الأربعاء، 31 أغسطس 2016

مروان دياب : الإرهاب والدولة.. السبب والحلول




الإرهاب أصبح من أهم المواضيع البحثية الآن، ذلك لأنها من الظواهر التي انتشرت، والتي وجدت في المناطق المختلفة باختلاف الطبيعة، حيث يعاني منها الدول الغنية والفقيرة، المتقدمة والنامية والمتأخرة، الدول الأوروبية والآسيوية. فقد شهدت القارة الأوروبية العديد من العمليات الإرهابية المختلفة في الفترة الراهنة، مثل حادثة الإستاد الدولي في باريس، والتي أدت إلى قتل 129 شخصًا، وجرح نحو 352 آخرين، بينهم 99 على الأقل في حالة حرجة جدًّا، وفق النائب العام في باريس، الذي لفت إلى أن «سبعة إرهابيين قتلوا خلال عملهم الإجرامي»، بينهم ستة فجروا أنفسهم.[1]

وأيضًا في القارة الآسيوية قد شهدت العديد من العمليات الإرهابية، مثل حادثة جاكرتا في إندونيسيا، وأسفر الهجوم عن مقتل 5 من المهاجمين ومدنيين اثنين[2]، والعديد من العمليات الإرهابية في أفريقيا من عمليات في ليبيا، وتونس، والجزائر، ومصر.

لذلك لا بد من التدقيق والبحث في أسباب انتشار الإرهاب بهذه السرعة وبهذه القوة، وذلك للتمكن من مواجهة تلك الظاهرة بطريقة فعالة، والحد من انتشارها وتوسعها.

الفقر

نبدأ من البداية، من الجدل القائم ومفاده أن السبب الرئيسي من انتشار الإرهاب ووجوده إنما هو انتشار الفقر، إن الفقراء هم من يقومون باللجوء لتأسيس والانضمام لتلك الجماعات الإرهابية. ومع أهمية الوضع الاقتصادي وتأثيره في سلوك الأفراد، ولكن مع التحليل نجد أن الفقر ليس العامل الأساسي في انتشار الظاهرة، حيث نجد أن من أكبر الجماعات الإرهابية الموجودة، وهي التنظيم الأم لداعش، وهي تنظيم القاعدة، فقد تأسس تنظيم القاعدة على يد «أسامة بن لادن» والذي ورث عن أبيه ثروة تقدر بـ900 مليون دولار[3]. وهو من عائلة كبيرة جدًّا في السعودية أي أنه لا يفتقر إلى المال أو النفوذ. أيضًا نجد أن حركة طالبان قد تكونت على يد عمر الملا، والذي لم يكن يعاني من الفقر ولكن أيضًا قد تمتع بالنفوذ وسط قبيلته. ثم ننتقل إلى الجماعة الإسلامية في مص، والتي تم إنشاؤها على يد خالد الإسلامبولي، والذي كان من أسرة ليست فقيرة أبدًا، وكان مستشارًا قانونيًّا مصريًّا، وكانت والدته من أصل تركي، وقد التحق هو أيضًا بالجيش أي أنه لم يكن يعاني من نقص الماديات، أو نقص النفوذ[4].

الجهل

يمكن أن نقوم بإرجاع انتشار الظاهرة إلى الجهل. حيث إن انتشار الجهل هو المشكلة الرئيسية، وهو السبب الرئيسي لانتشار الإرهاب، لذلك يمكن تناول هذه المقولة بالتدقيق. حيث إنه يمكن ملاحظة أن قادة تلك التنظيمات والفاعلين الأساسيين فيها دائمًا ما يكونون من المتعلمين، أو ما يزيد على ذلك من المثقفين، هذا لا يشير إلى أنهم على صواب أو خطأ، ولكن نجد أن «أسامة بن لادن» مثلًا قد حصل على التعليم، وقد أتم دراسته الجامعية في علم الإدارة العامة والاقتصاد[5]. أيضًا حركة طالبان قد نشأت في الأصل في المدارس والجامعات، أي بين المتعلمين[6]. أيضًا نجد الجماعة الإسلامية قد نشأت على يد الإسلامبولي وهو متعلم وعضو في الجيش ولأسرة مثقفة. ونجد أيضًا ظاهرة جديدة تقوم بهدم كل تلك الجدليات، وهي انتشار انضمام الأجانب للجماعات الإرهابية مثل داعش، هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، حيث انضمام الأوروبيين إلى التنظيم، فالتقديرات، وهي غير دقيقة، وعلى أقل تقدير ما لا يقل عن 30 إلى 40 أمريكيًّا حاليًا مع المجاهدين في سوريا والعراق، أيضًا إن 500 مواطن بريطاني قد انضموا إلى داعش في سوريا والعراق، ولكن التقديرات تصاعدت بشكل كبير نحو نهاية عام 2014. كما لوحظ المقاتلون المتحدثون بالفرنسية والألمانية بأعداد كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وتشير التقديرات المنخفضة إلى أكثر من 550 مقاتلًا من ألمانيا، وأكثر من 1000 من فرنسا. كما أظهر عدد كبير من المقاتلين الكنديين وجودهم[7]. بذلك نجد أن التعليم من المحددات، ويشترك مع العوامل الأخرى في تقويد أو نشر الإرهاب، ولكن بحدود معينة.

التدين

وبذلك يمكن أن نلجأ إلى الحل التقليدي لهذه المعضلة، وأن السبب الرئيسي في انتشار الإرهاب هو التعصب والتشدد الإسلامي، وأن الإسلام هو العامل المقترن بالعمليات الإرهابية. هذا القول إنما هو ليس بصحيح من حيث إن:

أولًا: هناك العديد من الجماعات الإرهابية التي تقوم بنشر الرعب والعنف، وليست بمسلمة مثل جماعة «جماعة الرب للمقاومة»، وهي جماعة متطرفة مسيحية ظهرت في أوغندا ثم انتقلت إلى جنوب السودان وجمهورية الكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى. تعمل تلك الجماعة من فترة كبيرة، وقد تأسست على يد «جوزيف كوني»[8]. وقد تسببت تلك الجماعة في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من قتل، واستخدام الأطفال في الحروب، ومتاجرة في الرقيق، وغيرها[9].

نرى أيضًا أن المشكلة لا تقتصر على المتطرفين المتدينين سواء من المسلمين أو غيرهم، ولكن من الممكن أن نرى بعض الأحزاب الإرهابية المتطرفة، مثل حزب الفجر الذهبي في اليونان، والذي قام بالعديد من الاغتيالات السياسية، ونشر العنف، واستخدامه ضد المهاجرين من أي جنسية كانت، ويتم محاكمتهم الآن[10]. كما نجد الحالة مشابهة في تركيا من جانب حزب العمال الكردستاني، والذي يقوم بالعديد من العمليات الإرهابية منذ زمن طويل ضد السلطات التركية والمدنيين[11].

أيضًا هناك العديد من الوقائع العنصرية والعمليات الإرهابية، والتي لم يكن لها علاقة بالدين، ولمن اختلفت الأسباب منها واقعة إطلاق النار في دالاس عن طريق قناصة لمقتل 5 من أفراد الشرطة [12].

وبذلك فإننا نرى أن الروايات المختلفة الشعبية عن ظاهرة انتشار الإرهاب ليست بالدقة المطلوبة، وأنها تعتمد على محددات قوية ولكن من الصعب مواجهتها أو القضاء عليها، وأنه غالبًا ما يتم إلقاء اللوم على فشل الحكومات المحلية للدول الضعيفة، أو القاء اللوم على فئة معينة مثل المسلمين مع أن الواقع مخالف لذلك.

إرهاب الدولة

لذلك فان عالم السياسة «أندرو هيود» في كتابه «السياسة الدولية» قد أقر أن الإرهاب لا يجب أن يعتبر نتاج المنظمات غير الحكومية فقط، ولكن أيضًا من الممكن أن يعتبر عمل حكومي من الدول عملًا إرهابيًّا. ومن وجهة نظري أن إرهاب الدول والحكومات هو السبب الرئيسي وراء انتشار ظاهرة الإرهاب، وتدعيم صفوفها بطريقة كبيرة؛ لأنها تولد الإحساس بالكراهية، والعجز، والظلم، وعدم الأمان؛ مما يجعل الناس تلجأ إلى حمل السلاح والعنف كوسيلة للانتقام أو الحماية.

فنرى بداية من الأحداث البسيطة الراهنة، مثل تهديد السلطات الفرنسية لمحل ما هناك بالغلق إذا لم يبع الخمور ولحم الخنزير[13]. والإجراءات الأمنية المشددة وغير المبررة تجاه المسلمين والعرب عند دخولهم البلاد. ثم نرتقي لنرى الخطاب العدائي من الرئيس المحتمل للولايات المتحدة ضد المسلمين[14] تارة، والمكسيكيين تارة أخرى[15]. ثم بعد ذلك نرتقي ثانية لنرى الدعم اللامحدود لإسرائيل رغم ما تقوم به من أعمال عنف، وبناء مستوطنات والتوسع فيها، والمساواة بين المعتدي الصهيوني والمقاومة الشرعية التي تدافع عن نفسها. ثم يزيد الإرهاب الحكومي ليصل إلى الإبادة الجماعية لمسلمي الروهينجا في بورما، والسكوت الدولي عن تلك المذابح [16]. ونرى أيضًا المساندة الواضحة لإرهاب النظام السوري بقيادة بشار الأسد، بل والمشاركة فيه على نطاق واسع من قبل بعض الأطراف والدول الكبرى، مثل روسيا واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا[17].

بذلك فإن الحل لهذه الظاهرة يجب أن يكون جذريًّا، ليس فقط باستخدام السلاح ومحاربة الجماعات المتطرفة، بل أيضًا بمحاربة الفكرة والعمل على اقتلاعها من جذورها بتدخل الدول وتغيير سياساتها نحو السياسات الدولية، وتقليل الاعتماد على المذهب الواقعي ومحدداته من القوة والمصلحة، والاتجاه أكثر نحو تدعيم حقوق الإنسان واحترامها من قبل الدول نفسها أولًا، وذلك لتجفيف الإمدادات للإرهاب، ثم يصبح من السهل التقليل منه والقضاء عليه.


نقلا عن ساسة بوست

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق