الجمعة، 12 أغسطس 2011

سالم بن عمار : أسدان من الزاوية الأبية






سطرت مدينة الزاوية الأبية ملاحم عظيمة، وبطولات رائعة ضد الطاغية القذافي، مثلما فعلت بنغازي ومصراتة والزنتان وبقية مدننا الحبيبة الصامدة، وسوف تظل هذه البطولات العظيمة محفورة في ذاكرة شعبنا، مسطرة بأحرف من نور في تاريخ بلادنا إلى يوم القيامة، أو ما شاء الله.
ومن بين أبناء الزواية الأبية الذين كتبوا بدمائهم الطاهرة هذه الملاحم أخي الحبيب المبروك الشنوك وابنه البار مالك، رحمهما الله رحمة واسعة، وتقبلهما شهداء عنده.
كان آخر لقاء جمعني بالمبروك الشنوك حين ودعني في مطار بتسبرج، في ولاية بنسلفانيا منذ سنتين تقريبا حين قدر الله لي حضور مخيم أمل الرائع،  الذي يقيمه الليبيون  كل سنة في ولاية أوهايو، وكان هو من استقبلني في المطار واستضافني في بيته المبارك، وقد رأيت من كرمه ونبل أخلاقه ما كنت أعرفه فيه، فقد شرفني الله بمعرفته وأخوته أكثر من ربع قرن. وقد زاد أخي المبروك من كرمه لي في تلكم الرحلة الطيبة، فأوصلني إلى المخيم بالرغم من بعد مكانه ، وما كان ينوي حضوره قبل قدومي عليه، وصاحبتنا ابنته فاطمة بعد أن تعرفت على ابنتي تقوى التي صاحبتني في سفري، فكانت مصدر سرور وسلوى لها في تلك الرحلة.
لا أريد أن أكتب كلاما تمتزج فيه المبالغة بالحقيقة بسبب حماسي لأخ أحببته في الله، فليس ثمة فرق عندي بين المبالغة والكذب، ومع هذا أقول إني لا أعرف أحدا قط ظهرت آثار الإيمان بالقضاء والقدر فيه واضحة جلية كالمبروك الشنوك رحمه الله. هذا الركن العظيم من أركان الإيمان في ديننا العظيم كان وراء بطولات الرعيل الأول من المسلمين، وعلى رأسهم الصحابة الكرام رضى الله عنهم. ومما يؤثر عن على ابن أبي طالب رضى قوله:
أي يومي من الموت أفر... يوم لا قدر أو يوم قدر
يوم لا قدر لا أرهبه...ومن المقدور لا ينجو الحذر
فكان إذا تحدث تحس في كلماته قوة الإيمان، وعزة المسلم، وإذا ذكرت له مخاطر ما، سارع فاستشهد بالآيات القرآنية من مثل قوله تعالى:( قل لن يصيبنا الله إلا ما كتب الله لنا )، ولهذا حين نُصح بحلق لحيته حين كانت اللحية مصدر شبهات تحت حكم استعمار الإرهابي القذافي، رفض و لم يستمع للنصيحة مؤمنا بأن قضاء الله لا يُرد، ومشيئته نافذة.
كان يقول لأهل الزواية حين زارها بعد سنين من إقامته في أمريكا، إن استمرار استعمار الإرهابي القذافي لشعبنا هو بسبب ضعفنا وليس بسبب قوة الدجال القذافي. وقد حقق معه أزلام النظام أكثر من مرة، لكن الله سبحانه وتعالى حماه، فلم يُسجن ولم يلحقه أذى، ولعل الله سبحانه وضع هيبته في قلوبهم فآثروا عدم  إلحاق الأذى به، وما حصل معه لا تفسير له عندي سوى ما جاء في الحديث الصحيح:( أنا عند ظن عبدي بي...) وكان إيمان المبروك بربه وحسن ظنه به مما لا يختلف عليه كل من خالطه وتشرف بمعرفته رحمه الله ورحم مالكا وجمعنا بهما في جنات النعيم.
منحه الرب العظيم بالإضافة إلى قوة القلب وشجاعته، قوة في البدن لاحظتها فيه منذ تعرفت به، وأنا إنسان أعشق القوة، عشت في أجوائها منذ كنت ابن الثالثة عشر حين بدأت رياضة رفع الأثقال، ولم أتوقف عن ممارستها حتى هذه اللحظة، فكان رحمه الله بالرغم من صغر جسمه النسبي يغلب من يصارعهم وإن كانوا أكبر منه حجما.
أما تربيته لأهله على الإسلام، فكان فيه عجبا، ويكفي أن مالكا ابن الثانية والعشرين، رحمه الله،  والذي ولد في أمريكا، ذهب مع أبيه وهو يعلم أن روحه قد تخرج من بدنه فلا تعود إليه إلى يوم القيامة. ولم يكن مالك حين صاحب أباه البطل من الفاشلين الذين ضاقت بهم سبل الحياة فأراد الهروب منها بالمشاركة في معارك شعبنا ضد الطاغية، بل كان رحمه الله في قمة النجاح.
وكذلك كان أبوه الشيخ المبروك الشنوك الذي كان يملك بعض الشقق، والتي أشهد أنها كانت بمال حلال ليس فيه درهم حرام، فقد كان رحمه الله من أكثر الناس تورعا عن المال الحرام، لكن أسرته في الزواية كانت على شىء من الثراء وكانت من الأسر الناجحة في ميدان التجارة.
أما مالك فكان يدرس الهندسة الكيميائية، مع تركيز على صناعة البترول، وبقيت سنة واحدة على تخرجه من جامعة بتسبرج، وكان رياضيا متميزا في رياضة الفوتبول االإمريكية، و مثل أبيه كان سريعا قويا، لكنه آثر نبذ هذا كله في سبيل الله سبحانه وتعالي.
واسمعوا إلى هذه التلاوة الطيبة الكريمة يتلوها الأسد مالك رحمه الله، الذي ولد في أمريكا وعاش فيها، حتى تعلموا عظمة الشيخ المبروك في تربية أبنائه، وقبل هذا حتى تروا توفيق الله  سبحانه وتعالى له ولمالك، إنها تلاوة يحس سامعها وكأنها آتية من السماء.



وهذه آخر رسالة له كتبها بالإنجليزية في صفحته في الفيس بوك، رحمه الله:



أخبرني أخوه ياسين، الذي يكبره بسنة واحدة، أن أباه وأخاه ذهبا من أجل مرضاة الله وحده، وليس من أجل شىء آخر. وأعلمني عادل الشنوك أخو المبروك أن أخاه كان يتمنى الشهادة ويلهج بذكرها منذ عشرين سنة!
قُتل الشيخ المبروك الشنوك وابنه مالك حين سقطت عليهما قذيفة وهما في طريقهما للصرمان لقتال كتائب الإرهابي القذافي، قبيل تحرير منطقة بئر الغنم، فرحمة الله عليك أبا ياسين، والله إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا على فراقك وفراق مالك لمحزونون، وعزاؤنا أبا ياسين أنك صنعت وإخوانك ثوار ليبيا مجدا لبلادنا بعد أربعة عقود من الذل والهوان على أيدي أجبن الطغاة وأحقد الحكام، الإرهابي القذافي. عزاؤنا أبا ياسين أن تضحياتك ومالك وثوار بلادنا لن تذهب سدى، وسوف ترفرف راية النصر قريبا في ربوع بلادنا بعد أن يُدحر الطاغية وعملاؤه إن شاء الله.
اللهم ارحم المبروك شنوك ومالك وكل من مات في سبيلك وهم يقاتلون الطاغية الإرهابي، وتقبلهم شهداء عندك، اللهم اجمعنا بهم عند حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، وأرنا في الطاغية القذافي وأعوانه يوما أسود كيوم عاد وثمود.

سالم بن عمار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق