الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

منير القعود : اللواء الشهيد .. بين الاستهداف السياسي والتوظيف المقيت



اللواء الشهيد .. بين الاستهداف السياسي والتوظيف المقيت
بقلم  : منير القعود
بعد ساعات من اغتيال "رفيق الحريري" رئيس الوزراء الأسبق ورفيقه النائب "باسل فليحان" ومرافقيهم سرعان ما بدأت شخصيات إعلامية وزعماء سياسيين لبنانيين في توجيه الاتهام لسوريا بالمسؤولية علي اغتيال الحريري واستهدف بشكل غير مباشر وأحياناً بعكس ذلك "حزب الله" علي أساس أنه الذراع السورية المنفذة لهذا الاغتيال .

  كان هذا الاستهداف في تلك اللحظات العصيبة من تاريخ لبنان مبنياً علي تحليلات سياسية قادت لحياكة اتهام سياسي علي مقاس سوريا في وقت مبكر وعلي مقاس " حزب الله" بعد شهور من ذلك . هذا اتهام  لم يبني علي معطى قانوني أو دليل مادي بل انطلق من قاعدة التحليل السياسي  التي قادت الجهود السياسية الداخلية منها والخارجية الخاضعة لحسابات إقليمية ودولية إلي تدويل هذا الاغتيال والدفع باتجاه إنشاء محكمة دولية خاصة بلبنان " يدفع لبنان تكاليفها المالية وبطبيعة الحال سيتحمل العواقب الناجمة عن تشكيلها وأحكامها" . 

بغض النظر عن من قتل الحريري ، ومن سيدان بقتله ، ومن سيتحمل المسؤولية الجنائية والسياسية والأخلاقية وراء ذاك الاغتيال بلبنان أو محيطه الإقليمي فإن الذي يهمنا في سحب هذه الحادثة علي الحالة الليبية الراهنة التي شهدت اغتيال اللواء الشهيد "عبد الفتاح يونس" مع مراعاة  الفارق الكبير بين الحالتين  اللبنانية والليبية " المعقدتين" ولكن المشتركتين في التسرع في إطلاق الأحكام والقفز علي التدرج الطبيعي اللازم للوصول إلى بناء قانوني متكامل يصنف الاتهام والإدانة للفعل الغادر الذي أدي إلي استشهاد اللواء ورفيقيه .
فنحن الآن أمام حالة سلوكية مشابهة لتلك التي حصلت في لبنان ، شخصيات محسوبة علي التيار العلماني وبعد ساعات من الإعلان عن اغتيال اللواء الشهيد ورفيقيه سارعت لأن تطلق تصريحات مقتضبة ومجتزأة من فهم السياق الطبيعي والواقعي للمشهد المرافق لحادثة الاغتيال الغادر جزمت فيه هذه القوي بأن " الإسلاميين " هم من وراء الاغتيال .
قد يقول غير المدرك لخلفيات الصراع الفكري بين أولئك وهؤلاء أن هذه التصريحات هي محض " سذاجة سياسية " أو سوء تقدير موقف ، ولكن المتتبع لسير الحراك الذي كان مشتداً بينهم من خلال " الانترنيت" بالسنوات العشر الماضية يدرك أن هذه التصريحات ممنهجة ومتعمدة لغرض تحقيق مكاسب سياسية آنية ومستقبلية تحصر التيار الإسلامي علي طول الخط المكون له ،في زاوية التطرف والغلو التي يمثلها أفراد لا يملكون إطاراً تنظيمياً ملموساً أو حتي قادر علي الاستمرار إن تجلي ووضح خطه أو بنائه التنظيمي بالمجتمع السياسي الليبي الوليد .
ولأن الحالة الليبية لا تحتمل مثل هذه المجازفات السياسية التي تعبث بمصير العملية السياسية الوليدة بليبيا خصوصاً في زمن حرب  التحرير التي نعيش تفاصيلها بكل ألم وترقب خوفاً من ضياع دماء شهداء الشعب الليبي علي محراب الحرية والخلاص من التسلط والظلم ونظام الحكم والإدانة علي النوايا .
وانطلاقاً من سياسة  " الحكم والإدانة والحساب " علي النوايا والتي انتهجها نظام القذافي طيلة عقود حكمه علي كل التيارات السياسية الإسلامية منها والعلمانية والوطنية نجد أن هناك مشترك جمع بين ذاك النظام وبين أي شخصيات تبنت الاتهام المطلق والنهائي " لكل الإسلاميين " بمسؤولية اغتيال اللواء الشهيد بدون أي التفات لعمل الجهات المختصة بالتحقيق أو انتظار للنتائج الرسمية التي ستعلن لكشف الحقيقة .
فلا يمكن لأي فصيل سياسي في ليبيا أن يحول حادثة استشهاد اللواء " عبد الفتاح يونس " إلي مثيلتها اللبنانية ويعمل من خلالها علي تخويف الشارع الليبي المتعاطف والمصدوم لفراق القائد العسكري للثوار ورفيقيه من خطر مزعوم يمثله التيار الإسلامي برمته الذي لا ينكر إلا متطرف جهوده وتضحياته من أجل القضية الوطنية الليبية ودوره الحالي في حرب التحرير بكافة جوانبها ومستوياتها .
 ثم إن صح هذا  "الاتهام الظني" وثبت تورط عناصر " متطرفة" في حادثة الاغتيال  هل من الواقعية أن تجمع كل مكونات التيار الإسلامي المختلفة في تكوينها الفكري والتنظيمي في سلة واحدة مع الإرهاب والتطرف ؟
وهل من الجيد للجهود السياسية المبذولة من السلطة الانتقالية والناشطين في العملية السياسية ضد نظام القذافي المنشق أن يتم التفوه بمثل هذه " الحماقات" التي تلقفتها حكومة أسرة القذافي لتبدأ في الصياح بأوساط المجتمع الدولي أنهم " يحاربون جماعات إسلامية متطرفة " لمحاولة القفز علي حقيقة شنهم حرب إبادة ضد الشعب الليبي .
والآن التحدي كبير أمام كافة العقلاء من كل الأطياف السياسية لتثبيت الأوضاع في موقعها الطبيعي حيال قضية اغتيال اللواء الشهيد ورفيقيه ، فالكشف عن الجناة ومعرفة دوافعهم وتأطير تداعيات هذا الحدث الجلل في إطار قانوني ووطني هو الهم الوطني الواجب حمله وحمايته .
ومن غير إتباع هذا السياق سنجد أنفسنا مدفوعين  إلي مأزق وطني سيدمر العملية السياسية برمتها ويسمح لدعاة مأسسة القبيلة للدخول للعملية السياسية من باب " التوظيف المقيت" لهذه الحادثة وجني مكاسب قبلية وسياسية .
جماعة الإخوان المسلمين الفصيل الأبرز للتيار الإسلامي أصدرت بياناً أدانت فيه الاغتيال الجبان والغادر بعد ساعات من تشييع جثامين الشهداء في نفس الوقت الذي تواصلت فيه حملة شخصيات بعضها لها علاقات وثيقة بالغرب والولايات المتحدة في استهداف التيار الإسلامي برمته ومحاولة وسمه بصفات التطرف والخطورة علي المجتمع الليبي المتطلع لحريته ، فلا ندري ما مدي تداعيات استمرار هذه الاشتباكات بين الفرقاء علي الساحة الليبية ومن المستفيد منها ومن صاحب اليد الطولي في إطلاقها وصاحب الصلاحيات في وقفها ومنعها ؟.
وأدعو الله ألا يكون هذا الاغتيال أول حلقة في مجموعة حلقات من الاغتيالات السياسية التي تهدف إلي تقويض أي جهود حقيقية لبناء عملية ديمقراطية بليبيا الحديثة مستقبلاً خاصة أن بعض المراقبين يبدون تخوفهم من أن يصبح هذا السلوك " المتطرف" بارزاً ومؤثراً بالعملية السياسية ، خاصة إذا انتبهنا أن بعض الشخصيات البارزة والمحسوبة علي التيار الليبرالي أو العلماني كانت في سبعينات القرن الماضي تتلمذ بمدارس القمع البعثية أو الشيوعية المحبة لسياسة الاغتيال والإقصاء كأسلوب عمل بالعملية السياسية بأوطانها أو حتى خارجها .
وللثورة رب يحميها ولمن وظف دم الشهداء ليصنع منها صمغ يبقيه علي كراسي السلطة ويضمن له أكبر عدد منها تاريخ وطن سيذكره بالسوء وشعب سيتوعده بالثبور .

نشر في العدد السابع من صحيفة المنارة الورقية
5-8-2011

هناك تعليق واحد:

  1. في بداية المقال حسبت انك وطني تهتم لأمر ليبيا ومستقبلها السياسي وربطت في مقالك ربطا عجيباً بين ما حصل في لبنان وما حصل عندنا تتبعت الكلمات المنسابه والمترابطه علها توصلنا لحل ثوري ومفاجئ لأزمتنا الآنيه نأخذ به وننشره للعامه لتهدأ النفوس ونتجاوز المرحله ، فاذا بك تترك الحلول وردود الأفعال وواقع الحال لتدافع عن فئة من الليبيين محسوبين على احد التيارات ولا تكتفي بهذا بل تتجاوزه لتتهم تيارات اخرى بالعماله للغرب وزدت ايضا بأنهم من اتباع منهج الإغتيال والإقصاء وكل ذلك على الطريقه المعمريه القذافيه وسامحني فلا فرق بينك وبينهم ، والخلاصه أن ضاعت ليبيا ، وقضية اللواء الشهيد اصبحت مطيه للنيل من بعضكم البعض وتبراة انفسكم واقصاء الآخرين ..

    ردحذف