السبت، 8 أكتوبر 2011

جرائم الطاغية والمقابر الجماعية ومحكمة الجنايات الدولية






فتح الله سرقيوه

هناك زمن للظلم والإستبداد ... وهناك زمن للطغيان وظلم العباد ... هناك زمن للعمالة والخيانات ... وهناك زمن لتكميم الأفواه وسلب الحريات ... هناك زمن للخنوع والإنبطاح والإستجداءات ... وهناك زمن لشراء الذمم وقبول العطايا والهبات ... هناك زمن لإرتداء الجلابيب المزرقشة والعباءات  ... وهناك زمن للرداحين والرداحات ... هناك زمن للطبالين وهزازى الذيول والطبالات ... وهناك زمن لإيفاد المنافقين من الأغبياء والغبيات ... هناك زمن لنيل الشهادات العُليا الخضراء من المُدرجات ... ولكن هناك شرفاء رفعوا أصواتهم إلى عنان السماء فى زمن الطغاة ... وتعرضوا للإستدعاءات والتحقيقات ... عقاباً لهم على قول كلمة الحق ورفض الفساد والإنتهاكات .. فاليوم سطعت شمس الحرية فى زمن تفجير الثورات ... وسفينة 17 فبراير جاهزة لمن أراد النجاة ... إلا على المُتقلبين وراكبى الموجات ... فلا أعذار ولا مبررات فالثورة ثورة شعب ولا كل الثورات .


كل الأزمان عاشها شعبنا الصابر البطل ، وكل الطغاة ربما مروا من هنا ، وحكموا شعب هذه الأرض ، فالطغيان  قد يفسره المتخصصون بأنه عملية نسبية فهناك فرق بين فرعون وهولاكو ونيرون وهتلر وموسيلينى والقذافى ، ولكن لم يُشاهد التاريخ القديم والحديث  والمعاصر طاغية مثل القذافى ، غير أن   الصبر على الظلم يعد من أهم درجات الإيمان بالله تعالى لأن الصبر على الطغاة والمظالم يأتى من عند الله ، فالصبر كان سلاحاً إستخدمه أحرار ليبيا منذ إنقلاب 1969م ضد نظام الإستبداد ولعقود من الزمن ، فلا توجد عشيرة ولا قبيلة ولا عائلة من أهلنا فى ليبيا إلا وتأذت من نظام لا يعرف حدود الله تعالى فى التعامل مع أبناء شعبه ، لقد صبر شعبنا بالرغم من أنه لا تمر سنة من سنوات الظلم والشقاء إلا وحدثت إنتفاضة أو تمرداً عسكرياً أو مدنياً على مستوى الوطن ويضيع ضحية ذلك شباب فى عمر الزهور يُقتّلون فى السجون والمعتقلات بواسطة أجهزة أمنية وكأنها جاءت من خارج هذا الشعب فلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية ، وأساليب التعامل مع المعتقلين فى سجونهم شاهدة على ذلك وما فضيحة سجن بوسليم سيئ السمعة الذى قتل فيه 1275 مواطناً ليبياً إلا دليلاً  على الظلم والطغيان .

أقول ... لم أتعجب حينما قمت بالإطلاع على تلك المقبرة الجماعية التى تم إكتشافها بالقرب من ( أم الرزم) 50 كيلو متر شرق درنه ،  فتاريخ هذا الطاغية حافل بإرتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية والإنتهاكات المختلفة ضد أبناء شعبه إذا كان ينتمى إليهم حقاً وإننى أشك فى ذلك ولا أعتقد كما لا يعتقد معى الكثيرون بأن هذا المجرم ينتمى لهذا الشعب ،،، وما المقابر الجماعية التى تكتشف كل يوم فى أنحاء الوطن إلا وصمة عار فى تاريخه الأسود ... وإليكم القصة .....

توجهت عشية الجمعه الموافق 17/6/2011 م إلى أم الرزم تلك المنطقة التى عاش فيها العديد  من إخوان السنوسية مثل عائلة بوفارس وعائلة الصرواحى وعائلة فركاش الذين لهم تاريخ مشرّف فى نشر تعاليم الدين الإسلامى لأهالى مناطق الدواخل وغيرها من مدن وقرى الشمال من أهلنا الطيبين ، فعندما وصلت بالقرب من عين المكان بصعوبة نتيجة للإزدحام الشديد حيث تقع المقبرة المُكتشفه على يسار الطريق العام فى إتجاه المنطقة من مدينة درنه وفى حدود (3 كيلو متر للغرب من أم الرزم) . قابلت الشيخ / محمد الصرواحى إمام مسجد أم الرزم وكأننى فى موعد معه ، سلمتُ عليه بحرارة لأننى ربما أعلم من غيرى مدى التقدير والإحترام الذى يكنّه أهل المنطقة لهذه العائلة الطيبة وقلت له شيخ محمد ، أرجوا أن اسمع من حضرتك التفاصيل فأنتم أهل المعرفة والصدق .. فقال ....

جاء بعض من المختصين  من مدينة البيضاء إلى أم الرزم ويبدو أنهم مكلفون من قبل جهات الإختصاص ورافقتهم فى البداية إلى مكان المقبرة التى وصفوها بالتحديد وكأن أحد قد حدد لهم مكانها فلم تكن هناك صعوبة فى التعرف على المكان ، وهذه المعلومات جاءت من قبل سيدة توفى زوجها الذى كان يعمل بالأمن فى تلك الفترة وهو الذى أخبرها قبل وفاته بأن هناك مجموعة تم دفنها بمقبرة جماعية وبلباسهم حيث وضعوا فى حفرة عميقة تم تجهيزها بطريقة عشوائية فى هذا المكان دون مراعاة ألله فى طريقة دفن المسلم  ولم يذكر زوج السيده رحمه الله العدد أو أسمائهم أو من أى منطقة فى ليبيا ، وقد أفادنى الشيخ الصرواحى والذى كان موجوداً منذ اللحظة الأولى وقال لى أنه بعد البدء فى  الحفر المبدئى للإستكشاف خرجت علينا أول جثة وكانت الأيدى والأرجل وكانها تعرضت إلى تكسير عظام ومن المؤكد أنه كان نتيجة للتعذيب وهذا ليس غريباً على  عصابة القذافى  الدموية ، هنا كان الوقت متأخراً وبدأت الرؤية تنعدم فتم تأجيل إستكمال الكشف على باقى الجثث ليوم آخر ، حيث أستودعت الشيخ الفاضل الصرواحى ورجعت إلى درنه .

فى اليوم التالى السبت الموافق 18/6/2011 م وصل العديد من الجهات المختصة وعلى رأسهم الطبيب الشرعى ووكيل النيابه وتُرك الأمر لهم حتى إستكملوا العمل ولم أتمكن من أخذ أى معلومات وحتى عشية الأحد 19/6/2011 م حيث كانت (عظام الجثث) واضحة للعيان ، وأبشع من شاهدته تلك الأصابع المقطعة الموضوعة فى (جوارب) وكأنهم قاموا بتقطيع أصابع أرجلهم وأيديهم حسب طقوس ذلك الطاغية الحاقد ، وقد تذكرت ما حدث للإعلامى ضيف الغزال الذى تعرض لأبشع أنواع التعذيب فى بنغازى يوم تم تقطيع أصابع يديه لأنه تجرأ وكتب عن أساليب النظام الفاسد وأنه طالب بحرية الإعلام فقد كان جزاء تلك الأصابع إلا أن تُقطع بتلك الطريقة البشعة . وقد إتضح مبدئياً أن هذه المقبرة كانت بتاريح 13/7/1996 حيث باشر المختصون العمل للوصول إلى معاينة الحمض النووى وإختبارات أخرى والتى ستؤدى بعون الله تعالى إلى معرفة الأسرار والخفايا وخصوصاً معرفة أسماء الضحايا .

وهنا أقول وبأعلى صوتى ... وأتوجه بالنداء والمناشدة إلى الضمائر الحية فى الأجهزة الأمنية بجميع مسمياتها (سابقاً) بتحكيم العقل والعودة إلى الله تعالى وإعلان التوبة والإعتذار لأصحاب الشأن ممن قتلوا وعذبوا فى غياهب السجون أو دفنوا بمثل هذه المقبرة الجماعية والإسراع بالإدلاء بأى معلومات فى حوزتهم أو أى جرائم أرتكبت فى حق إخوانهم وأهليهم الليبيين .. وإن التعاون فى ذلك سيعتبره الليبيون وقفة إيجابية فى صالحهم وصالح ثورة الشعب وسيكون لها الأثر يوم يعرضون على المحاكم العادلة فى دولة الدستوروالقانون والديمقراطية  .
إن جريمة تكسير العظام والقتل بهذه الطريقة والتى حدثت يوماً ما ولا شك أنها بعلم الأجهزة الأمنية بدرنه والمناطق المحيطة ، تُعد من الجرائم اللا إنسانية ولابد ان تُضمّن لملف جرائم الطاغية فى محكمة الجنايات الدولية فليس هناك أبشع من أن يُقطع البشر بهذا الأسلوب وكأننا فى  العصور المظلمة ، فها هم أبناء شعبنا الأبطال يتعرضون للتعذيب الممنهج فى زمن القذافى وأزلامه ، لا لشئ إلا لأنهم رفضوا الظلم والطغيان أو قالوا ربنا الله  ، نسأل الله تعالى أن يرحمهم ويدخلهم فسيح جناته وأن يعجّل بسقوط طاغية العصر الحديث (فرعون ليبيا) إنه سميع مجيب .
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق