الأحد، 24 يوليو 2016

هل تورطت «دولة خليجية» في دعم محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا؟

زلزالٌ أصاب تركيا، وقف العالم أجمع يشاهده، ما بين مؤيد ومُتمن اكتماله وما بين من اعتبره كابوسًا أراد زواله في الحال.

محاولة الانقلاب التي هزت تركيا ليلة السبت لا زالت أثارها تتابع، فتركيا بعد محاولة الانقلاب التي باءت بالفشل لن تكون كتركيا قبلها، فالرئيس التركي رجب طيب أردوجان بعد تصريحه بأن «الانقلاب هدية من الله» أي أنه على ما يبدو في وجهة نظره، أنه جاء ليتمكن من «تطهير» المؤسسات. فعقب ظهوره وحديثه لوسائل الإعلام فقد توعد كل من شارك فيما حدث على المستوى الداخلي واتجهت بعض التحليلات لتتحدث أن التغييرات قد تطال علاقات تركيا مع الدول التي يثبت أنها كانت مُسبقة بالترتيب للانقلاب.


تكثر التكهنات حول الدول المتورطة بالأمر، وفي ظل تورط دولة خليجية فإن الأنظار تتجه مباشرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، نظرا لسابق تجاربها في إجهاض التجارب الديمقراطية في المنطقة وبخاصة في مصر من ناحية، ونظرا لأن العلاقات الإماراتية التركية لم تكن على خير ما يرام من ناحية أخرى خلال السنوات الثلاثة الماضية.

كيف تناولت وسائل الإعلام الممولة إماراتيا ما حدث؟

تبث قناة سكاي نيوز العربية من دولة الإمارات وتتلقى التمويل منها. كانت قناة سكاي نيوز من أوائل الوسائل الإعلامية التي بثت أخبارًا حول حدوث حركة غير طبيعية في تركيا، بداية من الحديث عن اشتباكات ومروحيات تُحلق في المجال الجوي التركي وأخيرًا غلق جسر البوسفور، ثم أذاعت بيان الجيش التركي الذي أعلن فيه «استيلائه على السلطة في البلاد من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان». وكانت القناة مصدرًا نقلت عنه العديد من وسائل الإعلام العربية والمصرية على وجه الخصوص.

ولكن تغطية قناة سكاي نيوز للحدث لم تبد مهنية بدرجة كبيرة. لم تخف القناة في تغطيتها منذ اللحظات الأولى الاحتفاء بالتحرك العسكري في تركيا. حيث تحدثت عبر حسابها على تويتر عن «ترحيب شعبي بنزول دبابات الجيش إلى الشوارع»، وتحدثت عن كون الرئيس التركي «في مكان آمنٍ ومتحفظ عليه»، ثم نقلت نقلًا عن مصادر أمريكية أن «الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طلب اللجوء لألمانيا».

وبعدها بوقت قليل ظهر أردوغان متحدثًا لقناة «سي إن إن ترك» عبر تطبيق سكايب للشعب التركي وللعالم أجمع، منددًا بمحاولة الانقلاب عليه والتي أسماها بالفاشلة وتوعد «المنقلبين عليه» بملاحقتهم أمام القضاء ودفعهم للثمن باهظًا.

وحتى بعد إعلان أردوغان أن طائرته ستهبط في مطار أتاتورك ودعوته لمؤيديه ومعارضيه للنزول والتظاهر من أجل الدفاع عن الديمقراطية أعلنت سكاي نيوز عربية أن الجيش التركي يحاصر ويفرض سيطرته الكاملة على مطار أتاتورك.

وقد بدأت تغطية «سكاي نيوز عربية» تنحو منحى أكثر توازنا في الساعات الأخيرة بعدما بدأت تتكشف معالم فشل محاولة الانقلاب، قبل أن تصدر «الإمارات» بيانها المتأخر الداعم للحكومة في تركيا.

تاريخ العلاقات التركية الإماراتية

لمحاولة فهم العلاقة المتوترة بين تركيا والإمارات في الوقت الحالي، علينا الرجوع إلى تاريخ العلاقة بين الدولتين لرؤية الصورة بشكل أعمق وأوضح. لطالما كانت العلاقات التركية الإماراتية علاقة وثيقة على كافة الأصعدة، سواء على الصعيد الثقافي أو العسكري أو الاقتصادي.

وتعد تركيا أحد أكبر الدول الشريكة للإمارات، حيث يصل حجم التجارة البينية إلى 9 مليار دولار سنويًا، وتضاعفت إلى 8 أضعاف في العقد الأخير فقط، مما يعني علاقات اقتصادية وثيقة للغاية، وتُعد الإمارات سوقًا مهمًا للمقاولين الأتراك في قطاع الإنشاءات. وعلى الصعيد العسكري، فقد عقدت الإمارات صفقة مع تركيا منها شراء 10 آلاف من صواريخ «غيريت» المضادة للطائرات.

بدأ التوتر يشوب العلاقة بين البلدين في عام 2013، وذلك بعد الإطاحة بحكم الرئيس المصري المعزول «محمد مرسي»، ومن هنا نشأ الاختلاف، فالإمارات كانت من أكبر الداعمين بل ومن المحركين للمشهد المصري من بعد الثالث من يوليو (تموز) والإطاحة بحكم الإخوان في مصر. وعلى النقيض تمامًا كانت تركيا، ومن هنا كان الاختلاف الذي أثر على كافة أشكال العلاقات الثنائية.


دعمت تركيا حكم جماعة الإخوان في مصر. وشهدت مواقف البلدين تطابقا في الشؤون الخارجية وعلى الأخص في سوريا. أما في الإمارات، فقد قامت بالتضييق على الرفع المحلي لجماعة الإخوان الذي رأت فيه خطرا عليها. كما عملت بشكل مكشوف إلى حد كبير على زعزعة حكم الإخوان في مصر، وكانت على رأس الداعمين السياسيين والماليين لنظام ما بعد الثالث من يوليو (تموز).

وقد شهدت الأسابيع الأخيرة بعض الأمل في حدوث انفراجه في العلاقات بين البلدين والتي شابها التوتر لمدة ثلاث أعوام كاملة. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2015، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أروغان، لقناة الجزيرة، مشيرًا إلى أن هناك علاقة تعقد بين الدولتين على مستوى منخفض، وأنه ولا توجد مشكلة بين تركيا والشعب الإماراتي. وأضاف أن العلاقات بين البلدين لطالما اتسمت بقوتها ومن الضروري البحث وراء أسباب التباعد الذي حدث فجأة. وقال، إن هناك سببًا وحيدًا للاختلاف بين الدولتين وهو الاختلاف على الشأن المصري.

وجاء الرد الإماراتي من وزير الدولة للشؤون الخارجية مرحبًا بإشارات «أردوغان»، وقال إن الإشارات الإيجابية والتي جاءت من الرئيس التركي محل ترحيب. وأن مضى وقت طويل على القضايا المختلف حولها عليه وأن المصريين قرروا لأنفسهم أي طريق يريدون المضي قُدمًا فيه.

شهدت العلاقات انفراجة نسبية ولكن عملية الشد والجذب بين البلدين ظلت قائمة. وفي ظل حديث دوائر إعلامية تركية مقربة من الحكومة حول ضلوع دولة خليجية في محاولة الانقلاب الفاشل، بينما تشير التكهنات إلى الإمارات بصفتها أحد الاحتمالات، فإنه يصعب التنبؤ بالمسار الذي سوف تسير عليه العلاقات بين البلدين في الفترة المقبلة.

تاريخ دعم الإمارات للانقلابات في المنطقة

مع اندلاع الثورات العربية عام 2011، سعت دولة الإمارات إلى دعم أنظمة الثورات المضادة، سواءً في ليبيا أو اليمن أو مصر، كما كان واضحًا دعمها لتحرك الجيش المصري ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي يُعد أول رئيس مدني منتخب في تاريخ جمهورية مصر.

وفي تحليل لمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط: «دعم الإماراتيون المعارضة المصرية بفاعلية للاطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي في إطار التجهيزات للانقلاب الذي أتى بالجنرال عبد الفتاح السيسي. إن رؤية القيادة الاماراتية لمصر الناجحة تتحدد بأن تكون دولة مستقرة ومزدهرة، ليست بالضرورة ديمقراطية، كأهم رد فعل على الطائفية في المنطقة، التي تتضمن التهديد الإيراني في الخليج والشام».


وبالإضافة إلى الدعم المادي والسياسي المُقدَّم لنظام ما بعد الثالث من يوليو (تموز)، فإنه في يناير (كانون الثاني) 2014، ظهر تسريب صوتي لمدير مكتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عباس كامل، يتحدث مع سلطان الجابر، وزير دولة الإمارات، ليطلب منهم مزيدًا من الأموال لدعم النظام المصري.

وسعت الإمارات للترويج للنظام المصري حول العالم، لنفي وصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري، وهو ما حدث في 25 يوليو (تموز) 2013، بزيارة عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، إلى واشنطن والتقائه بنظيره الأمريكي، جون كيري، على خلفية إيقاف الولايات المتحدة والدول الغربية للمساعدات والمعونات المالية لمصر حينها.

وعانت العلاقات المصرية الإماراتية توترًا في ظل حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، في ظل اتهامات من الأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين بالتحريض ضد حكمها في الداخل الإماراتي.

بالانتقال إلى ليبيا، دعمت الإمارات ما يعرف إعلاميًا بـ«عملية الكرامة» والتي كانت تهدف إلى الاستيلاء على مدينة بنغازي ويقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ مايو (أيار) 2014، بدعم من الإمارات ومصر، والتي تقاتل الفصائل المسلحة الداعمة للمؤتمر الوطني العام الليبي المنتخب شرعيًا في يوليو (تموز) 2012، مما اعتبره الكثيرون آنذاك محاولة الانقلاب عسكريًا على السلطة الشرعية المنتخبة في ليبيا. ويرى البعض أن «حفتر» يحاول استنساخ السيناريو المصري من خلال السعي إلى إقصاء الإخوان المسلمين من المشهد السياسي الليبي، تحت ستار محاربة الجماعات الإرهابية في ليبيا وذلك بهدف إعادة البلاد الى مرحلة الدكتاتورية العسكرية، وهو ما اعتبره حفتر باطلًا لأن الجيش لا يتدخل إطلاقا في السياسية.

وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، رسائل بريد إلكتروني إماراتية مسربة توضح قيام الإمارات العربية المتحدة بشحن الأسلحة لحلفائها في النزاع القائم في ليبيا خلال الصيف الماضي في انتهاك واضح منها للحظر الدولي على السلاح، فضلًا عن تورطها في انحياز المبعوث الأممي لليبيا، ليوناردينو ليون، في العمل لصالح طرف من أطراف الصراع هناك، وفقًا لما يتسق مع الرغبات الإماراتية. وهو ما تم الكشف عنه في رسالة بريدية مسربة بينه وبين الخارجية الإماراتية جاء فيها: «خطتي تهدف لكسر تحالف خطير جدًّا بين التجار الأثرياء من مصراتة والإسلاميين الذين يحافظون على قوة المؤتمر الوطني العام، وتعزيز الحكومة المعترف بها دوليًّا والمدعومة من الإمارات ومصر».

وتفيد التسريبات أيضًا بمساهمة الإمارات في تمويل تظاهرات جاءت تحت اسم «جمعة إنقاذ بنغازي» في سبتمبر (أيلول) 2012 ضد كتائب ثوار ليبيا التي كانت مسؤولة عن أمن بنغازي والتي أدت إلى تفكيك الكتائب، والتي أعقبها عدد من الاغتيالات لعدد من القادة العسكريين والمدنيين الذين ينتمون لثورة فبراير (شباط) 2011.

تقاربت المصالح الإماراتية الأمريكية مؤخرًا، خاصةً في ظل توتر العلاقات الأمريكية مع عدد من الدول العربية. هذا ما أكدت عليه جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية في تقريرٍ لها صادر في أواخر 2014. حيث أوضحت أن هذا التقارب جاء نتيجة التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والإمارات في الضربات الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية فى سوريا، وقالت إن هذا التعاون والمتمثل في استخدام قاعدة الزعفرة الجوية الإماراتية من قبل الطائرات الأمريكية هو نتاج صداقة سريعة ين الجيشين الأمريكي والإماراتي. في حين أن علاقات أمريكا مع معظم الدول العربية قد ازدادت توترا في العقد الماضي، إلا أن تحالف واشنطن مع الإمارات قد تم تعزيزه بطرق هامة، بفضل المشاركة الصريحة في الحرب الأفغانية وأيضا المخاوف المشتركة من صعود المسلحين الإسلاميين والبرنامج النووي الإيراني.

واعتبرت «واشنطن بوست» أن العلاقة مع الإمارات هي الأقوى للولايات المتحدة في العالم العربي اليوم، بعدما توترت العلاقة مع حليفتيها السعودية وتركيا، في الوقت الذي تواجه فيه كل من مصر والأردن تحديات داخلية.

وفيما يخص العلاقات التركية الأمريكية، فقد زادت التوترات بين البلدين في ظل أحداث الانقلاب الأخير، حيث ترى تركيا أن الولايات المتحدة تواطأت مع فتح الله كولن، المعارض التركي الذي يعيش في منفاه في الولايات المتحدة، والذي تعتبره متورطًا بشكل رئيسي في الانقلاب، رغم نفيه القاطع بأي صلة له به. وتميل بعض دوائر المحللين إلى الاعتقاد في وجود مصلحة مشتركة بين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في الإطاحة بالنظام الحالي في تركيا.


ويشعر المسؤولون الأتراك بالغضب تجاه تجاهل الإدارة الأمريكية طلباتهم المتكررة بتسليم كولن الذي يتزعم حركة معارضة لنظام أردوغان، ووصل الأمر إلى إعلان وزير العمل التركي سليمان صويلو بأن «واشنطن تقف وراء المحاولة الانقلابية».


وتتجاهل واشنطن طلبات أنقرة بتسليم كولن، خاصةً في ظل تلويح أردوغان بإعادة تنفيذ أحكام الإعدام، الأمر الذي يبدو أنه سيكون مصير كولن في حالة تسليمه لتركيا. وتزداد مخاوف الولايات المتحدة في ظل وجود «قاعدة أنجرليك» العسكرية الأمريكية في تركيا، والتي تعتبر المركز الرئيسي لحلف الناتو حيث يتم توجيه الضربات لتنظيم «داعش» في سوريا. وقد أغلقت تركيا القاعدة العسكرية مؤقتًا بعد إفشال محاولة الانقلاب مساء الجمعة، غير أنها أعلنت فتحها لاحقًا واستئناف الضربات ضد التنظيم.

نقلا عن ساسة بوست

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق