الاثنين، 4 يوليو 2016

السنوسي بسيكري : تقاطعات إيجابية أم مناورات لالتقاط الأنفاس


أحداث متسارعة غير أنها شديدة الغموض، قد تحمل بشائر لليبيين، وربما تكون نتائجها كصب البنزين على النار.

المقطع الأول من المشهد العام يظهر فيه السيد "عبدالباسط اقطيط"، وهو الناشط السياسي الطموح الذي سبق أن رشح نفسه لرئاسة الحكومة بعد إقالة السيد علي زيدان. فقد أعلن اقطيط عن مبادرة للتعايش السلمي في المنطقة الشرقية، وأكد اقطيط في مقطع فيديو على الفيس بوك توقيع رئيس البرلمان، عقيلة صالح، وقائد الجيش التابع له، خليفة حفتر، على مبادرته. وامتدح اقطيط مجلس شورى درنة، وأكد قبولهم خطته التي تتضمن وقفا لإطلاق النار وترتيبات أمنية على رأسها تشكيل مجلس عسكري، يضم ضباطا لم يتورطوا في الصراع الدائر وغير منتمين للكرامة أو فجر ليبيا.
تعددت الردود على الخطة التي أعلن عنها اقطيط، وهي في مجملها  تعكس درجات متنوعة من المواقف ما بين الصدمة والتكذيب والابتهاج. ومعظم هؤلاء كان موقفهم ملتبسا لعدم درايتهم ببعض تفاصيل الاتفاق، أو استغرابهم الشديد لتوقيع أهم شخصيتين في معسكر الكرامة عليها، باعتبار أن المفهوم منها هو هدنة مع "الإرهابيين" واستبعاد ضباط الكرامة الذين واجهوا الإرهاب، ولم يكن لعقيلة صالح أو خليفة حفتر أي تعليق على ما جرى، وظل المعلن والشارح والمفصل هو السيد اقطيط، مع تصريح لقيادة مجلس شورى درنة، أكدوا أنه لا يوجد في الاتفاق بند يتعلق بتسليم سلاحهم كما زعم بعض من دافع عن الاتفاقية من معسكر الكرامة، وأنهم يصرون على دمج بنغازي وأجدابيا في الاتفاق كشرط لتوقيعهم عليه، وهو أيضا ما برر به أنصار الكرامة قبول حفتر للاتفاقية، كونها تتعلق بدرنة، وأن بنغازي ليس لها إلا السلاح، خصوصا أنها في المراحل الأخيرة من الحسم، كما تؤكد الصفحات المؤيدة للكرامة.

حراك اقطيط في الشرق الليبي قابله تطورات مهمة ومفاجأة، وهي اجتماع وفد من قبيلة الزنتان برئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، والحديث عن استعداد الزنتان، أو من مثلهم في الاجتماع، للمصالحة ووقف العنف مقابل إشراكهم في الترتيبات الجديدة، وتعويضهم عما لحقهم من خسائر جراء إخراجهم من العاصمة في صيف 2014. وعلى أي حال فإن قبول جناح من الفاعلين في الزنتان بالمجلس الرئاسي وقدومهم للعاصمة، يشير إلى تحول في الموقف سياسيا وعسكريا يخفف من التوتر الراهن، لكنه بالمقابل لن يكون بلا ثمن مجزٍ.

جريا مع أجواء التقارب، جاءت تصريحات الفريق خليفة حفتر مفاجأة، فقد تحدث في لقاء جمعه ببعض أعيان المنطقة الشرقية في المرج مؤخرا بلغة حميمية عن مصراتة، بعد موقف عدواني من المدينة ووعد بتطهيرها من الإرهاب، والمقصود به كتائبها التي شاركت في عملية فجر ليبيا، وكان لها الدور الأكبر في حسم المعارك لصالحها.  وأثار الكلام الدافئ لحفتر تجاه مصراتة جدلا حول دوافعه، فالبعض يرى أن الدافع هو إعادة ترتيب خارطة الأعداء والحلفاء في ظل تغيرات كبيرة في جبهة الكرامة، ويساعد على دعم هذا التحليل ارتباك الجبهة العسكرية الداعمة لحفتر في المنطقة الغربية، ولزيارة وفد الزنتان دلالتها في هذا السياق.

بالمقابل يرى آخرون أن غزل حفتر لمصراتة يأتي في سياق الخلافات داخل جبهة الكرامة، وهي من قبيل ممارسة ضغوط على بعض أعيان ونشطاء قبيلة العواقير، التي تورط جناح منها في استهداف عوائل ترجع أصولها لمدينة مصراتة والاعتداء على أملاكهم.

في سياق قريب من التقارب الغامض في الداخل، هناك حديث عن مساعٍ للتقريب، ولكن تحت رعاية عربية أو بالأحرى خليجية، وحديث متجدد عن الحوار الليبي اللليبي. ومن المؤكد أن الرياض تنشط في الوسط السياسي الليبي لجمع الفرقاء للحوار وتسوية الخلافات العالقة على أساس اتفاق الصخيرات ودعم المجلس الرئاسي وحكومته، واحتضنت سلطنة عُمان الوفود الليبية، وأرسلت الدوحة دعوة لعقيلة صالح، برغم موقفه وتصريحاته ضد قطر.

لمّا تتضح أجندة المبادرة السعودية، وما إذا كانت للضغط من أجل القبول بمضامين اتفاق الصخيرات دون تعديل، أو أن الأطراف التي أبدت استعدادها للتعاطي مع المساعي السعودية مطمئنة إلى القبول بالشروط التي طالما دندنت حولها، وهو ما يجعل تقييم المساعي السعودية سابقا لأوانه وغير ذي جدوى.

ما يضع المراقب في دائرة الحيرة حول دوافع الاتجاه التصالحي، أو ما يبدو أنه تصالحي، هو أنه يأتي في ظل قطيعة واحتراب واعتقاد راسخ لدى كل طرف، بأن بقاءه مرهون باستئصال الآخر، وهو ما يجعله في نظرنا قابلا للتفسير وفق سيناريوهين متناقضين تماما، وذلك حتى ينجلي الغبار وتتضح الرؤية.


عربي 21

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق