الخميس، 7 يوليو 2011

مصطفى الرعيض :محفزات الثورة ومتطلبات الدولة


 لن تنفع مناورات الطاغية القذافي في بقائه أو تمنع من رحيله عن السلطة مهما التجئ الى أساليب مرواغة والتفاف، فنجاح ثورة 17 فبراير أمر مشاهد للعيان لا يحتاج معه الى  تدليل أو سوق شواهد.

محفزات الثورة وعشق الشعب لنسائم الحرية والانعتاق جعلت  الشعب يقدم الغالي والرخيص، ويصر على رحيل القذافي مهما بلغت التضحيات.

ما يشغل البال والتفكير هو ما بعد رحيل القذافي وطريقة بناء الدولة، ما هي عوامل نجاح الانتقال، وما هي المخاطر التي تهدد ذلك.

ثورات عديدة نجحت في اسقاط طغاة لكنها تعثرت في الانتقال لدولة الاستقرار، والدولة المدنية بسبب تنازع واختلاف من قادوا الثورة

الانتقال للدولة المدنية لا يتحقق بمجرد الأماني والرغبات ما لم يصحب ذلك ممارسة لسلوكيات، وقبول جميع الأطراف بنتائج العملية الديمقراطية دون تعطيل لها أو مماطلة.

يتطلب أن يوطن المواطن نفسه على التعايش مع المخالف له تحت سقف الوطن، وأن لا يتصدر دور القاضي والحكم فيعمل على إقصاء واتهام الآخرين وتشويههم، ويدع ذلك للقضاء والقانون.

من حق الثوار حراسة ثوابت الوطن، والمطالبة بفصل السلطات، والحرص على اجراء استفتاء لوضع الدستور لكنهم لا يملكون الوصاية على العملية السياسية، او التدخل فيها.

 أما السياسين فمن حقنا عليهم أن يحترموا تلك الثوابت، ويكون تميزهم وآدائهم وفق مشاريع وبرامج وليس على أكتاف مخاليفهم الرأي بالطعن والتشكيك فيهم

المخطر من الثوار بعد رحيل القذافي في أن يتحولوا إلى أداة في أيدي السياسين والانتهازيين الذين لا يهمهم مصلحة الوطن والحفاظ عليه بقدر ما يهمهم مصالحهم ومقاعدهم الأمامية، فيتحول الثوار إلى مليشيات وفرق خاصة لدى قائد عسكري، أو عضو مجلس انتقالي، أو قبيلة يأتمرون بامرهم ويدعمون طموحه السياسي لا يرتضوا بالديمقراطية ونتائجها، ولا يعجبهم التنافس السياسي الشريف

 ونحن نشاهد إدارة حلف الناتوا لعملياته الجوية، ودقة حسابته في اختيار أماكن وترك أخرى وفق رؤيته لا رؤيتنا مما يبعث على التساؤل في الغرض من ذلك، وإن كنا متأكدين من رغبة الجميع في انهاء حكم القذافي، وعزله عن  السلطة لكن هل توجد الرغبة في قيام دولة مدنية مستقلة تملك قرارها ومصيرها دون تبعية أو ارتهان وشروط، وهل سبب التأخير هو المراهنة على حدوث اختلاف، وتقسيم للوطن يتيح لهم التدخل ومساندة جهة على حساب أخرى؟

إن هذا التوجس وحده كفيل بتوحد الثوار واتفاقهم على كلمة سواء دون اقصاء لبعضهم حفاظاً على استقرار الدولة والانتقال بها إلى بر الأمان.

فالخوف من أن يؤدي أي تنازع أو اختلاف الى تلاعب سياسي وتدخل غربي، وأجندة غير وطنية يرتمي في أحضانها البعض فيتعطل بناء الدولة وتسير الفوضى هي السائدة.

تنوع الثوار وطموح الساسة لا يمكن حصرها دون تحديد ثوابت تحفظ تماسك ونسيج المجتمع والحفاظ على هويته، ولا نترك ذلك لاجتهاد المجلس ولا لتنوع أمزجة الثوار وتعدد مشاربهم ومليشاتهم

وفي ظل وجود بعض القبائل الكبيرة وطموح بعض أفرادها يزداد الاحساس بضرورة ضبط ذلك قبل احداث الفوضى.

هذا لا يعني منع حرية التعبير أو الدعوة لمؤسسات المجتمع المدني باحزابه، وتنظيماته وتنوعه لكن تحت سقف الوطن وقبول بمبدأ التدوال السلمي، وبثوابت وطنية تعلوا على المصالح والطموح الشخصي أو الحزبي.

التحدث باسم الثورة لا يعني امتلاك حق القرار السياسي دون الآخرين، والمنادة بمبدأ فصل السلطات يبدأ به الثوار بأنفسهم فالمطلوب بعد رحيل الطاغية مزيد من ضبط النفس والتواجد في ساحات الحرية دون الانجرار نحو التحول نحو المليشيات الخاصة، لحين تحقق بناء الدولة المدنية، وعدم تبعية رمز سياسي ضد خصمه، والإحتكام للقضاء ورقع دعاوى ضد المخالفين وإثبات أن الشعب الليبي على مستوى من التحضر والوعي الذي يمكنه من بناء الدولة بعد صناعة الثورة
مصطفى الرعيض

هناك تعليق واحد: