الخميس، 13 أكتوبر 2011

ابراهيم قراده : المجلس الثوري أم العسكرتارية


الجيش الوطني الليبي ربما كان المؤسسة السيادية الوحيدة التي تأسست قبل استقلال واعلان دولة ليبيا الحديثة، في التاسع من اغسطس 1940. فلقد تأسس الجيش للمساهمة في جهد قوات الحلفاء (وبالاخص بريطانيا) لمحاربة قوات المحور ( ايطاليا والمانيا) على الاراضي الليبية. ومنذ الاستقلال، شرع في البناء التدريجي لجيش وطني محترف رغم صعوبة الظروف والمثمتلة في انتشار الامية وقلة الوعي وقصر الامكانيات المادية وغياب المؤسسات، إلا ان اصرار الاباء المؤسسين على بناء جيش مهني سار نحو خلق نواة مؤسسة عسكرية رصينة ومحترمة.


وبدون الدخول في سجالات الاحوال السياسية للحقبة الاولى للدولة الليبية، الحقبة الملكية الدستورية، والممتدة من الرابع والعشرين من ديسمبر 1951 إلى الاول من سبتمبر 1969، فسمعة واداء الجيش الليبي كانت محترمة ومقدرة من عموم الشعب الليبي. انخرط مجموعة من ضباط الجيش الليبي في حركات سياسية متأثرين بالدعاية والمد القومي واليساري في ستينيات القرن الماضي، وتشكلت خلايا ومجموعات سرية في محاولة للانقلاب على النظام الملكي الشرعي، تورط فيها ضباط كبار وذوي حظوة. إلا ان التاريخ سجل نجاح محاولة انقلاب سبمتبر 1969 بقيادة ضباط مغمورين وصغار، قادهم الملازم معمر القذافي.

اثر انقلاب سبتمبر وخلال عشرية السبعينيات سيطر الجيش على مقاليد ومفاصل الحياة السياسية في ليبيا، تميزت باحتكار (ما يسمى) بمجلس قيادة الثورة والضباط الاحرار للنفوذ والقوى. واثر توالي المحاولات التغييرية والانقلابية المخفقة قلص الديكتاور القذافي دور القوات المسلحة بعد ان ارهاقها في حروب ومغامرات فاشلة وجسيمة ومرغ سمعتها في الحضيض. ليركز كل الامكانيات العسكرية في كتائبه الامنية (الحرس الجمهوري، بالمفهوم الدولي)، وهي الكتائب التي واجهت بوحشية ثورة شعبها السلمية، ليضطر الثوار لحمل السلاح دفاعا ومواجهة وتحقيقا لهدف الثورة في الاطاحة بنظام الديكتاتور القذافي.

لا احد يجادل مشككا في الدور الحاسم لثوار ليبيا في اسقاط النظام وتحرير الوطن، حين تنادى الثوار من كل ارجاء الوطن ليتصدوا عراة الصدور وليغنموا الاسلحة من كتائب النظام. فتشكلت فرق وسرايا الثوار التي افرزت قيادات ميدانية ومجالس عسكرية ابانت عن حنكة ومراس واناة كانت عاملا رئيس في حسم معركة التحرير. جل الثوار من المتطوعين المدنيين، مع غلبة شريحة الشباب، لينظم ويلتحق بهم في الجبهات افراد من القوات المسلحة من كل الفئات. ولعل في معارك تحرير مصراتة وجبل نفوسه والزاوية والبريقة واجدابيا وسبها وغريان وزليطن وسرت وبني وليد ملاحم اسطورية خالدة ودرس ممتدة في معاني الوطنية والبطولة والتضحية والفداء.

الان، وجهد تحرير الوطن يقترب من ذروته المنتصرة، برز الحديث عن الثوار ودورهم وتسلحهم. بعض الحديث غرضي ومتعجل، من قبل نزع سلاح الثوار او اخراجهم الى اطراف الوطن. الحجة الامنية وجيهة في سطحها عند بعض مردديها، ولكنها غرضية عند المريبين.

تناسي وتجاهل اننا في حالة ثورة غير محددة التطورات، في ضوء تفاعلات سياسية متسارعة ومتلاحقة، تتداخل فيها الاجندات الشخصية والجماعية والجهوية والوطنية، والمصالح الداخلية والخارجية، موضوع فيه وقفة نظر. فسلاح الثوار ضمان مهم لسيرورة الثورة نحو اهدافها الوطنية، ولمنع اي انحراف او سرقة للثورة من اي طرف كان. الاطراف المتربصة كثيرة، اخطرها تكالب مراكز قوى النظام المنهار، المستميتة للمحافظة على مواقعها ومصالحها الغير شرعية، والمرتعبة من شبح الملاحقة القضائية.

المجتمع الليبي مجتمع بشري كأي مجتمع اخر، وليس مجتمع ملائكي مثالي. مجتمع طبيعي تتنازعه التوجهات والحسابات والمصالح. مجتمع لم يخبر التسويات والتوزانات بين تعدد المشارب وتنوع الاراء وتنافس المصالح، ولا زال في مرحلة الحبو والمران على معالجة الاختلافات بالاساليب السلمية والوسائل الديمقراطية. ولهذا تطورت البشرية نحو تبني السلوك الديمقراطي.

إلا ان الخطير هو انتشار التسريبات عن محاولات لسحب مظلة الشرعية من الثوار عبر تصعيد المطالب بتعجيل نزع اسلحة الثوار بدعوى اسبقية الامن والامان لدى المواطن والشارع. ولكن، ماذا عن جيوب وفلول النظام، فمن سيتصدى لها؟ فتواجد المظاهر المسلحة للثوار رسالة امان اهم، ومراسلة ترهيب وتحذير لمن تسول له نفسه بالتمرد وخلق البلبلة والاضطراب او تحريف مسار الثورة، بان الثوار بالمرصاد. فمزايا استمرار تسلح الثوار في هذه المرحلة اكثر بكثير من عيوبها. وخصوصا، ان ممارسات الثوار اظهرت حكمة وحنكة في استخدام السلاح في الظروف المستدعية والاوجهة المطلوبة. اما الحالات النادرة لسوء استخدام السلاح، فهي متوقعة احصائيا، ونتائج حوادثها ضمن النطاق المقبول. مع ضرورة التذكير بالظرف العصيب الذي تمر به ليبيا، وهو الاقرب الى تصنيفه بانه "انهيار وتغيير النظام في حرب اهلية"، حسب المتعارف عليه دوليا. وبالتالي وجب التقييم والمتابعة باحتساب المعطيات والظرف والمخرجات. ومن ذلك التهيئة والاستعداد باستحداث آلية تدخل سريع لاحتواء الازمات الناشئة عن احتكاك السلاح.

إلا ان المبالغة مصدرها اطراف تهول الموضوع اعلاميا وسياسيا في بروباغندا قاتمة تهدف لقلب تعاطف الشارع على الثوار، لاضعافهم وتهيمشيهم سياسيا واجتماعيا.

من ذلك احاديث "المرابيع" الرائج والمتوجس عن محاولات ضباط كبار السعي لاعادة تدشين وتموضع مراكز قوى لفرض اجندات وتوازنات سياسية بدعوى ومبرر اعادة بناء القوات المسلحة. حيث لوحظ في الاونة الاخيرة جهود محمومة لاستدعاء الضباط والجنود لالتحاق بثكناتهم. الممانعة او النقد ليست في اعادة بناء القوات المسلحة لاستلام مهامها للمشاركة في حماية حدود وامن الوطن. ولكن المثير للتنبيه، ان اعادة بناء القوات المسلحة من جديد يجب ان يسبقه تأسيس قاعدي واتفاق سياسي واجماع وطني على العقيدة السياسية والطبيعة العسكرية والمهام القتالية للقوات المسلحة في ليبيا الجديدة.

وهذا يتضمن فتح الباب امام حوار وطني واسع وعميق حول الموضوع. فتاريخ شعوب العالم الثالث مؤلم ومرير من تجربة تولي العسكر للشأن السياسي بانقلابات مشبوه. وشعبنا الليبي اكثر من غيره يعرف ذلك، وهو الشعب الذي قدم التضحيات الجسام للتخلص من حكم العسكر. ولعله من المفيد التذكير بان اكثر من استمات في محاربة الشعب الليبي هم كبار الضباط، المعروفين بالضباط الاحرار. فتح الحوار يعني الارتفاع به من مستوى "المرابيع" الى قاعات اجتماع المختصين وندوات الساسة ومجالس المثقفين ومنابر الاعلاميين. إلا ان المشهد المؤسف هو استبعاد اصحاب الشأن، واحتكار الاعلام الذي يتجه باضطراد نحو الدعاية السياسية والانتخابية واستثمار المال السياسي.

كما ان الداعي يستوجب التفكير في تطوير عقيدة وآلية وهيكلية المجلس العسكري نحو استحداث جهاز او مؤسسة كأن يشكل مجلس عسكري مركزي للثورة، يحمي الثورة واهدافها، مستفيدا من التجارب التاريخية الايجابية، ومتجنبا لتجارب الحرس الثوري في الانظمة الشمولية، مع تحديد مدة زمنية معقولة تدريجية لحله ودمجه، بعد استقرار الامور وعموم السلم الاهلي وتحقيق الثورة لاهدافها الاساسية.

الدعوة ملحة من القيادة السياسية والمجلس العسكري الاعلى ووزارة الدفاع وقيادة الجيش الوطني للتوجه للراي العام والمجتمع المدني برؤيتها وبرامجها نحو اطلاق الحوار، حتى لا يتفاجأ الجميع بما هو غير مرغوب ولا محسوب.

وفي توصيات المؤتمر الوطني للمعارضة الليبيية لسنة 2005، والمقتبسة من ورقة "دور القوات المسلحة" نقاط جديرة بأن تكون بديات للحوار المنشود. وقد ورد في التوصيات حول دول القوات المسلحة:

1) الدفاع عن السيادة الوطنية وحماية التراب الوطني ووحدة الأراضي الليبية. دور القوات المسلحة الوطنية في الدولة الدستورية الديمقراطية المنشودة على الحفاظ على سيادة الوطن وحماية حرمة أرضيه ووحدته الوطنية.

2) التأكيد على أهمية المؤسسة العسكرية للدولة والمجتمع، وفي أداء رسالتها ومهمتها.

3) الاهتمام بالقوات المسلحة تجهيزا وتدريبا وإدارة، وتطوير قدراتها وأدائها في إطار دورها المناط بها.

4) الإشادة بدور القوات المسلحة في خدمة قضايا الشعب الليبي، والتي تمثلت في المحاولات المستمرة التي بذلها رجالها لتغيير الوضع الدكتاتوري القائم.

5) اقتصار دور القوات المسلحة على المهام المناطة بها، وعدم جواز استخدام القوات المسلحة في تقويض المؤسسات الشرعية والدستورية.



والله والوطن والثورة من وراء القصد.




ابراهيم قراده (ادرار نفوسه)


igrada@yahoo.co.uk

10 اكتوبر 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق