محمَّد أحمد الوليد
الحمد لله ربِّ العالمين ، والصَّلاة والسَّلام على سيِّد المرسلين ، وعلى
آله وصحبه الطيِّبين ، أمَّا بعد :
فإنَّه قد كثُر في هذه
الأيامِ الحديثُ في بعض المجالس والتَّجمُّعات عمَّا يُقال عن نكران أَهلنا في
مصراته المجاهدة لفضل مدن الشَّرق في مساندتهم وتخفيفِ العبء عنهم ، وأنَّهم يُريدون
الوزارات ، ويكنزون السِّلاح ، ولقد سُئلت عن حكم الخوض في مثل هذه الأحاديث من
حيث الكذب والحقيقة ، والمصلحة والمفسدة ، والْحِلِّ والْحُرمة ، فأقول مستعيناً بالله -تعالى-
راجياً التَّوفيق والسَّداد :
أوَّلاً : إنَّ القول بأنَّ
إخواننا في مصراتة أنكروا فضل الشَّرق وأهله لم نسمعْه من مُمثلي مصراته بالمجلس
الوطنيِّ الانتقاليِّ ، ولا من قادتهم الشَّرعيين في مجلسهم المحلِّيِّ ، بل
المسموع منهم هو خلاف ذلك ، فهم يقرُّون بفضل النَّاس عليهم ، ولقد سمعتُ ممَّن
أثقُ في قوله يقول : إنَّهم سيقومون قريباً بتكريم الشُّهداء الَّذين استشهدوا من
المدن الأخرى بمدينتهم ، وفي مقدِّمتها المنطقةُ الشَّرقيَّة ، وبيَّنوا أن الكلام
بخلاف ذلك هو إمَّا من بعض الجهلة الذين لا يمثِّلون مئات الآلاف من أبناء مصراته ،وإمَّا
من أعوان الظالم وأوباشه ، وآسَفهم تَكراره على ألسنة بعض النَّاس هنا ، فإن يكن خرج أحدٌ من مصراته وقال كلمةً جاحدة فإنها لا تعبِّر عن مصراته بأكملها .
ثانياً : إنَّ إعانة
المناطق الشَّرقيَّة والغربية لأهل مصراته فرضٌ شرعيٌّ ، وواجبٌ أخلاقيٌّ ، لا مِنَّة
فيه لمسلم على أخيه المسلم ، ( فالمسلم أخو المسلم ) ، فهم قد هُدِّمت بيوتهم ، واستُبيحت أعراضُهم ، ونُهِبت
أموالُهم ، وزُهقت أرواحُهم ، وأُتلفت ممتلكاتُهم ، فالوقوف إلى جانبهم تدعو إليه
النُّصوص الشَّرعيَّة الصَّريحة ، ولا يصحُّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر رأى
هذا الإجرامَ وهبَّ لنجدة إخوانه ، أن يَمُنَّ بمساعدةٍ ، أو يطلب المكافأةَ ، أو
ينتظر الإشادة ، فإنَّما كان جهاده لنُصرةِ المظلوم ، ودفعاً للبُغاة ، وإظهاراً للحق ، وعملاً
بالمروءة ، ولقد رأينا كثيراً من المجاهدين الَّذين منَّ الله - تعالى- عليهم بالذَّهاب
إلى هناك لا يخوضون في هذه الأحاديث الْمُظْلِمة خوف بطلان العمل وفوات الأجر.
ثالثاً : وجب على
إخواننا في مصراته من أهل العقول الرَّاجحة ، والمكانة الاجتماعيَّة الصَّالحة أن
يقيِّدوا ألسنة الجهلة ، ويبرزوا وجوها نيِّرةً ، تجمع ولا تفرِّق ، تُصلح ولا
تفسد ، وأن يسدُّوا الأبواب على كلِّ دعاة الفتنة ، وطلَّاب السُلطة والفرقة .
رابعاً : إنَّ الخوض في
تلك الحكايات والتَّحليلات الخاصة بهذا الشَّأن كالقول بأنَّ فلاناً قد قال كذا
وأنَّه يشير إلى كذا ، رأينا يقيناً أنه يترتَّب على الخوض فيها انقسامُ في المجالس
، وتزيدُ الكراهية ، وتُضيِّعُ المصلحةَ ، وتُضعِفُ القوَّة ، وتُزهِقُ روح
والمودَّة وترتفعُ بها أصوات اليمين الفاسِقة ، فهي أحاديثُ لا تأتي بخير ، ولا تُعين على
معروف ، بل تخلُط المسيء بالمحسن ، والبريء بالظالم ، وتحكم على الناس جميعا رجماً
بالغيب ، ولهذا فإنَّه لا يصحُّ شرعا
الخوض في تلك الأباطيل ، فأعراضُ المسلمين
وذممُهم مصونة ، ،والمسلم يَزِن كلماتِه ، ينطق بالحقِّ الواضح ، وينفعُ بالموعظة
الحسنة ، ويجمع بالكلمة الطيبة ،ويسكت عمَّا لا يعود على أمَّته بالمصلحة ، وينبذُ
حملَ حَطَب الفتنة والفُرقة ، ولهذا وجب ألا نخوض في تلك المجالس المذمومة ، بل يتعيَّن
الآن في كل مجلس الجهادُ بالكلمة الطيِّبةِ الصَّادقة التي ﴿ تُؤتي أُكُلَها كلَّ
حين بإذن ربها﴾ ، وقد قال تعالى ناهياً عن غيبة المسلمين بعضهم بعضاً ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا
أَنفُسَكُمْ ﴾ ، وقال داعياً إلى ما يفيد المسلمين ولا يهلكهم :﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى
الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ
اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ وقال آمراً عباده بالخير :﴿
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ وقال - صلى
الله عليه وسلم - في تعريف المسلم (
المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده ) ، وقال في دفع كلَّ ضرر قد يلحق
بالمسلمين : ( لا ضَرَر ولا ضرار ) ، وقال
ناهياً عن تعيير المسلمين بعضهم بعضا ، ولو كان في بعضهم صفة ذميمة :( وإن امرؤ
عيَّرك بشيءٍ يعلمه فيك فلا تعيِّره بشيء تعلمه فيه ، ودَعْه يكون وباله عليه ( أي
: سوء عاقبته ) وأجره لك ، فلا تسبنَّ شيئاً ) ، وقال متوعِّدا من تتبَّع أخطاء
الناس وعوراتهم: ( لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عوراتهم
تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته ) وقال في التزام النفع
وتجنُّب ما يضرُّ :( إن عيسى قال : إنما الأمور ثلاثة : أمر تبيَّن لك رُشده
فاتَّبعه ، وأمر تبيَّن لك غيُّه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فردَّه إلى عالمه ) ،
وقال :( ليس منَّا من دعا إلى عصبية ) وقال
حجة الإسلام الغزالي - رحمه الله - في فتاويه : إن غيبة الكافر محذورة لِعِلل منها
: تضييع الوقت بما لا يفيد فما بالك بغيبة
المسلم ، وقال ابن حجر الهيثمي في زواجره :" وكل من رأيته سيء الظن بالنَّاس
طالباً لإظهار معايبهم فاعلم أنَّ ذلك لخبث باطنه وسوء طويَّته فإنَّ المؤمن يطلب
المعاذير لسلامة باطنه "
جعلنا
الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وصلى الله على حبيبه محمَّد وعلى آله
وصحبه
الدكتور
محمَّد أحمد الوليد
اقرأها واعمل بها
وانشرها بين إخوانك تؤجر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق