الاثنين، 3 أكتوبر 2011

الدكتور محمَّد أحمد الوليد : جهاد المجالس ونبذ الخوض في حديث الفتنة (1)



         محمَّد أحمد الوليد
 الحمد لله ربِّ العالمين ، والصَّلاة والسَّلام على سيِّد المرسلين ، وعلى آله وصحبه الطيِّبين ، أمَّا بعد :
    فإنَّه قد كثُر في هذه الأيامِ الحديثُ في بعض المجالس والتَّجمُّعات عمَّا يُقال عن نكران أَهلنا في مصراته المجاهدة لفضل مدن الشَّرق في مساندتهم وتخفيفِ العبء عنهم ، وأنَّهم يُريدون الوزارات ، ويكنزون السِّلاح ، ولقد سُئلت عن حكم الخوض في مثل هذه الأحاديث من حيث الكذب والحقيقة ، والمصلحة والمفسدة ،  والْحِلِّ والْحُرمة ، فأقول مستعيناً بالله -تعالى- راجياً التَّوفيق والسَّداد  :

أوَّلاً : إنَّ القول بأنَّ إخواننا في مصراتة أنكروا فضل الشَّرق وأهله لم نسمعْه من مُمثلي مصراته بالمجلس الوطنيِّ الانتقاليِّ ، ولا من قادتهم الشَّرعيين في مجلسهم المحلِّيِّ ، بل المسموع منهم هو خلاف ذلك ، فهم يقرُّون بفضل النَّاس عليهم ، ولقد سمعتُ ممَّن أثقُ في قوله يقول : إنَّهم سيقومون قريباً بتكريم الشُّهداء الَّذين استشهدوا من المدن الأخرى بمدينتهم ، وفي مقدِّمتها المنطقةُ الشَّرقيَّة ، وبيَّنوا أن الكلام بخلاف ذلك هو إمَّا من بعض الجهلة الذين لا يمثِّلون مئات الآلاف من أبناء مصراته ،وإمَّا من أعوان الظالم وأوباشه ، وآسَفهم تَكراره على ألسنة بعض النَّاس هنا  ، فإن يكن خرج أحدٌ من مصراته وقال كلمةً جاحدة  فإنها لا تعبِّر عن مصراته بأكملها .
ثانياً : إنَّ إعانة المناطق الشَّرقيَّة والغربية لأهل مصراته فرضٌ شرعيٌّ ، وواجبٌ أخلاقيٌّ ، لا مِنَّة فيه لمسلم على أخيه المسلم ، ( فالمسلم أخو المسلم ) ،  فهم قد هُدِّمت بيوتهم ، واستُبيحت أعراضُهم ، ونُهِبت أموالُهم ، وزُهقت أرواحُهم ، وأُتلفت ممتلكاتُهم ، فالوقوف إلى جانبهم تدعو إليه النُّصوص الشَّرعيَّة الصَّريحة ، ولا يصحُّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر رأى هذا الإجرامَ وهبَّ لنجدة إخوانه ، أن يَمُنَّ بمساعدةٍ ، أو يطلب المكافأةَ ، أو ينتظر الإشادة ، فإنَّما كان جهاده لنُصرةِ المظلوم  ، ودفعاً للبُغاة ، وإظهاراً للحق ، وعملاً بالمروءة ، ولقد رأينا كثيراً من المجاهدين الَّذين منَّ الله - تعالى- عليهم بالذَّهاب إلى هناك لا يخوضون في هذه الأحاديث الْمُظْلِمة خوف بطلان العمل وفوات الأجر.
ثالثاً : وجب على إخواننا في مصراته من أهل العقول الرَّاجحة ، والمكانة الاجتماعيَّة الصَّالحة أن يقيِّدوا ألسنة الجهلة ، ويبرزوا وجوها نيِّرةً ، تجمع ولا تفرِّق ، تُصلح ولا تفسد ، وأن يسدُّوا الأبواب على كلِّ دعاة الفتنة ، وطلَّاب السُلطة والفرقة .
رابعاً : إنَّ الخوض في تلك الحكايات والتَّحليلات الخاصة بهذا الشَّأن كالقول بأنَّ فلاناً قد قال كذا وأنَّه يشير إلى كذا ، رأينا يقيناً أنه يترتَّب على الخوض فيها انقسامُ في المجالس ، وتزيدُ الكراهية ، وتُضيِّعُ المصلحةَ ، وتُضعِفُ القوَّة ، وتُزهِقُ روح والمودَّة  وترتفعُ بها أصوات اليمين الفاسِقة  ، فهي أحاديثُ لا تأتي بخير ، ولا تُعين على معروف ، بل تخلُط المسيء بالمحسن ، والبريء بالظالم ، وتحكم على الناس جميعا رجماً بالغيب  ، ولهذا فإنَّه لا يصحُّ شرعا الخوض في تلك الأباطيل  ، فأعراضُ المسلمين وذممُهم مصونة ، ،والمسلم يَزِن كلماتِه ، ينطق بالحقِّ الواضح ، وينفعُ بالموعظة الحسنة ، ويجمع بالكلمة الطيبة ،ويسكت عمَّا لا يعود على أمَّته بالمصلحة ، وينبذُ حملَ حَطَب الفتنة والفُرقة ، ولهذا وجب ألا نخوض في تلك المجالس المذمومة ، بل يتعيَّن الآن في كل مجلس الجهادُ بالكلمة الطيِّبةِ الصَّادقة التي ﴿ تُؤتي أُكُلَها كلَّ حين بإذن ربها﴾ ، وقد قال تعالى ناهياً عن غيبة المسلمين بعضهم بعضاً ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ ، وقال داعياً إلى ما يفيد المسلمين ولا يهلكهم :﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ وقال آمراً عباده بالخير  :﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾  وقال - صلى الله عليه وسلم - في تعريف المسلم  ( المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده ) ، وقال في دفع كلَّ ضرر قد يلحق بالمسلمين  : ( لا ضَرَر ولا ضرار ) ، وقال ناهياً عن تعيير المسلمين بعضهم بعضا ، ولو كان في بعضهم صفة ذميمة :( وإن امرؤ عيَّرك بشيءٍ يعلمه فيك فلا تعيِّره بشيء تعلمه فيه ، ودَعْه يكون وباله عليه ( أي : سوء عاقبته ) وأجره لك ، فلا تسبنَّ شيئاً ) ، وقال متوعِّدا من تتبَّع أخطاء الناس وعوراتهم: ( لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته ) وقال في التزام النفع وتجنُّب ما يضرُّ :( إن عيسى قال : إنما الأمور ثلاثة : أمر تبيَّن لك رُشده فاتَّبعه ، وأمر تبيَّن لك غيُّه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فردَّه إلى عالمه ) ، وقال :( ليس منَّا من دعا إلى عصبية )  وقال حجة الإسلام الغزالي - رحمه الله - في فتاويه : إن غيبة الكافر محذورة لِعِلل منها : تضييع الوقت بما لا يفيد  فما بالك بغيبة المسلم ، وقال ابن حجر الهيثمي في زواجره :" وكل من رأيته سيء الظن بالنَّاس طالباً لإظهار معايبهم فاعلم أنَّ ذلك لخبث باطنه وسوء طويَّته فإنَّ المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه "
  جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وصلى الله على حبيبه محمَّد وعلى آله وصحبه  
                                             الدكتور محمَّد أحمد الوليد

اقرأها واعمل بها وانشرها بين إخوانك تؤجر  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق