خطاب مصطفى عبد الجليل؛ارتباك أم مشروع؟
خاص للمنارة- هشام الشلوي
اندلعت ثورة السابع عشر من فبراير/ شباط، دون أن يدور في خلد الثوار، أن يكون لهم جسم سياسي يركنون إليه في الداخل، ويعترف به العالم في الخارج؛ هكذا حدث، تقول الأشهر الست الماضية، توافقت ولم تنتخب المدن المحرر منها وغير المحرر، والمعارضة السياسية في الداخل والخارج على شخص المستشار مصطفى عبد الجليل، والذي كان يشغل منصب وزير العدل السابق في نظام العقيد القذافي.
هذا وقد أرجع كثير من متابعي الشأن الليبي هذا التوافق،إلى ما نسب إلى عبد الجليل من طهارة في اليد، وحسن خلق، وتواضع (ناجمة عن صوفيته)، بل وشجاعته في مواجهة العقيد القذافي في مؤتمر الشعب العام وهدى بن عامر أحد أقطاب مكتب الاتصال باللجان الثورية والمكلفة بالرقابة الإدارية، على خلفية ملف سجناء أفرج عنهم القضاء، ورفضت الأجهزة الأمنية الإفراج عنهم، وهو ملف لطالما اكتوى به الليبيون جميعا على مدار عقود من نظام حكم العقيد القذافي.
إلا أن عبد الجليل في الفترة الأخيرة أربك الداخل الليبي والخارج الشريك في العملية السياسية والعسكرية، بجملة من التصريحات جعلته مادة لوسائل الإعلام العربية والغربية، المسموع منها والمكتوب، وجعلت المحللين يذهبون شرقا وغربا في محاولة لاكتناه سر هذه التصريحات،كتصريحه عن إمكانية أن يكون للعقيد القذافي مأوى داخل ليبيا تحت إشراف أممي، شريطة أن يتنحى عن السلطة، وتراجعه عنه محتجا أن ذلك كان قبيل صدور القرار الاتهامي من محكمة الجنايات الدولية، باعتبار العقيد القذافي، ونجله سيف الإسلام، ورئيس جهاز مخابراته عبد الله السنوسي مرتكبي جرائم ضد الإنسانية.
عبد الجليل ألقى خطابا موجها لأكثر من مليون متظاهر بمدينة بنغازي يوم 7 من شهر يوليو/تموز الماضي، ردا على مظاهرة قيل أنها مليونية بطرابلس لأنصار العقيد القذافي، إذ تضاربت الأنباء بشأن ما إذا كانت مفبركة إلكترونيا، أم أن أهالي المزمع الإفراج عنهم ممن اعتقلتهم أجهزة أمن العقيد القذافي أُجبروا على حضورها والهتاف للقذافي، في محاولة منه لتشتيت الداخل الليبي في المدن المحررة، أو خلق متحد حوله في المدن غير المحررة، وإرسال رسالة لشركاء ثوار ليبيا في حلف شمال الأطلسي ومجموعة الاتصال، أن لا ثورة على نظامي، بقدر ما هو انقسام جغرافي بين شرق معارض، وغرب مؤيد، قد يسمح لنا بالتفاوض.
ارتجل عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي كلمته أمام حشد، وُصف بأنه الأكبر منذ اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير /شباط، إذ قدرت بعض الإحصاءات غير الرسمية بأن حاضري المظاهرة تجاوز المليون والنصف مليون متظاهر، وتناول عبد الجليل في كلمته محاور داخلية، وأخرى خارجية، أثارت ردود أفعال متباينة بين أوساط الشارع الليبي، وكذلك المحللين السياسيين.
خطاب عبد الجليل موفقا ومطمئنا.
ففي الوقت الذي رأى بعض متابعي الخطاب أنه كان مطمئنا، إذ أكد عبد الجليل على مسألة التعددية الديمقراطية شريطة أن لا ترتهن هذه التعددية لما وصفه المستشار بالتبعية لأجندة خارجية، وهذا ينبأ عن هوية مصطفى عبد الجليل الوطنية- على حد تعبيرهم-.
كما أعتبر أنصار هذا الرأي أن موقف عبد الجليل من مؤتمر روما الذي كان مزمعا عقده في الفترة من 9/10/11 يوليو/ تموز بحضور شخصيات من رموز النظام السابق ووطنيين من الداخل والخارج، أخرص الأصوات التي كانت تشكك في وطنية منظمي المؤتمر والمدعوين له.
وعن ما طرحه عبد الجليل في نهاية خطابه من ملاحظات متعلقة بالحسد، والكذب، لم يبد هذا الفريق استغرابه، إذ أنه في تقديرهم هي رسائل موجهة للداخل، حيث أنه بحسب وجهة النظر هذه ثمة تسابق على تولي الحقائب الوزارية والمناصب الإدارية العليا سواء بالمجلس الوطني الانتقالي، أوبالمكتب التنفيذي الانتقالي، أو بالأجهزة التابعة لهما، وبدأ نوع من الاستقطاب الأيدلوجي بين كافة التيارات السياسية في الداخل.فكأن عبد الجليل أراد أن يقول، هناك متسع لليبيين جميعا. وأما حديثه عن الكذب، فيؤما عبد الجليل إلى الخصومات المنتشرة بين الناس، وإلى الافتراءات المتبادلة بينهم، ومحاولات من بعض الناس الكيد لكل معارض له في وجهات النظر.
وعلقوا على عدم إشارة عبد الجليل إلى قضية المرتبات التي لم تدفع منذ مايو/ أيار الماضي، بأن المسألة جلية وواضحة لكل الليبيين، الذين يعلمون حقيقة ما وصل وما لم يصل للمجلس الوطني الانتقالي من مساعدات نقدية، والوعود التي وفى بها صندوق الدعم الذي أنشأته مجموعة الاتصال، وذلك كله واضح لهم من خلال التقارير الإخبارية والإعلامية والتصريحات المُدلى بها من مسؤولين كبار بالمجلس الوطني ومكتبه التنفيذي.
في حين وازن آخرون بين جزئيات وعموميات الخطاب، حيث أنهم يرون أن الخطاب كان أطول مما يجب، وأنه تناول عدة قضايا حساسة سواء بالداخل أو الخارج، وأغفل بعض القضايا المهمة كقضية السيولة وقرب شهر رمضان، كما أنهم اعتبروا أن نهايات الخطاب لم تكن مناسبة لمقام الحال والواقع، إلا أن الخطاب وفق وجهة النظر هذه كان موفقا، ومتوازنا، ويحتاج عبد الجليل إلى كثير من الجهد، حتى تخرج خطاباته متوافقة مع تسارع الأحداث الداخلية والخارجية.
وقال آخرون، إن الخطاب كان متسامحا، بعيدا عن لغة التهديد التي عهدناها في خطابات القذافي، كما أن ظهور عبد الجليل على الملأ وأمام الناس، لهو أكبر رد على القذافي، الذي يخاطب أنصاره ومؤيدوه عبر الهاتف، مع شكوك كثيرة حول كون القذافي هو من يتحدث أم لا.
انتقادات مؤسسية مدنية وفردية على خطاب عبد الجليل.
إلا أن بعض المعلقين استغرب لغة الخطاب من عدة زاويا، كونه لم يكن حماسيا بالقدر الكافي، ولم يوضح فيه خارطة طريق التحرير، ولم يبعث الأمل في قلوب الناس،وكانت نصائحه غير مفهومة، أو على الأقل لا محل لها من واقع حال الثورة.
كما أن عبد الجليل جانبه الصواب كونه لم يركز على القضايا الكلية والعمومية، وانزاح إلى تفاصيل، إذ أن أجواء الثورة وما صاحبها من أحداث، تفرض على عبد الجليل أن يعزي أهالي الشهداء ويدعم معنويا ثوار جبهات القتال في الغرب والجنوب الليبي، وأن يدعو الناس إلى التكافل والتضامن.
بالإضافة إلى أن عبد الجليل- وفق وجهة النظر هذه- حاول إصباغ نوع من الرمزية على بعض رموز النظام السابق، ممن كانت لهم ارتباطات أمنية وعسكرية وسياسية بنظام العقيد القذافي، طوال العقود الأربعة الماضية، وساعدت على ترسيخ أركان النظام السابق.
وقال أنصار هذا الرأي، أنهم يرحبون بكل انشقاق في صفوف معسكر القذافي، تشجيعا لآخرين ما زالوا متخندقين معه، وإضعاف هذا النظام، لكن يجب أن لا يتم تقديمهم باعتبارهم رموز، إذ أن رموز هذه الثورة هم الثوار سواء على جبهات القتال، أو الداعمين لهم، ومؤسسات المجتمع المدني، التي تكونت بفعل الثورة والتفت عليها منذ لحظاتها الأولى.
ورأوا، أننا في المرحلة الحالية لسنا بصدد محاسبة أحد على ما اقترفه ضد الشعب الليبي، إذ أن هذه المهمة منوطة بالقضاء الليبي المستقل بعد قيام الدولة بجميع أجهزتها القضائية والتنفيذية، ولكن الدفع بأعوان النظام السابق إلى مصاف الرمزية، سيقسم الشارع الليبي، ويشق الرأي العام المحلي حول المجلس الوطني الانتقالي، الذي هو بالتوافق مؤيد لا بالانتخاب.
لاسيما وأن هذا الخطاب أتى في سياق فوضى في الرأي العام المحلي، وإرباك حول شائعات تتعلق بخارطة الطريق ومؤتمر روما، حيث أن ضعف اتصال المجلس الوطني الانتقالي ومكتبه التنفيذي بالشارع والداخل الليبي من شأنه أن يضعف الجبهة الداخلية، فيجب على المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس، والسيد محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي الانتقالي، أن يتوجها بخطابهما إلى الدخل الليبي قبل الخارج، وأن يلتفوا حول الثوار لتقوية متحد سياسي حولهما
وأشاروا إلى أن ما طرحه عبد الجليل بعدم الارتهان لأجندات خارجية، لا يختلف كثيرا عما طرحته الديكتاتوريات العربية، وكذلك القذافي من إلقاء التهم بهذا الارتهان الخارجي، فالأولى -وفق وجهة النظر هذه- أن تدع الناس تقدم مشاريعها السياسية والحكم عليها سيكون للشارع الذي لا ينقصه وعي بتلك القضايا.
وعابوا عليه ملاحظة اعتبروها شكلية، وهي أن الخطاب لم يكن معدا بشكل مكتوب عن طريق لجنة متخصصة، إذ أن الارتجال يوقع متابعي الخطاب فريسة التأويل والظن، كما سيوقع المستشار عبد الجليل تحت طائلة النسيان، وعدم إشارته لمختنقات تمر بها الثورة الليبية، كالمعارك الطاحنة حول مصراتة بين كتائب نظام العقيد القذافي، والثوار على أطراف المدينة، أو ما حققه ثوار جبل نفوسة من انتصارات على تلك الكتائب.
وضربوا مثلا على ذلك بإغفاله للدور التركي الذي واكب الثورة الليبية وفق تطورات سياسية متوازنة، إذ أنه أثنى على عدة دول أوروبية كإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا وفرنسا، والولايات المتحدة، ولم يتطرق للدور التركي في الوقت الذي كان السيد محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي، وعبد الله شامية مسؤول ملف الاقتصاد، وعلي الترهوني مسؤول ملف المالية مجتمعين بتركيا مع أعلى القيادات السياسية بأنقرة، وحصول المجلس على دعم تركي بقيمة 200 مليون دولار، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الدعم المادي والمعنوي للقضية الليبية.
كما أعلنت حوالي ثلاثة عشرة مؤسسة مدنية ببنغازي استنكارها وتنديدها بما ورد في خطاب عبد الجليل،من قضايا لم يكن محلها، وإغفاله لقضايا أخرى كان يجب طرحها أمام هذا الحشد الكبير، وعدم استغلاله لهذا الجمع الضخم لحشده حول الثورة الليبية بعبارات تشير إلى رفع معنويات الشعب في المدن المحررة وغير المحررة،عبر بيان سلمته للسيد عبد الحفيظ غوقة نائب رئيس المجلس والناطق الرسمي بإسم المجلس الوطني الانتقالي. وعبر غوقة أمام ممثلي تلك المؤسسات عن استغرابه للغة الخطاب .
ومن بعدها سأل الناس، هل نمد يدنا لأناس طالما، أعلنوها في وجوهنا على مدى أربعة عقود ونيف، بل أنتم لا مرحبا بكم، فبئس القرار؟!
نشر في العدد الرابع من المنارة الورقية
15-7-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق