الثلاثاء، 7 مارس 2017

أرطغرل والشباب العربي ..





عاتبت أخي الصغير لمكوثه طويلًا أمام مسلسل تركي يسمع كل يوم منه مايزيد عن الثلاث حلقات، فتحداني أن أسمع حلقة منه وبعدها يدور النقاش؛ فسمعتها، بالرغم من أني غير مهتم بالمسلسلات، ولاأملك وقتًا يشفع لي للسماع. استمعت للحلقة الأولى التي انتهت بحبكة معقدة بعد إنقاذ أرطغرل لعائلة سلجوقية من يد الصليبيين وعودته للقبيلة بهم؛ فأكملت الثانية وهكذا، وطالما عارضتني زوجتي لسماعه، ففعلت معها مثلما فعل أخي معي، وهي الآن في الحلقة الخمسين، وكثيرون من أصدقاء العمل أصيبوا بفيروس متابعته.

لقد وجدت على صفحتي فيسبوك ثلة من الأصدقاء الذين بادروا بسماع المسلسل، وأغلب تعليقاتهم منصبة حوله حتى إن بعضهم غير صورة البروفايل لأرطغرل ورفاقه، فتأكدت من أن المسلسل مس قلوبًا قد هدتها الهزيمة وأنهكتها الجراح، وبعدها فوجئت بعدد غير قليل يكتب عن المسلسل بساسة بوست وبمدونات الجزيرة وبصفحات الرأي.

إن وقوف حزب العدالة والتنمية خلف هذا العمل الرائع، وزيارة أردوغان للممثلين أبان تصوير العمل لهو أكبر دليل على أن هذا العمل يرتجى منه خيرًا كبيرًا، فلن يجد أردوغان وحزبه أفضل من هذا العمل ليربط شعبه بهوية كادت العلمانية أن تطمسها، فمسلسل كهذا يغني عن ألف محاضرة عن الهوية وآلالاف الندوات عن الانتماء، ولعل تعامل أرطغرل مع الخونة يروق لأردوغان الذي يعاني منهم مثلما عانى من أشباههم جده أرطغرل، وبهذا جند أردوغان أرطغرل بطريقة إبداعية، وأراد بالمسلسل أن يذكرهم بتاريخهم العريق الذي يتشرف به كل من يعرفه:

يحكي المسلسل قصة البطل أرطغرل (1191- 1281م) بن سليمان شاه (1178- 1236) ووالد عثمان مؤسس الدولة العثمانية ( 1258 – 1324م)، وكيف أن أرطغرل انتصر على الصليبيين في الجزء الأول، ثم يوضح كيف اكتشف ألاعيب الخونة وانتصر على المغول في الجزء الثاني، وفي الجزء الثالث يغادر القبيلة التي لا تُرضى غرور طموحه ب 400 مقاتل ليكونوا نواة لدولة تحكم العالم ما يزيد عن ستة قرون.

إن الشباب العربي وجد ضالته في المسلسل؛ فزمان العزة نسمع عنه ولا نراه، وكثيرًا ما نقرأ في تاريخ الأبطال العظماء بعض الوريقات، بالرغم من أن شخصياتهم تحتاج كتبًا وروايات، لقد نجح المسلسل في إظهار شخصية المحارب القوي الذكي الطموح الذي تشتاق الأمة لأمثاله في هذه الآونة التي لاتتشرف الأمة بها.

لقد أضاف المسلسل لقواميسنا أسماء أبطال لم يسمع عنهم كثيرون أمثال أرطغرل وسليمان شاة، وأظهر المسلسل كيف للإنسان أن يتجاوز كل أحزانه وينتصر على محنه؛ ليخرج منها المنحة، مثلما فعل أرطغرل في كثير من مواقف المسلسل، بالرغم من تأكد الجميع من أن الدراما أضافت لشخصية أرطغرل ما لم يجرؤ التاريخ على كتابته؛ فلقد بالغ الكاتب في كثير من المواقف التي قربت شخصة البطل للأساطير الخارقة، ولكن هذا لم يضرب العمل في جودته، ولم يعق المسلسل من انتشاره.

إن روح اليقين والتوكل على الله التي كانت شعار المحاربين في المسلسل من القيم التي نحتاجها في ظل تلقينا للضربات الموجعة هذه الأيام؛ فلقد نجا البطل بيقينه وتوكله على الله وأخذه بالأسباب من كثير من المنعطفات والمأزق، وهذا ما نحتاجه في هذا الزمان الذي نشبت فيه العولمة أظفارها في صدر الأمة وقلوب شبابها.

إن ذكر الله زين ألسنة الممثلين في كثير من المشاهد غير المفتعلة؛ فسبحان الله، واستغفر الله ، وبأمر الله سمعناها في جميع حلقات المسلسل؛ لهذا وجب علينا أن نعلم أن للمحاربين والأبطال حال مع الله يختلف عن أحوال غيرهم.

أرجو أن يكون المسلسل بداية جيدة لسبر أغوار التاريخ الإسلامي والتعرف على أبطاله، ونستفيد من الإعلام بدلًا من أن يأخذنا إلى جحر الضب الغربي؛ فندخله نحن في قلاع تاريخنا الإسلامي.

لقد تفاعلت مع المسلسل لقناعتي أنه يحاول زرع وردة أمل في صحراء اليأس، يحاول مسح دمعة الأمة المكلومة بإعادتها إلى تاريخها الناصع وإلى بطولاتها العظيمة وإلى أبطالها العظماء؛ لنتذكر كيف كنا وكيف سدنا:

إن الآباء وجب عليهم مدارسة تاريخ أمتنا مع أبنائهم؛ فقد يحقق الولد مالم يحققه الوالد؛ وهذا ما فعله أرطغرل تربية سليمان شاه وما فعله عثمان ( أبو الملوك ) تربية أرطغرل، وما فعله بعد ذلك الفاتح الذي فتح القسطنطينة حلم والده مراد الثاني؛ ولذا أنصح الآباء بجعل المسلسل باكورة تربية الأبناء الجهادية القوية؛ فالمسلسل أوضح أن العالم يحترم القوي، ولا يعطف على الضعيف مثلما يقولون في المسلسل: لاتنظر لدموع عينيه.

علموا أبناءكم أن هذه الحقبة التي نمر بها أمتنا ستنتهي؛ فمن ينهض لإنهائها؟ ذكروهم أن بيننا ألف ألف أرطغرل، وستحين الفرصة لرؤية إنجازاتهم، فكثيرون يمرون في سجون السيسي أوبشار بما مر به أرطغرل في سجون نويان، وسيخرجون مرفوعي الرأس نافعين أمتهم وأوطانهم، فلو كان أرطغرل بيننا لكانت مجموع أحكامه قرن من المؤبدات وسيل من الإعداماتّ! ومع ذلك فإن حكمة الله باقية ونصره قادم ووعده لعبادة المؤمنين دائم، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ

لقد نجح المسلسل في جذب شريحة من المشاهدين؛ فالمهتمون بالدراما يعرفون مدى جودته، والملتزمون لم يمنعوا أبناءهم من مشاهدته؛ لأنه لايحوي المشاهد الحقيرة التي يتكسب بها إعلامنا – بالرغم ممانسمعه عن الدراما التركية – بالإضافة إلى أن الإتقان هو شعار المسلسل بداية من السيناريو القوي بحبكاته المتعددة المعقدة مرورًا بجودة التصوير وبإجادة الممثلين الذين تشعر أنهم الأشخاص الحقيقيون للأحداث؛ فكأن الأم هايماه هي أم أرطغرل الحقيقة وكأن سليمان شاة يجسد نفسه، وكأنك ترى حقيقة الطموح الذي في عين أرطغرل في أرطغرل الحقيقي.

بقى أن نعد للأمة أبطالا يحتذون حذو الأبطال، يضيئون للأمة طريقها، ينقذون الغرقى من غرقهم، يحملون مصابيح العزة، ويجاهدون لنصرة الأمة، وكفانا بكاء على أطلال أمتنا؛ فلقد أغرقت العيون الدامعة ماعندنا من عزة باقية.

كتبه جمال الصلوي

#قيامة_أرطغرل

هناك تعليق واحد:

  1. من هو مؤلف المقال
    المقال منشور في فبراير ٢٠١٧ باسم المؤلف الحقيقي !!

    ردحذف