الخميس، 18 أغسطس 2011

إبراهيم محمد طاهر : الغاية لا تُبرر الوسيلة لنُحافظ معاً على ثورتنا بإصلاح أخطائنا

لقد وقعت ثورتنا المباركة في مسيرتها نحو اكتمال النصر والتحرير في العديد من الأخطاء، وبلا شك سنظل نقع في هذه الأخطاء التي ستبقى مُنتشرةً على مدى طريقنا كالألغام – وهذا أمرٌ طبيعي؛ فجلَّ من لا يُخطئ.

    ولعل ما يبعث على الراحة هو أن هذه الأخطاء كانت دائماً نتائج تصرفات مُنفردة لجهاتٍ أو أفرادٍ مُحددين، أي أنه لا يمكن نسبها إلى الثورة والشعب، فقد كانت كلها إما بسبب التقصير والغفلة، أو الانفلات والفوضى، وفي بعض الأحيان فإن هذه الأخطاء لا يمكن وصفها إلا بأنها جرائمٌ شخصية، وهذا أمرٌ يبعث على الارتياح لأنه يؤكد أن هذه الأمور غير مُمنهجة ومسؤوليتها ليست شاملة؛ فالإجماع فيها يتمثل فقط في رفض الشعب كله لها واستيائه منها، ولذلك فإن ثورتنا تبقى بريئةً من تهمة (الخطايا) ولكنها تتحمل عبء إصلاح ومعالجة (الأخطاء).

ولكن هنالك بعض الأشخاص الذين يقومون على جهل بتلطيخ الثورة بمسؤولية هذه الأخطاء، هم يظنون أنهم يَحمون الثورة ويحافظون عليها ولكنهم في الحقيقة يُشوهونها بشكلٍ بشع؛ فحين ينادي البعض بالتغاضي عن الأخطاء وتجاوزها (لأن الوقت غير مناسب) فهم لا يُساعدون الثورة بل يؤذونها؛ فمساعدة الثورة والحفاظ عليها في هذه الظروف تتطلب (إصلاح) الأخطاء، وما يفعله هؤلاء الأشخاص بدعواتهم للتغاضي عن الأخطاء هو أنهم يُلصقون بالثورة تهمة (الغاية تُبرر الوسيلة) ويجعلون من مبادئ الثورة السكوت عن الحق والتغاضي عن الأخطاء، بدلاً من الحفاظ على مبادئ الثورة النبيلة في الإصلاح والتطهير والانعتاق ليس فقط من قيود الطاغية السفاح ولكن أيضاً من قيود الشر والفساد.


 إن مبدأ (الغاية تُبرر الوسيلة) هو مبدأٌ خاطئٌ إلى أقصى الحدود، ولا يمكن تطبيقه إلا في سبيل الطغيان والاستبداد؛ فالأمور المُحرمة حين تصبح مشروعة لا نقول عنها بأنها وسيلةٌ خاطئة بررتها غايةٌ صحيحة؛ فالعنف عند الدفاع الشرعي عن النفس مثلاً لا يُعتبر جريمة نحتاج لتبريرها، لذلك فإن وجود حاجة للتبرير يُشير في حد ذاته إلى أن الوسيلة ما تزالُ خاطئة، والأشخاص الوحيدون الذين يستطيعون تبرير الأفعال الخاطئة بالغاية المقصودة، هم الذين تكون غايتهم في حد ذاتها خاطئة.

والصواب هو أن الوسيلة هي التي تُبرر الغاية. فغاية ثورتنا ليست الإطاحة بـ(رجل) اسمه معمر القذافي؛ فلماذا إذاً لم نرضى بأن يتولى سيف القذافي الحكم؟ لماذا لم نرضى بالمرحلة الانتقالية والانتخابات التي اقترحها القذافي عشرات المرات؟ لأننا على ثقة بأن نفس الأساليب الدموية الظالمة ستستمر، إذاً غايتنا ليست فقط التخلص من مُجرمٍ وعصابته، ولكن غايتنا هي تطهير البلاد من كل شرورهم وأساليبهم الفاسدة، فكيف يمكننا الحفاظ على غايتنا ونحن نستخدم نفس الوسائل والأساليب التي نريد التخلص منها؟! غايتنا ستتحقق لنا فقط باستخدامنا للوسائل النقية الطاهرة؛ فهي التي ستُبررها لنا: فالغاية التي نصل إليها ستكون بنفس طهارة – أو فساد – الوسائل التي وصلنا إليها بها، واستخدامنا لوسائل موبؤة من أجل تحقيق غاية طاهرة هو أمرٌ مستحيل، بل هو أمر ينفي الغاية كلياً!

 سينادي البعض بعصبية: (كل شيء يهون في سبيل تحرير ليبيا من القذافي!) نعم، كل شيء يهون في سبيل تحرير ليبيا وشعب ليبيا، والشعب الليبي أثبت بشجاعة أنه متسعدٌ للتضحية بكل شيء بسخاء في سبيل تحرير ليبيا من السفاح القذافي، ولكن.. هل الحقوق والحريات والمبادئ التي نُقاتِل من أجلها ونسعى لنيلها بهذه الثورة، هل هي أيضاً تهون في سبيل تحقيق غايتنا؟! إذا كانت غايتنا هي الحرية والديمقراطية والعدالة، فهل يمكننا التغاضي عن انتهاك هذه المبادئ؟ فماذا سيبقى لنا من غايتنا إذا ضحينا بها؟!

 إن الأشخاص الذين يُجادلون بأن هدفنا الأول هو الإطاحة بالقذافي، وبالتالي يجب علينا أن نتغاضى عن الهفوات والأخطاء التي قد تقع فيها ثورتنا، هؤلاء الأشخاص لم يفهموا ماهية ثورتنا إطلاقاً؛ فلو لم تكن غايتنا هي تصحيح الأخطاء ومعالجتها، بل ومحاسبة المسؤولين عنها، لما كان لثورتنا وجود أصلاً؛ فثورتنا قامت لتصحيح خطأ الصمت الذي دام 42 سنة، ولعلاج الدمار الذي انتشر في ليبيا على مدى تلك العقود، ولمحاسبة المسؤولين عن ذلك.

والتخوف من ضياع الثورة إذا التفتنا إلى أخطائنا غير منطقي؛ فمن يصرخون بهلع بأن (الوقت غير مناسب) وبأن الصمت هو الآن أفضل حل للحفاظ على الثورة، هؤلاء يتصورون أن الثورة هي مجرد مادة سريعة التطاير قد تتبخر إذا حاولنا نقد أنفسنا ومعالجة أخطائنا! روح الحرية المُتمثلة في الثورة ليست أثيراً مُتطايراً، ولا هي مبدأٌ هش نخاف عليه من هبة الريح، بل هي بثبات العقيدة الدينية التي نُصلح بها حالنا أولاً ثم نُصلح بها حال الآخرين، فتستمد ثباتها من كونها على الدوام معياراً للحق والباطل نُطبقه على أنفسنا أولاً ثم على غيرنا. وتماماً كالدين فإن الثورة ما أن تقع في فخاخ التعصب وسوء الفهم والجهل فهي تتحول إلى لعنة حارقة من التخلف تدمرنا نحن قبل غيرنا.

 الوقوع في الأخطاء أمر طبيعي جداً في كل ميادين الحياة، ولا مفر منه في وسط فوضى الثورة، بل إنه يبدو حتمياً في مجتمعنا الذي حُرم من كل مقومات الحياة السياسية والمدنية والأمنية على مدى 42 سنة – وهذا ليس أمراً سهلاً – ولكنني حين أقول بأن الوقوع في الخطأ هو أمرٌ طبيعي، فإنني أقول ذلك بناءً على أن إصلاح الخطأ هو الطرف الآخر (الطبيعي) لهذه المعادلة؛ حيث أنه لا يمكننا النظر إلى الأخطاء على أنها نتيجة طبيعية للحياة بدون أن نكون على استعداد لمعالجتها والتعلم منها والعمل على عدم الوقوع فيها في المستقبل.

ولكن حين نُسارع إلى إخفاء الأخطاء تحت إدعاء الحفاظ على الثورة، فإن الخطأ في هذه الحالة يتحول إلى خطيئة – خطيئة تتضاعف كلما رفع أحدٌ ما صوته داعياً إلى غض البصر والتزام الصمت. والعجيب هنا هو الادعاء بأن الهدف من هذه المداراة هو (الحفاظ على الثورة)! فمتى كان الحفاظ على الصحة هو بالتغاضي عن المرض وعدم الحديث عنه أو معالجته؟!!!

 إن غاية الإطاحة بالقذافي لا يعترض عليها اثنان، وواجب الحفاظ على الثورة يقع على عاتقنا جميعاً.. ولكن تحقيق غايتنا لن يتم إلا بالوسائل السليمة والنقية، أما الوسائل المشبوهة – التي تحتاج إلى تبرير – فهي لن تُزيل المجرم القذافي، ولكنها ستُلقي علينا أمثاله بالجملة! والحفاظ على الثورة لا يمكن أن يحدث بتجاهل الأخطاء والهفوات؛ فإذا قمنا بتجاهل إصلاح الحاضر، فلن يكون لدينا مستقبل...

 جميعنا نعلم ما هو الهدف الأول والغاية الأسمى للثورة، وجميعنا موقنون بضرورة الحفاظ على الثورة، ومن أجل ذلك يجب علينا أن نتخلى عن تعصبنا وجهلنا وأن نتعلم أولاً كيف يتم تحقيق الغاية وكيف يتم الحفاظ على الثورة؛ لنُحقق غايتنا معاً بوسائل الثورة النقية الطاهرة وبمبادئها النبيلة، ولنحافظ معاً على الثورة بإصلاح الأخطاء ومعالجة الهفوات...

 ومن يُروج لغض البصر والصمت، ويريد اتهام كل من يدعو للإصلاح بالخيانة، أدعوه هو لغض البصر عن الإصلاح ولالتزام الصمت الآن؛ فالوقت غير مناسب لتجاهل أخطاء الثورة!

هناك تعليق واحد:

  1. أحسنت ،، عين العقل وأفضل نصيحة ..

    نريدها ثورة خالصة تؤسس لراحة البال والقناعة.. نريد أن نشعر أننا بين أيد أمينة ،، فلا نستعجل تحقيق المكاسب الخاصة.

    وفقك الله

    ردحذف