الخميس، 6 أكتوبر 2011

علي جمعة المزوغي : بلدية طرابلس وأهم أحداث القرن الماضي (1911م- 2011م)

بسم الله الرحمن الرحيم
بلدية طرابلس وأهم أحداث القرن الماضي (1911م- 2011م)


تحية وسلاما ورحمة واسعة على شهداء ليبيا الأبطال والشفاء العاجل والكامل لجرحانا المغاوير ، وندعو الله أن يجعل ليبيا بلدا آمنا مطمئنا.
بالنظر إلى أنني قد أشرفت على التسعين من العمر وقد كانت علاقتي ببلدية طرابلس منذ 1942 م كموظف غير مصنف فيما يعرف ذلك الوقت بدائرة النفوس (السجل المدني) ، ثم كعميد للبلدية في سنة 1968م  فقد رأيت لزاما علي أن أسجل بعض جوانب تطور مدينة طرابلس لفائدة الجيل الجديد الذي قد فاته معرفة ما كانت عليه المدينة خلال القرن الماضي.
لقد كان القرن موضوع البحث قرن الحوادث الهامة بالنسبة لليبيا ، إذ لم يبدإ العقد الثاني من القرن حتى قامت إيطاليا بغزو البلد مستخدمة كافة أنواع الأسلحة الحديثة آنذاك التي لم يعرفها الليبيون من قبل. لقد أبلى أجدادنا وآبائنا بلاء حسنا في مقاومة الغزو الإيطالي ، وإننا في هذا المقام لسنا بصدد التعرض للبطولات التي بذلت لمدة عشرين سنة تقريبا ، إلا أنه يمكن أن نذكر أن مدينة طرابلس لم تشهد خلال تلك المدة أي تطور يوفر الخدمات التي كانت مطلوبة في ذلك الوقت لعاصمة دولة تطل على البحر المتوسط.
إلا أنه ما إن استقر الوضع للإيطاليين في ليبيا بانتهاء المقاومة المسلحة الليبية حتى شمرت إيطاليا عن ساعد الجد ابتداء من أوائل الثلاثينيات لتنفيذ مشاريع مختلفة تحتاجها المدينة وعلى الخصوص المباني الحديثة والطرق الجديدة والدارات الأنيقة ومكاتب الإدارة وما يتطلب ذلك من شبكات الإنارة والمياه والصرف الصحي وغيرها. ولم ينته عقد الثلاثينيات حتى كانت طرابلس بحدودها الجديدة تتمتع بكل الخدمات التي تحتاجها مدينة حديثة بما في ذلك توفير شبكة غاز المدينة للطهي في بيوت السكن!!!
وإنه من سوء الطالع أو حسنه أن تقوم الحرب العالمية الثانية في أول عقد الأربعينات وكانت إيطاليا طرفا فيها فتوقفت حركة تطوير المدينة ولم تشهد بعدها تنفيذ أعمال تطوير وفق منهج مدروس ، فقد انسحبت إيطاليا من ليبيا في 1943م وانتهت الحرب كما هو معروف في سنة 1945م.
ولا يفوتنا أن نذكر أن ما قامت به إيطاليا من مشاريع في فترة الثلاثينات لم يكن من أجل السكان الليبيين ولكنه كان لمتطلبات المستعمرين ، إذ كان الهدف الرئيسي من احتلال ليبيا هوإحلال العنصر الإيطالي محل العنصر الوطني في طرابلس المطورة.
ومنذ الاحتلال البريطاني لطرابلس عام 1943م  قامت السلطات البريطانية بإدارة شؤون المدينة مستعينة بالإيطاليين في أمور البلدية الإدارية والفنية. وإنه لمن الإنصاف أن نذكر أن الإدارة البريطانية – رغم الصعوبات المالية التي كانت تواجهها بعد انتهاء الحرب – فإنها لم تأل جهدا في المحافظة على البنية التحتية في طرابلس كما تركتها إيطاليا.
لقد شهدت مدينة طرابلس خلال عقد الأربعينات سيطرة العنصر الفني والإداري الإيطالي على إدارة البلدية  وبذلك كانت سمة الولاء لإيطاليا ظاهرة في إدارة الشؤون البلدية ، ولم يحظ السكان الليبيون إلا بالقليل من خدمات البلدية في أحيائهم التي كانت في حاجة إليها . ولقد زاد هذا الوضع حدة عندما تجددت مطامع إيطاليا بإشاعة عودتها لإدارة البلاد وفقا لمشروع بيفن - سفورسا الذي فشل عند التصويت عليه في الأمم المتحدة في سنة 1951م وانتزعت بذلك ليبيا اعتراف الأمم المتحدة لها بالاستقلال الكامل.
وما أن حل عقد الخمسينات وحظيت ليبيا باستقلالها وأخذ الليبييون زمام أعمال البلدية واجهتهم مشكلة المحافظة على خدمات المدينة كما تركتها الإدارة البريطانية وذلك بسبب شح  الموارد المالية و ندرة العنصر الوطني المدرب فنيا وإداريا وعدم اتفاق كثير من الليبيين على اختيار طرابلس عاصمة للمملكة. ولأنه لمن الجدير بالإشارة أن العمداء الخمسة المتعاقبين في فترة العهد الملكي استطاعوا بجدهم وعزيمتهم على أن يقوموا بما يمكن أن يقوموا به للحفاظ على المدينة بشكل سليم.
وما أن ظهرت بشائر اكتشاف النفط حتى قامت حركة بناء كبيرة من الدارات والعمارات للسكن والمكاتب الحديثة في ضواحي المدينة إلى جانب حركة بناء عشوائي لتوفيرالسكن لكثير من المواطنين الذين هجروا الدواخل للإقامة في طرابلس. ولقد استمر البناء العشوائي بدون تخطيط ولا إشراف من السلطات البلدية إلى يومنا هذا.
ومن المؤسف أن تنكب البلاد في الأربعة عقود الأخيرة بانقلاب القذافي الذي ساهم في زيادة تخلف المدينة بسبب العبث في تسيير كافة أمورها واستمرت الفوضى حتى أزيل نظام القذافي حديثا من قبل تعاون ثوار طرابلس مع إخوانهم من كل أنحاء ليبيا.
فيما تقدم أوجزنا باختصار كبير ما شهدته بلدية طرابلس طيلة التسعين سنة الماضية ويتضح أن المدينة لم تنعم بمنهج يذكر لتطويرها إلا في فترة الثلاثينيات . كما يتضح أيضا أن الليبيين قد أمسكوا بزمام إدارة المدينة في فترتين الأولى فترة الحكم الملكي والثانية فترة الحكم القذافي. وبالرغم من أن الحكم الملكي كان قد أعطى للعنصر الوطني حق الإشراف المطلق على شؤون المدينة إلا أن ندرة العنصرالوطني المؤهل فنيا وإداريا مع قلة الموارد المالية وعدم الاعتراف بطرابلس عاصمة لليبيا من كثير من الليبيين كانت كلها أسبابا حالت دون تطوير المدينة وفق منهج مقرر.
إن القصور في تطوير المدينة في فترة الحكم الملكي مبرر للأسباب التي ذكرت آنفا إلا أن التقصير في فترة حكم القذافي الطويلة في تطوير المدينة وقد تيسرت لها كل الأسباب لذلك يجعل النظام مسؤولا على تخلف الخدمات البلدية في المدينة عن ركب الحضارة في مدن المنطقة.
هذا وإن المستقبل المشرق الذي ننتظره بمشيئة الله قد وضعنا أمام طريق لتطوير عاصمتنا بما وُفر لنا من أسباب العمل لتنفيذ برنامج متناسق مدروس للمدينة. إن متطلبات تطوير العاصمة –كما قيل سابقا- والمتمثلة في الموارد المادية والخبرة الفنية والإدارية وإجماع الليبيين على أن طرابلس هي عاصمتهم الأبدية ، كلها مجتمعة صارت – والحمد لله – متوفرة لدينا لإصلاح ما فسد وتوفير ما يجب توفيره من خدمات.
لقد أجمع العالم في سنة 1951م على استقلال ليبيا وأجمع في 2011م على تحرير ليبيا من حكم غاشم وأصبحت ليبيا بذلك تتمتع بحرية كاملة في إدارة شؤونها . وكأني بالعالم ينظر إلينا ماذا نحن فاعلون فيما يتعلق بإدارة أمورعاصمتنا وأن الأجيال المقبلة ستذكر يوما ما ما عملنا لصالحهم بعد أن توفرت لنا كل أسباب ووسائل النجاح..... التاريخ سيحكم لنا أو علينا.
 والله ولي التوفيق

يتبع في الحلقة القادمة
علي جمعة المزوغي
                                                     آخر عميد لبلدية طرابلس في العهد الملكي
05/10/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق