الأربعاء، 17 أغسطس 2016

أحمد كشلاف : "الإخوان المسلمون" ...جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين



الجماعة منذ تأسيسها (1928م) ونشأتها في ليبيا(1949م) وهي تصرح بكل وضوح أنها "جماعة من المسلمين" وليست " جماعة المسلمين" وللوهلة الأولى قد يبدو الفارق للبعض سطحيا وبسيطا ولكن بقليل من التمعن والتجرد نجد الفارق وما ينبثق عنه من مفاهيم وتداعيات كالفارق بين السماء والأرض. ولهذا الغرض أحببت تسليط الضوء على هذا الجانب من أربعة محاور رئيسية:
أولا: الانتماء إلى الجماعة
بهذه الحقيقة تؤكد الجماعة ان الانتماء إليها عضوية أو فكرا لا يجعلها مهيمنة أو مالكة أو محتكرة لأهل السنة والجماعة أو للفرقة الناجية أو الفئة المنصورة أو أنها تتفرد بالخيرية و باقي الجماعات الأخرى على باطل أو على غير هدى. كما يتضمن المعنى ان من لا ينتمي إلى هذه الجماعة أو غيرها لا يكون ممن ناله الوعد الوعيد (من فارق الجماعة شبراً فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه ). فهذه الجماعات الدعوية والإصلاحية بمسمياتها المختلفة تنتسب إلى أهل السنة والجماعة فهي ضمن هذا الإطار متى انضبطت بمنهج الكتاب العزيز وعضت بالنواجذ على سنة نبيه وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده , فإنها جميعا تسد ثغرا من ثغور الإسلام أو ترابط على جبهة من جبهاته . وفي هذا ضمنا التأكيد على احترام شرعية الدولة فهي كأي مؤسسة من مؤسسات المجتمع ألأخرى تعمل بموجب ترخيص رسمي من الدولة وتحت القوانين النافذة وتخضع مؤسساتها الملية والإدارية للرقابة والمحاسبة.وأخيرا وليس أخرا الإقرار بالمشاركة وعدم إقصاء الجماعات والجمعيات والحركات الإسلامية و الوطنية الأخرى
ثانيا : شيوخ وعلماء الجماعة
تعتبرهم الجماعة من عامة علماء وشيوخ الأمة نحترمهم ونوقرهم كغيرهم من العلماء , من بلغ منهم درجة الاجتهاد الخاص أو المطلق اجتهد وأفتى فان اصب فله أجران وان أخطأ فله اجر . ليس لهم العصمة أو الخيرية من دون اقرأنهم . ينتسبون للهيئات البحثية ومجالس الفتوى ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف وغيرها من الهيئات المحلية والخارجية. فتواهم تحسب لهم وعليهم ولا تتحمل الجماعة أية فتوى خاصة يصدرونها فردية كانت أم جماعية مالم تصدر بصورة رسمية من اللجنة الشرعية التابعة لمجلس الشورى. والاهم من ذلك كله فان الجماعة لا تلزم عضوا من أفرادها بتبني فتوى بعينها أو رأي فقهي خاص يصدر منهم , فعلماء الأمة المعتبرين جميعا ممن ثبت رسوخهم في العلم تعدهم الجماعة مصدر لتلقي العلم و الفتوى وأهل للإتباع متى رجح الدليل واتضح البرهان . إنما الولاء لله ورسوله ولا ولاء لعالم أو فقيه فكل منهم يؤخذ من رأيه ويرد عليه. ومن خالفنه منهم أو من غيرهم فله كل التقدير لعلمه ومكانته و شيبته في الإسلام يرد عليه بالدليل والبيان , فلا تجريح ولا فجور "فلحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، فمن أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب" ..كما يقال
ثالثا: المنهج
من منطلق مفهوم مصطلح السلف الصالح المشهود لهم بالخيرية وأنهم أهل القرون الثلاثة الأولى (الصحابة والتابعون وتابعو التابعين) وحيث أننا لا نتحدث عن أفرادهم فتلك أمة قد خلت, بل نتحدث هنا عن منهجهم البين النقي الذي تركوه للأمة والذي لاتنقطع خيريته, فمن جاء بعدهم من الأئمة الأربعة وفقهاء الأمة وعلماء الشريعة المعتبرين وأهل الحديث ومن سلك ذات السبيل وتشبث بذات المنهج من عصر الصحابة إلى يومنا هذا " ما أنا عليه اليوم وأصحابي " الحديث , فهو على ذلك المنهج الواسع الرحب الذي اجتمعت فيه الأمة على الأصول والكليات والثوابت و القطعيات والمحكمات واختلفت فيه فيما دون ذلك من الجزئيات والفروع ولم يكفر , ولم يبدع بعضهم بعضا. فعندما تقول الجماعة نحن على منهج السلف إنما تختصر ما ذكره الشيخ
د. عصام البشير "..ننتمي إلى منهج السلف الذي تنوعت فيه الآراء وتعددت فيه الأفكار و اختلفت فيه بعض المسائل..فيه رخص ابن عباس وعزائم ابن عمر وفقه ابوحنيفة وأثرية ابن حنبل ومقاصدية الشاطبي وظاهرية ابن حزم ورقائق الجنيد واجتهاد أبي حامد الغزالي ..وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم " ولهذا قال بعض أهل العلم :"إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة" وبناءا على هذا الفهم فان الجماعة تعتبر منهجها منهج أهل السنة والجماعة وكل منهج التزم بهذه الضوابط فهو كذلك..لاتضييق ولا احتكار ولا مزايدة من فريق على فريق بالتفرد و الإتباع , و نبذ وطرح ما سواها خارج إطار السلفية والسلف .
رابعا : الأفراد أو الأعضاء
بالرغم ان الجماعة تبذل جهدها لترتقي بأفرادها عبر محاضنها التربوية والإيمانية والفكرية ليكونوا أصحاب عقيدة صحيحة وعبادة سليمة وفكر مستنير وجباه ساجدة وعيون دامعة وألسنة ذاكرة وجوارح خاشعة وقلوب وجلة إلا إنها لم تربهم ليكونوا نسخا مكربنة ولا دميا معطلة ,وتسعى في ذلك ايما سعي عبر وسائلها المعروفة من لقاءات أسرية وحلق ذكر ومحاضرات وندوات وورش للعمل ومشاريع خيرية واغاثية تنمي بها الطاقات وتفجر من خلالها المواهب من خلال أعمال البر والإحسان...فهي لم تصرح قط أنهم عباد بررة ولا ملائكة يمشون على الأرض,بل أناس عاديون من مختلف فئات وقبائل المجتمع يعتريهم الفتور وتأخذهم الغفلة وتلههم مشاغل الحياة وتحيط بهم الذنوب.ولكن من خلال مشاركتهم في دروس وحلق العلم والمناشط الجماعية المختلفة من رحلات برية وبحرية واستكشافية لدعم تعارفهم وتفاهمهم وتكافلهم يتم تصحيح المفاهيم وإصلاح الأخلاق وجلي القلوب وصقل العقول و تزكية النفس و آفات اللسان ونظافة اليد في المال الخاص والعام. ثم تتركهم للدعوة والانخراط في مجالات الخير من كفالة للأيتام والأرامل والفقراء وغيرها ضمن أنشطة خيرية سوءا رعتها الجماعة نفسها أو شاركت فيها مع غيرها (وتعاونوا على البر والتقوى...الآية) وبعد هذا كله فالجماعة لا تمنح فردا من أفرادها مهما بلغت مكانته أو قدمت عضويته صكا بالغفران أو تذكرة إلى الجنان, بل تطلقها جلية مدوية في كل لقاء (يا أحبابي.. لا أغني عنكم من الله شيئا )

ومن هذا المفهوم والمنطلق فان الجماعة لا تختزل الخيرية في نفسها أو تحتكرها في شيوخها أو أفرادها بل تقر ان كثيرا من أهل البر والإحسان فرادا أو جماعات قد يكونوا خيرا ممن ينتسبون إليها في العلم والتقوى والخيرية كل حسب إيمانه وعمله وقربه من الله واقتداءه برسوله على فهم وبصيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق