الاثنين، 31 أكتوبر 2016

السنوسي بسيكري : هل تتحول الأجسام السيادية إلى "مليشيات" سياسية؟








لفظة مليشيا ليست بالضرورة للتقبيح والتجريم، وندرك هذا بالعودة إلى المعاجم أو إلى استخدامها وتداولها في أدبيات المراقبين والمحللين والساسة في الغرب مثلا. لكنها بالقطع تتحول إلى كيانات بغيضة وكريهة، بحسب ممارسات الجماعات التي تطلق عليها في ظرف زماني ومكاني معين.

ما أود اقتطاعه من سياقات التعريف بالمليشيا هو الجانب الفوضوي، بمعنى انفصال المجموعات المسلحة عن أي جسم شرعي وتحولها إلى كيانات حاكمة لنفسها بنفسها ومتحكمة في غيرها وفق رؤيتها، وليس وفق القوانين والتشريعات والسياسات والقرارات النافذة، ويقودها ذلك إلى الوقوع في خروقات وانتهاكات قد تكون جسيمة.

بعض المجموعات المسلحة في ليبيا تقدم خدمة وتسد فراغا وتسهم في المحافظة على الأمن العام في مناطقها بدرجة معقولة، لكن يلتصق بها مسمى مليشيا، بالقطع ليس بمضمونه السلبي، لأنها:
- تستمد شرعيتها من قوتها ونفوذها أو حتى إنجازاتها وليس من القانون النافذ والمؤسسات السيادية.
- هي من ترسم لنفسها سياساتها وهي من تحدد نشاطها وتتجاوز في ذلك القانون وتقع في انتهاكات.

وينطبق هذا التوصيف حتى على تلك التي كانت تتمتع بصبغة شرعية ولا غبار على مكانتها القانونية في المنظومة العامة، ثم يؤدي التردي السياسي والأمني إلى استلامها زمام التوجيه والإدارة والممارسة بذاتها وبعيدا عن الإطار القانوني.

معلوم أن مسمى مليشيا يقترن بالمجموعات المسلحة، لكني وعلى سبيل التحذير من عواقب استمرار الانحدار في التجاذب السياسي في ليبيا، أريد أن أواجه المعنيين كافة بالشأن الليبي بالسؤال الجدلي وهو: هل يمكن أن ننقل هذا البعد في التعريف لنصف به مواقف وأفعال الأجسام السياسية الشرعية – كانت شرعية في فترة ما من فترات الانتقال السياسي– التي صارت خارج الشرعية وفق الإعلان الدستوري وتوابعه، ولكنها احتفظت بوجودها وفرضت نفسها في المشهد السياسي الليبي برغم عدم قبولها شعبيا، واقتصار تأييدها على جمهرة محدودة من الليبيين لأسباب تتعلق بتجذر الصراع وتمدد الانقسام السياسي.

المؤتمر الوطني العام والحكومة التابعة له انتهى وجودهما بانتخابات البرلمان، وانفتح باب الجدل في مشروعية بقائهما بعد تعنت الأخير في موضوع الاستلام والتسليم، ثم بعد قرار المحكمة الدستورية الذي قضى بحل البرلمان، ليعودا للمشهد بقرار "ثوري" إن صح التعبير، ثم خرجا من المشهد بعد التوقيع على الاتفاق السياسي في الصخيرات، ورجعا بشكل مرتبك بسيطرة بعض أعضاء المؤتمر الوطني العام الذين لم يلتحقوا بالمجلس الأعلى للدولة على مقرهم القديم.

البرلمان انتهى وجوده دستوريا بحلول 20 أكتوبر 2015، ومدد لنفسه لمدة ستة أشهر انقضت هي الأخرى، وذلك في مخالفة للإعلان الدستوري، كما أوقع هذا القرار العديد من أعضاء البرلمان في تناقض صارخ في مواقهم، حيث إنهم كانوا من الرافضين التمديد للمؤتمر الوطني العام، وبالتالي اقترن وجود البرلمان قانونيا أو توافقيا باعتماده لوثيقة الاتفاق السياسي وتضمينها في الإعلان الدستوري، ولأنه لم يفعل، فإنه اليوم جسم مكتسب لشرعيته من ذاته.

الصورة الظاهرة أن الآن الأجسام التشريعية التي تصدرت قيادة البلاد خلال الأربع سنوات الماضية، هي اليوم فاقدة للشرعية أو مشكوك في شرعيتها، على الأقل وفق نظرة قانونية يتحدث بها عدد من خبراء القانون، مما يعني أنها أجسام تحتكر السلطة بذاتها وتتورط في تبني سياسات وتقع في ممارسات لها تداعيات خطيرة.

فهل هذا الواقع وهذا التوصيف، بمعنى الانقطاع عن سند الشرعية والتورط في ممارسات تورث البلاد مزيدا من التأزيم، تقود إلى توصيفها بـ "المليشيات السياسية"؟!

من المؤكد أن مستوى الصراع اليوم يدفع هذه الأجسام إلى أن تكون بالفعل أشبه بالمليشيا السياسية منها إلى الجسم السيادي، حيث إن السباق ذو النزعة التنافسية السلبية وربما الصدامية سيدفعها إلى ممارسات "عنفوانية"، وهو ما يستكمل خصائص المليشيات التي أشرنا إلى أنها تتسم بهذه الصفة بانقطاعها عن مصدر المشروعية، وتورطها في ممارسات تعد خرقا قانونيا وانتهاكا للحقوق العامة والخاصة.

قد تنجو هذه الأجسام من إطلاق صفة "المليشيات" عليها لأنه مسمى غير متداول ولا شائع، لكن تعنتها وانكفاءها على نفسها في سؤالي الشرعية ومطابقة توجهاتها وممارساتها للإعلان الدستوري وللقوانين النافذة، سيجعلها كذلك في عقول عموم الليبيين، وسيدفعها باتجاه العزلة التامة سياسيا وشعبيا لا محالة.

عربي21

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق