهنته كمحامي وناشط  حقوقي. والاعتراض الذي نبديه على تصريحات الدكتور لا يتعلق بالجزئية التي تقول: "هناك جهة مختصة ستقوم بإطلاق سراح المتهمين في القضية"(2). إنما اعتراضنا يتعلق بتصريحات الدكتور جمعة حول القضية ذاتها، قضية الإخوان المسلمين في ليبيا، ونرى أنها تصريحات جانبه فيها الصواب.

قال الدكتور في تصريحه " لقد توفرت كل الضمانات بالنسبة للدفاع وهذه شهادة أقولها للعالم أننا كمحامين مارسنا حقنا بالكامل"، لكن من متابعتنا للمحاكمة، تبين أن فريق الدفاع لم يتمكن من الالتقاء بموكليهم والذي تسبب في تأجيل المحاكمة جلستين، ثم انعقدت الجلسة الرابعة للمحاكمة دون التقاء فريق الدفاع بموكليهم، وهو أمر مخل بعدالة المحاكمة.

الجلسة الرابعة من المحاكمة، هي الجلسة الوحيدة التي أتيح فيها لفريق الدفاع الترافع أمام هيئة المحكمة، والتي في إجمالها استمرت لمدة ساعتين، المحاكمة هي لعدد 85 متهما، أمضوا في السجون أكثر من 7 سنوات من الاعتقال في عزلة؛ بدأت بتعرضهم للاعتقال التعسفي، التعذيب والمعاملة المهينة للكرامة الإنسانية، محاكمة تستمر جلستها ساعتين لتقرير مصير 85 متهما، فبالرغم من أنهم تجمعهم قضية واحدة، إلا أنه لكل منهم قضية تتعلق بانتهاكات جسيمة لأبسط حقوقه الإنسانية، ومن هنا فإن الادعاء بأنه قد "توفرت كل الضمانات للدفاع"، ادعاء خاطيء فحقيقة الأمر أننا أمام محاكمة صورية تفتقر لأدنى معايير المحاكمة العادلة حسب المعايير الدولية (3).

الدكتور في تصريحه ذكر أن "قضية الإخوان المسلمين في ليبيا نقيمها على أنها قضية ضد أشخاص متهمين بانتماءات حزبية وهذا مجرم في ليبيا، حسب القانون المعمول به"(1). وهو تصريح مرفوض شكلا و موضوعا، أما من ناحية الشكل فهو عضو في هيئة الدفاع عن المتهمين، و من ثم لا يليق من الناحية المهنية أن يجرم المحامي موكله، بل المفترض أنه يدافع عنه. فإن لم يكن المحامي مقتنع ببراءة موكله، فالأولى له أن ينسحب من القضية عوضا عن أن ينضم إلى هيئة الادعاء. أما موضوعا، فهناك ثلاثة نواحي:

• ليست هناك مادة في قانون العقوبات الليبي تنص حرفيا على تجريم العضوية في جماعة الإخوان المسلمين، و من ثم تجريم المتهمين بسبب انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين مرفوض.

• المتهمون حوكموا بموجب القانون رقم 71 لعام 72 المعروف بقانون "تجريم الحزبية"(4)، وهو قانون استثنائي (5) دعا الأخ العقيد معمر القذافي(6) إلى إلغائه و إلغاء "محكمة الشعب" وغيرها من المحاكم الاستثنائية. وحتى هذا القانون لا ينطبق على قضية الإخوان المسلمين، فالمادة رقم 2 من القانون المذكور تصنف "الحزبية" بأنها "خيانة في حق الوطن وتحالف قوى الشعب العاملة في الاتحاد الاشتراكي العربي"، و تضع وصف للحزبية بأنها "كل تجمع أو تنظيم أو تشكيل أيا كانت صورته أو عدد أعضائه يقوم على فكر سياسي مضاد لمبادئ ثورة الفاتح من سبتمبر في الغاية أو الوسيلة، أو يرمي إلى المساس بمؤسساتها الدستورية"، وهو ما لا ينطبق على تنظيم الإخوان، والمسئولية تقع على عاتق الادعاء في إثبات أن جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا تقوم على " فكر سياسي مضاد لمبادئ ثورة الفاتح من سبتمبر في الغاية أو الوسيلة، أو يرمي إلى المساس بمؤسساتها الدستورية". مبادئ ثورة الفاتح من سبتمبر المعلنة نجدها في "البيان الأول للثورة" (7) والذي جاء فيه "صاعدة، بعون الله إلى العمل إلى العلا، سائرة في طريق الحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية. كافلة لأبنائها حق المساواة، فاتحة أمامهم أبواب العمل الشريف، لا مهضوم ولا مغبون ولا مظلوم ولا سيد ولا مسود، بل إخوة أحرار في ظل مجتمع ترفرف عليه- إن شاء الله- راية الرخاء والمساواة، فهاتوا أيديكم، وافتحوا قلوبكم، وانسوا أحقادكم وقفوا صفا واحدا ضد عدو الآمة العربية عدو الإسلام عدو الإنسانية، الذي أحرق مقدساتنا وحطم شرفنا، وهكذا سنبني مجدا ونحيي تراثا ونثأر لكرامة جرحت وحق اغتصب".

• المحاكمة أساسا باطلة، لأنها محاكمة لأصحاب رأي، بشهادة منظمة العفو الدولية(8) أنه لم توجه تهمة للإخوان بأنهم مارسوا العنف أو حرضوا عليه، لم توجه لهم هذه التهمة لا من الأخ العقيد معمر القذافي عند لقائه بوفد المنظمة في مدينة سرت، ولا من المسئولين الليبيين ولا حتى "مكتب الادعاء الشعبي" في صحيفة الاتهام في المحاكمة الأولى، وبما أن ليبيا قامت بالتوقيع على "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"(9)، فهي ملزمة بنص المادة رقم 2 (فقرة رقم 1) من العهد المذكور "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب." والمادة رقم 2 (فقرة 2) "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية.

خلاصة الأمر أننا أمام قضية يحاكم فيها 85 مواطن ليبي من سجناء الرأي أمام محكمة استثنائية وبموجب قانون استثنائي، و سبب لجوء السلطات الليبية إلى هذه المحاكمة الاستثنائية لأن القضية لا تستطيع أن تتقدم بها أمام أي محكمة من المحاكم المختصة (ابتدائية أو جنائية)، بل نستطيع أن نقول وبكل ثقة أن السلطات الليبية ليست لديها ما تُجَرّم به الإخوان بشهادة العقيد التهامي خالد رئيس جهاز الأمن الداخلي (9) في تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان "بأنهم (أي الإخوان) لا يدعون للعنف المباشر، وإنما ينشرون فكرهم إلى أن يصبحوا مستعدين، وتكون الخطوة التالية هي استعمال العنف." وقال "إن القبض عليهم إجراء وقائي."، أي أنهم لم يرتكبوا أي جريمة ينص عليها القانون الليبي، و لكن إجراء وقائي حتى لا يرتكبوا "جريمة" في المستقبل، وهو ما يذكرنا بفيلم "تقرير الأقلية"(10) (Minority Report)  حيث تقوم الشرطة بالقبض على الأفراد ليس بعد ارتكابهم الجريمة ولكن قبل أن يرتكبوا الجريمة، و من هذا أقتبسنا عنوان المقالة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتب وباحث من ليبيا

1.         http://www.almanara.org/News/2006/0106/300106/6.htm

2.         http://www.almanara.org/News/2006/0206/020206/2.htm

3.         دليل المحاكمات العادلة، منظمة العفو الدولية (الطبعة العربية الأولى، يناير 2000م)، الفصل الثالث "الحق في الاستعانة بمحام قبل المحاكمة"

4.         قانون رقم 71 لعام 1972م (قانون تجريم الحزبية): المادة (2): الحزبية خيانة في حق الوطن و تحالف قوى الشعب العاملة في الاتحاد الاشتراكي العربي. و يقصد بالحزبية كل تجمع أو تنظيم أو تشكيل أيا كانت صورته أو عدد أعضائه يقوم على فكر سياسي مضاد لمبادئ ثورة الفاتح من سبتمبر في الغاية أو الوسيلة، أو يرمي إلى المساس بمؤسساتها الدستورية سواء كان سريا أو علنيا، أو كان الفكر الذي يقوم عليه مكتوبا أو غير مكتوب، أو استعمل دعاته و مؤيدوه وسائل مادية أو غير مادية.(

5.         المادة 206 من قانون العقوبات الليبي، (القانون 48 للعام 1956) و التي تم تعديلها عام 1975 بموجب القانون رقم 84، مماثلة للمادة رقم 2 من قانون تجريم الحزبية.

6.         خطاب الأخ العقيد معمر القذافي أمام المجلس الأعلى للهيئات القضائية بتاريخ 18 أبريل 2004م.

7.         http://www.gpcongress.gov.ly/others.php?id=27

8.         "ليبيا: آن الأوان لتصبح حقوق الإنسان حقيقة واقعة"، منظمة العفو الدولية 27 أبريل 2004م.

9.         ليبيا صادقت على العهد بتاريخ 15 مايو 1970م

10.       تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان، صفحة 49، http://www.almanara.org/libya0106arwebwcover.pdf

11.       http://www.minorityreport.com/

 

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفنان الليبي "محمد نجـــم" فى حوار خاص : أنا المطرب الوحيد الذى لم يغنّ الإ لترابــــ الوطــــــن.

  الفنان "محمد نجـــم" فى حوار خاص مع صحيفة ليبيـا اليـوم حوار وتصوير:خالــد المهيــر الاربعاء 26 اكتوبر 2005       نجم لـ (ليبيا ...