الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

أيها المرابطون المجاهدون شيخ الإسلام ابن تيمية يدعوكم.


بسم الله الرّحمن الرّحيم 
فإنّه «لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدنيا والآخرة، كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في الذروة العليا منه، واستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان، وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد بقلبه، ولسانه، ويده، ولهذا كان أرفع العالمين ذكراً، وأعظمهم عند الله قدرا.
  وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه وقال: ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا * فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا }[ الفرقان : 52]، فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام قال تعالى : { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير } ( التوبة : 73 ) فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل والقائمون به أفراد في العالم والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدراً
وقد ضرب شيخ الإسلام وعلم الأعلام الإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ثم الدمشقي بسهم وافر من حسن الإتباع مع كمال القيام، إذ إنّه لم يكن قابعاً في بيته يدرس ويجمع ويكتب!، وإنّما جمع بين فضلين قلّا أن يجتمعا إلاّ في العلماء الأفذاذ.
وهما الجهاد بالسيف والسنان، وبالقلم والبيان، فقد ذكروا عنه عجباً، وكان من الشجعان النُجباء، جاهد وقمع البدعة مما علق بالدّين والسنّة بسيفه وقلمه وأنفاسه.
قال الإمام عمر البزار رحمه الله عنه:((كان رضي الله عنه من أشجع الناس وأقواهم قلبا ما رأيت أحدا أثبت جأشا منه ولا أعظم عناء في جهاد العدو منه كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده ولا يخاف في الله لومة لائم، وأخبر غير واحد أن الشيخ رضي الله عنه كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم - وقطب ثباتهم إن رأى من بعضهم هلعا أو رقة أو جبانة شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة، وبين له فضل الجهاد والمجاهدين وإنزال الله عليهم السكينة
وكان إذا ركب الخيل يتحنك ويجول في العدو كأعظم الشجعان ويقوم كأثبت الفرسان ويكبر تكبيرا انكى في العدو من كثير من الفتك بهم ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت.)) "الأعلام العلية
فقد شارك في "فتح عكّة" عام 699هـ، وأبلى بلاء يعجز الوصف عن ذكره.
وفي وقعة قازان في وادي الخزندار قرب سلمية وهي أيضاً سنة 699هــ ،عندما هجم التتار على الشام وهرب السلطان وجنده!، فقاوم التتار وتصدى لهم شيخ الإسلام ابن تيمية، قال ابن كثير يرحمه الله: ((وكلمه "أي السلطان"- الشيخ تقي الدّين كلاماً قوياً شديداً فيهم مصلحةٌ عظيمة عاد نفعها على المسلمين ولله الحمد)) "البداية والنّهاية 14/ 8
وشارك في "وقعة شقحب" المشهورة، عندما أراد التتار مداهمتها، ففزع وخاف وقلق النّاس، قال ابن كثير.:(( وفيه دخل الشيخ تقي الدين بن تيمية البلد ومعه أصحابه من الجهاد، ففرح الناس به ودعوا له وهنأوه بما يسر الله على يديه من الخير..)) البداية والنّهاية 14/  25
وقال أيضاً)) : وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس إنكم في هذه الكرة منصورون، فيقول له الأمراء: قل: إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا.

وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى ﴿ومن بغي عليه لينصرنّه الله [ الحج: 6 0 ])) البداية والنهاية.14/ 28".
هذا في جهاده بسيفه وسنانه أما جهاده بالحجة والبيان فتبدو شجاعة ابن تيمية ظاهرة جلية، فقد كان قوي القلب ثابت الفؤاد، فلم تفزعه تلك الأحوال والمخاريق، فتحدى الأحمدية، وعارضهم، في مستهل المناظرة، وقال لهم : ((أنا معارض لكم مانع لكم؛ لأنكم تقصدون بذلك إبطال شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم- فإن كان لكم قدرة على إظهار ذلك فافعلوا، فانقلبوا صاغرين )) كما في مجموع الفتاوى 11/ 448باختصار".
صاح بهم في آخرها - قائلاً: (( يا شبه الرافضة يا بيت الكذب.. أنا كافر بكم وبأحوالكم، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون)) كما في مجموع الفتاوى 11/ 448باختصار".
ولقد اعترف خصومه بشجاعته، فقالوا عنه: "هذا رجل محجاج خصِم، وماله قلب يفزع من الملوك، وقد اجتمع بقازان ملك التتر وكبار دولته، وما خافهم)) "الجامع لسيرة شيخ الإسلام ص92".
وكثيراً ما كان يقرر ويقول : (( فلا تتم رعاية الخلق وسياستهم إلا بالجود الذي هو العطاء، والنجدة التي هي الشجاعة، بل لا يصلح الدين والدنيا إلا بذلك))"السياسة الشرعية ص43".
وهذا ما جعلني أقتصر في هذه المقالة على كـلام شيخ الإسلام رحمه الله- "فقد كان رحمه الله نوراً في وجه الزمان, وسروراً في قلوب أهل الإيمان, , وأصبح شخصاً ملموحاً بعيون البصائر, ودرّك ملتقطاً بأسماع الضمائر, فحقّ على الكل أن يعرفوا حقّه إن كانت لهم أفهام تقدر قدره, وأن يستضيئوا بنوره إن كانت لهم أبصار تثبت للنور فجره.
وأرى لهم أن يكتبوا أنفاسه  إن كانت الأنفاس مما يكتب
سمع الدعاء إلى الفلاح فوثب, وقلّب الله قلبه إلى الحق فانقلب؛ من غير ترهيب استفزه, ولا ترغيب هزه, ولا مناظرة غيّرته, ولا محاسدة اعترته, بل توفيق من الله إلهي, وإلهام سماوي, سهّل عليه مفارقة العادة وما نشأ عليه بدءاً وإعادة, وإن أمراً هذا أوله؛ فعواقبه عن النجاح مسفرة, وقصداً هذا مبتدؤه, فغوارسه مثمرة>>
وهذا ما جعلني أقتصر في هذه المقالة على كلامه رحمه الله، وقد قمت بجمعها وكتابتها لإخواني الّذين يرابطون في الجبهات، ضدّ قوات أكبر طغاة هذا الزمان..
فبدأت بذكر فوائد الجهاد في سبيل الله ليكون التحفيز له أثره..
ثم ثنيت بذكر الشروط والأحكام والضوابط في القتال والمقاتلة..
فأسأل الله بأسمائه وصفاته أن يرحمنا ويرحم شيخ الإسلام، وأن يسدد بالحق والإخلاص أقوالنا وأفعالنا، وأن يحسن خاتمتنا.
فبدأت بذكر تعريف الجهاد ثم فضائله، ثم بذكر أحكامه وشروطه وضوابطه.. 
تعريف الجهاد:
فقد انحصرت أقول أهل العلم في تعريف الجهاد على مقاتلة الكفار والمشركين، وزاد بعضهم على جهاد النفس والمنافقين.
وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية كعادته دقيقاً في تعريفاته وتقعيداته، فقال رحمه الله :(( والجهاد هو بذل الوسع، وهو القدرة في حصول محبوب الحق، ودفع ما يكرهه الحق)) "مجموع الفتاوى 10/ 192".
وقال أيضاً: ((وذلك لأنّ الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان)) 10/ 191"
فيدخل تحت هذا التعريف العام جهاد النفس على فعل الطاعات، وترك المعاصي والزلات، وجاد الكفار والمنافقين بالسيف والسنان، والحجة والبيان، من أمر بمعروف ونهي عن منكر. 
فوائد الجهاد وفضائله:
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((والأمر بالجهاد وذكر فضائله في الكتاب والسنة أكثر من أن يحصر)) "السياسة الشرعية ص159".
وقال أيضاً: ((فإنّ نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدّين والدنيا، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة، فإنّه مشتمل من محبة الله تعالى والإخلاص له والتوكل عليه وتسليم النفس والمال له والصبر والزهد وذكر الله وسائر أنواع الأعمال على مالا يشتمل عليه عمل آخر)) "السياسة الشرعية "
وقد تفنن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في استنباط فضل المجاهد في سبيل الله، وكان له ذاك من خلال سبره وقوة تمكنه ونظره في الآيات والأحاديث التي نصت عليه، فمن ذلك.
الفائدة الأولى: أن الجهاد من الأعمال التي هي أفضل ما تطوع به العبد إلى ربّه سبحانه، بل هي أفضل ممن أدى الحج والعمرة تطوعاً.
قال رحمه الله: ((والجهاد أفضل ما تطوع به الإنسان وتطوعه أفضل من تطوع الحج وغيره كما قال تعالى:﴿ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين* الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون* يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم﴾ )) مجموع الفتاوى 28/ 12".
الفائدة الثانية:أن الجهاد هو دليل على محبة العبد لسيده وربه سبحانه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((فمن كان محبًا لله لزم أن يتبع الرسول فيصدقه فيما أخبر، ويطيعه فيما أمر، ويتأسى به فيما فعل، ومن فعل هذا فقد فعل ما يحبه الله، فيحبه الله، فجعل الله لأهل محبته علامتين: اتباع الرسول.. والجهاد في سبيله، وذلك لأن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح؛ ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان وقد قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾(التوبة: من الآية24). فتوعد من كان أهله وماله أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله بهذا الوعيد..)) "الفتاوى 28/
وقال أيضاً: ((والجهاد دليل المحبة، فإن المحبة مستلزمة للجهاد؛ لأن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضاه ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به وينهى عما ينهى عنه، فهو موافق له في ذلك، وهؤلاء هم الذين يرضى الرب لرضاهم ويغضب لغضبهم؛ إذ هم إنما يرضون لرضاه ويغضبون لما يغضب له)) "الفتاوى 28/  "
الفائدة الثالثة:أنّ في الجهاد خير الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة.
وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية رحمه الله: ((وفضائل الأعمال وثوابها وفوائدها ومنافعها كثير في الكتاب والسنة، من هذا النمط كقوله في الجهاد يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار إلى قوله وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب فبين ما فيه من دفع مفسدة الذنوب ومن حصول مصلحة الرحمة بالجنة فهذا في الآخرة وفى الدنيا النصر والفتح وهما أيضاً دفع المضرة وحصول المنفعة ونظائره كثيرة)) الفتاوى 20/ 194".
ويقول أيضاً: ((والقائم به من الشخص والأمة بين إحدى الحسنتين دائما إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة، فإن الخلق لابدّ لهم من محيا وممات، ففيه استعمال محياهم ومماتهم في غاية سعادتهم في الدنيا والآخرة، وفى تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما، فإنّ من النّاس من يرغب في الأعمال الشديدة في الدّين أو الدنيا مع قله منفعتها، فالجهاد أنفع فيهما من كل عمل شديد، وقد يرغب في ترفيه نفسه حتى يصادفه الموت فموت الشهيد أيسر من كل ميتة وهى أفضل الميتات)) "الفتاوى 28/ 354".
الفائدة الرابعة:أن الجهاد توجب هداية السبيل، والبعد عن بنيات الطريق، يقول ابن تيمية: ((ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التى هى محيطة بأبواب العلم، كما دل عليه قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: "إذا إختلف الناس فى شىء فإنظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" لأن الله يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا..)) "الفتاوى 28/ 442".
الفائدة الخامسة:أن الجهاد يرفع الظلم عن النفس وعن الغير، قال ابن تيمية رحمه الله: ((الذنوب كلها ظلم فإما ظلم العبد لنفسه فقط أو ظلمه مع ذلك لغيره فما كان من ظلم الغير فلا بد أن يشرع من عقوبته ما يدفع به ظلم الظالم عن الدين والدنيا كما قال تعالى أذن اللذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير فجعل السبب المبيح لعقوبة الغير التي هي قتاله أنهم ظلموا؛ وقال ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين﴾ فبين أن الظالم يعتدي عليه أي بتجاوز الحد المطلق في حقه وهو العقوبة وهذا عدوان جائز،كما قال تعالى: ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ..))"الفتاوى 28/ 182"
الفائدة السادسة:في الجهاد كمال النفع للخليقة، يقول ابن تيمية: ((وكذلك وصف الأمة بما وصف به نبيها حيث قال ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله وقال تعالى ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولهذا قال أبو هريرة:"كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في الأقياد والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة"، فبين سبحانه أن هذه الأمة خير الأمم للناس فهم أنفعهم لهم وأعظمهم إحساناً إليهم، لأنهم كملوا أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر من جهة الصفة والقدر، حيث أمروا بكل معروف ونهوا عن كل منكر لكل أحد وأقاموا ذلك بالجهاد في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم وهذا كمال النفع للخلق )) "الفتاوى 28/ 123".
الفائدة السابعة:أنّ أهل الجهاد معظمون عند الله سبحانه، يقول ابن تيمية: ((وكذلك تعظيمه وتعظيم وأهله في سورة الصف التي يقول فيها: ﴿يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين﴾..)) الفتاوى 28/ 315".
الفائدة الثامنة: أن بالجهاد تجديد الدين، وإحياء سنّن السابقين الأولين من الصحابة والتابعين، قال ابن تيمية في رسالته للملك النّاصر عندما قدم التتار سنة 669هـ إلى حلب: ((واعلموا أصلحكم الله أنّ من أعظم النّعم على من أراد الله به خيراً أن أحياه إلى هذا الوقت الذي يجدد الله فيه الدّين ويحيى فيه شعار المسلمين وأحوال المؤمنين والمجاهدين، حتى يكون شبيها بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فمن قام في هذا الوقت بذلك كان من التابعين لهم بإحسان الذين ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنّات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، ذلك الفوز العظيم فينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله تعالى على هذه المحنة التي حقيقتها منحة كريمة من الله وهذه الفتنة التي في باطنها نعمة جسيمة)) "الفتاوى 28/ 420".
الفائدة التاسعة:الجهاد سبب في نبد العصبية والحزبية الأقليمية، يقول ابن تيمية: ((وكذلك من أراد أن يكفر الله عنه سيئاته في دعوى الجاهلية وحميتها فعليه بالجهاد، فإن الذين يتعصبون للقبائل وغير القبائل مثل قيس ويمن وهلال وأسد ونحو ذلك كل هؤلاء إذا قتلوا فإن القاتل والمقتول في النار كذلك صح عن النبي أنه قال: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار وقيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال انه كان حريصا على قتل أخيه" أخرجاه في الصحيحين وقال "من قتل تحت راية عمّية يغضب لعصبية ويدعو لعصبية فهو في النار" رواه مسلم..)) "الفتاوى 28/ 422".
الفائدة العاشرة: أنّ الله يذهب بالجهاد الهمّ والغم، ذكر الإمام ابن تيمية: ((أن قوله تعالى: ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ دليل على أن شفاء الصدور من ألم النكث والطعن وذهاب الغيظ الحاصل في صدور المؤمنين من ذلك أمر مقصود للشارع مطلوب الحصول، وأن ذلك يحصل إذا جاهدوا كما جاء في الحديث المرفوع: "عليكم بالجهاد فإنه باب من أبواب الله يدفع الله به عن النفوس الهم والغم"..)) "الصارم المسلول 2/46"
الفائدة الحادية عشرة: أنّ الجهاد سبب من أسباب التخلص من الحرام، والتوبة والأوبة للعزيز الغفار، يقول ابن تيمية: ((ومن كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد فإن الله عز و جل يغفر ذنوبه كما أخبر الله في كتابه بقوله سبحانه وتعالى: ﴿يغفر لكم ذنوبكم ومن أراد التخلص من الحرام والتوبة ولا يمكن رده إلى أصحابه فلينفقه في سبيل الله عن أصحابه فان ذلك طريق حسنة إلى خلاصه مع ما يحصل له من اجر الجهاد.)) "الفتاوى 28/ 421"
الفائدة الثانية عشر: أن الجهاد من أعظم الأمور التي تعين على تربية النفوس وتزكيتها عند خالقها، يقول ابن تيمية: ((ولهذا كان الجهاد سنام العمل، وانتظم سنام جميع الأحوال الشريفة؛ ففيه سنام المحبة، كما في قوله: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة: من الآية54]، وفيه سنام التوكل وسنام الصبر؛ فإن المجاهد أحوج الناس إلى الصبر والتوكل؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:41-42].
وقال تعالى: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [لأعراف:128].)) "الفتاوى 28/ 422".
الفائدة الثالثة عشرة:في الجهاد سبب في تأليف قلوب المسلمين، قال ابن تيمية: ((ومتى جاهدت الأمة عدوها ألف الله بين قلوبها، وإن تركت الجهاد شغل بعضها ببعض)) "جامع المسائل 300"
الفائدة الرابعة عشرة: الجهاد يعلم الشجاعة والإقدام وتركه صفة من صفات الخور والجبن، قال ابن تيمية: ((المنايا محتومة، فكم ممن حضر الصفوف فسلم، وكم ممن فر من المنية فصادفته، كما قال خالد بن الوليد لما احتضر: "لقد حضرت كذا وكذا صفاً، وإن ببدني بضعا وثمانين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء.." )) "الفتاوى 28/ 455".
الفائدة الخامسة عشرة:الجهاد فيه مغفرة الذنوب، قال ابن تيمية: ((ومن كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد فان الله عز و جل يغفر ذنوبه كما أخبر الله في كتابه بقوله سبحانه وتعالى:﴿يغفر لكم ذنوبكم.)) "الفتاوى 28/ 421"
هذه بعض فوائد من قام بهذه الفضيلة العظيمة..
لكن مما ينبغي أن يدركه ويعيه من أراد القيام بواجب الجهاد أمــور مشهور منثورة في كتب أهل العلم، وقد حاولت الاقتصار على ما يحتاجه إخواننا في الجبهات :

فمقاصد الجهاد تدور في ثلاث محاور:
المطلب الأول: إخلاص العمل لله سبحانه وتعالى،  فهي أس العمل وعليه أصل الجهاد وغايته، فلا يدعى إلاّ لله، ولا يُخاف إلاّ الله، ولا يتوكل إلاّ على الله، ولا ينصر إلاّ الله، ولا يرزق إلاّ الله، ولا يعين إلاّ الله، وأن يكون المقصد أولاً وأخراً بأن تكون كلمة الله هي العليا.
يقول ابن تيمية: ((الجهاد مقصوده أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كله لله فمقصوده إقامة دين الله لا استيفاء الرجل حظَّه، ولهذا كان ما يصاب به المجاهد في نفسه وماله أجره فيه على الله؛ فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة..)) "الفتاوى 28/ 354".
وقال أيضاً: ((
المطلب الثاني: من مقاصد الجهاد العقوبة على ترك الواجبات، وفعل المحرمات، يقول ابن تيمية : ((وكذلك من جحد سائر الواجبات المذكورات والمحرمات التي يجب القتال عليها فالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات هي مقصود الجهاد في سبيل الله، وهو واجب على الأمة بالاتفاق كما دل عليه الكتاب والسنة)) "الفتاوى 28/ 308".
المطلب الثالث: الجهاد مقصود حتى لا تكون فتنة، ويكون الدّين كله لله، وسواء كان الجهاد جهاد دفع أو جهاد طلب فإن المقصود من الجهادين واحد.
فإن جهاد الدفع قصد لرفع الفتنة عن المسلمين لمن اعتدى عليهم في ديارهم؛ لأن في استيلاء الكفار أو الظلمة على ديار المسلمين تعريضًا للمسلمين للفتنة في دينهم وأعراضهم وأموالهم..
وأما جهاد الطلب فالأمر فيه واضح وجلي؛ حيث إن مقصود المسلمين في طلبهم للكفار وفتح ديارهم إنما هو لرفع الفتنة - وهي الشرك - عن الناس في بلدانهم وليكون الدين فيها لله عز وجل وليس للكافرين والمشركين والطواغيت الذين يستعبدون الناس ويظلمونهم ويدعونهم إلى عذاب النار.
يقول ابن تيمية: (( وقال تعالي: ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير فأمر بالجهاد حتى لا تكون فتنة وحتى يكون الدين كله لله فجعل المقصود عدم كون الفتنة ووجود كون الدين كله لله وناقض بينهما فكون الفتنة ينافي كون الدين لله وكون الدين لله ينافي كون الفتنة،- والفتنة قد فسرت بالشرك فما حصلت به فتنة القلوب ففيه شرك وهو ينافي كون الدين كله لله..)) "قاعدة في المحبة88"..
ما حكم القتال الحاصل الأن في الجبهات؟
القتال الحاصل الأن في الجبهات بين أهلينا في ليبيا وبين مرتزقة القذافي، سواء كانوا ممن جلبهم من الخارج، أو ممن اشتراهم بدراهمه ودنانيره هــو من قبيل ما يسمى بـ(دفع الصائل).
والصائل كما يعرفه شيخ الإسلام ابن تيمية هــو: (( الظالم بلا تأويل ولا ولاية)) مجموع الفتاوى 28/ 319"..
والقذافي وكتائبه ليس لهم في ظلمهم تأويل معتبر يببح لهم ما يصنعونه إلاّ تمكين هذه العائلة وأذنابهم من بقائهم في حكمهم مدةً أطول، وقد اجتمع طيلة بقاء القذافي في حكمه جميع أنواع الظلم. الظلم في الدّين، والظلم في النفس، والظلم في المال، والظلم في العرض ...و...
أما الولاية فمقصود شيخ الإسلام ابن تيمية بها الولاية الشرعية، وهذه لا تكون إلاّ بمبايعة شرعية، وحكومة دينية، وهي مما لا يتصف به القذافي.
فالقذافي ليس بمسلم أصلاً، إذ الشرعية في الحكم تزول بالكفر كما ما هو مقتضى إجماع أهل السنة، قال القاضي عياض: ( أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر) نقله النووي في "شرح مسلم 12/229".
فهو مع كفره لا تتوفر فيه أهلية الولاية فضلا عن أحقيتها، فهو لم يكن رشيداً بل ولا عاقلاً في عامة قراراته والعالم كله يشهد، ولطالما وصفه بذلك الساسة والعلماء وهو إلى السفه أو الجنون أوضح ، بل هو سفيه بامتياز..
وبما أنّه قد ثبت واستفاض واشتهر عن بعض هذه الكتائب سرقة الأموال، والفجور بالنساء القاصرات والمحصنات، وإذهاب الأنفس الزاكيات، فحينئذٍ وجب دفعهم وقتالهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((بل من كان من المحاربين المقاتلين للمؤمنين، فإنّه يقتل حيث ثقف، وليس من حكمه إلاّ يقاتل إلاّ في حالة قتاله، بل متى كان من أهل القتال الذي يخيف المسلمين، ومن شأنه أن يقاتل، قتل قائماً، أو قاعداً، أو نائماً..)) " قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم ص103".
وقال أيضاً: ((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمِنْ قُتِلَ دُونَ حُرْمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"، وَهَذَا الَّذِي تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ " الصَّائِلُ " وَهُوَ الظَّالِمُ بِلَا تَأْوِيلٍ وَلَا وِلَايَةٍ فَإِذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ الْمَالَ جَازَ دَفْعُهُ بِمَا يُمْكِنُ فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا الْقِتَالُ قُوتِلَ وَإِنْ تَرَكَ الْقِتَالَ وَأَعْطَاهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ جَازَ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ الْحُرْمَةَ - مِثْلَ أَنْ يَطْلُبَ الزِّنَا بِمَحَارِمِ الْإِنْسَانِ أَوْ يَطْلُبَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَوْ الصَّبِيِّ الْمَمْلُوكِ أَوْ غَيْرِهِ الْفُجُورَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يُمْكِنُ وَلَوْ بِالْقِتَالِ وَلَا يَجُوزُ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِحَالِ؛ بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّمْكِينُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ جَائِزٌ وَبَذْلَ الْفُجُورِ بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْحُرْمَةِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ قَتْلَ الْإِنْسَانِ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ.)) "مجموع الفتاوى 28/320".
لذلك كان الواجب على أهل تلك المناطق المحاصرة ومن يليهم دفع تلك الكتائب بكل ما استطاعوا من قوة وقدرة، ولا يشترط لهم أي شرط في دفعهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدّين فواجب إجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم)) "الفتاوى المصرية 4/ "
وقد أفتى بمشروعية قتال تلك الكتائب جمع من أفاضل مشايخ وعلماء هذا الزمان أمثال معالي الشيخ صالح اللحيدان، والشيخ الوالد عبدالرّحمن البراك، ومعالي الشيخ عبد المحسن العبيكان، وفضيلة الشيخ وصي الله عبّاس حفظ الله الجميع.
وأما ما يقوم بعض حملة العلم الشرعي من تثبيطٍ لإخواننا وأهلينا في ليبيا بداعي أنه "قتال فتنة"، وبداعي "لزوم البيوت"!،و....و...!، فهو من البعد عن العلم وقلة الدراية لما يعيشه أهل ذلك القطر!.
لماذا رأينا تلك التخطئات والردود قد انهالت على بعض العلماء ممن أفتى في حرب الخليج أهل السعودية بأن يكونوا "أحلاس بيوتهم"!
فما الذي اختلف؟
ألم يقل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : ((فقتال الباغي وقتال الكافر الذي قام ضد المسلمين، وقتال من يتعدى على المسلمين لظلمه وكفره حق وبر ونصر للمظلوم وردع للظالم، فقتال المسلمين لصدام وأشباهه من البر ومن الهدى، ويجب أن يبذلوا كل ما يستطيعونه في قتاله، وأن يستعينوا بأي جهة يرون أنها تنفع وتعين في ردع الظالم وكبح جماحه والقضاء عليه وتخليص المسلمين من شره، ولا يجوز للمسلمين أيضا أن يتخلوا عن المظلومين ويدعوهم للظالم يلعب بهم بأي وجه من الوجوه بل يجب أن يردع الظالم وأن ينصر المظلوم في القليل والكثير..)) مجموع فتاوى ومقالات -6/ 75- 76 .
  فما الفرق بين صدّام يومئذٍ وبين القذافي اليوم؟
فعن أي فتنة تتحدثون؟ وعن أي لزوم تتكلمون؟
إن تقاعس أهل الحق من أكبر أسباب رواج الباطل، فلربما اتكل أهل الحق بعضهم على بعض في ذلك ولم يُقم بواجب الكفاية، فتولد عن ذلك رواجٌ للباطل، وخذلانٌ للمستضعف المسكين..
قال إمام زمانه العلامة محمد بن إبراهيم الوزير اليماني في كتابه "العواصم والقواصم1/ 223": (( ولو أنّ العلماء رضي الله عنهم تركوا الذبّ عن الحق، خوفاً من كلام الخلق، لكانوا قد أضاعوا كثيراً، وخافوا حقيراً))
يا مشايخنا- ويا إخواننا- إن قتال أمثال تلك الكتائب التي اجتمع فيها جميع أنواع الشر، من خرافة وشرك في الألفاظ، وفجور وسرقة وإزهاق للأرواح ليس هو من قبيل قتال الفتنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((كما أذن في دفع الصائل بالقتال حيث قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد"، فإن قتال اللصوص ليس قتال فتنة إذ الناس كلهم أعوان على ذلك، فليس فيه ضرر عام على غير الظالم..)) كما في الاستقامة 1/ 36". 
ألستم متفقين جميعاً بأن القذافي ظالم وملحد فاجر؟ 
وقال أيضاً: ((والله يقول : ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:الآية 193] . فمن ترك القتال الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من ريب قلبه ومرض فؤاده، وتركه ما أمر الله به من الجهاد، تدبر هذا ، فإن هذا مقام خطر ..)) مجموع الفتاوى 28/ 267".
ولله در العلامة محمد البشير الإبراهيمي حين قال: (( واجب العالم الديني أن ينشط إلى الهداية كلما نشط الضلال، وأن يسارع إلى نصرة الحق كلما رأى الباطل يصارعه،... وواجبه أن ينغمس في الصفوف مجاهداً، ولا يكون مع الخوالف والقعدة، وأن يفعل ما يفعله الأطباء الناصحون من غشيان مواطن المرض لإنقاذ النّاس منه، وأن يغشى مجامع الشرور لا ليركبها مع الراكبين، بل ليفرق اجتماعهم عليها)) "الآثار 4/ 117"
وأكتفي في تقرير مشروعية قتال تلك الكتائب الغاشمة الظالمة بهذا القدر. 
أحكام وتوجيهات لإخواننا المرابطين في الجبهات :
إخلاص وتوحيد:-أوصي إخواني المجاهدين بأعظم شيء قامت عليه السموات والأرض بأن يخلصوا دينهم لله سبحانه وتعالى، وأن يجعلوا مرادهم أولاً وأخراً هو طلب مرضاة الله عزوجل،بأن تعلوا وترتفع كلمة الله سبحانه وتعالى ، وأن يسقط هذا الطاغي الظالم الفاجر الذي خلق فراغاً وجهلاً في عقول وقلوب بعض الليبيين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((الصبر هو من جنس الجهاد في سبيل الله إذ كان الجهاد مقصوداً به أن تكون كلمة الله هي العليا وأن الدين كله لله فالجهاد والصبر فيه أفضل الأعمال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأس الأمر الإسلام و عموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله"، وهو حديث صحيح رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه..)) "الفتاوى 17/ 26".
وقال أيضاً : ((فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَقَدْ " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ , الرَّجُلُ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً ; وَيُقَاتِلُ رِيَاءً : فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله"، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَا يَقْصِدُ إلَّا أَخْذَ الْمَالِ، وَإِنْفَاقَهُ فِي الْمَعَاصِي : فَهَؤُلَاءِ فُسَّاقٌ مُسْتَحِقُّونَ لِلْوَعِيدِ . وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُمْ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ; وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ : فَهَؤُلَاءِ مُجَاهِدُونَ..)) "الفتاوى 3/ 142".
وقال أيضاً: ((والله سبحانه حمد الشجاعة والسماحة في سبيله كما في الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله "الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
 وقال: قال سبحانه: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله سورة الأنفال 39 وذلك أن هذا هو المقصود الذي خلق الله الخلق له كما قال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون سورة الذاريات 56 فكل ما كان لأجل الغاية، التي خلق له الخلق كان محمودا عند الله وهو الذي يبقى لصاحبه وينفعه الله به وهذه الأعمال هي الباقيات الصالحات)) "الاستقامة 2/ 362".
في المقابل أوصي إخواني أن يحذروا كل الحذر من مغبة الإشراك بالله سبحانه وتعالى، بأن يكون لهم طلب نصرٍ، أو انتظار فتح من "النيتو" أو من أي قوة أُخرى، أو تعليق تميمة أو طلب جاهٍ من أحدٍ،- وأن يتعظوا بالخدلان الذي تقوم به كتائب الطاغية القذافي حين تلجأُ وتهتف باسمه إشراكاً بالله سبحانه شعروا أو لم يشعروا، وعن هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية موصياً به : ((نأمر الناس بإخلاص الدين لله عز و جل والاستغاثة به، وأنهم لا يستغيثون إلا إياه لا يستغيثون بملك مقرب ولا نبي مرسل كما قال تعالى: يوم بدر ﴿إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم﴾
وروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يوم بدر يقول: "يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث"، وفي لفظ: " أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك"، فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم نصرهم على عدوهم نصرا عزيزا ولم تهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلاً لما صح من تحقيق توحيد الله تعالى وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك فإن الله تعالى ينصر رسوله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.)) "الردّ على البكري2/ 732".
الصدق مع الله: الجهاد صنعة لا يرتفع فيها إلاّ الصادقون، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وأخبر فى كتابه أن الصدق فى الإيمان لا يكون إلا بالجهاد فى سبيله فقال تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا الى قوله إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله أولئك هم الصادقون )) "الفتاوى 3/ 212".
وأن تركه صفة من صفات أهل النّفاق، قال رحمه الله: (( قد ذكر تعالى فى ضمن آيات الجهاد ذم من يخاف العدو و يطلب الحياة و بين أن ترك الجهاد لايدفع عنهم الموت بل أينما كانوا أدركهم الموت و لو كانوا فى بروج مشيدة فلا ينالون بترك الجهاد منفعة بل لا ينالون إلا خسارة الدنيا و الآخرة فقال تعالى ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية و قالوا ربنا لما كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى و لا تظلمون فتيلا
 وهذا الفريق قد قيل إنهم منافقون و قيل نافقوا لما كتب عليهم القتال و قيل بل حصل منهم جبن و فشل فكان فى قلوبهم مرض..)) "الفتاوى 14/ 223".
الحذر من تعظيم الكفر وأهله: قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((و الذين أذلهم الله من أهل الكتاب بالقهر و الصغار أو من المشركين الذين أحدث فيهم الصغار فهؤلاء كان قهرهم رحمة لهم لئلا يعظم كفرهم و يكثر شرهم)) "الفتاوى 14/ 277".
الحرص على اتباع سنة النّبي صلى الله عليه وسلم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ((ومن اتبع ما بعث الله به رسوله كان مهديا منصورا بنصرة الله فى الدنيا والآخرة كما قال تعالى انا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد وقال تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون وإذا أصابت العبد مصيبة كانت بذنبه لا باتباعه للرسول بل باتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم يرحم وينصر وبذنوبه يعذب ويخذل قال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير
 ولهذا لما انهزم المسلمون يوم أحد وكانوا مع النبي واستظهر عليهم العدو بين الله لهم أن ذلك بذنوبهم قال تعالى إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم )) "الفتاوى 35/ 374".
تنقية الصفوف من العناصر المشبوهة: أوصي إخواني القائمين على تنظيم الصفوف والقتال أن يحذروا ممن هذا حالهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وأما استخدام مثل هؤلاء"المنافقين والدجالين" في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جنودهم فإنه من الكبائر وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعى الغنم فإنهم من أغش النّاس للمسلمين ولولاة أمورهم وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة وهم شر من المخامر الذي يكون في العسكر فان المخامر قد يكون له غرض إما مع أمير العسكر وإما مع العدو وهؤلاء مع الملة ونبيها ودينها وملوكها وعلمائها وعامتها وخاصتها وهم أحرص الناس على تسليم الحصون إلى عدو المسلمين وعلى إفساد الجند على ولي الأمر وإخراجهم عن طاعته
والواجب .. قطعهم من دواوين المقاتلة فلا يتركون في ثغر ولا في غير ثغر فان ضررهم في الثغر أشد وأن يستخدم بدلهم من يحتاج إلى استخدامه من الرجال المأمونين على دين الإسلام وعلى النصح لله ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم.))
وينبغي أن يحسن المسؤلون على ذلك اختيار من جمع ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله: ((فإنه سبحانه جعل صلاح أهل التمكين فى أربعة أشياء: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا أقام الصلاة في مواقيتها جماعة هو وحاشيته وأهل طاعته وأمر بذلك جميع الرعية وعاقب من تهاون في ذلك العقوبة التي شرعها الله فقد تم هذا الأصل..)) " الفتاوى 28/ 242".
قوة القلب والبدن: قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((والشجاعة ليست هي قوة البدن، فقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب وإنما هي قوة القلب وثباته فإن القتال مداره على قوة البدن وصنعته للقتال وعلى قوة القلب وخبرته به والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة دون التهور الذي لا يفكر صاحبه ولا يميز بين المحمود والمذموم)) "الاستقامة 2/ 375".
اللياقة البدنية: ولا يتأتى ذلك إلاّ بممارسة الرياضة المقوية للبدن كلعب الكرة وما شابهها، قال شيخ الإسلام: ((ولعب الكرة إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل والرجال بحيث يستعان بها على الكر والفر والدخول والخروج ونحوه في الجهاد وغرضه الاستعانة على الجهاد الذي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حسن)) "مختصر الفتاوى المصرية ص521".
وجوب التدرب على القتال: قال شيخ الإسلام: ((الرمي في سبيل الله والطعن في سبيل الله والضرب في سبيل الله، كل ذلك مما أمر الله تعالى به ورسوله، وقد ذكر الله تعالى الثلاثة فقال تعالى: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها وقال تعالى: فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان، .. وثبت عنه في الصحيح أنّه قال:  ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا وفى رواية ومن تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها)) "الفتاوى 28/ 9".
إجادة فنون القتال:إن الاحتراف في الحروب ومعرفة ما يحتاجه المقاتلون المجاهدون هو الاحتراف الواجب حصوله ووجوده من سلاح أو مال أو طعام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وكذلك إذا احتاجوا إلى القتال و الجهاد بالنفس و بذلوا أموالاً من بيت المال أو من غيره فإن الجهاد و إن كان فيه مخاطرة بالنفس و يخاف فيه الضرر لكنه و اجب بالشرع إذا بذل للإنسان المال، فان مصلحة الدين لا تتم إلاّ بوجوبه و على الإنسان أن يجاهد بمال نفسه فإذا بذل له المال كان أولى بالوجوب فمن كان من أهل صناعات القتال رميا و ضربا و طعنا و ركوبا و جب عليه ذلك و أجبر عليه كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : "وإذا استنفرتم فانفروا "، ولهذا قال الفقهاء: إنه يجب عينا إذا أمر به الإمام و كذلك إذا احتاج المجاهدون إلى أهل الصناعات و التجارات كصناع الطعام و اللباس و السلام و مصالح الخيل و غير ذلك و طلبت منهم تلك الصناعة بعوضها و جب بذلها و أجبروا عليها كذلك التجار فيما يحتاج إليه في الجهاد عليهم بيع ذلك و إذا احتاج العسكر إلى خروج قوم تجار فيه لبيع ما لا يمكن العسكر حمله من طعام و لباس و سلاح و نحو ذلك فالتجارة كالصناعة و العسكر بمنزلة قوم في بلد فكما يجب على بعض إعانة بعض على حاجاتهم بالمعاوضة التي لا ضرر فيها فان ذلك و اجب في العسكر..)) "الفتاوى 29/ 164".
عدم السماح باستقالة الجنود المدربين: فمما ينبغي أن يعلم بما أنّ النّاس الذين في الجبهات يتعرضون لقتال ومقاتلة من كتائب هذا الطاغية، فينبغي لإخوانهم أصحاب الخبرة المدربون الانضمام إليهم، فما يفعله بعض الضباط والعسكريين من الانشقاق عن النّظام دون النفع لإخوانهم لمن الخطأ البين، فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن: عن رجل جندي وهو يريد أن لا يخدم؟ فأجاب: ((إذا كان للمسلمين به منفعة وهو قادر عليها لم ينبغ له أن يترك ذلك لغير مصلحة راجحة على المسلمين بل كونه مقدما في الجهاد الذي يحبه الله ورسوله أفضل من التطوع بالعبادة كصلاة التطوع والحج التطوع والصيام التطوع والله أعلم )) " الفتاوى 28/ 26".
عدم الاعتماد على المرتزقة: وأعني بالمرتزقة المستأجرين بالدرهم والدينار، قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((فإنّ المرتزقة ضمنوا للمسلمين بالارتزاق الدفع عنهم فاطمأن الناس إلى ذلك، واكتفوا بهم واعرضوا عن الدفع بأنفسهم أعظم مما يطمئن الموكل والمضارب إلى وكيل وعامله، فإذا فرط بعضهم وضيع كان ذلك من أعظم الضرر على المسلمين فإنهم أدخلوا الضرر العظيم على المسلمين في دينهم ودنياهم بما تركوه من القتال عن المسلمين الواجب عليهم حتى لحق المسلمين من الضرر في دينهم وديناهم في الأنفس والذرية والأموال مالا يقدر قدره أحد )) " الفتاوى 28/ 185".
استعمال المعاريض مع العدو وجنوده: يجوز استعمال المعاريض وهي الكلام الذي يقصد به المتكلم معنىً خلاف ما يفهمه المخاطب من ظاهر الكلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ولهذا قال من قال من العلماء إن ما رخص فيه رسول الله إنما هو من هذا "أي المعاريض" كما في حديث أم كلثوم بنت عقبة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "ليس الكاذب بالذي يصلح بين النّاس فيقول خيراً أو ينمى خيراً ولم يرخص فيما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث في الاصلاح بين الناس وفى الحرب وفى الرجل يحدث امرأته"، قال فهذا كله من المعاريض خاصة، ولهذا نفى عنه النبي صلى الله عليه وسلم اسم الكذب باعتبار القصد والغاية)) "الفتاوى 28/ 242".
وقال أيضاً: ((المعاريض وهي أن يتكلم الرجل بكلام جائز يقصد به معنى صحيحا ويتوهم غيره أنه قصد به معنى آخر ويكون سبب ذلك التوهم كون اللفظ مشتركا بين حقيقتين لغويتين أو عرفيتين أو شرعيتين أو لغوية مع أحدهما أو عرفية مع شرعية فيعني أحد معنييه ويتوهم السامع أنه إنما عنى الآخر لكون دلالة الحال تقتضيه أو لكونه لم يعرف إلا ذلك المعنى أو يكون سبب التوهم كون اللفظ ظاهرا فيه معنى فيعني به معنى يحتمله باطنا فيه.. أو غير ذلك من الأسباب مع كون المتكلم إنما قصد حقيقته، فهذا إذا كان المقصود به دفع ضرر غير مستحق جائز، كقول الخليل صلى الله عليه و سلم :"هذه أختي"، وقول النبي صلى الله عليه و سلم : "نحن من ماء"، وقول الصديق "رجل يهديني السبيل"..)) "الفتاوى المصرية 6/ 118"
الحيلة والمخادعة: فاستعمال الحيلة في الحرب هو من الأسلحة المادية أو المعنوية، حيث أنها قد توقع النكاية في العدو، وهي مما رخص فيها الشارع الحكيم، قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((فلو أحتال المؤمن المستضعف على التخلص من بين الكفار لكان محموداً في ذلك، ولو احتال مسلم على هزيمة الكافر كما فعل نعيم بن مسعود يوم الخندق أو على أخذ ماله منهم كما فعل الحجاج بن علاطة، وعلى قتل عدو لله ولرسوله كما فعل النفر الذين احتالوا على ابن أبي الحقيق اليهودي، وعلى قتل كعب بن الأشرف إلى غير ذلك، لكان محمودا أيضا فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "الحرب خدعة "، "وكان إذا أراد غزوة ورّى بغيره" والناس في التلطف وحسن التحيل على حصول ما فيه رضي الله ورسوله أو دفع ما يكيد الإسلام وأهله سعي مشكور)) "الفتاوى المصرية 6/ 106".
الدعاء :فإنه سلاح عظيم، وهو من الأسلحة التي لا بدّ من استثمارها في الحروب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والدعاء مستجاب عند نزول المطر وعند التحام الحرب)) "الفتاوى 27/ 129".
التكبير:قال ابن تيمية: ((وقد ثبت عن النبي أنه لما أشرف على خيبر قال: " الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين"،.. .فالتكبير شرعا أيضا لدفع العدو من شياطين الإنس والجن والنار التي هي عدو لنا وهذا كله يبين أن التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجمع أو لعظمة الفعل أو لقوة الحال أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة ليبين أن الله أكبر وتستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار فيكون الدين كله لله ويكون العباد له مكبرون فيحصل لهم مقصودان مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله ومقصود الاستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه ولهذا شرع التكبير ع 4 لى! الهداية والرزق والنصر لأن هذه الثلاث أكبر ما يطلبه العبد وهى جماع مصالحه والهدى أعظم من الرزق والنصر لأن الرزق والنصر قد لا ينتفع بهما إلا في الدنيا وأما الهدى فمنفعته في الآخرة قطعا وهو المقصود بالرزق والنصر فحص! بصريح التكبير لأنه أكبر نعمة الحق وذانك دونه فوسع الأمر فيهما بعموم ذكر اسم الله..)) الفتاوى 24/ 229".
وقد تقدم ما وصف به الإمام عمر البزار شيخ الإسلام بقوله: ((وكان إذا ركب الخيل يتحنط ويجول في العدو كأعظم الشجعان ويقوم كأثبت الفرسان ويكبر تكبيرا أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت..))
إنشاد الشعر: يباح للمقاتل أن ينشد الشعر، كنشيد "الاستقلال" الرائع، أو التغني بقصيدة "سوف نبقى هنا" وغيرها، مالم يكن مشتملاً على باطل في القول أو على آلة لهوٍ كالمعازف والموسيقى، قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((أما الصوت الذي يثير الغضب لله كالأصوات التي تقال في الجهاد من الأشعار المنشدة فتلك لم تكن بآلات وكذلك أصوات الشهوة في الفرح فرخص منها فيما وردت به السنة من الضرب بالدف في الإعراس والأفراح للنساء والصبيان )) الفتاوى 28/ 162".
وقال أيضاً: ((ولهذا يؤثر قول الشعر في التأليف والتنفير بحيث يحرك النفوس شهوة ونفرة تحريكا عظيما، وإن لم يكن الكلام منطبقا على الحق لكن لأجل تخييل أو تمثيل.)) "الفتاوى 28/ 650".
الحذر من التربص أو الاحتكار لما يحتاجه المجاهدون: أنادي وأناشد من وقع بأيديهم شيء من السلاح فوق حاجتهم أن يعينوا به إخوانهم، فما نسمعه عن بعضهم من غلاءٍ في بيع الأسلحة التي غنموها أو أعطوها، لهو من الاحتكار الخاطئ، قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((فإذا احتاج الناس إلى سلاح للجهاد فعلى أهل السلاح أن يبيعوه بعوض المثل، ولا يمكنون من أن يحبسوا السلاح حتى يتسلط العدو أو يبذل لهم من الأموال ما يختارون، والإمام لو عين أهل الجهاد للجهاد تعين عليهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "وإذا استنفرتم فانفروا"- أخرجاه في الصحيحين، وفى الصحيح أيضاً عنه أنه قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه" فإذا وجب عليه أن يجاهد بنفسه وماله فكيف لا يجب عليه أن يبيع ما يحتاج إليه في الجهاد بعوض المثل، والعاجز عن الجهاد بنفسه يجب عليه الجهاد بماله في أصح قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فإنّ الله أمر بالجهاد بالمال والنفس في غير موضع من القرآن)) "الفتاوى 28/ 87".
الجهاد بالمال: وهو من أهم أنواع الجهاد، يقول شيخ الإسلام: ((وإحياء سنته "صلى الله عليه وسلم" يشتمل أنواعاً من البر لسعة فضل الله وكرامته، فيكون بالتبليغ لها والبيان لأجل ظهور الحق ونصرته ويكون بالإعانة عليها بإنفاق المال والجهاد، وإعانة على دين الله وعلو كلمته، فالجهاد بالمال مقرون بالجهاد بالنفس، قد ذكره الله تعالى قبله وفى غير موضع لعظم منزلته وثمرته وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: "من جهز غازيا فقد غزا ومن خلقه في أهله بخير فقد غزا"..))
وقال أيضاً: ((والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم حاضرين في هذا الزمان، لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين.
  ولا يفوت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته وسفه نفسه وحرم حظاً عظيما من الدنيا والآخرة، إلا أن يكون ممن عذر الله تعالى كالمريض والفقير والأعمى وغيرهم، وإلا فمن كان له مال وهو عاجز ببدنه فليغز بماله ففي الصحيحين عن النبي أنه قال: "من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد عزا، ومن كان قادرا ببدنه وهو فقير فليأخذ من أموال المسلمين ما يتجهز به سواء كان المأخوذ زكاة أو صلة أو من بيت المال أو غير ذلك، حتى لو كان الرجل قد حصل بيده مال حرام وقد تعذر رده إلى أصحابه لجهله بهم ونحو ذلك، أو كان بيده ودائعا ورهونا أو عوار! قد تعذر معرفة أصحابها فلينفقها في سبيل الله، فإن ذلك مصرفها )) "الفتاوى 28/ 421".
وحذر شيخ الإسلام رحمه الله من عدم الإنفاق واعتبرهم من الكانزين والجبناء،فقال رحمه الله: ((ثم قال والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فهذا يندرج فيه من كنز المال عن النفقة الواجبة فى سبيل الله، والجهاد أحق الاعمال باسم سبيل الله سواء كان ملكا اومقدماً او غنيا او غير ذلك..)) "الفتاوى 28/ 349".
وقال أيضاً: ((كذلك قوله فى الآية الآخرى ﴿ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وانتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾
 فقد أخبر تعالى أنه من يتول عن الجهاد بنفسه أو عن الإنفاق في سبيل الله استبدل به فهذه حال البخيل يستبدل الله به من ينصر الإسلام وينفق فيه فكيف تكون حال أصل الإسلام من ارتد عنه أتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم
وهذا موجود في أهل العلم والعبادة والقتال والمال مع الطوائف الأربعة مؤمنون مجاهدون منصورون إلى قيام الساعة كما منهم من يرتد أو من ينكل عن الجهاد والإنفاق )) "الفتاوى 18/ 301".
هذا ما جاد به القلم، واستوعبه العقل ، فأسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وبما أن جل نقول هذه المقالة كانت عن شيخ الإسلام ، فهأنا ذا أختم مقالي بأحدِ تلاميذه الذين قال عنهم الإمام شيخ الإسلام في عصره الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ((ولو لم يكن للشيخ تقي الدّين من المناقب إلاّ تلميذه الشهير شمس الدّين ابن قيم الجوزية، صاحب التصانيف النافعة السائرة، التي انتفع بها الموافق والمخالف، لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته)) "الرد الوافر...ص248" لا بن ناصر الدّين الدمشقي.
قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الماتع : "إغاثة اللهفان (2/ 282) : ((وكذلك النصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل قال تعالى:﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد﴾ وقال : ﴿فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين﴾
  فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله أو بإدالة عدوه عليه فإنما هي بذنوبه إما بترك واجب أو فعل محرم وهو من نقص إيمانه؛ وبهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى : ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا﴾ ويجيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا في الآخرة ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا في الحجة .
والتحقيق : أنها مثل هذه الآيات وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوا من طاعة الله تعالى فالمؤمن عزيز غالب مؤيد منصور مكفي مدفوع عنه بالذات أين كان ولو اجتمع عليه من بأقطارها إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته ظاهرا وباطنا. وقد قال تعالى للمؤمنين : ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾ وقال تعالى : ﴿فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم﴾
  فهذا الضمان إنما هو بإيمانهم وأعمالهم التي هي جند من جنود الله يحفظهم بها ولا يفردها عنهم ويقتطعها عنهم فيبطلها عليهم كما يتر الكافرين والمنافقين أعمالهم إذ كانت لغيره ولم تكن موافقة لأمره.))
وصلى الله وسلم على محمد وأله وصحبه..










  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رحمك الله صاحبي ورفيقي

  رحمك الله صاحبي ورفيقي وان شطت بنا الديار وباعدتنا الغربة اجسادنا ولم تتفارق قلوبنا يوما... نشأنا مع بعض في نفس المدينة في طبرق وكانت اول ...