الخميس، 22 أكتوبر 2015

علي المجبري : ( حوار الحكمة والمدافع )

أطلب من كل أصدقائي أن يقرأوا هذا المقال بعناية ، وأن يعبروا عن رأيهم بكل حرية ، فزمن بنغازي لم يعد زمنا للصمت ! .
ـــ
( حوار الحكمة والمدافع )
ـــ
في البدء : لا بد أن يرى هذا الجيل ( ليبيا جديدة ) بأي ثمن . ولا بد من دعم جيش البلاد ، والوثوق فيه ، واعتباره الجواد الوحيد الذي يجب أن يراهنَ عليه كلُّ الشعب
ولأنني أظن نفسي منتميا للوطن وداعيا للمصالحة الوطنية ونابذا للحرب وأفكارها ومعاديا لدعاتها فإنني سأكتب الآن كلاما لن يهز له رأسه بالإيجاب إلا القليلُ ، القليل النادر.... إن وُجد ! .


* *
( 1 )
أقول : أنا ابن الصابري .. ومولود على شطِّ بحرها .. وأعرف طباع وسجايا أهل الصابري على مدى عقود من الزمن ؛ وأعرف شباب الصابري و( فرسنتهم ) وعنادهم و( موتهم ) في شيء اسمه التحدي والمواجهة ،، وبالتأكيد مثلُهم شبابُ سوق الحوت وشباب الليثي لأنهم جميعهم رضعوا الحليب البنغازي ( الحارّ ) ذي المكونات التي يعرفها القاصي والداني ، ولو جازَ سؤال الميت في الدنيا لقلت لكم اسألوا عنهم معمر وقادةَ كتائبه ! .
فالحرب على مثل هؤلاء الشباب بالجيوش والطائرات والصواريخ لن تجدي نفعا ولا تنتج إلا المزيد من قتلى الطرفين . والدليل أن الجيش منذ أكثر من سنةٍ يحاربهم ولم يستطع حسم حربه ضدهم ! . وعندما نقول ( سنة ) في عالم الحروب فهذا يعني أنه زمن طويل جدا ؛ تسقط فيه قارات بأسرها وليس مجرد شارع أو شارعين أو حارةٍ في حيٍّ صغير .
أبناء الجيش هم أبناؤنا الأوفياء الذين لا نراهن إلا عليهم ، والذين نصنّفهم بالإرهابيين هم أيضا أبناؤنا .. وأغلبنا يعلم أنه يوجد أشقاء يقاتلون مع الفريقين وكل واحد منهما مُعرَّضٌ ليقتلَ أخاه في أول مواجهةٍ تدور بينهما ! .
فمِن أجل مَنْ كلُّ هذا ؟ ... سؤالٌ يحتاج إلى إجابةٍ من الفكرين الجَمْعِيّ والفرديّ على حدٍّ سواء .
هذه الحرب جعلت حتى المهووسين وبعض المدن القزْمية تتجرأ على بنغازي وأهلها ، وتؤجج نارَ الحرب فيها لتُهلِك أبناءَها وتدمرَ عمرانها وتُضعفَ قوتَها الروحية . فهؤلاء لا ينامون الليل ليحققوا أطماعهم المستحيلة على حساب بنغازي الكبيرة منذ أن خُلقت في القرن السادس قبل الميلاد !! .
هذا الكلام قد لا يعجب الكثير ، والحقيقة لم يكن ليعجبني حتى أنا نفسي ، ولكن بعد كل ما رأيت أدركت أن بنغازي متفَقٌ على قتلها وأن شبابها الأبطال من الفريقين المتحاربين متفَقٌ على قتلهم وأن الطامحين الجدد في السيادة والرياسة يتعمدون إطالةَ أمدِ الحرب لإلهاء بنغازي في همها واختلائها بحزنها ، وحتى يخلوَ لهم الجوُّ ليعبثوا بليبيا في غياب ( الكبيرة ) أمّها ومعلمتها وحوريتها الحارسة .
بنغازي لن تُحلَ مشكلتُها بالحرب ، ولن يستطيع الطيران فعل أي شيء غير ضرب المباني وقتل شاب ليخرجَ فور مقتله أخوته طلبا للانتقام له ؛ فكلما قُتل شخصٌ حل محلة أشخاصٌ واتسعت رقعةُ الحرب ... فـ يفنَى خيرةُ شبابِ بنغازي وشجعانُها من الطرفين وتنفتحُ الطريقٌ معبّدةً أمام " تجريدات " المتآمرين .
فلا تثقوا بما ترونه فقط ، فما لا ترونه قد يكون هو الأصدقَ أو الأسوأَ والأمَرّ .. فنحن لا نرى من جبل الجليد الغائص في البحر غير قمته الصغيرة الطافية التي غرَّت من قبلُ قبطانَ التيتانيك .
( 2 )
أرجوكم لا تتوقفوا عن القراءة ولا تقولوا إن الجيش يقاتل ( الدواعش ) ، فكلنا نعلم أنه إذا وُجد عددٌ من الدواعش فإنهم قلةٌ لا حجمَ لهم ولا وزن ، صحيحٌ أن جماعاتٍ تنظيم أنصار الشريعة تؤازرهم ، لكن الأغلبية الساحقة من المقاتلين هم من منتسبيّ ( دروع ) بنغازي الذين كانوا في طليعة من قاتلوا كتائب القذافي في كل المدن الليبية ، يساندهم أعدادٌ من الثوار وشباب المناطق اعتقادا منهم أن السيد " حفتر " يريد انتزاع السلطة من الثوار وإعادة حكم العسكر لليبيا بعد إنجاز ثورتهم المكلفة .
وبسبب أخطاء فادحة ارتكبها منتسبو هذه الدروع فقد تصدى لهم الجيشُ بالبنادق ولم يكن من حلٍّ آخرَ وقتها ، ولكن السيء في الأمر أنه لم يخرج أي مسؤول ليجلس مع هؤلاء الشباب وينفي لهم مزاعم استيلاء الجيش على السلطة ويكشف مروجيها ويبين لهم حجم المؤامرة سواء على شباب بنغازي أنفسهم أو على مدينتهم التي تربّوا على مياهها المالحة وشربوا حليبها النادر الثمين .
وقد يتساءل البعض : وماذا عن الاغتيالات التي سبقت تدخّل الجيش والمتهم بها أطرافٌ عدة غير خاضعة لسلطة الدولة ؟ وهنا أجيب : إن العالمَ يعرف طرقا كثيرة لوقف مثل هذه الأعمال الإجرامية .. ؛ فعمليات الاغتيال لا تُوقَف بشن حرب شاملة سيما أن هذه الحرب تدور في قلب المدينة .
وأتساءل ـ وأنا أحد أبناء الصابري وأزعم أنني أعرف سكانه عائلةً عائلةً ـ أتساءل : منذ متى سكانُ الصابري دواعشُ أو متطرفون ؟ .. فأهل بنغازي لم يعلموا عن شباب الصابري إلا أنهم شبابٌ متفتحون ومنفتحون على الحياة من أوسع أبوابها بل ولديهم أبوابٌ إضافية أخرى يفتحونها كلما قُفل بابٌ من هذه الأبواب !! .. فعن أي ( دواعش في الصابري ) تتحدثون !؟ .. ( الصابري ) و( دواعش ) !! .. كلمتان لا تلتقيان أبدا !! .
قد يقول قائل يوجد دواعش أو إرهابيون بين شباب هذه المناطق من خارج بنغازي ومن الأجانب .. أقول نعم هذا يقين ، ولكن أنهوا أولاً مشاكلكم مع منتسبي الدروع ومؤازريهم من الثوار وشباب المناطق ، ثم تفرغوا للدواعش وواجهوهم بالذي يحلو لكم ! .
.. فنحن لا نسعى أبدا لتأسيس دولةٍ تكرِّسُ فكرَ التعميم والقتل والانتقام .. لسنا أبدا دولة القذافي الزائلة ! .
( 3 )
لا أريد أن أطيل ، ولكن أريدكم ـ وأنا أعني هنا أهل بنغازي خاصةً ـ أن تفكروا من جديد في كيفية التعامل مع هذه الأزمة التي تقتل كل دقيقة ابنا من أبنائنا ولا تخدم إلا أعداء ليبيا وأعداء بنغازي الصامدة .
فكروا في حل حقيقي بعيدا عن المصالح الشخصية للمسؤولين وطموحاتهم ، ولأنني أعرف أهل منطقتي خاصةً وحبهم للسلام الحقيقي فقد يمكن حل هذه الأزمة في خطوة واحدة يقوم بها رجال بنغازي وشيوخها ( عدا الشباب ) يتقدمهم أهالي المقاتلين ليوقفوا الحرب ويخرجوا أبناءهم من مناطق الاقتتال .. ثم يدخل الجميع مرحلة الحوار .... ويجري هذا على كل مناطق الاشتباك في المدينة .
لا بد أن نجد طريقة تقتل الحربَ في بنغازي لتعود ( الكبيرة ) إلى مكانها الذي لا يمكن أن يملأه غيرها ، ولِتُنهي أطماعَ الطامعين وأحلامَ الحالمين من الصغار الذين راهنوا على تدمير بنغازي وإزاحتها عن طريق طموحاتهم الفانتازية الرخيصة .
أنا مع تأسيس دولة الديموقراطية والمؤسسات والحقوق وبناء جيش قوي يحمي الوطن وشرطة فاعلة تحمي المواطن ، لكنني ضد سقوط الضحايا المدنيين وضد استخدام وسائل لا تتناسب مع غاياتها .

أيها الليبيون ؛ لا بد من تغليب صوت الحكمة على صوت الطائرات والمدافع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق