الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

د.الهادي بوحمره : من معوقات بناء دولة حديثة (1) القبائلية


من معوقات بناء دولة حديثة

(1)

القبائلية

من أهم نتائج غياب التجارب السياسية الجادة في ليبيا وعدم إيجاد هياكل سياسية حديثة مبنية على التعددية من الاستقلال إلي يومنا هذا تعميق الانتماء القبلي وظهور القبائلية (التعصب القبلي) التي أصبحت أهم سمات المرحلة الراهنة في مقابل تراجع عدة مفاهيم من أهمها مفهوم المواطنة. هذا الوضع –حسب وجهة نظرنا- يعتبر من أهم معوقات التطور الثقافي وبناء نظام ديمقراطي حقيقي. فالقبائلية هي خطر حقيقي يهدد أي محاولة لبناء دولة حديثة. ويمكن إجمال هذا التهديد في النقاط التالية:

أولا/

القبائلية شأنها شأن الطائفية والعرقية قائمة على الإقصاء والتمييز وبالتالي فهي تتناقض مع أهم مبادئ دولة القانون والمؤسسات القائمة على المساواة وتكافؤ الفرص.

ثانيا/

القبائلية تحول القبيلة إلي منافس للسلطة المركزية وتجعل الانتماء للقبيلة منافسا للانتماء للوطن وتضع الأعراف والتقاليد القبيلة وتقاليدها في مواجهة أعمال السلطتين التشريعية والقضائية.

ثالثا/

إذا كانت الأحزاب السياسية يفترض أن تكون مبنية على فكر ومنهج منضبط وعلى برامج يلتفت حولها بعض من الناس فان توظيف القبيلة سياسيا يفسد اللعبة السياسية بان يجعل الظاهرة الديمقراطية هي مجرد مظهر مؤسساتي سطحي قائم على الحشد العددي لتنظيم الحملات الانتخابية دون أي انضباط فكري يتيح للزعامات القبلية الاندماج من جديد في إطار يبدو ديمقراطيا. فالقبيلة لا تمتلك أي برامج سياسة أو اقتصادية واضحة المعالم حيث أن ما لديها هو- في الغالب- مجرد مطالب مصلحية ضيقة.

رابعا/

مع المد القبلي وتوظيفه في اللعبة السياسية هناك خطر ظهور تحالفات وعصبيات قبلية تقف خلف ما قد يبدو ظاهريا تحالفات حزبية مغلقة على ذاتها ومتمركزة حول نفسها وأداة للإقصاء والتهميش، الأمر الذي –غالبا- ما ينتهي باللعبة السياسية إلي نوع من المحاصصة التوافقية التي تعود وبالا على المجتمع.كما انه قد ينتهي بالمسألة برمتها إلي ظاهرة الحزب المسيطر المكون في داخله من تحالفات قبلية.

خامسا/

توظيف القبيلة سياسيا والتحول بها نحو القبائلية يفتح الباب إلي مزيد من الاحتقان السياسي ومنه إلي التوترات المولدة للعنف المتبادل.هذا بالإضافة إلي أنها قد توظف للتمرد على الدولة وقد تشكل تهديدا لوحدة التراب الوطني وقد تستعمل لإسقاط حكومات أو حتى النظام نفسه .

سادسا/

من مرتكزات الديمقراطية استقلال الفرد في الانضمام إلي أي من مكونات التعددية القائم عليها المجتمع وهو ما يناقض الفكر القبلي القائم على سلب الفرد حقه في اختيار الانضمام، لان من سماته الأساسية الواحدية ورفض التعددية.

سابعا/

سيطرة الفكر القبلي ووضعه تحت ستار حزبي يؤدي إلي تحويل الزعامات القبلية إلي زعامات حزبية تسيطر على اللعبة السياسية تستند على صيغة عرفية للشرعية مستمدة من ولاءات لدى المحكومين. هذا بالإضافة إلي أن مجتمع القبيلة هو مجتمع ذكوري قائم على اضطهاد المرأة وحرمانها من جزء من حقوقها السياسية وحتى مع إقرار هذه الحقوق والحريات في الدستور والقانون إلا أنها مع سيطرة الفكر القبلي تبقى معطلة من ناحية واقعية.



وإذا كان الأمر كذلك، فانه متى كان هناك نظر جدي لبناء دولة ديمقراطية حديثة، فان لا مجال للتهاون في مكافحة فكر القبلية فكما استغلت القبيلة من قبل النظام الشمولي يمكن استغلالها من قبل الفاعلين السياسيين في دولة ذات نظام ديمقراطي من الناحية المؤسسية. الأمر الذي يحول ما يمكن أن يحدث في تغييرات في الدولة إلي مجرد تغييرات شكلية.


لذلك كله نرى إن هناك حاجة ماسة لنسخ الولاء للقبيلة بالولاء للوطن عن طريق برامج استثنائية تكون لازمة من لوازم بناء دولة حديثة ومن ذلك بناء قانون الانتخابات على ركائز تمنع أي توظيف للقبيلة في العمل السياسي كما إن دعم التنظيمات الاجتماعية التي تتجاوز حدود القبيلة هي ضرورة من ضرورات الإصلاح الاجتماعي في الدولة للولوج إلي مضمون حقيقي للديمقراطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق