السبت، 27 أغسطس 2016

السنوسي بسيكري : المواقف الدولية تجاه الأزمة الليبية والتفسيرات المحلية


الأسابيع القليلة الماضية كانت حافلة بالحراك الإقليمي والدولي، وصاحب ذلك تفسيرات متعددة لطبيعة الحراك ودوافع مواقف وتصريحات بعض الأطراف الأوروبية والعربية.

فعلى المستوى الإقليمي العربي هناك ما يشير إلى تبدل في مواقف الأطراف الداعمة للبرلمان والجيش التابع له بقيادة خليفة حفتر. فقد كان رهان الأطراف العربية الداعمة لعملية الكرامة قائما على مساعدة خليفة حفتر وقواته في السيطرة على مقاليد الأمور في كافة ربوع البلاد، وهو ما يفسر استمرار التأييد والدعم حتى بعد التوقيع على الاتفاق السياسي ومباركته في اجتماع "فيينا" من قبل الأطراف الدولية والعربية.

هناك ما يشير إلى تراجع الأطراف العربية التي راهنت على العمل العسكري وفكرة فرض إرادة الجيش بقيادة حفتر، ومن ذلك القبول بالمجلس الرئاسي كسلطة تنفيذية عليا في ليبيا، وحث البرلمان على التعامل معه. وفسر مراقبون قرار البرلمان الأخير بحجب الثقة عن الحكومة التي شكلها المجلس الرئاسي بأنه يصب في هذا الاتجاه، فالبرلمان لم يتحدث عن مجلس رئاسي غير شرعي كما كان الخطاب حتى أيام قليلة ماضية، كما طالب البرلمان العضوين المقاطعين للرئاسي والمحسوبين على طبرق بالعودة للمجلس، وأن تركيز البرلمان على الحكومة والالتئام مجددا للبث فيها هو تحول عن موقف سابق كان قائما على التأجيل والتعطيل لإضعاف المجلس الرئاسي.

مصر التي تتصدر الدول الداعمة للبرلمان ولحفتر، استقبلت رئيس المجلس الرئاسي مرات، وسعت للتقريب بينه وبين البرلمان والجيش. لكن الخطوة الأكبر والتي تعكس تحولا في سياسة مصر تجاه الأزمة الليبية هي مساعي التقريب بين حفتر ومكونات فاعلة في مدينة مصراتة.

فقد أشرفت القيادة المصرية على ترتيب لقاءات بين المدن المتصارعة في الشرق والغرب، وحضرت وفود من مصراتة بترتيب مصري لتلتقي بحفتر في القاهرة، وسبق ذلك تغير في خطاب كل من عقيلة صالح وخليفة حفتر، الحلفين الرئيسيين لمصر، تجاه مصراتة والفاعلين فيها، من مدينة الإرهاب والإرهابيين والمليشيات، إلى التركيز على أواصر القربة والدور الوطني لثوارها.

الرهان في السابق كان على مدن ومكونات عسكرية مناهضة لمصراتة، وكان للأخيرة دور مباشر في دحرها من العاصمة بعد إعلان الأولى تأييدها لحفتر في منتصف عام 2014، ويبدو أن مصر والأطراف العربية المساندة لها تتراجع عن سياستها السابقة، وهناك ما يشير إلى بروز اتجاه جديد يقوم على أن أي استقرار في ليبيا يخدم المصالح المصرية لابد وأن يكون لمصراتة دور فيه، وأن التقريب بين مصراتة وحفتر والحلف بينهما يمكن أن يحقق الاستقرار المرجو.

في السياق ذاته يمكن تفسير إعادة نظر فرنسا في سياستها تجاه الأزمة الليبية، أيضا يمكن أن يفهم الدخول الأمريكي على خط الحرب على تنظيم الدولة في سرت، والتي تتصدرها قوات من مصراتة، على أنه مسار يخدم التحولات السابق الإشارة إليها. نعم قد يكون للمشاركة الأمريكية في الحرب على داعش في سرت أهداف أخرى منها إبراز أهمية دور واشنطن في الحرب على الإرهاب وفي مجابهة تنظيم الدولة، وأيضا مخاوفها من أن يدحر التنظيم في ثالث أهم وجود عالمي له بجهود محلية صرفة. لكن لا ينفي ذلك أن يكون للولايات المتحدة رغبة في أن يعاد ترتيب الوضع في ليبيا بشكل يضمن استقراراها نسبيا، أو إحداث تطور إيجابي ولو مؤقت، فهذا الاستقرار أو التطور الإيجابي يرفع الحرج الذي يواجهه الديمقراطيون باعتبار أنهم الطرف الفاعل في إسقاط نظام القذافي ويُتهَمون بأنهم سبب في الفوضى الواقعة اليوم في البلاد، ونعلم أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الأبواب، والملف الليبي حاضر في الصراع الانتخابي بين الجمهوريين والديمقراطيين.

من جهة أخرى، ذهب البعض إلى أن لقاء المبعوث البريطاني لليبيا ببعض وجهاء المنطقة الشرقية وحديثه عن الدور التي لعبته بريطانيا في استقلال وتشكيل إمارة برقة في نهاية النصف الثاني من القرن الماضي إنما يدلل على الدور المشبوه لبريطانيا وفرنسا والذي يدفع باتجاه تقسيم البلاد. وتعليقي أن ما جاء على لسان المبعوث البريطاني غير كاف لتأكيد سياسة التقسيم، لكني أؤكد بأنه غير مستبعد، وأن التقسيم سيكون خيار الأطراف الغربية إن رأت أنه أفضل السبل لتحقيق مصالحها، مع الإشارة إلى أنه مهما كانت النوايا والمخططات الهدامة للأطراف الخارجية، لن تكون كذلك إلا بقناعات محلية ودفع داخلي باتجاه ما خطط له الغرب. فقط يكون لبعض الأطراف الخارجية مصلحة في تقسيم السودان، ولكن من قسمها هم أبناؤها، وعن سبق إصرار وترصد. فمن حرض على التقسيم نخبة سودانية، ومن أقنع الجنوبيين بأهمية التقسيم سودانيون، ومن صوت للتقسيم سودانيون.

نقلا عن عربي21

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق