الخميس، 18 أغسطس 2011

عوض عقيلة : مستشفى الأمراض الفبرايرية


                       
أنشي هذا المستشفى بعيد انطلاق ثورة السابع من فبراير بفترة وجيزة، في عدد من المدن المحرّرة؛ وذلك لاستيعاب عدد من المصابين بأمراض صاحبت الثورة المجيدة!؛ وخوفاً من انتقال المرض وتفشيه، رأى الإخوة ضرورة استدعاء عدد من الأطباء الليبيين المقيمين في الخارج؛ لانشغال أطباء الداخل بالجبهة والثوار. وعندما بدأ الأطباءُ عملهم وباشروا تشخيص الحالات التي تصل إليهم، لاحظوا أنّ عدداً كبيراً من المرضى لا يشتكي من مرض عضويّ؛ مما دفعهم للاستعانة بأطباء نفسانيين،
وعندما قام هؤلاء بإجراء الفحوصات الأولية لمرضاهم تبين لهم أن عدداً كبيراً مصابٌ بداء الغدّة الكاميرية، وهو مرض يترتب عليه أنّ المريض ينتقل من مكان إلى آخر بحثاً عن كاميرا تصوّره وبمجرد وقوفه أمام الكاميرا تُصبح حالته النفسيّة على خير ما يُرام، ويضيف الطبيب المختص معلّلاً؛ بأن سبب المرض عائد للإقصاء الذي مارسه العقيد في العقود الماضية.
ويتحدث طبيبٌ آخر عن حالة فريدة، لم تُصادفه في تونس ولا مصر، تمثلت في هوس المريض بمصطلح أنا أول من قام بكذا وأنا أول من فعل كذا، وفي غمرة هذه الأنا، تحدث أحد المرضى قائلاً أنا أول من عبر الحدود، عندما دخلت قوات العقيد مدينة بنغازي، وهؤلاء أصرّ الطبيب المختص بنقلهم إلى ألمانيا؛ لتلقي العلاج المناسب ولقلّة الإمكانيات في لبيبا . مرضٌ آخر صادف طبيباً أثناء جولته على المرضى ، اتفاق عدد من المرضى في شيء واحد، تفضيلهم للأماكن الحكوميّة على غيرها، عندما يعقدون العزم على البحث عن سكن، وقد صرّح الطبيب بأنّ حالة هؤلاء مرهونة بقيام دولة قانون ومؤسّسات تسترجع هيبة الدولة.  
مرض آخر أصاب هذه المرة عدداً من مقدمي ومذيعي القنوات الفضائية المرئية والمحليّة المسموعة ! وهو مرض تحويل المنابر والشاشات إلى ملكيّة خاصة، بمعنى أنّ المتحدث مرئياً كان أو مسموعاً، يُؤدي أداء غاية في الروعة ولديه جمهورٌ غفير؛ لكنّه فجأة ينحرف بالحديث من موضوع عام ،إلى الحديث عن نفسه وإنجازاته وبطولاته، دون مراعاة لمشاهديه أو مستمعيه أو حتى لسبب التقزز مما كان يُمارسه إعلام العقيد علينا! وعن حالة هؤلاء ، صرّح الطبيب المختص بأن حالتهم مستقرّة لا تبعث على القلق ولا تحتاج لأكثر من توجيه وتنسيق من داخل القناة أو الإذاعة التابع لها المريض. وعندما اعتقد الأطباء إن الأمراض انحصرت في الحالات السابقة ، برز مرض جديد لم يتمكن الأطباء من فهمه وتشخيصه، وهو تدافع عدد من المرضى إلى التجمّعات والندوات التي تشرف عليها أو تقيمها أخوات فاضلات، في وقت قد يكون التجمع نسائي محض أو أنّ موضوع الندوة يتعلق بحسن معاملة الأم لأطفالها أو كيف تقتصد في وجبات شهر رمضان؟
وبعد أن أنهى الطاقم الطبي جولته التي استغرقت أربعة أيّام، أوصى الممرضين المشرفين على المرضى بإعطاء المرضى جرعة منتظمة من العقاقير التالية:
 -1 ليس كل من يقف أمام الكاميرا بالشخص المهم، فكلما كان عملك لوجه الله كان أفضل، وإن صادف ووقفت أمام الكاميرا، فلا تعتقد أنك بلغت عنان السماء أو جلبت الأسد من ذيله.
-2 عقار تاريخي، يقول إنّ التاريخ سيحفظ لكلّ شخص دوره، المهم ألاّ يذكرك التاريخ بعمل مشين.
-3 عقار خاص بالأماكن الحكوميّة التي تمّ اقتحامُها، ثمّة فرق كبير بين من قدّم نفسه فداءً للوطن، ومن قدّم الوطن فداءً له !.
-4 عقار خاص بالقنوات والإذاعات، من إنتاج قناة الجزيرة، افعل ما شئت وقل ما شئت في كواليس القناة أو الإذاعة، المهم عندما تصبح على الهواء أمام كاميرا أو خلف منبر لا يجوز لك مصادرة القناة لأهوائك الشخصيّة ولو بالرد على أمر أصابك أو أصاب القناة أو الإذاعة ؛ لأن الجمهور كفيلٌ بذلك
-5 لا تقحم نفسك في أشياء لا تعنيك، وإن كان لا بدّ من ذهابك فكن خفيف الظل.

                                                تحيّاتي : عوض عقيلة-
                                                                                                    الجمعة|15-7- 2011

نشر في المنارة الورقية العدد التاسع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق